-
تعرضت لمعاكسة من سبعة شباب فطاح فيهم أخي «بوكسيات وطراقات» وفي المخفر شكره الضابط
-
ألّفت أكثر من كتاب بدأت طباعتها منذ بداية الثمانينيات
-
كان والدي عبقرياً في حساب الأرقام بسرعة وكنا نتضاحك كأطفال ونقول له «يبا.. مخك مكينة؟!»
-
أبي أول من استورد مكائن جلب المياه وأنابيب نقلها تحت الأرض في الكويت
-
اختلف والدي مع تجار المواد الصحية لأنه كان يبيع بربح نسبته 2.5% وهم يحصلون على أرباح 300%
-
كان والدي وطنياً يتحدث بحماس عن القضية وذهب في شبابه متطوعاً لمحاربة اليهود هناك وساعد العديد من الفلسطينيين
-
الغزو الصدامي للكويت كان لحظة صادمة لكل من عاش على أرضها الطيبة وترك ظلاله السيئة على الجميع
-
أول عيد وطني له علامة في حياتي عندما جاء أخوتي يحملون مجلة كويتية وصورتي تتصدر غلافها وانا ارتدي زي المرشدات
إعداد: منصور الهاجري
تكمل الكاتبة منى الذكير قصة وجود والدها في مملكة البحرين الشقيقة بعد أن دخل مجال التجارة مع بني عمومته هناك، حيث تقول: دخل والدي الى مدرسة في البحرين وتعلم اللغتين العربية والإنجليزية والحساب والدين وقد تأسس في ذلك تماما بحيث أفادته تلك الدراسة فيما بعد بعمله في التجارة وكان عبقريا في الحساب بحق فأي رقم يعرض عليه يديره في عقله بضع دقائق أو ثوان ويعطيك الجواب الصحيح بسرعة فائقة، وكنا نتضاحك ونحن أطفال من تلك الخاصية لدى والدنا، وكنا نقول له: يبا.. بابا مخك مكينة.
لم يقم والدي في البحرين طويلا فقد ضاق صدره من تعنت بعض عمومته هناك وعدم إتاحة الفرصة له ليستقل بعمل تجاري خاص به بحجة أنه لم يزل طفلا، فاغتنم اول فرصة لرحيل بعض أقاربه الى البصرة والزبير لزيارة بني عمومتهم هناك، وهم أيضا يعملون في مجال التصدير والاستيراد، وكان خياله مشبعا بصورة جميلة عن البصرة ونهرها الكبير ونخيلها الريانة وبساتينها الغناء فذكرته بمعشوقته عنيزة المدينة التي أصبحت قطعة من قلبه في البعد وقد علم في قرارة نفسه أن العودة للعيش فيها أصبحت حلما لن يتحقق تلك المدينة الصغيرة المنزوية بين كثبان الرمال، المتجلعة بسقف النخيل، والمحاطة بجداول الحياة الرقراقة تغذي الحدائق والبساتين الصغيرة، التي يزرع بها البطيخ والرمان والعنب، عندما ذهبنا مع والدنا ونحن صغار لم يتجاوز أحدنا الثالثة عشرة، قطعنا صحراء مكفهرة بسيارتنا السوداء يقودها أحد أبناء القرى في صحراء نجد، كان يرغب في زيارة أهله ووجدها فرصة عندما عرض عليه والدي قيادة سيارتنا الفورد فقريته تقع ما بين عنيزة وحدود المملكة المحاذية للكويت. كانت الأتربة تنهال علينا من نوافذ السيارة الى ان وصلنا إلى قريته الصغيرة التي تتكون من عدة بيوت طينية، ونساؤها يتميزين بجمال فطري عجيب حتى انني حضضت والدي على التزوج من إحدى بنات القرية قائلة له: أبي لديهم ابنة تشابه الممثلة سعاد حسني، تزوجها يا أبي.. وكان في نيته أن يختار فتاة من بنات عمومته أو أخواله وجميعهم هناك في عنيزه لذلك رفض فكرتي وهو يبتسم بخجل..
خرجنا من القرية تقطع السيارة الفيافي والسهول وبدأت أراضي الجزيرة الخصبة تتراءى لنا ـ بتنا ليلة أخرى في وسط الصحراء وكانت ليلة لا تنسى بالفعل وقد انطرحت في فراشي فوق الرمال اتطلع الى صفحة السماء السوداء الداكنة تتناثر فوقها آلاف النجيمات البراقة حتى بدت السماء كصفحة من فضة وغفت عيناي وبريقا رائعا يتغلغل الى أعماقي لتسطر ذكراها الى الأبد وحتى يومنا لا استطيع أن أنسى حلاوة تلك الليلة المسحورة. ومنذ ساعات الفجر الأولى وبعد أن صلى الرجلان السائق ووالدي وأخي الصغير تناولنا أكلا قد اختلط بالرمال وواصلنا المسير صوب عنيزة التي أصر والدي ان يسير بنا إليها لنتعرف على أهلنا هناك. ونرى بيت العائلة بيت جدي والد أبي حيث مسقط رأس والدي. بعد مسير يومين بلياليهما وصلنا عنيزة ودخلنا حواريها المتربة ورأينا بيوتا مترامية وحدائق ذات جداران عالية تطل من خلفها شجيرات ذات خضرة قانية، واستقبلنا الاهل والاقرباء بترحاب حار وكنت المدللة في كل بيت استضيف به والدي وأخي في ديوان البيت مع الرجال وأنا مع النساء في بيت الحريم. وكان الشاي هو الحاضر الدائم في كل أوقات النهار وحتى الليل.
