منتدى التدبر
من روائع التعبير القرآني عن رابطة الأخوة
- الأسلوب القرآني يلامس الحس ويدعو للتفكر والتأمل في أن جعل قتل الرجل لغيره من بني جنسه قتلاً لنفسه وجعل إخراج الرجل من داره إخراجاً لنفسه
مما لا شك فيه أن القرآن الكريم تضمن علوما ومعارف يعجز البشر عن الإتيان بمثلها وتضمن حكما وأحكاما وأسرارا بها يحقق الإنسان سعادته في الدنيا والآخرة ولا سبيل إلى معرفة هذه العلوم إلا بفهم القرآن الكريم وتفسيره وتدبره لأن ملكة الفهم عند كثير من الناس دخلها الفساد فصاروا لا يفهمون القرآن ولا يفقهون فيه.
ومن دون فهم القرآن وتفسيره لا يمكن الوصول إلى كنوزه مهما رددنا تلاوته وأقمنا حروفه، لذلك قال ابن القيم: «ولم يكن للصحابة كتاب يدرسونه وكلام محفوظ يتفقهون فيه إلا القرآن وما سمعوه من نبيهم ولم يكونوا إذا جلسوا يتذاكرون إلا في ذلك» الاشتغال بفهم القرآن وتفسيره والتفقه فيه يرقق إحساس المسلم ويقوي شعوره وينمي فيه حب الآخرين بحيث يتألم لآلامهم ويفرح لفرحهم ويسعد لسعادتهم فيبني في نفوس الناس معالم الوحدة في الشعور والفكر.
ومن الأساليب القرآنية العجيبة في التعبير عن هذا الإحساس التي تدعو للتفكر والتأمل أن جعل قتل الرجل لغيره من بني جنسه قتلا لنفسه وجعل إخراج الرجل من داره إخراجا لنفسه وجعل ظن السوء بالغير ظنا بنفسه وجعل لمز الرجل لغيره لمزا لنفسه وجعل السلام على غيره سلاما على نفسه.
وهذا معلم بارز في أسلوب القرآن العجيب أرساه في نفوس اتباعه وهو من سنن القرآن أن يعبر بالنفس عن الآخرين لأنهم من نفس واحدة وفائدة هذا التعبير التنبيه إلى أن الأمة المتواصلة بالدين يجب أن يكون شعورها بالوحدة قويا وعميقا ومؤثرا.
قال تعالى في سورة النساء: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) أي لا يقتل بعضكم بعضا فجعل قتل الرجل لغيره قتلا لنفسه قال القرطبي: «أجمع أهل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضا، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه»، قال الحافظ ابن كثير: «وهو الأشبه بالصواب» وقال: «إن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة».
ومن أساليب القرآن الكريم في التعبير بالنفس وإرادة الأخ في الدين قوله تعالى (يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) حكى الفخر الرازي مقالة لعبد الله بن المبارك أنه قال: «وهذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه سبحانه قال: (عليكم أنفسكم) يعني عليكم أهل دينكم ولا يضركم من ضل من الكفار بأن يعظ بعضكم بعضا ويرغب بعضكم بعضا في الخيرات وينفره عن القبائح والسيئات» وبهذا التوجيه سقط قول من فهم من هذه الآية (الأنانية) فإن استعمال القرآن للأنفس يريد به معنى أشمل وأعم من النفس التي بين جنبي الإنسان.
ومن تعبيرات القرآن بالنفس وإرادة الغير قوله تعالى: (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) والمعنى فليسلم بعضكم على بعض وهم أهل البيوت التي يدخلونها لأنهم بمنزلة أنفسهم في شدة المودة والمحبة ولأنهم منهم في الدين فكأنهم حين يسلمون عليهم يسلمون على أنفسهم ونحن وإياهم بمنزلة النفس الواحدة، وقد جاء هذا المقصود صريحا في قوله تعالى: (تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) والإنسان حتما لا يخاف نفسه إنما يخاف غيره أي كما يخاف بعضكم بعضا.
