- الاتجاه العقلاني الانفعالي من أنجح البرامج حالياً في معالجة المصابين بالأمراض النفسية
أجرى الحوار: شافعي سلامة
كان حلمها منذ الصغر أن تخوض غمار الحياة العسكرية، رغم أن ذلك لم يكن متاحا في حينه، لكن الإصرار وبذل الجهد مع الرغبة الصادقة تفعل المستحيل. تمكنت النقيب في وزارة الداخلية د.عبير الهران أول ضابط يحصل على الدكتوراه في الوزارة من تحقيق حلمها بعد أن بدأت بالفعل تشق طريقها في المسار الأكاديمي بالدارسات العليا بعد الدراسة في كلية التربية لتصبح «أبلة في الجامعة» كما كانت تقول لوالدها في صغرها مادام حلم العسكرية غير متاح. تغير مسار حياتها عندما بدأت أكاديمية سعد العبدالله للعلوم الأمنية في استقبال الجنس اللطيف ليعملن ويتخصصن في هذا المجال الذي يتسم بالقوة والجدية. التحقت بالأكاديمية وحصلت أيضا على الماجستير والدكتوراه، كما ألفت بالمشاركة مع د. مسفر القحطاني الكتاب الممتع المفيد «الجسد في لغته ومرضه». تحدثنا في هذا اللقاء عن رحلتها ورسالتها وخفايا لغة الجسد وكيف يمكن الاستفادة منها في مختلف المجالات، لاسيما المجال الأمني حيث يقدمان مفتاحا مهما لحل لغز الكثير من القضايا الخفية. كما تربط بين لغة الجسد وعلم الفراسة الذي اشتهر به العرب والمسلمون منذ القدم. المزيد من المعلومات المفيدة الممتعة في السطور التالية.
في البداية هلا حدثتينا عن التحاقك بالعسكرية؟
٭ كان حلمي منذ الصغر أن أكون عسكرية، وعندما كنت أخبر والدي بذلك ويقول لي: «ما يصير» كنت أقول له عندها: «أبي أكون أبلة في الجامعة». وهكذا لما لم يكن تحقيق حلمي «العسكري» متاحا في الماضي فقد توجهت إلى ميدان التدريس وآليت على نفسي إكمال المشوار الأكاديمي بالحصول على الماجستير والدكتوراه. وفي غمار التحضير لمناقشة الماجستير في البحرين ببعثة حكومية، علمت بأمر الدفعة الأولى من العسكريات في أكاديمية سعد العبدالله للعلوم الأمنية، وهنا كانت نقطة تحول في حياتي.
وأين محل كتابك عن لغة الجسد من إعراب هذه المسيرة؟
٭ بداية أود القول إنه لازمني دوما طموح كبير في خدمة بلدي في أي مجال وبأي طريقة. ولا بد هنا من توجيه التحية إلى القيادة السياسية صاحب السمو الأمير وسمو ولي العهد وسمو رئيس الوزراء وكذلك إلى وزير الداخلية الذين نقتبس من نور توجيهاتهم ويعينوننا على تنفيذ كل ما من شأنه خدمة وطننا وشعبنا الكريم. لقد وجه عملي كمدرسة للغة العربية اهتمامي إلى الصحة النفسية وعلم النفس اللغوي فأحببت هذا المجال بشدة وبعد التخرج في الأكاديمية برتبة ملازم ومناقشة الماجستير، والتي ناقشتها في ظروف صعبة جدا وتفوقت فيها، حيث حصلت عليها بامتياز مع مرتبة الشرف، سجلت لمناقشة الدكتوراه في جامعة عين شمس المصرية العريقة حيث راودتني فكرة دراسة لغة الجسد انطلاقا من اهتمامي بموضوع قراءة تعابير الوجه والإشارات الخفية. وهكذا جاءت فكرة الكتاب من دراستي للدكتوراه.