الأسرة والعائلة
وعن أهل الوالد في عنيزة تقول منى الذكير: بيت اخوال والدي وخالاته السبع تجمعن في بيت الأسرة الكبيرة صاحبة الأمر والنهي تجلس في الحوش وهواء العصر المنعش يدغدغ الوجوه وولدها الكبير ذو لحية طويلة ودشداشة بيضاء ناصعة يهابه الأطفال ويوقره الكبار كان يقف فوق رأس والدته يمسح على شعرها ويبسمل ويحوقل بآيات القرآن، فهذه الخالة كبيرة الأسرة وفي كل عام في ذات الشهر واليوم تسودها كآبة تجعلها تكره الحياة بمن فيها حتى اولادها وبيتها، وبذلك يعم جوا من الرهبة والترقب كل أفراد الأسرة، ويطبق الصمت على الأطفال فلا يلعبون ولا يتحركون ينزوون خلف أمهاتهم خوفا ان تصرخ فيهم الجدة، خلال اقامتي في بيتهم المترامي الأطراف والذي يقيم به جميع الاولاد مع زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم، فيه حوش الطبخ وحوش الغنم والديوان واستقبال النساء، وغرف الضيوف وغرف الخالات والخادمات والسائقين وكدت ان اتوه بين جنباته كانت اياما سعيدة وقد تبنتني خالة والدي الخرساء النحيلة نشيطة الحركة وذكية وكانت تحكي لي كل ما يخص جدتي المزيونة، وقطرات الدمع تسيل على خديها، كانت تحبها ومعجبة بجمالها واخبرتني بأن عيناي تشبهان عينيها لذلك فهمت معنى ما كان يقوله والدي لي دوما: «يا عيون أميمتي».
سباق الرقّي
خرجنا في باص كبير الى البر في «كشتة» كان عدد الاطفال ضخما ووصلنا الى بستان الأسرة ومساحة كبيرة منه زرعت بـ «الرقي» وتبارى الجمع في اقتطاف تلك الكريات الخضراء الصغيرة، لم يحن وقت قطافها لذلك فمعظمها لم يكتمل نضجها وبدأنا في سباق لفلج الرقي وكنا قد ملأنا «وانيت» كبيرا منه ربما مئات وكانت الضحكات تتصاعد والصراخ يرتفع في سماء الصحراء وكثبان الرمال الملونة منه الاصفر الذهبي ومنه الأحمر وتلال بيضاء تحيط بنا من كل صوب، لم تحصل على رقية حمراء لذلك لم يفز أحد، وايضا لم يزعل اي واحد مننا ولم يفز وكانت رحلة لا تنسى، في جزء من صحراء نجد الغرائبية. عدنا من زيارة عنيزة ولم يتزوج والدي من هناك وكان من حظ زوجته الزبيرية التي تنتظره في بيت أهلها وكانت هذه عقدة الأمر بينهما.
نعود الى رحلة والدي وكيفية وصوله الى الكويت بعد سنوات ترك البحرين وصاحب قافلة بحرية وجاء الى الكويت وكان أول شيء فعله عمامه «الذكران» ان أدخلوه الى المدرسة ولا أتذكر أي مدرسة كانت هل هي الأحمدية أم المباركية وقد رافقه الشيخ عبدالله الجابر، رحمه الله، وكان يتميز منذ طفولته بعقاله الذهبي الضخم وكان بهي الصورة أبيض الوجه كما يصفه والدي وترافقا سنوات عدة في ذات المدرسة، ثم جاء وقت الرحيل وقد شارف بداية الشباب، وسار بعض أهله نحو البصرة عاصمة النجديين. أتذكر أثناء عملي في الصحافة نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين كنت أذهب الى المنتديات الثقافية وعروض الأزياء التراثية وكانت تقام بكثرة في ذلك الوقت بداية النهضة الثقافية والعلمية في الكويت وكانت وزارة الإعلام سباقة الى إقامة المنتديات واستضافة أشهر المفكرين والمثقفين حتى انني قابلت معظم الأدباء والشعراء العرب هنا داخل الكويت ولم الجأ للسفر للبحث عنهم وعمل لقاءات معهم فهم يأتون الينا معجبين بنهضتنا الحضارية وتمدننا، وقد صادف ان التقيت بالشيخ عبدالله الجابر، رحمه الله، وجلس يحدثنا انا ومعي كوكبة من الحسناوات والصحافيين وكان، رحمه الله، يحب الجمال في كل شيء ويعشق الثقافة ويمتاز بلسان طلق وجرأة في الحديث والنقد ولديه أسلوب جذاب في الحديث يجعل السامع يستمع صامتا كالمسحور، فحدثني عن عمنا أكبر آل الذكير وهو الحجي سليمان الصالح الذكير حينما كان يأتي زائرا شيوخ الأسرة الكريمة، وكيف كانوا يستقبلونه بكل ترحاب وإجلال فقد كان رجلا مهيبا ودودا وأيضا واسع الثراء لديه تجارة عظيمة وكانوا يعتبرونه ملك البصرة، كما ان فيصل ملكا في بغداد، يقول الشيخ عبدالله الجابر كنا نحن الأطفال نقف مبهورين نتطلع بشغف الى العم سليمان الذكير وكنا نناديه هكذا «العم» فلم يكن التكبر والغرور قد دخل حياتنا وكان يمسح على رؤوسنا ويقبل وجناتنا فنكاد نطير فرحا.