ومن التعبيرات قوله تعالى: (ولا تلمزوا أنفسكم) وفي هذا إشارة إلى أن من عاب أخاه المسلم فكأنما عاب نفسه فنزل البعض الملموز منزلة نفس الإنسان لتقرير معنى الإحساس بالأخوة وتقوية الشعور بها ومن استعمالات القرآن للنفس وإرادة الغير قوله تعالى: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) والمقصود بأنفسهم هنا إخوانهم في الدين والعقيدة ووصف الإيمان (هنا) يحملهم على إحسان الظن بالغير ويكفهم عن إساءتهم بأنفسهم «أي بأبناء جنسهم النازلين منزلة أنفسهم» فتشبيه الغير بالنفس لشدة اتصال الغير بالنفس في الأصل والدين وفي هذا التعبير عن إخوانهم وأخواتهم في العقيدة بأنفسهم أسمى ألوان الدعوة إلى غرس روح المحبة والمودة والإخاء والإحساس الصادق حتى لكأن الذي يظن السوء بغيره إنما يظنه بنفسه.
فهذا الأسلوب القرآني وهذا الخطاب الرباني يؤكد معنى وحدة الأمة ويحدث في نفوس أفرادها أثرا وإحساسا يبعثها على الامتثال، فالمسلم الذي يربى على هذه المعاني وهذه الدقائق القرآنية لا شك تؤثر فيه وتغرس في أعماقه هذا الشعور.
ومن تدبر هذا الأسلوب العجيب علم أنه لا قوام لهذه الأمة إلا بمثل هذا الإحساس وشعور كل فرد من أفرادها بأن نفسه التي بين جنبيه هي نفس الآخرين ودمه هو دم الآخرين ولا فرق في المحافظة على الروح التي تجول في بدنه والدم الذي يجري في عروقه وبين الأرواح والأبدان التي يحيا بها إخوانه... وليزن طلاب علم هذا الزمان تعليمهم بهذا الأسلوب العجيب في التربية والتعليم ولينظروا أين مكانهم من فهم القرآن وما حظهم من هدايته؟
القرآن.. بوجوده تبقى الحياة
تنطلق جمعية المنابر القرآنية من شمولية الرسالة القرآنية وكونيتها، لتقدم لروادها مشاريع متميزة ونوعية، ووجهت بوصلتها لتستوعب جميع فئات المجتمع. ومن مشروعاتنا القرآنية الرائدة:
مشروع «عالية القراءات»:
يهدف هذا المشروع إلى تكوين الحفاظ بالطريقة التي سار عليها كبار العلماء الأقدمين، من خلال استضافة المشايخ والعلماء المعتنين بعلوم القرآن والقراءات من العالم الإسلامي، وعقد الدورات العلمية المتخصصة، وحلقات الإسناد والإجازة والإقراء.
ومن ضمن أنشطة هذا المشروع:
1- إقراء العشر النافعية، والروايات المشهورة.
2- دورة علم رسم المصحف وضبطه.
3- دورة علم الوقف والابتداء.
4- عقد مجالس السماع (شرح متن درر اللوامع - كتاب الميسر في علم رسم المصحف وضبطه - شرح متن الوجيز، وغيرها).
مشروع حامل الوحي:
أنتجت جمعية المنابر القرآنية في إطار سعيها الحثيث لإبراز تراث الأمة الإسلامية، وانطلاقا من هدفها الرامي إلى نشر علوم القرآن الكريم الزاخرة، أنتجت اللجنة العلمية في الجمعية مجموعة من الإصدارات والمؤلفات العلمية المتخصصة، ومنها:
1- التيسير للعشر الصغير.
2- الفحص عن أشهر طرق حفص.
3- تفصيل عقد الدرر في طرق نافع العشر.
4- مشترك القرآن.
5- كتيب «تصحيح قراءة أم الكتاب».
6- كتيب «أفلا نتدبر القرآن».
7- منهج غلمان القرآن (المستوى الأول والثاني والثالث).
