في بداية النهضة الحديثة للكويت وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأ مجموعة من العرب الهجرة الى الكويت لتوافر الأعمال الإدارية والمهنية.. فحضر المدرسون والمهندسون والعمال والأطباء، فمنهم من حضر بعقود حكومية أو أهلية أو من حضر بنفسه ليجرب الحياة الجديدة بالنسبة له، كانت الكويت تستقبل الإخوة العرب من المصريين والفلسطينيين وأبناء الخليج العربي للعمل فيها جنبا إلى جنب مع إخوانهم الكويتيين. ضيفنا الحاج سعدي أبوضهير وصل الكويت عام 1948 وبدأ حياته العملية عند السيد محمد عبدالرحمن البحر.. في التجارة. وانطلق بعمله بين التجار في السوق الكويتي ومن أول خطوة، عمل على استخدام الفاتورة في التسلم والتسليم حيث كان الكويتيون يستخدمون الدفاتر ومن دون توقيع فانتشرت الفاتورة بين التجار. وكانت لأول مرة تستخدم. كذلك أثناء عمله سافر الى المانيا وتعاقد مع إحدى الشركات الصناعية واحضر أجهزة ميكانيكية (كاتربلر) عام 1949،كما سافر الى الصين عام 1959 وهو ثاني كويتي يسافر الى هذا البلد والقصص كثيرة عن الصين ومدنها. تزوج من زوجته فضيلة وأمضى شهر العسل في المانيا وبيروت، وكانت زوجته تعمل مدرسة في المدرسة الشرقية، وعن الحياة الأسرية يقول سعدي أبوضهير: اذا رجعت الى البيت من العمل فارم كل متاعب العمل وتفرغ لبيتك فقط، كما يقول أيضا: لم أسأل زوجتي عن راتبها طوال حياتي فهو لها وتتصرف فيه كيفما تشاء.. أشرفت على تعليم بناتي وتربيتهن التربية السليمة، فجميعهن تخرجن بشهادات جامعية كبرى. نتعرف من خلال هذا اللقاء على الكثير من المعلومات والأحداث التي يرويها لنا سعدي أبوضهير، فإلى التفاصيل:
في بداية حديثه يتكلم الحاج سعدي عبدالعزيز حسن ابوضهير sadi abou dheir عن فترة الطفولة والصبا فيقول: ولدت بفلسطين بمدينة نابلس بتاريخ 5/6/1925، وقد توفي والدي وكان عمري خمس سنوات وتوفيت والدتي بعده بسنتين وبعد وفاة الوالد حضر عمي واخذنا مع اخواني الى مدينة «يافا» الساحلية بفلسطين، ولما انتقلنا الى يافا كنت ازور والدتي كل عطلة مدرسية، طفولتي كانت بيافا عند عمي واذكر ان جدي كان متزوجا من نفس عائلة والدتي، وعمي كفلنا وهيأ لنا الحياة السعيدة في بيته طوال حياته رحمه الله، وخوالي من نابلس من عائلة «استيتيه» وكانوا يزوروننا في يافا.
ومما اذكر من ابناء يافا وخاصة في المدارس كان الاستاذ خيري ابوالجبين وهاني القدومي الذي رافقني منذ الابتدائي حتى الثانوي.
واذكر الاستاذ حسن الدباغ وكان مدرسا في مدرسة العامرية وكان سفيرا للكويت وممثلا لها في الدول الاخرى ومما اذكر من الالعاب كرة القدم والهوكي وكنت منتميا لنادي الشبيبة الاسلامية في يافا ولعبت الهوكي بمدرسة العامرية، وكنت اشارك في المباريات المدرسية وكان الشباب همهم «اعرف وطنك» ولذلك كنت اشارك الشباب في رحلاتهم وزرنا طبرية بواسطة السيارات وكنا نحن الشباب نتفق مع بعضنا البعض ومنهم خيري ابوالجبين، وآخرون وكنت اشارك اثناء العطل المدرسية، ومما اذكر ان مدينة يافا تقع على البحر الابيض المتوسط ويحدها من اليمين تل أبيب ولا يوجد بينهما قواطع او حواجز وفيها مجموعة كبيرة من العرب الفلسطينيين سكانها الاصليين كذلك زرت حيفا وصفد، وقديما كنا نعيش مع اليهود ولكن الاغلبية من السكان هم من الفلسطينيين.