نعود الى والدي الذي اجتذبته سمعة أبناء العم وثرائهم في البصرة فقرر الرحيل وبالفعل وصل البصرة واستقبله النجديون بكل الترحاب وائتمنه «العم سليمان الصالح» على كل أموال الأسرة وجعله «مطلعجي» أي هو من يسمح لبضائعهم وغلاتهم بأن تخرج من موانئ البصرة الى أنحاء العالم وبالأخص الى بريطانيا العظمى في ذلك الوقت يحمل كل تلك البضائع على متن البواخر العملاقة لتبحر الى وجهتها.
كان له أصدقاء إنجليز من ربابنة البواخر يجلس معهم بالساعات يتسامرون ويتبادلون الأحاديث المتنوعة عن نجد والعرب والسياسة وغيرها.
كان والدي يحترمهم فهم صادقون في تعاملاتهم يحترمون الوقت ويقدسون المواعيد ولا يخلون بها. وكان يعتز بصداقاته مع الهنود ممن كانوا يشكلون مناصب كبيرة في الشركات الانجليزية ويشرفون على تعبئة الغلات من القمح والشعير والحنطة وتحميلها على متن البواخر، وكان القمح هو مطلب الانجليز الأهم. اما الرز العراقي وبالأخص ما كان يسمى العنبر بفضل رائحته العطرية النفاذة فكان مأكل الملوك والعظماء والوجهاء في بلادنا وبلاد الانجليز فهو غريب ونادر. اما اليهود فلهم قصة في العراق وبفضل حرصهم المادي وشطارتهم بالمحاسبة فهم من أنشأ البنوك والصيرفة في كل العالم، كانوا يعيشون في العراق وبالأخص في مدينة البصرة الجنوبية لما تمتاز به من جو عذب طوال العام، وبفضل بساتين النخيل التي كانوا يعملون في جني تمورها، وهم دوما ملاك لذلك النخل ويعمل لديهم آلاف الفلاحين العراقيين وحين تفوح التمور تبدأ مواسم الجني والقطف كل نوع على حدة ومنه مئات الأنواع والألوان والأشكال والأحجام، وكانوا يسمحون بعمل الأطفال بنات وأولادا حتى الخامسة من العمر فيجلسون يصنفون التمور حسب النوع والحجم، ويقطعون التمر طولا لاستخراج النواة، ثم جبس تلك التمور في «شنك» وهي علب مستطيلة من الصفيح.
يقول والدي ان اليهود لم يتحلوا بالطمع الذي يتصف به تجار العرب عموما فهم لا يبحثون عن الربح الكبير، فقد يبيع حتى لو كان الربح في القطعة «فلسا واحدا» وبذلك كان التاجر اليهودي يبيع مئات القطع في اليوم، بينما البائع العربي يجلس طوال اليوم وقد لا يبيع شيئا بسبب غلاء أسعاره وتعنته ورفضه مهادنة الزبون أو تخفيض السعر له فيتركونه ويذهبون الى اليهودي للشراء منه بسعر أرخص.
شارك والدي أحد التجار اليهود في استيراد الأقمشة من ايران وبريطانيا والهند وبيعها في العراق في البصرة والزبير وارسالها الى بغداد ومدن العراق العديدة حتى الحدود الشمالية وكسبوا أرباحا عظيمة وكان والدي يدخل البيت ومعه حمالون يشيلون أكياسا كبيرة «خيشة» مليئة بالنقود الورقية من فئة العشرين دينارا وخوفا عليها من السرقة كان يضع رزمات النقود فوق السرير الكبير تحت الفرشة القطنية الثقيلة وينام عليها هو ووالدتي. كان والدي يحبني ويعشقني منذ ولادتي ويسميني «المرزوقة» وكان والدي يعتقد طوال عمره ان الحياة وجوه وأعقاب. فاض الخير على والدي بعمله بالتجارة وشاركه العديد من رجالات الكويت ولكنه كان يحب الاستقلالية فيفض الشراكة سريعا، لكنه يظل صديقا لهم طوال العمر يلتقي بهم في الديوانيات بعد اقامته الدائمة في الكويت.
سافر التاجر اليهودي شريك والدي فعمل وحده وكان الكثيرون يحقدون عليه ويتقولون عليه بالباطل حتى اتهمه البعض بأنه يعمل بـ «القجق» أي التهريب. وكانت أيام الحرب العالمية الثانية وخفت تجارة الاستيراد وأغلقت الموانئ في بلاد الدنيا واغلقت المصانع وبارت التجارة والتصدير والاستيراد واحتاج الناس للأقمشة وللأغذية والحبوب، والتجار الجشعون اغلقوا مخازنهم على مافيها من بضائع وحبوب ومنسوجات وقرب ان يموت الناس جوعا، وكان أبي واصحابه يدفعون بسخاء لبعض التجار لفتح مخازنهم وكان يشتري منهم باسعار مهولة وبدأ السوق وخاصة «سوق التجار» وهو اسم يطلق على «سوق الذكير» في قلب البصرة حيث كل محال ومخازن آل الذكير تقع في صفوف متقابلة وبينها المقاهي التي تقدم الشاي ويعمل الراديو فيها على بث القرآن الكريم طوال الوقت فهم عموما شديدو التدين، حتى ان بعضهم خاصم والدي واعتبره متحررا فهو يذهب الى السينما ويرتدي احدث الموضات «في الغتر» والعُقل، كان شابا وسيما ناصع البياض أحمر الخدين ذا عينين نجلاوين ورموش تغطي خديه، واصابع ترفة لا تعرف الخشونة أبدا كان سخيا يبذر دون حساب ويمنح كل محتاج.