8- منهج التفسير الخاص بفئة الصم 1-2-3
مشروع «غلمان القرآن» لتعليم اللغة العربية والقرآن:
يقدم المشروع منهجا علميا وتربويا فريدا، هدفه تقوية الجانب القرائي لدى تلاميذ الروضة والابتدائي، بتعليمهم قراءة وكتابة الكلمات القرآنية، مع حفظ جزء «عم»، وتنشئتهم على القيم النبيلة والأخلاق الفضيلة وحب الوطن بمستويات منهجية ثلاثة، وتقام فصول دراسية على مدار السنة، في مراكز تربوية مجهزة بالوسائل التعليمية الحديثة.
مشروع «أم الكتاب» لتصحيح قراءة الفاتحة:
تعرف الجمعية من خلال هذا المشروع بفضل فاتحة الكتاب (سورة الفاتحة) وأهمية تصحيح تلاوتها، باعتبارها ركنا من أركان الصلاة التي لا تصح إلا بها.
واعتناء من الجمعية بهذا الركن، قامت بتكليف معلمين ميدانيين ذوي خبرة، لجميع فئات المجتمع للاستماع وتصحيح تلاوتها، وبيان الأخطاء الشائعة في قراءتها بمختلف الأماكن والجهات، مع إصدار كتيب خاص للتعريف بسورة الفاتحة وفضلها وجامع للأخطاء في قراءتها باللغتين العربية والإنجليزية.
مشروع: «مواهب القلوب»:
اهتمت جمعية المنابر القرآنية بفئة عريضة من مكونات المجتمع وهم «أصحاب الهمم» (ذوو الاحتياجات الخاصة)، وذلك بتقديم برامج وأنشطة تعليمية في مجال القرآن الكريم وعلومه، تتوافق مع قدراتهم وإمكاناتهم، والحرص على ربطهم بكتاب الله تعالى تعليما وفهما وتلاوة.
وكانت البداية مع فئة «الصم» بالتعاون مع الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة، والنادي الكويتي الرياضي للصم، ومن أبرز الأنشطة التي تقيمها الجمعية في هذا الصدد:
1- إقامة المسابقة القرآنية السنوية.
2- فتح حلقات تعليم القرآن الكريم واللغة العربية والتفسير، للرجال والنساء.
3- توفير معلمين ذوي كفاءة وخبرة في مجال تعليم الفئات الخاصة.
ومن المشاريع المستقبلية:
1- إنتاج أفلام تصويرية بلغة الإشارة تعرف الصم بدينهم.
2- إنتاج التطبيقات الذكية لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة.
يعد التدريب والتعليم النوعي من أبرز وسائل التنمية البشرية، وضمن خدماتها المجتمعية، أنشأت جمعية المنابر القرآنية معهد البناء البشري للتدريب الأهلي، ليقدم دورات مجانية لنزلاء دور الرعاية من الشباب والشابات تعينهم على العمل.
وتتضمن هذه الدورات الاهتمام بالجانب التربوي والقيمي، وذلك بهدف تنشئة جيل يتحلى بالسلوك والأدب القرآني.
ويعد هذا المعهد غير ربحي، وهو معتمد من الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، وديوان الخدمة المدنية، ويعتمد في عمله على رعايات مختلفة.
المنتدى العلمي
مباحث في علوم القرآن (6)
- حافظ المسلمون على رسم الكلمات في المصحف كما جاءت في المصاحف العثمانية الأولى مع ما في عدد منها من حذف بعض الحروف أو زيادة بعضها اقتداء بعمل الصحابة رضي الله عنهم
أولا: علم رسم المصحف:
تعني عبارة (رسم المصحف) طريقة رسم الكلمات في المصحف من ناحية عدد حروف الكلمة ونوعها، لا من حيث نوع الخط وجماليته، ويستند رسم الكلمات في المصحف إلى طريقة رسمها في المصاحف التي نسخت في خلافة عثمان، رضي الله عنه، والتي عرفت في المصادر الإسلامية باسم المصاحف العثمانية، نسبة إلى سيدنا عثمان لكونه هو الذي أمر بنسخها وإرسالها إلى البلدان خارج الجزيرة العربية، كما صار رسم الكلمات فيها يعرف بالرسم العثماني.