ثورة عام 1936
ثم يحدثنا ضيفنا عن حدث تاريخي الا وهو ثورة عام 1936 حيث يقول: عام 1936 قامت ثورة كبيرة في فلسطين مما دفع البريطانيين الى ارسال ستة وثلاثين الف جندي الى فلسطين وبنفس الوقت كانت بريطانيا تحكم الهند بستين الف جندي بمعنى ان العدد الذي ارسل الى فلسطين كان كبيرا وانتشر الجيش في يافا، وكانوا يخافون على اليهود والجيش كان منتشرا في الضواحي الفلسطينية وكانت هذه اول مرة ارى فيها الجيش الانجليزي، اعطوا لليهود وعدا وعرف بوعد بلفور مقابل اختراع قنبلة لكن لا يوجد عربي كتب عن قضية فلسطين بالصحيح.
كانت يافا مدينة اشتهرت بتصدير البرتقال لجميع انحاء العالم لدرجة ان التجار كانوا يصدرون البرتقال لالمانيا ويقابلها سيارة مرسيدس مقابل صناديق البرتقال!
إذاعة الشرق الأدنى
كما يتطرق سعدي ابوضهير بتجربته في العمل الاذاعي قائلا: اشتغلت باذاعة الشرق الادنى كمعد ومنتج للبرامج وكنت دائما مشاركا في البرامج واستمررت بالعمل، وذات يوم حضر عندي خالد وابراهيم عيد وكنت مدير مكتب، وايضا كان يبحث عني مدير بلدية يافا وكنت موجودا عند خوالي في نابلس وصلني الخبر فرجعت والتقيت مع د.يوسف هيكل وعبدالحميد ياسين كاتب المدينة وهو الرجل الثاني بعد رئيس البلدية وكان معه رجل من اقرباء يوسف هيكل.
ومما اذكر ان الامير عبدالله امر بأن نعيش في معسكر الضباط وذلك عام 1948 ونحن افراد ولم اكن ارغب بأن اترك يافا الا انه في 4/1/1948 دار حديث سياسي في سينما الحمراء للدكتور يوسف هيكل مدير بلدية يافا وطلب من الاهالي عدم مغادرة مدينة يافا والمضي في البقاء فيها.
الجيش الانجليزي الذي كان موجودا انسحب وتراجع بعد سنة خرج من فلسطين ونحن كنا في منطقة العبدلي في الأردن.
كذلك فقد أراد د.يوسف ان يعينني لإدارة المكتب بعدما عرف من أنا وما هو هدفي بالحياة ولم يقبل بالمكتب إلا أنا لأن الموظفين الآخرين لم يقبلوا، وصار من يريد الحضور الى الكويت يحضر عندي ومنهم عبداللطيف الصالح ومحمود نجم من يافا، وكنت أتصرف لأن عندي تعليمات من د.يوسف وأعطاني رسالة ولا أقدر ان أمضيها ومن غير الرسالة لا يستطيع العبور إلا بالتوقيع ود.يوسف معروف وهو رئيس المكتب، عشت بالمعسكر مع د.يوسف هيكل وعادل جبر وعبدالحميد ياسين كاتب المدنية، نحن من «يافا» ود.يوسف كان كثير السفر لأسباب سياسية ومضى على وجودي في المعسكر 6 شهور واشوف الناس تسافر الى الكويت وبعد ذلك عندما حضر خالد وابراهيم عيد اعطيتهما رسالة وكنت ادرس تجارة في وزارة التربية.
الحضور إلى الكويت
وعن قصة قدومه الى الكويت يقول ابوضهير: حضر نصف اليوسف أبوعثمان وكان في المعارف ومعه محمد البحر وكان في الصحة، وطلبا متخصصا في التجارة لمحمد البحر فوجدا 3 طلبات من متخصصين بالتجارة من خريجي ثانوية العامرية قسم التجارة، فتم اختياري من بينهم فقلت ما هو السبب لاختياري فقال ان مدير الاذاعة وهو نيوزيلندي الجنسية بذلك الوقت وكنت اشتغل فيها مقدم برامج ومحررا قد كتب نصا: ان هذا الشخص كان يعطينا من وقته وزيادة أثناء عمله في الاذاعة ولم يتغيب عن العمل خلال 5 سنوات ولا دقيقة واحدة، هذا الكلام لفت نظرهم وحصلت على موافقة للسفر الى الكويت وحصلت على وثيقة وقعتها بنفسي وتحركت من «يافا» الى عمّان بسيارة مع يوسف ابوالجبين وكان حضوره الى الكويت ليعمل مديرا فنيا لكراج عبدالله الملا، ثم بعد ذلك من عمّان الى بغداد وكان ضوء القمر والغزلان في البر والسائق أردني ولاحظت عليه النعاس ويوسف كان نائما بالخلف فأيقظته من النوم وباشر قيادة السيارة بدلا من السائق.