كان والدي يكسب جيدا من التجارة نتيجة ازدهار اعماله، وقد شاركه بعض الكويتيين امثال عبداللطيف الثويني الذي اصبح احدهم وكيل وزارة الدفاع وآخر وكيلا في وزارة الداخلية وزوجته أمها من الذكير والدها اغنى رجل من الذكير في ذلك الحين وبعد فترة فك والدي الشركة مع صاحبيه كعادته.
والدي شخصية استقلالية يحب التفرد بعمله.
يعتبر عبدالله الذكير والدي الحبيب اول من استورد مكائن جلب الماء وباعها بسرعة البرق لقد اراحت مزارعي الحقول وذلك في نهاية الخمسينيات عند بدء النهضة الزراعية.
يعتبر والدي ايضا اول من بدأ في استيراد الانابيب الضخمة التي تمدد للمياه تحت الارض وايضا صادف استيراده لها بدء النهضة العمرانية وبالاخص تأسيس البنى التحتية في شوارع الكويت تقدما للنهضة العمرانية فيما بعد، لقد كان يستورد من روسيا ومن الهند ومن الصين وهي دول لم يتعامل معها التجار من قبل وروسيا والصين بعيدتان جدا وكان يستورد منهما البورسلان ومغاسل الحمامات والبانوات والحاشي، كان اشهر تجار الكويت يشترون منه لقد كانت بداية تجار المواد الصحية الكويتيين عظيمة وتناسب روح العصر في منتصف القرن العشرين وهو حب المظاهر والبحث عن الإثارة والأضواء، فلم يكن أحدهم يفهم في أصول الاستيراد والتصدير ولم يتعاملوا مع دول كبرى بل يشترون من السوق المحلي ولكن يعرضون تلك البضائع بشكل راق وداخل محلات متسعة وديكورات براقة فكان الناس ممن يبنون منازلهم وڤللهم في المناطق الجديدة مثل الشويخ وكيفان والشامية وغيرها يبتاعون أدوات المنزل القيمة والتمديدات الأرضية من تلك المعارض والمحال البراقة ويدفعون أغلى الأثمان،كانت الحكومة قد بدأت في تثمين المنازل القديمة من الكويتيين بالملايين الى جانب منحهم أراضي حكومية في المناطق الجديدة ولذلك كان الناس يصرفون ببذخ.
ورغم ذلك كانت الروح التجارية التنافسية وروح الجشع الذي هو من صفات التاجر الحقيقي قد تملكت التجار في البلد.
الوالد والتجارة
كان الوالد قد وضع لنفسه ربحا لا يتعدى الـ 2.5% على كل صفقة مبيعات، وقد عُرف عنه ذلك وأي مندوب من غير الكويتيين كان يعلم ذلك فيشتري من غير فصال وكانوا يحترمونه ولكن بعضهم كان يطلب من والدي ان يوقع على فاتورة السعر فيها يزيد أضعاف المبلغ بحجة ان المعزب الكويتي فلوسه كثيرة ويدفع دون ان ينظر في الفاتورة وبعضهم لا يفهم بالتجارة أصلا وجاهل علميا وثقافيا، لكن الوالد كان ينهرهم ويعتبر ذلك سرقة، فكانوا يحفرون له عند معازيبهم حتى أصبحوا جميعا ضده وبدأوا يحاربونه، وقد عقدوا اجتماعا وكان في نهاية الستينيات وحضره كبار تجار المواد الصحية، وأصبح بعضهم أعضاء في غرفة التجارة فيما بعد وطلبوا من والدي الحضور لمناقشته في بعض الأمور وقد ذهب الوالد «على وجهه» فلم يكن يدري فحوى ذلك الاجتماع ولماذا عقد لكنه فوجئ بهم يشنون عليه حربا شعواء ويتهمونه بالتخريب عليهم وإفساد المشترين فصعق والدي وتساءل كيف ذلك؟ وكان وحيدا بين جيش من المهاجمين، وقالوا: نحن مضطرون الى ان نبيع بربح يتعدى الـ 300% أو حتى الـ 400% وذلك حتى نسدد إيجار المحال وثمن الديكورات والمفروشات، الى جانب أجور العمال والمندوبين، بينما أنت تبيع بربح لا يتعدى الـ 2.5% وأي عميل يأتي ليبتاع من محلاتنا يقارننا بك ويقول: ولكن عبدالله الذكير يبيعنا أرخص منكم بكثير وهي نفس البضاعة وذات المواد وأنت تعلم اننا نشتري منك وننفعك.
كان بعضهم يسكن في السابق بديوان الذكير في البصرة يأكلون وينامون فلم تكن هناك فنادق، وكانت العادة المتبعة سابقا ان المسافرين يسكنون عند الأصدقاء أو الأهل والآن يجلسون لمحاكمته.
