لقد ظفرت برؤية النبي صلى الله عليه وسلم وتربت في كنفه فكان لها نعم الأب بعد أبيها أبي سلمة.
انها السيدة زينب بنت أم سلمة القرشية المخزومية احدى امهات المؤمنين ولدتها امها بالحبشة حين كانت مهاجرة مع زوجها ابي سلمة، وعادت بها ترضعها، ولما مات ابوها ولحقت امها بأمهات المؤمنين صارت ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وآن لها ان تشب في بيت النبوة، بيت الطهر والإيمان فكانت مدللة وقد كان صلى الله عليه وسلم ينادي عليها برناب وقد اتاح لها وجودها في بيت النبوة ان تتعلم الفقه من مصدره ومنبعه، فأمها أم سلمة ينبع من فيها الحكمة فقد تعلمت على يد خير الأنام صلى الله عليه وسلم، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم ففهمت وفقهت وكان لازما على النبتة ان تكون شبيهة أمها في أقوالها وأفعالها مما جعلها أفقه نساء زمانها، بل وكانت محدثة ايضا، وقد روت عن رسول الله أحاديث وخاصة ما روته في النبي باسمها، كان اسمها برة فسماها النبي زينب قالت:
قال صلى الله عليه وسلم «لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم»، قال ذلك كراهية التزكية والمدح وقد كان صلى الله عليه وسلم ينتخب الأسماء ويغير المزكي منها والمقبوح، وذلك للتقليل من الزهو والتبرؤ من العيب، وكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم في أسماء الأشخاص والأشياء والقبائل.
وروت عن أمها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «انكم تحتكمون الي وانما انا بشر ولعل بعضكم ان يكون ألحن بحجته من بعض وانما انا اقضي بينكم على نحو ما اسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما اقطع له قطعة من النار».
معمرة
وعاشت رضي الله عنها زمنا طويلا، وذكرت كتب التراجم التي ترجمت لها انها شهدت يوم الحرة في أيام يزيد بن معاوية ولقيت هذا اليوم بصبر وعقل وفقه، أما الصبر فحين ألقي جسدا ولديها بين يديها قتيلين استرجعت وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، واما العقل والفقه فقولها: أما احدهما فانه لم يخرج محاربا وكف يده فقتل مظلوما، فرجوت له الجنة، واما الآخر فخرج وقاتل حتى قتل، ففيه حيرني: أهو شهيد أم هو غير شهيد، فالله أعلم بنيته عند القتال وانا لا اعرف ما نوى، فمصيبتي فيه أعظم، انه لصبر وفقه يعجز عنه الفقهاء الصابرون.
ولم تكتف بأخذ الفقه من أمها فقد روت عن أم حبيبة وزينب بنت جحش قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج اربعة اشهر وعشرا، وزادت امها وقد كانت احداكن ترمي بالعبرة على رأس الحول.
وسئلت أم المؤمنين في ذلك فقالت: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ـ بيتا ضيقا ـ ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمر بها سنة ثم تأتي ببعرة شاه أو غيرها فتمسح بها جلدها وتخرج من حدادها فتمس ما تشاء من الطيب.
لقد أعطت السيدة أم سلمة درسا للمتآمرين على الإسلام والقائلين انه لا يمنح المرأة حقها وحريتها، وقد دلت السيدة زينب بهذه القصة على علمها بما كان عليه نساء الجاهلية من الايغال في الحداد، وجاء الإسلام ليحرم ذلك، حتى قيل ان احدى امهات المؤمنين روت ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب به على منبره.
درس في الفقه
وتعطينا السيدة زينب رضي الله عنها درسا آخر في الفقه، حيث مرضت امها بالكعبة وذلك في حديث رواه عنها عروة ان امها ام سلمة قالت: «شكيت» فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: طوفي من وراء الناس وانت راكبة فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الى البيت ويقرأ بـ (والطور وكتاب مسطور) ويعلق أهل الحديث والفقه على ذلك بأن الحديث فيه أدب ابلاغ الشكوى تقول ام سلمة شكيت لم تزد عليها، وفيه خبر قراءة النبي وهو يؤم الناس، وفيه إباحة لذي العلة ان يطوف بالبيت راكبا أو محمولا ولا كفارة عليه.
وقد توفيت السيدة زينب بنت ابي سلمة رضي الله عنها سنة ثلاث وسبعين وقيل ان عبدالله بن عمر رضي الله عنه حضر جنازتها وصلى عليها.