وصلنا بغداد وقلت ليوسف أبوالجبين اعرف عراقيين تعرفت عليهم في رام الله لأن الاذاعة في فترة انتقلت من يافا الى رام الله فتعرفت عليهم عام 1948.. وصلنا بغداد وذهبت الى شارع الرشيد والتقيت عبدالمحسن صالح وآخر اشوريا يعمل مع والده في مصنع سجاير وآخر تاجرا. واثناء السير في الشارع قرأت لافتة مكتوبا عليها محل عبدالمحسن صالح وكان جالسا داخل المحل وطوله 12 مترا وكان ينظر الي وقال الأخ سعدي فقلت له «بلى» وضمني وسلمت عليه واتصلت بأصدقائه ومكثت 3 أيام وبعد ذلك ركبت القطار من بغداد الى البصرة في غرفة معدة للنوم في القطار sleeping اربعة أسرة وكان معنا رجل يهودي ونحن في محطة بغداد وسمعت صوت خيري أبوالجبين ومعه اخته واخوه الصغير قال لي يوسف هذا خيري ابن عمي طليت من الشباك وما كان عنده حجز. فقلت له احجز وتعال معنا بنفس الغرفة وكل واحد منا يأخذ نصف مقعد.
ضرب المدن الفلسطينية بالقنابل
في تلك الفترة كان اليهود يضربون المدن الفلسطينية بقنابل فتشرد الناس وكل واحد في طريقه، وصلنا البصرة وكان فيها مدرس كان يعلمنا في العامرية وهو الشيخ الشرقاوي مع أولاده فقلت لابد ان نزوره في بيته، أمضينا يومين فيها وكان د.يرسف مرتديا بدلة عسكرية وكل من يشاهده يعطي له التحية.
بعد ذلك انتقلنا من البصرة الى الكويت بالطائرة وكانت تحمل 7 ركاب وقد هبطت الطائرة بعد الظهر في مطار النزهة حاليا وشاهدت نصف اليوسف ومحمد البحر وكان المطار عبارة عن خيمة للجوازات ومدرج للطائرات ولا توجد إنارة، ومعنا في الطائرة خيري أبوالجبين واخته وأخوه وهاني القدومي ويوسف وأنا نزلنا مع بعض من الطائرة خيري كمدرس وهاني للجوازات.
السكن والمعيشة
يضيف ابوضهير: في البداية سكنت في ديوان محمد البحر حتى تم تجهيز سكن وارتحت نفسيا وكنت طبيعيا ورحبوا بنا كثيرا وسكنت مع يوسف في بيت للبحر وخصصنا طباخا للاكل وكان عبدالعزيز العويش يذهب الى البصرة ويحضر زبيلا فيه خضار لمحمد البحر فقال له احضر معك زبيلا صغيرا فيه خضار كل خميس لسعدي، والطباخ بدأ يستمر في الطبخ «وترعب» نخرج الماء من الجليب ونسبح ونشرب ماء البرمة ونضع فيها الفحم حتى يصفو الماء ولاول مرة اجرب الجو الحار عن جو فلسطين ولا كهرباء فعشت مع اهل البلاد.
واذكر هنا اذكر ان خوالي ما كانوا راضيين ان اسافر واترك البلاد لان عمي كان يرغب في ان يزوجني ابنته وخوالي كذلك كانوا يرغبون في زواجي من احدى بناتهم فكان النزاع بين العائلتين على سفري ولكن صممت وخاصة عندما سكنت في عمان وشاهدت الحياة، ايضا ظروف وفاة الوالد والوالدة من اسباب الهجرة والقدوم الى الكويت، كونت نفسي بنفسي كنت عصاميا اكثر من العصامية، وكنت دوما متوكلا على الله.