فثارت كرامته وقال لهم: لقد اعترفتم قبل قليل بأنكم تبتاعون بضائعكم مني وآخذ منكم نفس الربح البسيط وأنتم تبيعونه بأضعاف سعره فلماذا الشكوى؟ ماذا تريدون مني بالضبط؟
قالوا: ان تبيع بنفس أسعارنا وتترك عنك أرباح الشرع هذه التي لا توكل عيش.
قال الوالد: أنا أبيع بالسعر الذي يعجبني، وإذا كنتم أنتم حرامية وتسرقون المستهلك فلن أشارككم بهذه السرقة، لقد عاهدت الله بأنني لن أتعدى حدود الشرع في نسبة الربح وأنا راض بالقليل وخرج غاضبا، لقد ظل والدي عشرات السنين الى ان استطاع ان يكون له ثروة معقولة، بينما بقية التجار ممن استمروا يشترون منه ومن السوق المحلي ويعرضونه في محالهم ويبيعونه بأغلى الأثمان أصبحوا من المليونيرية.
كان الوالد وطنيا يتحدث بحماس عن القضية الفلسطينية وله العديد من الأصدقاء الفلسطينيين وقد موّل بعضهم ببضاعة هائلة من المواد الصحية وفتحت لهم دكاكين خاصة بهم، كما انه وجد لهم كفلاء وشركاء كويتيين وبذلك استمرت تجارتهم بشكل ناجح. في شبابه ذهب متطوعا لمحاربة اليهود واسترجاع فلسطين.
وكان يتبرع دوما ولم يأخذ أي وصل من أي منهم ولم يحاسب أو يأخذ نقودا مقابل تلك البضائع، وكانت له مواقف غريبة في نهاية الثمانينيات وبعد تخرج ولديه من جامعة الكويت وهما من مواليد الكويت من زوجته الزبيرية وهي ابنة عائلة كريمة من عائلات الزبير وقد نزحوا الى الكويت وبعضهم الى السعودية، وقد رغبت ان يتوظف ولديها في المملكة وبالفعل نقل الوالد تجارته الى الدمام وكان حزينا فلم يفارق الكويت إلا نادرا فهو ليس من محبي السفر كثيرا، وكان في السابق يسافر في عطلة المدارس الى البصرة ويجلس في بلكونة الفندق يتأمل شط العرب، كان يعشق ذلك النهر المتدفق بالخيرات ثم يمر لزيارة أهل زوجته في الزبير وهم في العادة من كبار السن والعجائز اما الشبان فقد هاجروا من زمن طويل وتوظفوا في الكويت وعاشوا حياة مريحة ثم انقطع تماما عن زيارة العراق وعاش في الكويت منغمسا في عمله وتجارته.
أنا والغزو
عام 1988 ذهبت الى بريطانيا، ثم عدت قبل الغزو بعدة اشهر.. وفي رحلة سريعة لزيارة والدي في الدمام وكان سعيدا بوجودي قربه ويحاول اقناعي بكل الطرق أن اترك المقر وكفاية دراسة وان اقيم واستقر.
لم أكمل الايام العشرة هناك وإذ الغزو الاحتلال يجتاح الكويت. تدفق الكويتيون على المنطقة الشرقية وبقيت هناك مضطرة. توظفت في بنك الرياض فرع السيدات، وكتبت في جريدة اليوم في الدمام، وراسلت صحيفة الجزيرة في الرياض كنت أبكي الكويت وحياتي هناك وذكريات عمري اشتريت منزلا في مدينة الخبر فجرجرني البعض الى المحكمة بحجة مشاركتهم في اقتناء المنزل. كنت أذهب إلى المحكمة ودموعي تغطي وجهي. كانت الصواريخ تتساقط علينا ونحن في فندق الميريديان في الخبر وأنا في دوامة المحاكم، والقضايا وجلسات الاستماع. كنت حزينة من قسوة الاهل وتعلمت ان المساوئ لا تأتيك الا من أقرب الناس لك.. كان لي صندوق محفوظات في البنك السعودي الاميركي تركت به ما امتلك من قطع بسيطة من الذهب وبعض الالماس مع الفواتير فجأة ذهب البعض مع أوراق تحمل توقيعي
وتسلموا الصندوق وضاعت تحويشة العمر، وبكيت ليس لما تعنيه تلك القطع من عائد مادي ولكن لما تمثله من ذكريات عزيزة علي، فكل قطعة تحكي قصة، ذلك القلب من الماس هو شبكة زواجي الاول في الكويت، وهذه «مرامي» نوع من الخواتم القديمة جدا هبت موضة في الكويت وكل البنات يضعن في اصبعهن المرامي، وهناك فركيتة اي شباصة للشعر ولكن من الذهب وبها بعض القصوص الملونة، رخيصة السعر ولكن جميلة الشكل وتراثية الموديل، وخاتم ألماس على شكل عين تنظر لك وتمنع الحسد كما يُقال، وهناك سوار ابتعته من بومباي عندما سافرت الى الهند نهاية السبعينيات من القرن العشرين، اشياء جميلة بسيطة ليست باهضة الثمن، السؤال كيف هبطوا الى سرداب البنك، وتسلموا الصندوق، وسلبوا ما به؟ تزوجت بعد التحرير في الخبر، وانفصلت وعدت الى الكويت لأجد كما من الاشاعات العجيبة تستقبلني هنا، الان أحاول تحريك قضايا ضد مطلقي تلك الشائعات.
