تكتبها: شيرين الرفاعي
حنة... حنة... جئت اليوم ابيع الحنة للنساء والبنات... العذارى والمتزوجات
ابيع كل ماهو جميل...احلام... كلام...بقايا أوهام
أبيع الحنا أنا... للفرح وللأعياد...قربوا يا بنات... قربوا يا بنات
على صوت أم مفرح في سوق النساء الشعبي...على صوت دعواتها للشراء...بصوتها الأجش العميق...
لبست قفازا مجعدا خشنا على يديها... او... لحظة...لعل القفاز هو جلد يديها... غريبة هي... لما لاتستخدم مرطبا لهذا الجلد المريض...
غطى نقاب ام مفرح وجهها الضاحك...وتحت نقابها وفوق جلد وجهها سكن ألف ألف سر دفين... هي في الخمسين من عمرها او الستين... أو السبعين...لايهم
المهم أنها هي بائعة الحنة في السوق الشعبي
تبيع الحنة للفرح... وبنقود ماتبيع تشتري مايجعلها تعيش...
هي معادلة صعبة هل تساوى بضع ريالات سعر انسان وهل وتساوي حياة
لكن المعادلة المستحيلة عند ام مفرح متعادلة الطرفين...
نقود ماتبيع من حنة هي لسداد ايجار بيت الطين...ولسداد فواتير(الكهرب والماء)
وشراء ما تسميه هي (حب السكر اللعين)...(حبوب الضغط)...
وألف اه من الضغط... فالولد تخرج ولم يلق وظيفة... والبنتين مالهم لابزواج ولابدراسة... نوف على الكرسي...ونورا تساعد أختها...
والحمد لله البسطة موجودة والحنة موجودة... وماحد ميت جوع...
وأطلقت أم مفرح العنان لصوتها من جديد حنة... حنة...
عندما انتصف الظهر وارتفع صوت الاذان (الله أكبر- الله أكبر)
وبدأت أشعة الشمس تغزو بسطة ام مفرح وتصبح أكثر متوحشة... تضرب رأس أم مفرح بلا رحمة... أو هوادة... معلنة انها الأقوى والأشد والأعنف...
ولما أخذت أم مفرح تستعد للنهوض ثم الوضوء والصلاة...
باهتها صوت عالي رجولي لم تعتد أن يباهتها من قبل فأذنها اعتادت سماع اصوات النساء... رفعت راسها ببطء بطيء لتعرف من هو الداعي...فهاجمت أشعة الشمس عيناها المجهدة... حاجبة عنها معرفة هوية المنادي...
من انت؟
ليش متشوفين... متعرفين انك مخالفة هنا... خربتي المنظر الحضاري للمدينة بصوتك وشكلك...يلى من هنا
وين أروح؟
معرف...شيلي اغراضك... يلى... على وجه السرعة...
وين اروح؟
مو شغلي... والله انت والي زيك ماتستحون... وين أهلك... وين زوجك... وين عيالك......يلى...
وين اروح؟
على الغضب رأس الموظف ووصل منه ماوصل...
شمس حارقة على رأسه... (والرجل لسه بعد مافطر)
الشهر بااخره... والزوجة عند أهلها... أقساط السيارة والمدرسة...
فأمسك بأكياس الحنة... ورصيف الشارع القديم بها...حنة...
وسحب البساط الذي افترشته ام مفرح... وبعيد.... رماه...ثم هرب مسرعا الى سيارته كأنه رأى ملك الموت متجسدا في تلك اللحظة أمامه...ركب سيارته... ورحل...
طبعا ام مفرح لم ترى وجه الموظف العصبي الجائع... ولم تعرف اسمه
جلست على الأرض مكان ماكان من بسطة الحنة...
خدها على يدها ذات القفاز المجعد الخشن...
تملأ عيناها حتى الشبع من مابقي من الحنة... تتذكر وجه أبو العيال...هو الان تحت التراب مدفون... كرسي نوف... عيون نورا...
انتظار مفرح للوظيفة... الطويل.