وقد حافظ المسلمون على رسم الكلمات في المصحف كما جاءت في المصاحف العثمانية الأولى، مع ما في عدد منها من حذف بعض الحروف أو زيادة بعضها، اقتداء بعمل الصحابة، رضي الله عنهم، وكان الإمام مالك (ت 179 هـ) قد سئل: «أرأيت من استكتب مصحفا اليوم، أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء (الإملاء) اليوم؟ فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى» قال أبو عمرو الداني: ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمة، وظل هذا الموقف من الالتزام بالرسم العثماني في كتابة المصاحف إلى زماننا.
وألف عدد من العلماء بعد عصر تدوين العلوم الإسلامية كتبا خاصة لوصف طريقة كتابة الكلمات في المصاحف العثمانية (4)، لعل من أشهرها في زماننا كتاب (المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار) لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني الأندلسي المتوفي سنة 444 هـ. وهو مطبوع عدة طبعات.
ثانيا: علم النقط والشكل:
كانت المصاحف العثمانية مجردة من نقاط الإعجام ومن الحركات وغيرها من علامات الحركات، لخلو الكتابة العربية في تلك الحقبة منها، وبقيت الكتابة العربية تستعمل على ذلك النحو حتى النصف الثاني من القرن الأول الهجري، حين بدأت الدراسات اللغوية في العراق، وكان خلو الكتابة العربية من العلامات من أولى المشكلات التي عالجتها تلك الدراسات. وتجمع المصادر العربية القديمة على أن أبا الأسود الدؤلي (ظالم بن عمرو ت 69 هـ) هو أول من اخترع طريقة لعلامات الحركات تعتمد على النقاط الحمر، وكان ذلك في البصرة، فجعل الفتحة نقطة فوق الحرف، والكسرة نقطة تحت الحرف، والضمة نقطة أمام الحرف، وجعل التنوين نقطتين. وتنسب المصادر العربية إلى نصر بن عاصم الليثي البصري (ت 90 هـ)، وهو تلميذ أبي الأسود الدؤلي، اختراع نقاط الإعجام التي تميز بين الحروف المتشابهة في الرسم، مثل الدال، والذال، والراء، والزاي، ونحوها. وكان ذلك بتوجيه من الحجاج بن يوسف الثقفي في أثناء ولايته على العراق بين سنة (75 - 95 هـ).
ولم تستمر طريقة أبي الأسود الدؤلي في تمثيل الحركات بالنقاط الحمر طويلا، لصعوبتها عند الكتابة، واحتمال التباسها بنقاط الإعجام التي وضعها نصر للتمييز بين الحروف المتشابهة في الرسم، وذلك حين جعل الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري (ت 170 هـ) الحركات حروف صغيرة مكان النقاط الحمر، وكذلك وضع الخليل علامة للهمزة والتشديد والروم والإشمام، واستخدمت العلامات الجديدة تدريجيا، حتى زالت طريقة الدؤلي بعد ذلك.
وصارت المباحث المتعلقة بالعلامات الكتابية علما أطلق عليه اسم (علم النقط والشكل)، وهو يعالج كيفية استخدام العلامات في رسم المصحف خاصة، ومذاهب العلماء في ذلك، وسمي هذا العلم في العصور المتأخرة بعلم الضبط.
وكتبت في هذا العلم كتب كثيرة، أشهرها كتاب «المحكم في علم نقط المصاحف»، لأبي عمرو الداني، مؤلف كتاب «المقنع»، وكتاب «المحكم» (مطبوع).