كانت الكويت تعاني غزوا حربيا.. وانا تعرضت لغزو مماثل انتهكت حياتي وإرادتي وعاطفتي، الكويت تعرضت لخسائر عظيمة، واناتعرضت لخسائر لا تعوض تمس سمعتي وكرامتي وقلبي ومشاعري.
الناس كانوا يعيشون دوامة الخوف على ممتلكاتهم في الكويت وانا اعيش دوامتين، خوفي على الكويت وخوفي على نفسي وعلى ذاتي ان تنتهك.
الناس عادوا الى الكويت بعد التحرير محملين بخيرات السعودية وكرم المملكة وجود ابناء الجزيرة، وقد كانت عودتي مليئة بالرهبة والرغبة في الهروب بعد خسائري العديدة. عام ثمانين قررت طباعة اول كتاب لي جمعت مقالاتي المتناثرة في صحف الكويت ومجلاتها. كان صديق الروح السيد عبدالله الشيتي الفلسطيني ويعتبر فلسطين قضيته هو فقط يدافع عنها بكل عنفوان، كان قريبا الى فكري نتحاور ونتشاور وكنت ضيفة دائمة في بيته العامر وزوجته الغالية اميرة ترحب بكل ضيوفها بكل الحب، وكانت اختا وصديقة، وعرفت الفنانات في بيته وتعرفت على الديبلوماسيين العرب وزوجاتهم في ولائم الغداء والعشاء التي كان يقيمها في منزله.
اعطيت اوراقي كلها لأبو حسام وقد تبنى رغبتي في اصدار كتاب، كلم السيد احمد بهبهاني الذي لم اكن اعرفه من قبل على ان يطبعوا كتابي في مطبعة اليقظة، ذهبت لمقابلة السيد بهبهاني وقد فاجأني بأنه سوف يطبع اول كتبي مجانا، شعرت بخجل شديد ورفضت لكنه اصر وقد كان طبع لي ألفي نسخة من كتابي الاول الذي حمل عنوان «كلمات للآخرين» نفدت نسخ الكتاب ووزعناه على معظم المسؤولين واول نسخة اهديتها لسمو امير البلاد في ذلك الوقت الشيخ جابر الاحمد رحمه الله، استقبلني مدير مكتبة ابراهي الشطي المثقف الرائع، وسلمني شيكا ضخما حملته بخجل وانهالت التبريكات علي من كل صوب وتحسفت ان اصرف الشيك الاميري، كان من الورق الفاخر وطويل يفوق كل الشيكات المعتادة تمنيت ان اضعه في برواز واحتفظ به العمر كله، ولكن الشيكات وجدت لتصرف وقد كان وتناهشت المبلغ الايادي كالعادة ولم يتبق لي غير القليل كالعادة، وكانت الصدمة ان الكتاب كان يحمل موضوعات لا تعود لي سألت أبو حسام الشيتي، صاح قائلا: لقد اختلطت الامور والاوراق والموضوعات التي لك وللآخرين سامحيني وقد كان فليس باليد حيلة وانا تلميذته الصغيرة قبل كل شيء.
ظلال سحرية
كتابي الثاني طبعته بعد الاحتلال عام 1993 وتم توزيعه عام 94 وقد طبعت خمسة آلاف نسخة وتحتوي مجموعة قصص قصيرة، لم يكن عبدالله الشيتي عراب هذا الكتاب وقد صادفت تنقلاتي ما بين الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية، ان تشتت الكتاب ولكن وزعته بطريقة جيدة في المملكة، وعن طريق ارسال طرود الكتب في البريد استطعت بيعه لعدة مؤسسات وعاد علي اقتصاديا حيث وزعت ثلاثة آلاف نسخة والفين بقيت تائهة ما بين البلدين، لذلك كرهت المطابع التجارية فهي شؤم على كتبي.
مقالاتي حياتي
هذا العام طبعت كتابي الثالث الذي يضم بين دفتيه مقالاتي في عدة صحف خليجية وكويتية، طبع لي لدى د.عبدالله الغنيم رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية، وقد قررت اهداءه لأكبر عدد من المكتبات الحكومية في كل الخليج وكل المؤسسات الثقافية وتم لي ذلك مما ادخل السعادة الى قلبي فكان مرادي ان يطلع على كتابي اكبر عدد من القراء والمثقفين والمهتمين بأمور الادب والفكر، الكويت اعطتني الشهرة والخير والسعادة ولها يعود كل ما اسعدني وحفظ كرامتي، وكيف ارد دينك يا كويت؟
عسى الله ان يمد في عمري لأستطيع ذلك.. مع كل الحب والدفء.