العمل مع محمد البحر
بسبب كل هذه الظروف والتحديات حضرت الى الكويت وكان الاتفاق مع الحاج محمد عبدالرحمن البحر خمس سنوات ووقعت العقد وحضرت الى هذا البلد الطيب واهله الطيبين الذين اكرموني واحترموني كثيرا واول مكتب باشرت العمل فيه كان بالسوق وموجود من التجار احمد سعود الخالد وعبداللطيف ثنيان وآخرين من التجار.
في البداية شاهدت وعرفت ان التجار يسجلون في الدفاتر البيع والشراء ومن دون توقيع فأوجدت لهم نظام الفواتير وكانت هذه اول مرة تستخدم الفاتورة بالسوق بين التجار وخاصة عندما استعملتها في معاملات محمد البحر وعليها التوقيع لاثبات حقوق الطرفين، وهذا اول مرة يحصل في السوق عند التجار وكان بالسابق يعتمدون على الدفتر سندات صرف وسندات مخازن وسندات تسلم، فواتير، وهكذا كنت انا اول من ادخل الفاتورة والسندات والتوقيع عليها، ومرة قال محمد البحر لا استطيع ان اطلب التوقيع فقلت له انا المسؤول واترك الامر لي واستمررت في العمل على طريقة وكيفية استخدام الفاتورة والمستندات واستخدمها التجار، والفواتير وكنت احضر وأدقق على الدفاتر والفواتير وسندات قبض، وتعلمت هذا من الدراسة والتعليم وكان عمامي تجارا وخوالي، فلذلك عندي الخبرة بالعمل التجاري مع الدراسة والتعليم، كما اعتمدنا على الكشف والملف، وكان المكتب مقابل البنك ويقابلنا عبدالمطلب الرفاعي.
وكالات جديدة
بعد ذلك يتطرق ابوضهير للتوسع في النشاط التجاري والحصول على وكالات لشركات اجنبية حيث يقول: في مارس عام 1949 حصلنا على وكالة يوني لفريرذرز وكانت وكالة شاملة وفيها الصابون والمعلبات ولاول مرة تدخل الى الكويت وجميع المنتجات واشتغل بالشركة شاب لبناني وتدرب على العمل عندنا والشركات تدرب الموظف وكنت اساعد على التدريب، وكنت انزل الى السوق واتعرف على محلات البقالة والدكاكين وايضا موظفون لبنانيون وينزلون الى السوق وارشدهم على المحلات، المواد الغذائية المعلبة اول من ادخلها الى سوق الكويت الحاج محمد عبدالرحمن البحر.
وبعد ذلك بعض التجار ومنهم عبداللطيف ثنيان وجاسم الوزان ادخلوا ماركات جديدة من المعلبات وانتشرت في سوق الكويت.
اخو ميشيل امنوني بدأ يستورد الطماط ويبيع بأسعار عالية لاحد التجار وقلت لمحمد البحر ان هذا الرجل يأخذ فرق السعر لنفسه وبلغتهم، وانا دائما اقول ان كلمة «تاجر» اربع احرف معناها: التاء (تقي)، الألف (أمين)، الجيم (جريء)، الراء (رؤوف).
قصة كاتربلر
وعن أحوال العمل في فترة النهضة والتعمير يقول ابوضهير: استمررت في العمل مع محمد عبدالرحمن البحر منذ عام 1948 الى عام 1953 أيام الشركات الخمس البريطانية بدأت العمل لتعمير الكويت وحضر رجل بريطاني من بغداد وبدأ بتدريبي ومعه كتالوج عن «كاتربلر» آلات الحفريات وبدأت أقرأ فيه وعرفت، أيضا حضر رجل كبير كان يعمل عند أولاكتاني في بيروت من اميركا وهو مراقب على الأسواق كلها وقلت له أروح معك واذا ما عرفت بالاشارة انت تكمل، أخذنا 3 اسكفلينر تنقل الرمل، وطلبنا محول كهرباء كبيرا لقصر الشعب، وحضر عندنا رجل سعودي واشترينا له hd4، طلبنا طلبات كبيرة بحدود 100 ألف دولار بذلك الوقت مطلع وبداية الخمسينيات، بدأت نهضة شركة البحر، وسافرت مرة ثانية مع حضور رجل من بيروت وقال لمحمد البحر نريد ان نرسل سعدي الى أميركا لمدة 6 شهور لكي يتعلم على الماكينات، فقال له ومن يدير الشركة وهو مديرها؟!