ثالثا- علم العدد القرآني:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتل ويبين قراءته إذا قرأ القرآن، وكان يقطع قراءته ويقف عند رؤوس الآيات، وكتب الصحابة رضي الله عنهم، القرآن في المصاحف على نحو ما كانوا يسمعون من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبوه مجردا مما سواه، ولم يكتبوا في المصاحف الأولى إلا ألفاظ الوحي، فلم يكن فيها أسماء السور وأرقام الآيات، ولا علامات الأجزاء ونحوها.
وقد اعتنى علماء قراءة القرآن من الصحابة والتابعين بتعيين رءوس الآيات، وإن لم تكن مرسومة في المصحف، فكانوا يعلمون الناس القرآن ويوقفونهم على رءوس الآي، وقد وضعوا أول الأمر ثلاث نقاط عند رأس الآية، ثم تطورت فصارت دائرة، ثم كتب رقم الآية في داخلها في العصور المتأخرة.
وظهر في المراكز العلمية الخمسة: مكة والمدينة والكوفة والبصرة والشام (دمشق) علماء اشتهروا بمعرفة عدد الآيات، واعتنوا بإحصاء عدد كلمات كل سورة وعدد حروفها، كذلك اعتنوا بتجزئة القرآن ثلاثين جزءا أو ستين أو أكثر من ذلك، وضعوا علامات للخموس والعشور والأجزاء، كرهها الفقهاء في أول الأمر، كما كرهوا النقط والشكل في المصاحف، وكانوا يقولون: جردوا القرآن ولا تخلطوا به شيئا، وكرهوا فواتح السور التي يكتب فيها اسم السورة وعدد آياتها ومكية أو مدنية.
ثم خفت الكراهة وأثبت الخطاطون تلك الزيادات في المصحف، وصار استعمال النقط والشكل في المصاحف لازما صيانة له من اللحن والتحريف.
وألف علماء القرآن كتبا كثيرة في علم العدد القرآني، ذكر ابن النديم منها قريبا من عشرين كتابا إلى زمن تأليفه كتاب «الفهرست» سنة 377 هـ، ويكاد كتاب الداني «البيان في عد آي القرآن» يكون أوسع كتاب في هذا الموضوع وأكثر كتبه شهرة، قال في مقدمته: «هذا كتاب عدد آي القرآن وكلمه وحروفه، ومعرفة خموسه وعشوره، ومكيه ومدنيه، وبيان ما اختلف فيه أئمة أهل الحجاز والعراق والشام من العدد، وما اتفقوا عليه منه، وما جاء من السنن والآثار في عدد الآي عن السالفين، وورد من الآثار في العقد بالأصابع عن الماضين، وسائر ما ينتظم بذلك من الأبواب...».
منتدى الإشارات القرآنية
أسميت نفسي عبدالله أليسون! (2 - 2)
في النصف الثاني من شهر ديسمبر من عام 1985 قامت الجمعية الطبية المصرية بمبادرة طيبة، إذ عقدت الجمعية - المؤتمر العالمي الأول عن الإعجاز الطبي في القرآن الكريم- في مقرها بدار الحكمة بمدينة القاهرة.
إن الصورة العلمية المادية الحالية لا ترى في الإنسان سوى أنه كتلة من بضعة كيلوغرامات من الأنسجة يعلوها جهاز كمبيوتر، وأن الكون ليس سوى مجموعة أجرام يفصل بينها فضاء طبيعي.. إن هذه الصورة العلمية تظهر صدوعا في مجالات فيزياء الجزيئيات في الكون البالغ الصغر، وفي الفيزياء النظرية والفلكية في الكون الكبير وحتى في ميادين البحث النفسي.
إن العالم الجيد يتبع الدليل إلى حيث يقوده. إذن إلى أين يقودنا الدليل في مجال فيزياء الجزيئيات؟
تظهر الإلكترونات أحيانا على شكل موجات، وفي أحيان أخرى تظهر في شكل جزيئيات اعتمادا على نوع التجربة وتحليل القائم بها. تختفي الجزيئيات أحيانا من نقطة معينة في الفضاء، ثم تعود لتظهر عند نقطة أخرى دون أن تعبر الفضاء الممتد بين النقطتين!
