- لعبت النقع دوراً كبيراً في تاريخ الكويت الملاحي
- يخضع تصميم النقعة وبناؤها إلى قواعد وشروط يعرفها بحارة الكويت ونواخذتها وتجارها
نقع الأمس ونقع اليوم اشتهرت بأسماء مناطقها أو اصحابها الذين حملت أسماءهم الى اليوم وتاريخها جزء لا يتجزأ من الكويت طبعت في قلوب الكويتيين قديما وفي كتب التاريخ حديثا، كل نقعة لها تاريخ مسطور في عروق أجدادنا فقد أنشأوا أكبر المراسي والأساطيل البحرية قديما والتي صالت وجالت في البحار حتى وصلت الى الهند والسند وزنجبار وبقاع كبيرة من افريقيا وهذه النقع التي تشاهد حاليا هي ماضينا وحاضرنا وريحة عطر عبق الماضي فأبحر الأجداد والآباء منها وإليها محملين بكل ما تحتاجه البلاد من توابل وتمور وأخشاب وماء وذهب وأسماك وغيرها، وبعد التطور العمراني واندثار مهنة الغوص منذ الخمسينيات واعتماد الناس على الوظائف الحكومية وخروج الذهب الأسود من باطن الأرض اصبحت هذه النقع ماضيا جميلا.
تعريف النقع
وقد عرف د. يعقوب يوسف الحجي بكتابه «النشاطات البحرية القديمة في الكويت» ان النقع هي أحواض ساحلية شيدها أهل الكويت لحماية سفنهم من العواصف والأمواج التي تحدثها رياح الشمال في جون الكويت. والنقعة عبارة عن سور من صخور البحر يحيط بجزء من الساحل وله منافذ عديدة لتسهيل حركة الماء في هذه الأحواض في حالة المد أو الجزر. ولقد صممت هذه النقع بحكمة ودراية تشهد لأولئك الرجال الذين شيدوها بفطرتهم معتمدين على خبرات قيمة تعلموها منذ نعومة أظافرهم. فالنقعة يتبنى تشييدها أحد كبارهم، ولهذا يطلق عليها اسمه، وقد يقوم بدفع مبلغ كبير في سبيل تشييدها، وربما ساعده آخرون لكي يسمح لهم بوضع سفنهم فيها لحمايتها حين عودتها من السفر الموسمي. ولكنهم جميعا ملزمون بدفع ما عليهم من مال لصيانة النقعة وجعلها صالحة على مدار العام، فكل واحد يدفع مبلغا يتناسب وعدد السفن التي يملكها والتي يرسيها في هذه النقعة.
ولقد لعبت هذه الأحواض دورا كبيرا في تاريخ الكويت الملاحي، حتى ان ساحل الكويت ـ من شرقه إلى غربه ـ كان محاطا بتلك النقع، ما بين كبيرة وصغيرة، وهذا ما ميز ساحل الكويت عن غيره من السواحل الخليجية.
يخضع تصميم النقعة وبناؤها الى قواعد وشروط يعرفها بحارة الكويت ونواخذتها وتجارها، فسور النقعة يجب ان يكون هلالي الشكل قدر المستطاع بحيث يكون السور شبه نصف الدائرة وذلك لكي تتكسر عليه أمواج البحر دونما إصابته بأضرار، فلو كان حائطا مستقيما لما صمد طويلا لحركة الأمواج التي تتكسر عليه، وبخاصة في أثناء هبوب رياح الشمال العاتية، ثم ان النقعة لابد لها من مدخل ومخرج لكي تدخله السفن وتخرج منه، ولكي تدخله التيارات المائية وتخرج منه فلا يتجمع في داخل النقعة الطين أو الرمال الدقيقة، فحركة المد والجزر تنظف النقعة من الرواسب التي قد تملؤها وتجعلها غير صالحة للملاحة، كذلك فإن مدخل النقعة يجب ألا يكون مواجها للشمال حتى لا تندفع الأمواج من خلاله الى داخل النقعة بفعل رياح الشمال فتجعل الماء داخلها مائجا ومزعجا للسفن داخلها، وإذا كان المدخل مقابلا للشمال فلابد من تصميم المدخل بطريقة تمنع الأمواج هذه من الدخول مباشرة للنقعة من خلال مدخلها.