ماذا عن التطبيق العملي لفكرة الكتاب؟
٭ كانت رسالتي للدكتوراه عن لغة الجسد وكان عنوانها «فاعلية برنامج تدريبي بلغة الجسد لتحسين التواصل الاجتماعي والكفاءة المهنية لرجل الشرطة»، وتم تطبيق هذه الرسالة في أكاديمية سعد العبدالله على طلبة السنة الأولى، والحمد لله نجحت نجاحا كبيرا في تثقيفهم في فهم وعلم لغة الجسد وتطوير تواصلهم الاجتماعي مع الآخرين، حيث كانت نظريتي أن فهم لغة الجسد سيطور من كفاءة رجل الأمن وتحسن من أدائه المهني، وبصفة خاصة رجل الشرطة حيث إن الإلمام بلغة الجسد يمكنه ان يعطي إشارات خفية فاللسان يكذب لكن الجسد لا يكذب، ومن ثم يمكن الاستفادة في التحقيقات من أجل التوصل إلى أي معلومات مخفية. وفي التطبيق العملي يمكن الاستفادة من لغة الجسد في كسب الآخر وإقناعه من خلال التحكم في حركات الجسد وإعطاء اشارات معينة، فرجل الشرطة مهنته من أحوج المهن لمعرفة حقيقة الشخص الذي يتعامل معه وهل هو صادق أو كاذب أو يراوغ أو يخفي شيئا ما،
هل ارتكب جريمة أم لا؟ ومن ثم تحديد طريقة التعامل معه. إذن يمكن القول إنك متخصصة في قراءة لغة الجسد؟
٭ نعم، وهنا لا بد من توضيح سبب أهمية هذه اللغة حيث تفيدنا بطريقتين الأولى: معرفة كيفية كسب الآخر وإقناعه من خلال التحكم في حركات الجسد، فيمكن إعطاء إشارات معينة تلاقي قبولا لديه سواء كان هذا الاخر مديرا في العمل او حتى شخص مقدم على ارتكاب جريمة، وبالتالي إقناعه بما أريد إيصاله إليه أو بما أود ان يفعله. وهكذا تكون الطريقة الأولى الوصول إلى ما نريد ان نحققه من خلال ضبط لغة جسدنا وبالتالي نكسب الآخرين. أما الطريقة الثانية فهي الاستفادة من لغة الجسد في كشف حقيقة الآخرين من خلال مراقبة لغة جسدهم.
ماذا عن تعاونك مع د. مسفر في إعداد الكتاب؟
٭ غالبا ما يتبادل طلاب وطالبات الدراسات العليا أبحاثهم العلمية كنوع من الإهداء حتى تعم الفائدة، وتظل كذكرى للمرحلة.فبعد اطلاع كل منا على بحث الآخر، دار نقاش منه نبعت فكرة إعداد كتاب مشترك تتسق موضوعاته في مسار واحد مشترك دون أن يكون هناك نشاز، وضمان ذلك وجود متغير «الجسد» كمتغير أساسي في كلا البحثين. ويحدونا الأمل في أن يكون في عملنا هذا ما يسهم في إثراء المكتبة العربية بموضوعات وقضايا ما زالت في حاجة إلى مزيد من البحث والدراسة فتكون بين دفتي كتاب وفي متناول كل باحث وطالب علم.تحدث الفصل السادس من الكتاب عن العلاج المعرفي العقلاني، فما المقصود وهل يقدم حلا علاجيا في هذا الميدان؟
٭ كان محور رسالة الدكتوراه لي ود. مسفر عن العلاج النفسي باستخدام البرنامج العلاجي المعرفي العقلاني، وهو من انجح البرامج في العصر الحالي في التعامل مع المصابين بالأمراض النفسية أو من يتخذون الإرهاب أو العنف منهجا نتيجة مشكلة نفسية. حيث العلاج الأنجع في الوقت الحالي لهذه المشكلات هو العلاج المعرفي السلوكي الانفعالي، والذي يأخذ تقنيات علاجية من كل مدارس علم النفس، ومنها المدارس السلوكية والمعرفية والتحليل النفسي، فتم دمج هذه التقنيات وأنتجنا برنامجا علاجيا ونجحنا كلانا في رسالتنا العلمية.
أي أنه برنامج ممنهج به خطط علاجية؟
٭ نعم، يشتمل على خطط ومنهج وفنيات وأساليب علاجية يمكن تطبيقها عمليا. كما يمكن استخدام هذه التقنيات في التعامل مع المتهمين جنائيا، حيث يمكن رجال الأمن من كشف نقاط ارتباط الشخص الخاضع للتحقيق عن طريق لغة الجسد، كما يستخدم ايضا في العلاج النفسي.
ولكن كيف يتم كشف الحقيقة باستخدام لغة الجسد؟
٭ عمليا ينقسم العقل البشري إلى جزأين أحدهما مسؤول عن كشف الحقيقة، على سبيل المثال عند النظر بشكل معين لجهة معينة فإن ذلك ينبئ عن الصورة الذهنية، فإذا كانت النظرة إلى أعلى تكون صورة ذهنية حقيقية وإذا كانت للوسط صورة سمعية حقيقية، أما اذا كانت للأسفل فهي صورة لمشاعر حقيقية، هذا بالطبع في جانب الحقيقة. أما اذا نظر إلى اتجاه معين آخر ينبئ عن صور ذهنية أو سمعية أو مشاعر غير حقيقية أو خيالية. ولكن هذا بطبيعة الحال يتطلب خبيرا وليس بسيطا بما يكفي للشخص العادي غير المدرب أن يدرك أبعاده.