وفي بعض الأحيان إذا أردنا أن نجعل نظرية علمية متوافقة مع نتائج تجربة معينة، فإنه يتعين علينا العودة بالزمن إلى الوراء.
أما من المنظور المكبر خلال عملية التحليل النفسي، فإن الكائنات البشرية تكون أحيانا على تواصل مع بعضها البعض ومع الكون دون اللجوء إلى الحواس الخمس التي نعرفها وهذا ما يعرف - بالتخاطب عن بعد.
يستطلع البشر المستقبل أحيانا دون القيام بالاستنباطات المنطقية المعتادة. وهذا ما يسمى - الإدراك المعرفي المسبق-.
إن البشر العاديين الذين يتمتعون بصحة عالية يعيشون حالات غير عادية مثيرة للاهتمام من - حالات الوعي - التي يطلعون أثناءها على معلومات عن العالم الخارجي من حولهم لا تكون متاحة لهم بشكل طبيعي في حالتهم العادية.
إن كل هذه الحقائق العلمية الموثقة ترينا كيف أن الأساس المادي للعلم يعاني من عيب جوهري، وأن العالم الطبيعي ليس بالسهولة التي يبدو عليها، وأن الزمان والمكان أكثر تعقيدا مما نظن.
إن هذا كله يزودنا بدلائل على أن هناك الكثير مما لم نكتشفه بعد. إن هذه النتائج التي تزلزل الأساس المادي للأسلوب العلمي، والذي أدى بالدرجة الأولى إلى نشوء المذهب المادي تقودنا إلى ضرورة إنشاء توازن بين المادة والروح في حياة الإنسان.
وعلينا، نحن المسلمين، القيام بمد نور الإسلام إلى العالم لكي يسطع على العالم المادي العلمي بما يؤدي إلى جعل تلك القواعد الصارمة للبحث العلمي نفسها، والتي أدت إلى نشوء المادية، تعيد إدخال إخوتنا العلماء إلى ذلك العالم المتوازن مع بعض الإدراك لحقائق أعمق عن الكون الذي يعيشون فيه وعن فطرتهم الخاصة بهم. والحمد لله.
مركز علمي إسلامي واجب مستحق
أتمنى بشغف لو أمكنني إنشاء مركز علمي في لندن، وهي مدينة مهمة في العالم الغربي، ليكون معهدا علميا إسلاميا مختصا بالبحث في مجالي دراسة الظواهر الروحية والطب التكميلي والتي هي في حاجة ماسة إلى الدعم في الوقت الحالي في دنيا العلم الحديث.
بهذه الكيفية وباستخدام المنهج العلمي الذي يتقبله العقل الغربي يمكن مد نور الإسلام في علاقته الوثيقة بالعلم إلى الغرب.
أعتقد أنه بالنسبة إلى شخص يريد أن يكون عالما ناجحا، فإنني أجد من واجبي أن أبلغ العلماء الآخرين بما اكتشفته. وقد اكتشفت إشارات قوية في القرآن والحديث ذات صلة بالعلم. يتعين علي إبلاغهم بأن يقرأوا هذه الكتب وسيجدون أنها محفزة لخيالهم العلمي وقد يقومون بتجارب علمية من جراء ذلك.
أعتقد أن البحث العلمي هو الذي سيقودنا إلى فهم أدق للإشارات العلمية في القرآن الكريم والحديث النبوي من خلال العلاقة التبادلية بين العلم وما ورد في هذه النصوص.
لقد دهشت حقا بعدما علمت أن هناك إشارات علمية في القرآن والأحاديث. بل تعاظمت دهشتي عندما رأيت إشارات تتعلق بالبحث في العلوم النفسية، كما دهشت كثيرا لأن أستمع إلى علماء وجدوا إشارات قوية في علم الأجنة، والجيولوجيا وعلوم الأرض، وبعض المسائل الطبية، وبعض هذه الاكتشافات لم تتحقق إلا في مطلع القرن العشرين. وبالنظر إلى أن عمر التنزيل القرآني يعود إلى 14 قرنا مضت فإن دهشتي تتعاظم متسائلا عمن يكون مصدر هذا التنزيل!