بالنسبة لي كانت فرصة ان أسافر وأمنيتي في الحياة ان أتعلم ولكن لم أفاتح محمد البحر لأن بيننا عقدا.
مكتب تجاري في الكويت
بعد انتهاء عقده مع محمد البحر تحول سعدي أبوضهير الى العمل الحر وعن ذلك يقول:
بعدما انتهى العقد مع محمد البحر ومضت 5 سنوات فتحت محلا تجاريا لاستيراد أدوات كهربائية راديوات سيارات وراديوات بلومنت الماني وكنت أسافر مرتين في السنة والمحل بنفس عمارة المرسيدس القديم في عمارة النقي وحصلت على وكالة بآخر عام 1953.
ومضت سنوات في العمل التجاري بالاستيراد والتوزيع على المحلات التجارية وقبل الاستقلال عام 1961 حضر عندي نصف اليوسف أبوعثمان وقال يا سيد سعدي ان صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد (صاحب السمو الأمير حاليا) يطلب حضورك وروح الى الخارجية، ويومئذ كان سموه وزيرا للخارجية بعد الاستقلال وكان لي صديقان هما محمد سعيد وعلي خليل خبراء لتنظيم الخارجية الكويتية كل ليلة يمرون علي بالمكتب واشتروا مني راديوات وكنت أراعيهم وعلي خليل كان سفيرا وألفوا كتابا عن الخارجية الكويتية وأعطوني نسخة من ذلك الكتاب... قلت لنصف اليوسف اعطني مهلة 15 يوما وكان العرض ان أكون سفيرا للكويت.
لكن حسن الدباغ وعادل الجراح وطلعت الغصين قبلوا الانضمام الى الخارجية الكويتية فقلت ما عندي أولاد ولكن بناتي أين أتركهن والعمل الديبلوماسي كل 4 سنوات في دولة هذا كان عام 1964.. بناتي تخرجن في أحسن الجامعات واستمررت في العمل منذ عام 1953 وأباشر التجارة والاستيراد والبيع لوكالات السيارات وخاصة الراديو... البيع من دون كفالة والأسعار رخيصة والنسبة الربحية قليلة لأني اتبعت مبدأ الربح القليل والبيع الكثير وارتبطت بأشياء كثيرة وكان أهم شيء عندي تعليم بناتي، كذلك فقد استفدت من الخبراء القانونيين الذين حضروا الى الكويت.
وهكذا لم أقبل العمل الديبلوماسي لسببين: أولا عندي 4 بنات واهتممت بتعليمهن، ثانيا: كنت اعمل بالتجارة وعندي محلان وعرفت بالسوق، وحرصت على الحفاظ على هذا النجاح، وهكذا استمرت حياتي في الكويت.
العمل مع الصين
بعد ذلك تطورت تجارة سعدي ابوضهير ونمت حتى بدأ الاستيراد من المارد الآسيوي الصين، فكان من أوائل الكويتيين الذين تعاملوا وسافروا الى هذا البلد، وعن ذلك يقول: بدأت العمل والاستيراد من الصين منذ عام 1959 وكنت ثاني كويتي يسافر ويستورد منها، وكنا نتعجب من البشر وأعدادهم الكبيرة، أيضا كنت اعمل مع اليابانيين، وتعاملت في الصين مع مدينة تيانجن وتبعد عن العاصمة 150 كيلومترا، من الطريق بالسيارة تستغرق أضعاف المسافة حاليا عملوا خط سكة حديد للقطار 28 دقيقة من بكين الى منتصف تيانجن، توفير وقت وتوفير مصاريف وحاليا يعملون خطا سريعا من شنغهاي الى بكين آلاف الكيلومترات، ويتوقف القطار في تانجنك عاصمة الصين الشعبية حتى عام 1949 عندما حكم ماو تسي تونج.
أول سفرة بالطائرات وعندهم كثير من المدن الصناعية – سافرت 56 سفرة منذ عام 1959، واحصل على فيزا لمدة سنة.
الجواز الكويتي يسمح له، حصلت على وكالة تجارية والأدوات الصحية، تعاملت مع أحسن مصنع للأدوات الصحية في الصين وخاصة في مدينة جنجن وفيها أمهر عمالة حتى استوردت سجادا للبيت، وفرشت بيت عبدالكريم الشوا مثل فرش بيتنا من الصين، سافرت مرتين بالقطار داخل الصين، الأولى عام 1985 والثانية 1989، بالقطار من كنتون بجانب هونج كونج وكل مقاطعة أمضي فيها 4 أيام وعندي وفود تستقبلني من الشركات واروح للمصانع.