وتمضي منى الذكير في سرد حكاياتها وذكرياتها فتتحدث عن والدها وأمسياته في منطقة الشعب قائلة: كان والدي يمضي امسياته يوميا في ديوانية قريبة من منزلنا في منطقة الشعب ويجتمع نخبة من شياب الحي (كبار السن) يلعبون الدامة ويصرخون مشجعين ابطال الملاكمة في المباريات التي كانت تبث اسبوعيا من تلفزيون الكويت، له صديق مقرب من المجموعة كان ذلك الرجل الكويتي قد اصيب بمرض السرطان وكان دائم الشكوى من انشغال اولاده المراهقين عنه فنادرا ما يجد واحدا منهم يوصله الى المستشفى، ايضا كان يشكو من قلة الراتب التقاعدي وكثرة العيال، ذلك كان في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، قال والدي ان عائلتهم تعود بأصولها الى مدينة التنومة في العراق، بعد ما يقارب الثلاثين عاما كان لي زميل في عالم الصحافة من ابناء تلك الاسرة اخبرته بما سمعته من والدي عن اصولهم القديمة ومما يثبت ذلك بياض بشرتهم واذ بذلك الزميل يتحول الى وحش كاسر، ينشر الشائعات حولي ويسبب لي المشكلات ويحاول تخريب علاقاتي بالزملاء والاصدقاء.
وأتى بأحد الأشخاص ليدبلج له الموضوعات الصحافية ويكتب له البحوث التاريخية واصبح بين ليلة وضحاها كاتبا ومؤرخا، كان والده يتسلم كل شهر مائة دينار من والدي الرقيق القلب الذي عطف على صديقه المريض، لو اخبرت ذلك الزميل عن مقدار المبالغ التي تسلمها والده حينذاك فأكيد سيأتي ببلطجي يلخبط كياني، منطقة الشعب وهي من اوائل مناطق الكويت النموذجية شوارعها فسيحة وحدائقها منسقة وقد سكناها بداية السبعينيات وهجرناها الى منطقة الفيحاء في بداية الثمانينيات، كان والدي كثير التنقل وكأنه يهرب من شيء او احد يلاحقه، شياب ديوانية الشعب حزنوا على والدي في بداية كتاباتي في جريدة القبس فقد اعتادوا قراءة مقالاتي اليومية في زاويتي في القبس ثم يدور حوار وجدل حول الموضوع، وفي يوم جاء مجموعة منهم وكانوا غاضبين وهم يمتلكون عمارة او اكثر وحدثت لهم مشكلات مع الساكنين او مع الاسكان وطلبوا من والدي ان اكتب في زاويتي حول تلك المشكلات، ولا ادري ما الذي شغلني في ذلك الوقت ونسيت الموضوع تماما، فزعلوا على والدي وشككوا بما اكتب وقالوا ان هناك من يكتب بدلا عني في زاويتي.
وعن ذكرياتها عن العيد الوطني واحتفالاته تقول الذكير: كم عيدا وطنيا ساهمت في أفراحه؟ العديد، وأول عيد له علامة في حياتي عندما جاء اخوتي يحملون مجلة كويتية وصورتي تتصدر غلافها وأنا ارتدي زي المرشدات واحمل علم الكويت مرفرفا بين يدي.. كنت أسير في طوابير مع تلميذات كل مدارس الكويت احتفاء بالعيد الوطني وتداول الأهل والأقرباء المجلة معتزين بصورتي على غلافها.
عندما كبرت وعملت في شركة عملاقة كنت المسؤولة عن تنسيق العربة التي ستشارك في كرنڤال العيد الوطني الذي يسير بشارع الخليج العربي، اخترت البنات من موظفات الشركة الأميركية الشقراء والهندية السمراء والكويتية الحنطاوية، ألبستهن أثوابا ملونة ابتعتها من سوق الحريم وأجلستهن في سيارة على شكل سمكة القرش العملاقة.
في السنة التالية كانت العربة على شكل طائر البجعة البيضاء وأجنحته ترتفع عاليا.. ثم مُنع إقامة المهرجانات وتوقف نشاطي ولكن يظل العيد الوطني علامة فرح في قلبي فمن فرحة الكويت يستمد قلبي سعادته.
والدتي ضحية الظلم
تحكي الذكير قصة عن والدتها فتقول: في البصرة أحب والدي أمي وهي في عمر السابعة عشرة ظل عدة سنين يلاحقها من بيتهم الى الكلية التي تدرس بها وفي ذلك الوقت كان القليل من الفتيات يكملن دراستهن وهي كانت وحيدة والدها مع شقيقها الصغير مدللة جدا، ظل والدي يخطبها لمدة عامين ووالدها يرفض فقد كان والدها شيعيا متشددا، ووالدي سني من نسل الوهابيين اهل نجد المتشددين بعد الحاح وتدخلات وافق، وفي قلبي اردد ليته لم يقبل، فبعد سنوات من العشق وبعد ولادة ثلاثة ابناء حلوين طلقها من اجل خادمة جاءت تعمل لدى امي الشابة الصغيرة الجميلة، وكانت تلك المرأة قد تخطت الثلاثين من عمرها وامي في العشرين من عمرها وجهها ابيض وجديلتها طويلة تصل الى ركبتيها وتلك المرأة يملأ «الدق» الاخضر اي (الوشم) وجهها ويديها ولكنها وكما يقولون كانت جميلة الملامح، اغوت والدي فطلق زوجته بشكل مفاجئ وتعسفي وأخذ الاطفال منها وكان عمري ثلاث سنوات فقط، عشت مع تلك المرأة على انها امي لا اعرف غيرها، في عمر خمس سنوات طلقها واخذني منها وانقطعت صلتنا بها، وتزوج ابي امرأة من عائلة كريمة من اهل الزبير وعشت معها العمر كله، والآن لا أندهش كثيرا عندما اسمع قصص بعض الكويتيين ممن يتزوجون الخادمة السيلانية ويطلقون الزوجة ام الاولاد ويدمرون بيتا كانت تضيئه السعادة وذلك من اجل نزوة سرعان ما تخبو، مات والدي وتوفى شقيقي الكبير وهاجر شقيقي الاصغر الى اميركا بعد ان تزوج من هناك ضاربا عرض الحائط بكل الروابط، وانا في نقطة العشق الابدي الكويت حبيبتي انتظر لقاء تلك المرأة التي حملتني في احشائها وتوارت سريعا، اتمنى ان اعوضها ولو بشيء بسيط عما فعله والدي بها من ظلم فادح هي ابنة العائلة الكريمة، انها تمثل المرأة العربية بصمتها واناقتها وشعورها بكرامتها يدفعها الى الصمت والانتظار، فلا قانون واضحا يحميها، ولا نظام معمولا به، وحتى بعض بنود الشريعة يستغلها الرجل لصالحه وبذلك يؤذي المرأة ويظلمها.