أعتقد أن إسلامي جاء نتيجة مزيج من اكتشاف حقيقة أن هناك إشارات علمية في القرآن، وقد حدث هذا مؤخرا فقط. وهذا ما جعلني أفكر بعمق في اعتناق الإسلام. أما الأمر الآخر...فقد اكتشفت حديثا أيضا أن معتقداتي الشخصية وسلوكياتي تتوافق مع السلوكيات الإسلامية. فمنذ مولدي لم ألمس لحم الخنزير وفي الواقع أي نوع من اللحم فقد كنت نباتيا طوال الوقت. كما اكتشفت مبكرا في حياتي أن الكحول لا يروق لي ولذا لم يحدث على الإطلاق أن احتسيت الكحول. وهل يمكن أن أضيف هنا أنني لم أدخن على الإطلاق فهي عادة مدمرة كذلك.
ولذا أصابتني دهشة عظيمة عندما علم الشيخ الزنداني عن معتقداتي وممارساتي بعد مناقشة معه، فقال إنني في واقع الأمر كنت مسلما بالسلوك.
ولذا كنت سعيدا بأن أعلن لكل من يسألني عن معتقداتي وممارساتي بأنني متوافق مع الإسلام في ذلك. ولذا أيضا كنت بالغ السعادة بأن أنضم خلال هذا الأسبوع إلى أشقائي وشقيقاتي في الإسلام. وقد غلبني الامتنان لهذا الفيض من مشاعر الصداقة والأخوة من الإخوة والأخوات، التي أمطروني بها، وبهذا سأظل ما حييت شاكرا لفضل الله.
أصابتني الدهشة عندما علمت بالعلاقة بين العلم والإسلام.
إننا، كما تعلمون، لا نعلم سوى النزر اليسير عن الإسلام في بلادنا الغربية. فالقرآن والحديث لا يطلع عليهما أحد هناك.
أعتقد أن العالم الإسلامي لا يشع بنوره كما ينبغي في الغرب، كما تفعل بعض الديانات الأخرى. أريد أن أقول لأخواتي وإخوتي المسلمين يجب أن يعرف المزيد عن الإسلام في العالم الغربي وأن ندرك أن مادية الغرب هي نتيجة للمنهج العلمي. ونحن نستطيع كمسلمين تحطيم هذه المادية بالمنهج العلمي نفسه أيضا. أعتقد أنه يتعين على المسلمين وعلي القيام بهذه المسؤولية لتطوير معارفنا المتعلقة بالكائن البشري في هذا العالم.
وهذا كله في سبيل الله خالقنا جميعا.
المنتدى العلمي
تجربتي مع خطاطي المصحف الشريف (6)
بالقرب من شارع خالد بن الوليد وبالتحديد مقابل جامع زيد بن ثابت، يقع مرسم الخطاط الدمشقي، والشاب الرائع فادي جعفري، ففي تمام الثانية ظهرا كنت على موعد معه، للتعرف عليه، وتحديد موعد لتصوير حلقته ضمن برنامجي الوثائقي (خطاطون في رحاب النور).
وكما هي عادة الخطاطين يعيشون في وسط أقلام البوص وقوارير الأحبار بشتى أحجامها، واللوحات الفنية، والحلل الشريفة المجازة التي تزين جدرانهم. وعلى المكتب يجلس طفل لا يتجاوز العاشرة من عمره يخط واجبه الذي طلب منه، وماهي إلا لحظات حتى دخلت أمه فأخذت ابنها وشكرت الأستاذ فادي ثم انصرفت.
وبحكم فضولي المعرفي سألته عن هذا الطالب فقال: هو من ضمن الطلاب الذي أدرسهم الخط العربي في المكتب ساعة من نهار.