كذلك فإن سور النقعة (والذي يبلغ ارتفاعه 4 أمتار وقاعدته 3 أمتار) تعمل في أسفله فتحات لكي يدخل منها الماء ويخرج بسهولة، وهو ـ أي السور ـ مكون من صخور البحر المختلفة الأشكال والتي رصت (دون أسمنت) بعضها فوق بعض بطريقة هندسية ذكية وفعالة قام بها أساتذة كبار مشهورون مثل راشد الرباح، يعرفون موقع كل صخرة بالنسبة للأخرى حتى يظهر السور بناء متشابكا محكما، ولقد قام بحارة الكويت بتكسير كل الكميات المطلوبة من الصخور يدويا من الشعاب المرجانية القريبة، وأحضروها بسفنهم (التشالة) لهذا الغرض، وبما ان سور النقع الكبيرة يحتاج الى كميات كبيرة من الصخور فقد تكلف بناء النقع هذه مبالغ كبيرة في تشييدها، كما تتطلب صيانتها بين الحين والآخر مبالغ لابد من جمعها من المستفيدين من هذه النقع، وهم ملاك سفن السفر بصفة خاصة، إذ ان سفن الغوص (الصغيرة الحجم نسبيا) كانت لا تترك في النقعة بل ترفع على الساحل بعد انتهاء موسم الغوص لحفظها من الرطوبة والأمواج.
والحديث حول النقع قد يطول ويأخذ منا شرحا مطولا ووقتا كبيرا ولكننا في صفحة «بحري» فضلنا ان نتكلم ولو بشيء مختصر ومفيد عن تلك النقع وعن أهلها وأصحابها فإلى المقال:
في البداية سنذكر النقع المشهورة التي تقع في منطقة مشرف ومنها نقعة الشيوخ ـ نقعة الشاهين (الغانم) ـ نقعة معرفي (نقعة دعيج آل بن فهد سابقا) ـ نقعة عبداللطيف الخميس ـ نقعة بوقماز ـ نقعة الشملان ـ نقعة العسعوسي ـ نقعة النصف ـ نقعة علي الفضالة ـ نقعة محمد صالح التركيت ـ نقعة ناصر النجدي ـ نقعة هلال فجحان المطيري ـ نقعة مشاري الروضان ـ نقعة أحمد المناعي ـ نقعة جاسم العماني ـ نقعة الونيان ـ نقعة راشد بورسلي ـ نقعة جاسم الغانم ـ نقعة أحمد القضيبي ـ نقعة عبدالله الغيث ـ نقعة هاشم النقيب ـ نقعة ابراهيم المعتوق ـ نقعة الشيخ خزعل ـ نقعة دسمان، وايضا النقع التي تقع في منطقة جبلة ومنها:
نقعة الابراهيم (وهي نقعة قديمة كانت تقع بالقرب من موقع قصر السيف قبل بنائه) ـ نقعة الغنيم (الغانم) ـ نقعة سعود الصباح ـ نقعة سيد ياسين الرفاعي ـ نقعة بودي ـ نقعة المرزوق ـ نقعة الخالد ـ نقعة فلاح الخرافي ـ نقعة ناصر البدر ـ نقعة علي المانع ـ نقعة حمد الصقر ـ نقعة العبدالجليل ـ نقعة محمد ثنيان الغانم ـ نقعة يوسف الصقر ـ نقعة علي المبارك ـ نقعة غانم العثمان وعبدالعزيز وعبداللطيف العثمان ـ نقعة احمد الخرافي ـ نقعة سعود المطيري ـ ونقعة الساير.
ان نقع الكويت كل واحدة منها تحمل ماضيا جميلا لأهالي المنطقة والكويت جميعا والنقع الشمالية تعتبر الشريان الاقتصادي لهذا البلد سواء ذكرها الكويتيون أو غيرهم رست فيها كبرى السفن.