هل هناك استثناءات في تطبيق هذا المنهج؟
٭ بالطبع، ومن الغريب والطريف أن هناك فئتين من الناس يمكنهما تزييف لغة الجسد وهما الجواسيس والممثلون. فهم كما يقول المثل: «كذب الكذبة وصدقها» فعندما تكذب الكذبة مرارا وتكرارا صباح ومساء وتعيش ادق تفاصيلها وتتخيلها كأنها واقع ملموس عشته وتعيد الفكرة مرارا تنتقل الفكرة من جزء الخيال في المخ إلى جزء الحقيقة، وهذا هو التقمص التام للدور. ورغم أن الأجهزة قد تفشل في كشف هؤلاء، فإن الخبير يمكنه كشف هذه النماذج بمزيد من التدريب والفراسة. وللعلم فإن الفراسة علم شاع عند العرب والمسلمين منذ القدم، ولعل من أبرز النماذج لشخصيات تميزت بالفراسة في التاريخ الإسلامي سيدنا علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وهو ما كان يمكنه من حل الكثير من المعضلات وفهم المواقف التي يصعب تفسيرها على غيره. وبصفة عامة يمكن تزييف لغة تعبيرات الوجه، لكن لغة الجسد يصعب إخفاؤها أو تزييفها.
كلمة أخيرة؟
٭ أتمنى أن يكون هذا العلم الذي تعلمته ووضعت جزءا منه في كتاب «لغة الجسد» نافعا للعاملين في وزارة الداخلية وفي المجال الأمني عموما في وطني الكويت والوطن العربي، وأن ينتشر هذا العلم ليستفيد منه الجميع. كما أتوجه بالشكر لمعالي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ محمد الخالد على دعمه الدائم وتشجيعه للعاملين بالوزارة لتطوير أنفسهم والعمل جاهدين لتذليل صعوبات العمل الأمني وتطويرها.
القحطاني: تحدينا أنفسنا في «لغة الجسد» وحرصنا على الأسلوب الأدبي الشيق
قال د.مسفر القطحاني الذي شارك النقيب د.عبير الهران في تأليف كتاب «الجسد في لغته ومرضه» إن فكرة الكتاب جاءتهما بعد أن لاحظ كلاهما أنه كانت هناك نقطة تلاق بين بحثيهما لنيل درجتي الدكتوراه وهي «الجسد» كمتغير اساسي ومحوري لكلا البحثين.
واضاف أنه بعد نيلهما درجة الدكتوراه بعام تقريبا اقترح عليها إعداد كتاب مشترك تتناول هي الجسد من زاويتها (لغة الجسد)، بينما يتناول هو الجسد من زاوية أخرى وهي اعتلال هذا الجسد (مرضه) بحكم عمله في المجال العيادي (الاكلينيكي)، مستفيدين من خلفيتهما النظرية البحثية في وضع الخطوط العريضة.
وفيما يتعلق بإعداد الكتاب وتوزيع الفصول، قال إن د.عبير رأت البدء بلغة الجسد في الفصلين الأول والثاني على أن يقوم هو بالكتابة عن مرض الجسد في الفصلين الثالث والرابع، ثم شرع في كتابة المقدمة وعرضها على د.عبير التي قامت بدورها بمراجعتها وتعديل بعض العبارات، حيث لمس حرصها الشديد على أن تكون المقدمة موطئة وممهدة للقارئ. وهكذا عمدا إلى تبادل فصول الكتاب بحيث يتولى كل منهما مراجعة ما يكتبه الاخر من حيث المادة العلمية وسلامة النحو وخلوها من الأخطاء الإملائية أن وجدت.
وردا على سؤال عن الصعوبات التي واجهتهما في إعداد الكتاب، قال د.مسفر: الحقيقة لم تكن هناك صعوبة، بل ما يمكن أن يكون فيه صعوبة ويستحق الذكر هو إعادة صياغة الكتاب بأسلوب أدبي شيق يجذب القارئ. ذلك أن تخصصنا الأساسي هو صحة نفسية وإرشاد نفسي ولكن أصررنا على صياغة الكتاب بأنفسنا وعدم اللجوء الى من يتولى تلك المهمة في تحد مع أنفسنا وكنا نرجع لكتب مماثلة لنرى كيف تم تحويل العبارة أو المعلومة العلمية الجافة وعرضها باسلوب أدبي. والحمد لله ظهر الكتاب على نحو نرى أننا قد حققنا من خلاله درجة من الرضا وحافزا على إعداد المزيد.
«الجسد في لغته ومرضه».. جمع بين النظرية والتطبيق
كتاب شائق المادة العلمية، اشترك في إعداده النقيب د.عبير الهران ود.مسفر القحطاني يتناول، موضوعا مهما تحتاج إليه المكتبة العربية
المتخصصة. يتألف الكتاب الذي يأتي في 338 صفحة من القطع المتوسط من 6 فصول، تتناول الثلاثة الأولى مسائل نظرية تتعلق بمفهوم لغة الجسد ووظيفتها ومجالات دراستها، وكذلك دورها في التواصل الاجتماعي، حيث يتعرف القارئ على تعريف لغة الجسد والعوامل المؤثرة فيها، ولغة العيون والإشارة والإيماءات والتعبير بالوجه. أما الفصول من الرابع إلى السادس فتتطرق إلى جانب عملي خاص بالأمراض النفسجسمية (السيكوسوماتية) وأحداث الحياة الضاغطة وكيفية مواجهتها حتى نصل إلى منهج العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي الذي جمع تقنيات علاجية للمشاكل والأمراض النفسية والسلوكية من عدة مدارس لعلم النفس.