السفرة الثانية من كنتون الى جاه جاه عاصمة هوناه عام 1989 ومعي مرافق وداخل القطار لم ننم، قلت له من سفرتي الأولى عرفت لماذا البرابه توصل مكسورة لأن الشوارع غير مبلطة، فقال هنا ان الشعب يأكل ويلبس قبل تصليح الشوارع حاليا عندهم الهاي واي والقطارات، حاليا السفر من بيجين الى تيانجن أقرب مدينتين لبعضهما البعض، اذا السفر بالهاي واي الزمن 3 ساعات وكل مسافة تدفع ضريبة، وبالطائرة قبل الإقلاع بساعتين والتاكسي يأخذ 200 من العملة الصينية وكل نصف ساعة يوجد قطار بين البلدين.
أقول اني سافرت 56 مرة وآخر سفرة شهر مايو الذي فات عام 2010 وان شاء الله على أيام الربيع القادم وعندي صديق سكن الكويت 4 سنوات وكان يزورني، ومما اذكر ان أيام الاحتلال الصدامي كنت في المانيا وكان عندهم مكتب في فرانكفورت ويتصل بالليل من هناك ويتحدث معي ويقول يا سيد سعدي اطلب كما تريد من مال نرسل لك، وصديق آخر قال يا سعدي لماذا لا تطلب البنك الألماني، اعطاني رسالة في طلب أي مبلغ.
الحياة الاجتماعية
أما الجانب الاجتماعي في حياة سعدي ابوضهير، فيتحدث عنه قائلا: حياتي في الكويت والحمد لله وقد تزوجت في الكويت، واذكر اننا استوردنا ساعات كوكو وكنت اعمل عند محمد البحر وعلمت السيدة ربيحة المقدادي زوجة درويش المقدادي فحضرت عندي وسألتني انت متزوج، فقلت لا وبعد فترة دعتني عندهم في البيت وكانت موجودة عندها اختار وتقدمت للزواج بها وكان ذلك عام 1951 واذكر بذلك الوقت وصلني طلب من د.يوسف هيكل للذهاب الى الأردن للعمل في السفارة، المهم كان الناس يسألوني ولا أخبرهم وقد دفعت لها ليرات ذهبا والمتأخر ألف دينار أردني وكتبت العقد في سورية حيث سكن والدتها والتجهيز علي وليلة الزفاف سافرت الى لبنان وسكنت في فندق بمدينة صوفر وبعد ذلك ذهبت الى أوروبا، وليالي بيروت ومصايفها حلوة وجميلة وكانت زوجتي يومئذ تعمل مدرسة في مدرسة الشرقية للبنات وربيحة المقدادي كانت تعمل ناظرة المدرسة، وزوجتي اسمها فضيلة عارف طاهر الدجاني وهي من العائلات الكبيرة المعروفة، واذكر ان عائلتها سألوا عني عبدالمحسن القطان وأخيه محمد علي وكان يعمل عند الغانم فأثنى علي. المهم قضيت شهر العسل أولا في أحد فنادق بيروت ثم في هامبورغ في المانيا والتقطت صورا للمباني المهدمة أثناء الحرب، وبعد ذلك رجعت الى الكويت وسكنت في شقة بناها محمد البحر فوق مكتبه.
زوجتي مدرسة وكنت اعمل بالتجارة دوامين ونحن من أوائل من استخدم الخدم في بيته وكانت والدة زوجتي موجودة أحيانا عندنا وبعض الأيام عند ربيحة.. واستمرت بالتدريس، ثم تركت العمل بعد ذلك وبناتي أربع ولدن في الكويت في المستشفى الأميري، وزوجتي كانت لا تحب الأسماك، ولأنني من يافا على ساحل البحر أحب السمك، وكانت لا ترغب ولا تحب مشاهدة الربيان، واحضرت خادمة أهلها من غور الأردن.