وهل تأخذ مالا على هذا؟ فقال: لا (هيك علمني أستاذي حسن جلبي واشترط علي تعليم الخط للأجيال دون مقابل، وأنا على نهجه ومنواله).
وللأمانة لم أكن متحمسا للتصوير مع هذا الخطاط لكونه لم ينه كتابة مصحفه بعد في ذلك الوقت، ولأن غالب خطاطي المصحف الذين اشترطت أن يكونوا ممن ربت أعمارهم على الخمسين! ولكني زرته من باب تحلة القسم، فراعني ما رأيت من نشاطه وحيويته، وخلقه الجم وأدبه العذب، ومعرفته الواسعة لخطاطي المصحف عبر التاريخ، وامتلاكه لعدد من المصاحف المطبوعة قديما، وكذلك المخطوطة.
وسألته عن سر احتفاظه بهذه المصاحف فأجاب: أنه لابد قبل الشروع في كتابة مصحف جديد أن تتم الإحاطة بأكبر عدد من المصاحف التي كتبت سابقا ودراستها، ومراقبة الخط الذي كتبت به، واكتشاف أسراره ودقائقه، وملاحظة جمالياته وفنياته.
ختم الأستاذ فادي كتابة مصحفه الأول بخط النسخ في التاسع والعشرين من شهر رمضان سنة 1429هـ/2008م، لصالح إحدى دور النشر السورية، برواية حفص عن عاصم، وطبع لطبعات كثيرة بعدة أحجام، كما قام بالتعديل عليه لنسخ جديدة برواية ورش، وقالون، والدوري. وقد دعاني لحضور حفل باكورة أعماله في كتابة المصاحف فاعتذرت لظروف العمل، وقد كتب آخر آية من المصحف (من الجنة والناس) أمام الجمهور في الحفل ليشهدوا معه هذا النعمة التي أنعمها الله عليه.
كانت ولادة الخطاط فادي جعفري في حي حلبوني بدمشق الياسمين بالقرب من محطة الحجاز سنة 1393هـ/1973م، ومنذ الطفولة كانت له بواكير خطية رائعة لاحظها والده فشجعه ودفعه إلى خاله الخطاط محمد سالم نويلاتي ـ تلميذ خطاط الشام بدوي الديراني ـ الذي لم يأل جهدا في توجيهه وإعطائه مبادئ الخط والكتابة.
كما كان الطفل فادي مندهشا من تلك الخطوط الرائعة لبعض الآيات القرآنية التي تزين جدران مساجد دمشق القديمة التي كتبت على أيدي الخطاطين القدامى كيوسف رسا الذي كتب خطوطا جميلة على الجامع الأموي، وسامي أفندي، وبدوي الديراني، وأحمد الباري.
ويتأمل عناوين الكتب المعروضة في مكتبات حلبوني القديمة بجوار بيته وقد خطت بأيدي خطاطين مهرة، فكانت هذه اللوحات الفنية تلهمه وتوحي له بإكمال المسيرة وتوريث الخط العربي.
مما جعله يدخل معهد الفنون التطبيقية بعد المرحلة الثانوية لدراسة الخط العربي وفق الطريقة الأكاديمية الممنهجة، وهناك التقى بخطاط المصحف الأستاذ شكري خارشو مدرس الخط العربي في المعهد، فتعلم على يديه الشيء الكثير، واستفاد من خبرته وعلمه ما أغنى تجربته ودفعه إلى زيادة مستوى التخصص في هذا الفن.
كما سافر إلى اسطنبول ودرس على أستاذه حسن جلبي - تلميذ الخطاط حامد الآمدي - فأجازه في خطي النسخ والثلث سنة 1424هـ/2004م. ومما يشكر للأستاذ فادي مبادرته الجميلة في طلبه كتابة عنوان برنامجنا الوثائقي وكذلك أسماء خطاطي المصحف، وفريق العمل لكي توضع ضمن تتر البرنامج، ليبقى خطه شاهدا وبصمة في طريق الجمال والإبداع.