تضافرت النصوص على تدبر آيات القرآن الكريم، قال ابن قيم الجوزية في «مدارج السالكين» (1/450): فليس شيء انفع للعبد في معاشه ومعاده، واقرب الى نجاته من تدبر القرآن، واطالة التأمل فيه وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها، وعلى طرقاتها واسبابها وغاياتها وثمراتها، ومآل اهلها، وتتلّ في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الاعمال ومصححاتها وتعرفه طريق اهل الجنة واهل النار واعمالهم، واحوالهم وسيماهم، ومراتب اهل السعادة، واهل الشقاوة.
قال الله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ـ النساء: 82).
وقال تعالى (كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر اولو الالباب ص: 29).
قال الشوكاني، رحمه الله، في «فتح القدير» (4/430): وفي الآية دليل على ان الله سبحانه انما انزل القرآن للتدبر والتفكر في معانيه، لا لمجرد التلاوة من دون تدبر، قال ابن قيم الجوزية في «مفتاح دار السعادة» (1/553): فلا شيء انفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين واحوال العاملين ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والانابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الاحوال التي بها حياة القلب وكماله.
وكذلك يزجر عن جميع الصفات والافعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه.
فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وانفع للقلب، وادعى الى حصول الايمان وذوق حلاوة القرآن.
وهذه كانت عادة السلف يردد احدهم الآية الى الصباح، فقراءة القرآن بالتفكر هي اصل صلاح القلب. قلت: والعاقل من يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ، فيعرف كل آية، ويتأمل الاوامر والنواهي، والوعد والوعيد، ويتعرف على صفات الله سبحانه واسمائه، وافعاله، وما يحب وما يبغض، والطرق الموصلة اليه، وكل امر يقطع عليه الطريق الى الله سبحانه، وعواقب الامور، فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر.
واذا مر بآية رحمة استبشر وسأل، او عذاب اشفق وتعوذ، او تنزيه عظم، او دعاء تضرع وطلب.