- الصحابة أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه
كم هو جميل أن يعود أحدنا بالذاكرة إلى الحديث عن خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس، عمن ثبتت عدالتهم بثناء الله عز وجل عليهم، وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منه، قال الله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود} (الفتح: 29).
مكانة الصحابة في الإسلام:
الصحابة أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه. كما قاله ابن مسعود رضي الله عنه «فحبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة».
وينبغي أن يعلم ان الصحابة كلهم عدول موثقون وثقهم الله في كتابه وعدلهم رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته فلم يبق فيهم لقائل مقال ولا لمتكلم مجال، فالواجب أن يحفظ لهؤلاء الصحابة قدرهم، فحبهم إيمان وطاعة وإحسان، وبغضهم نفاق وشقاق وعصيان، قال الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} (الفتح: 18).
فضل الصحابة في الإسلام:
- لقد جعل الإسلام ما ينفقه الصحابة من المال في نصرة الدين وأهله يعادل من الأجر والثواب جبل أحد ذهبا، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»، قال الإمام النووي: وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة، وضيق الحال بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وسلم، وحمايته.
- وجاء في فضلهم - رضي الله عنهم - أنهم خير قرون هذه الأمة، كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» رواه البخاري ومسلم.
- وأيضا مما ورد في فضلهم أنهم أمنة للإسلام، ودرع متينة في وجه البدع وحوادث الدين، فعن أبي بردة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» رواه مسلم، وهذا فيه إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة من طمس السنن وظهور البدع وفشو الفجور في أقطار الأرض.
عقوبة سب الصحابة في الإسلام:
لقد حرّم الإسلام سب الصحابة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» رواه البخاري ومسلم واللفظ له. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: «واعلم أن سب الصحابة حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم أو غيره».
أثر حب الصحابة في نفوسنا:
- أول هذه الآثار على نفوسنا أن يقتفى أثرهم، وأن يتأسى بهديهم، وأن ندعو لهم، يقول الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: «ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم، وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان».
- وأيضا ينبغي أن نترحم عليهم، كما ذكر الإمام الحميدي، رحمه الله تعالى، أن من السنة الترحم على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم فإن الله عز وجل قال: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} (الحشر:10).
- وكذلك أن نوقرهم ونعظمهم في نفوسنا من المحبة وعدم البغض، وعدم سبهم وشتمهم، ولا يلمزون بسوء بل يترضى عليهم كما أرشدت الآيات القرآنية إلى ذلك.
اللهم ارض عن صحابة نبيك الكريم، واجزهم عنا أفضل الجزاء وأعظمه، واعمر قلوبنا بمحبتهم يا ذا الجلال والإكرام، ووفقنا لاحترامهم ومعرفة قدرهم يا حي يا قيوم، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.