طوال حياتي الزوجية لم أسأل زوجتي عن راتبها وكم تقبض وتصرف، فهذه حياتها الخاصة، وهي لا تتدخل في حياتي، نحن زوجان متفاهمان جدا وحياتنا كانت سعيدة واذكر بعدما انتهيت من العمل مع محمد البحر كان الناس يسألونها عن عملي، فلا تتحدث في الأمر، الرجل يحضر الى البيت للراحة، انت خرجت من العمل اترك مشاكل العمل، ارتاح في بيتك واترك العمل خلفك، الزوجة تطبخ وتجهز وتربي الأولاد، وفي هذا الشأن اذكر انني التقيت مع رجل سويسري في الصين ويدير مكتب محاماة يعمل معه 12 محاميا وكانوا يتناقشون في موضوع وسألت من أين قال من داون وقلت له أنا أسافر الى سويسرا ودعوتهم على العشاء ونحن في الصين وردوا الدعوة وعزموني ونحن في هونغ كونغ، أثناء سفري التقيت معهم وقلت للرجل وزوجته: زوجتك طبيبة أسنان وأنت محام عندما تدخل الى البيت تتحدث مع زوجتك عن القضايا، وقلت للزوجة انت لما تدخلي الى البيت تحدثين زوجك عن طب الأسنان والزبائن والمرضى قالت: لا، فالإنسان عندما يدخل الى البيت يرتاح من عناء الوظيفة.
وهكذا اعتدت عند التعامل مع زوجتي على ألا آخذ منها ولا تسألني عن عملي.
واستمررت بالحياة على هذا النحو حتى وفاتها رحمها الله، وأما أنسبائي وعدلائي فهم المرحوم درويش المقدادي متزوج ربيحة الدجاني ومحمد مراد متزوج زليخة وبنت خالة زوجتي والثالث أبوالسعود، والرابع أبوالوفا الدجاني، وزوجتي اسمها فضيلة الدجاني.
محل في الدهله
عودة الى الحديث عن نشاطه التجاري يقول ابوظهير: فتحت محلا في منطقة الدهله خلف سوق واجف ويوجد فندق الخليج بالدهله واستأجرت المحل بالبناية، والمفتشون دائما يحضرون عندي واقول لهم روحوا لعبدالعزيز الصقر وكنت أقوله ابوحمد ارسل لك المفتشين فقال في أي وقت ارسله وكلما ذهبت الى الديوانية يناديني للجلوس بجانبه وفي عام 1951 ذهبت الى البصرة وارسل معي مكتوبا لأخيه جاسم المتواجد هناك وكان رئيس مجلس التمور وجاسم الصقر محامي قدير وشخصيته مرموقة وطيب وخجول، وذات مرة كنت بحاجة لقرض وفتحت حسابا في البنك الوطني وذهبت للمرحوم عبدالعزيز الصقر فقال احضر ورقة كتبت 80 ألف روبية، لكن عبدالعزيز الصقر قال لي بالحرف الواحد قلت لك احضر ورقة ولا تكتب المبلغ، مزق الورقة واحضرت ورقة ثانية ووقعها على بياض وقال اكتب الذي تريده، فكتبت 80 ألفا، لأنني كنت مطلوبا بالأردن، اكتشفت ان عبدالعزيز الصقر كان فني ميكانيك يفك الماكينة ويركبها مرة ثانية، واذكر ان خالد الحمد في احدى المقابلات قال كنت اشتغل عند الصقر وفي عدن وكلاء، وعندي علاقة طيبة جدا مع المرحوم يوسف الفليج من الرجال الطيبين الخلوقين وله تاريخ جدا جدا طيب ويُذكر في التاريخ انه إنسان ذو أخلاق عالية وأمين وحريص جدا لمعاملته مع الآخرين وهو مثل عبدالعزيز الصقر وكنت أذهب عنده في ديوانيته في كيفان.
مدرسة الجيل الجديد
يتحدث سعدي ابوضهير عن نشاط زوجته واختها التربوي فيقول: فتحت السيدة ربيحة المقدادي مدرسة خاصة أوائل الستينيات بمنطقة الشرق بالقرب من السينما وهي من أوائل من فتح مدارس خاصة، وزوجتي فضيلة تركت التدريس في الحكومة والتحقت بالعمل مع اختها ربيحة وصارت مديرة للمدرسة، وكانت يوميا تخرج منذ الصباح ومعها البنات الى المدرسة تشرف على الباصات والطالبات والمدرسات وطوال حياتها كانت تعمل بهمة ونشاط وترجع الى البيت مع نهاية الدوام المدرسي ومعها البنات حيث كن يدرسن بالمدرسة نفسها.