السبعة الأشرار
عن قصة طريفة تعرضت لها تقول منى الذكير: كان بعض المراهقين في الحي يجتمعون عند بقالة قريبة من بيوتنا ونساء الجيران يشتكين من خجلهن من الذهاب الى البقالة للتبضع لوجود هؤلاء الشباب الصغار وخصوصا ان بعضهم كان يتفوه بألفاظ غير لائقة فيما بينهم وذات يوم اوصلني باص المدرسة الى قرب الباب نزلت حاملة شنطتي الثقيلة واذ بعضهم يصفر بفمه صافرة طويلة مع جملة «اشهالجمال» (ما هذا الجمال) وكانت المرة الاولى التي اتعرض فيها لمثل هذا الموقف فدخلت الى صالة البيت غاضبة صادفني اخي الاصغر فسألني عما بي، اخبرته بما حصل ودخلت غرفتي، بعد قليل رن التليفون ثم فجأة اختبص البيت وزادت الضوضاء وطرق اخوتي الاطفال باب غرفتي يتصايحون: علمت ان ابي واخي في مخفر الشعب القريب من بيتنا، هبط قلبي بعد دقائق كانوا هنا ماذا حصل؟ بعد برهة جاء والدي وهو يسحب اخي خلفه وهو يعنفه ويؤنبه والدماء تغطي ملابس شقيقي الذي كنت احبه جدا واخاف عليه من كل شيء فنحن ثلاثة اخوة عشنا منذ طفولتنا ايتام الام، رغم وجود امنا ولكننا لا نعرف عنها شيئا بعد ان طلقها الوالد واخفى كل اثر لها، المهم علمت ان شقيقي خرج من البيت غاضبا وتوجه مباشرة الى البقالة معاتبا المراهقين على فعلتهم فنحن جيران وعيب التحرش، كانوا سبعة شبان وهو وحيد فاعتقدوا أنه صيد سهل ولم يعلموا بأنه يتدرب يوميا في احد النوادي الرياضية على رياضة كمال الاجسام، ورغم انه في نفس سنهم وربما اصغر ولكنه يمتاز بجسم رياضي وعضلات مفتولة وصدر عريض، وفي البيت يحمل اثقالا مخيفة، المهم طاح فيهم «بوكسيات وطراقات» وتطاير السبعة يمينا وشمالا، وجاءت الشرطة ونادوا والد كل واحد من المتعاركين وصافح الضابط اخي بوجود والدي قائلا: اشكرك فنحن لم نستطع تأديب هؤلاء المشاكسين واهل الحي جميعا يأتون يشتكونهم، وجاء آباؤهم يعتذرون من ابي ومن الشرطة، ولكن ظل هؤلاء السبعة سببا لتنغيص حياتي منذ اكثر من عشرين عاما، وبعضهم تبوأوا مركزا مرموقا ولكن ما بقي في نفوسهم من هذا الموقف يدفعهم لعمل المقالب المؤذية لي!
عملي في التجارة
خاضت الذكير العمل التجاري في خطوة غير معهودة على مجتمعاتنا، وعن ذلك تقول: ربما كنت من فتيات الكويت القلائل ممن اتجهن للعمل التجاري، في الثمانينيات فقد كان لوالدي محل في شارع فهد السالم في عمارة الورثة ظل به لمدة 23 عاما متصلة، وعندما أراد الرحيل الى الدمام طلب ان يعطيني المحل وقد كان، وجلبت دراعات من البحرين والإمارات ومن القاهرة أثناء دراستي في الجامعة هناك، ومن الهند أثناء سفري، ووضعت بعض التحف والبخور والعطور وهكذا تم افتتاح معرض منى الذكير وجاء لحضور حفلة الافتتاح البسيطة العديد من القريبات والصديقات، وبدأت أتلقى اتصالات من سيدات الأسر الحاكمة في البحرين والإمارات والسعودية، وكونت علاقات وصداقات رائعة، واذكر في رحلة لي في الثمانينيات الى البحرين لشراء دراعات للمعرض في الكويت استقبلتني إحدى بنات الأسرة من آل خليفة جالت بي في كل انحاء البحرين وجلست معي عند عين عذاري وعرفتني على كل سيدات الاعمال ومن يمتلكن مشاغل خياطة. كانت انسانة غاية في الرقة والرزانة ولم تتركني حتى يوم الوداع في المطار.