نقعة الشملان والعبدالجليل
كتب د. يعقوب يوسف الحجي بكتابه «النشاطات البحرية القديمة في الكويت» ان نقعة شملان (وهي أكبر هذه النقع في الحي الشرقي من البلدة) تعج بسفن السفر وسفن أخرى أصغر منها حتى ان ساحل هذه النقعة لم يكن يكفي لكل هذه السفن، فكانت ترسو في هذه النقعة صفا وراء الآخر، فالأصغر يكون أقرب الى الساحل والأكبر بعيدا عنه، كما اكتفت نقعة هلال بسفن الغوص نظرا لقرب هذه النقعة من منزل صاحبها هلال المطيري بحيث تعذر وجود ساحل خلفها يسمح لسفن الغوص بالوقوف عليه، أما في غرب المدينة (جبلة) فقد اشتهرت نقعة العبدالجليل، ولما كانت اكبرها فقد كانت سفن «البغلة» التابعة لهذه العائلة تحتمي في هذه النقعة منذ القدم، وكان بعض هذه «البغال» مخصصا لنقل الخيول الى الهند، وكان لها سطحان واحد فوق الآخر، وكانت اثنتان من هذه السفن قد تركتا على ساحل هذه النقعة بعد ان تم الاستغناء عنهما في العشرينيات من القرن العشرين، اضافة الى هذه النقع الكبيرة المشهورة كان هناك العديد من النقع الصغيرة، وكل من امتلك سفينة وله منزل يطل على الساحل فإن ما يقابل منزله من ساحل يطلق عليه أصحابه نقعة، ولذا كثرت أسماء النقع في الكويت.
نقعة الخرافي
اشتهرت عائلة الخرافي بامتلاكها سفن الشراع البحري والمتاجرة عبر الهند وافريقيا في البضائع التجارية المختلفة، وتعتبر عائلة الخرافي من العائلات العريقة في الكويت، وتملك هذه العائلة الكريمة مرسى كبيرا لرسو السفن وتسمى «نقعة الخرافي» امام منزل العائلة مباشرة على البحر.
النقع الجنوبية
نقعة الفحيحيل، والفحيحيل قرية من قرى الكويت قديما سميت باسم الفحيحيل لانه وجد فيها نخل الفحل وهذا الفحل اتى به عائلة المالك السلمان الصباح على ما ذكره المرحوم الشيخ عبدالله الجابر الصباح منطقة الفحيحيل قرية ساحلية اول من سكنها آل الدبوس وبعض العوائل وكانت حتى الخمسينيات عدد سكانها قليلا، بعد الطفرة السكانية ونقعة الفحيحيل شهدت تاريخ الغوص واليامال نقع على ساحل الفحيحيل الجنوبي مساحتها حاليا تجزأت الى جزأين جزء للمراسي واليخوت وجزء آخر لطراريد الصيد واللنجات الكبار ولها مدخلان شمالي وجنوبي ونواخذتها هم عبدالله جاسم الدبوس والنوخذة ابن خضير الهاجري والعدواني. وايضا من القرى الجنوبية نقعة الفنطاس والفنطاس قرية من القرى الجنوبية اشتهرت بمزارعها ومائها العذب والفنطاس سميت بهذا الاسم لانها كانت في السابق تحتوي على خزان للماء كبير تشاهده السفن عند الاقتراب منه اسمه الفنطاس، وهناك خزان ماء آخر صغير الحجم اسمه الفنيطيس ونقعة الفنطاس اصغر من نقعة الفحيحيل من ناحية المساحة، وحاليا يرتادها اهالي المنطقة وانشأ بها ديوانية كبيرة للرواد القدامى وابناء الجيل الحالي سميت على اسم المرحوم الشيخ حمود الفيصل المالك الصباح تخليدا له واسهاماته المتعددة لابناء منطقة الفحيحيل والفنطاس وابو حليفة والمناطق الاخرى، ونواخذتها معروفون من الصلال والحمدان والمزيعل والحقان وبعض العوائل الاخرى.
كلمة أخيرة
نتمنى ان نكون قد اعطينا قارئنا بعض المعلومات الوافية عن موضوعنا لهذا الاسبوع وهي «النقع» كما نود ان نعتذر لقرائنا لعدم استطاعتنا الحصول على معلومات كافية ووافية عن باقي النقع التي لم تذكر في هذا اللقاء، هذا ودمتم بحفظ رب العالمين ورعايته.