رحم الله زوجتي فضيلة وأسكنها فسيح جناته.
قصة من يافا
عن نشاطه في فلسطين يقول ابوضهير: د.يوسف هيكل كان رئيس بلدية يافا، وكان عندي راتب من الاذاعة واحب ان اعمل معهم في البلدية وكنت قدمت استقالتي، وحزب العلمي الحزب اليميني ومبدؤه خذ وطالب وما كنت معهم في الحزب لأني صغير وبعدما شاهدت المفتي الحاج محمد أمين الحسيني وقد رفض الطاولة المستديرة، وكان الاجتماع ثلثين عرب وثلث يهود وكانت طاولة ذهبية بالنسبة للعرب وبعد سنوات انضممت للحزب. وكان د.يوسف هيكل من ضمن الحزب وله فروع مثلا في العراق يمثله توفيق السويدي، وفي سورية شكري القوتلي، وعندهم مبادئ ومتفاهمين فيما بينهم وعندما أردت السفر الى الكويت لم اشترك في الأحزاب، فقد كنت استمع ولا أشارك. كل شيء مرفوض بدلا من خذ وطالب وهو الصحيح ومن شروط الحزب عدم الاغتيال، هذا عند حزب العلمي، الحزب الآخر اغتال أحد الشخصيات وفي الشهر الرابع عام 1948 عندما اشتدت الحركة في يافا وقنابل المورتر اشتدت على المدينة وكان القصد طرد أهالي يافا، انضممت لحزب العلمي وكنت في العام الدراسي الأخير ولي حق النقاش داخل الحزب ويتكون من ناس بعد دراستهم وكنت من المشجعين.
بيارات العائلة
عن مزارع العائلة في فلسطين يقول ابوضهير: عندما كنت في فلسطين وأثناء الدراسة كنت أساعد أفراد العائلة واذهب في العطل الصيفية الى البيارات ومنها بيارة البرتقال الكبيرة، ومساحتها 100 دونم (الدونم الواحد 1000 متر مربع) وعليها 10 دونمات محصولها للعائلة وأما محصول البرتقال من 100 دونم للتجارة وكانت لعمي فكنت اذهب معهم، واذكر ان عمي احتفظ بأموال أبي، وعندما خرجت من فلسطين الى عمّان عمي قال «يا سعدي نسيت اعطيك فلوس أبوك» فقلت له «يسلم راسك يا عمي» ولم نستطع العودة الى فلسطين، وكنت عند عمي أحسن من أولاده وكنت عصاميا ومتفوقا في الدراسة وعمي رجل غني ويعمل في البيارات وقال أي مبلغ تريد أعطيك؟ كان شعوري عندما عرض علي الزواج أنني اعتبرت ان بنات عمي هن أخواتي، لأنني عشت عندهم في البيت ولذلك كنت عزيزا عند أعمامي وأخوالي واحد من خوالي عنده 13 من الأولاد، وأمين عام العاصمة من أولاد خوالي.
حساب السرايا ماجا بحساب القضايا
وعن دوره بعد مجيئه للكويت يقول ابوضهير: تركت الحزب وحضرت الى الكويت، وبعد ذلك تبعثــر الحزب، فالدكتور يوسف هيكل بعث لي رسالـــة عام 1951 وكنت اشتغل فـــي الكويـــت، يقول فيها انه حصل على عمل لي بالسفــــارة الأردنيـــة سكرتيـــر أول وذلك من الملك عبدالله، وقـــال انه اتصـــل بالسفـــارة الأميركية في البصرة وجميع الأوراق عندهم حتى اترك الكويت واسافر ويومئذ كنت خاطبا ورفضت السفر، وأكملت 5 سنوات عند الحاج محمد عبدالرحمن البحر، ثم فتحت مكتبا خاصا بي.
وعندما كنت اشتغل عند محمد البحر كان عضوا في مجلس الصحة وكان تأتيهم طلبات فكان يسألني عن اسم الشخص المتقدم للعمل على سبيل المثال، بشارة ابوسليم فقلت لهم من يافا واعرفه جيدا أيضا عندما أرادوا تعيين د.بري في الأميري ترجمت لهم الأوراق للتعيين وبعد ذلك سئلت عن د.عادل نسيبة هل تعرفه، فقلت نعم كان طبيبا في مستشفى البلدية في يافا، مع العلم اني اشتغلت أيضا في الاذاعة 5 سنوات.