عشاق الرياضات بمختلف أنواعها سيجدون في پولندا جميع ما يرغبون فيه بدءا من الرياضات الشتوية مرورا بالفروسية والخيل وتسلق الجبال وصولا الى الرياضات البرية والمائية المتكاملة خاصة في منطقة البحيرات «مازوريان بامارانيا» والتي تتألف من 10.000 بحيرة متصلة بالأنهار والقنوات المائية لتكون تجربة استثنائية في حياة كل سائح.
تضم پولندا كذلك 7000 مكان مميز على البحر المتلألئ برماله البيضاء الذي يشهد بكثافة هواية ركوب الخيل على رماله الى جانب العديد من الرياضات البرية لجميع المستويات والأعمار.
الأسعار المميزة
الإقامة في فنادق پولندا تتميز عن غيرها من الدول بخاصية بارزة وهي الأسعار الممتازة مقارنة بالجودة التي تقدمها وذلك نسبة الى البنية التحتية الجديدة لمعظم فنادق السلاسل العالمية في العاصمة والمدن الأخرى حيث تشهد تلك الفنادق تنظيم أنشطة متعددة من معارض ومؤتمرات وحفلات وغيرها، بالإضافة الى ميزة أخرى وهي إمكانية السكن في معظم القلاع التي تكون فنادقا أيضا وأبرزها الفنادق الخشبية التي لم يتم دق مسمار واحد فيها.
ورغم ان پولندا تشتهر بكنائسها الأثرية والمصنفة أيضا ضمن قائمة التراث العالمي إلا أنه يتواجد بها أيضا حوالي 40 مسجدا من ضمنهم مسجدان تاريخيان يعودان للقرنين السابع عشر والثامن عشر ويزورهما العديد من المسلمين والعرب.
ومؤخرا صنفت پولندا ضمن قائمة أكثر 20 بلدا استقبالا للسياح لتضيف نجاحا الى نجاحاتها المستمرة.
مدينة وارسو
وارسو.. محط أنظار سياح العالم والمقصد الرئيسي للسواح الأوروبيين لما تتميز به هذه المدينة الآسرة من خصائص قد تتفرد بها دون سواها، فهي قبل كل شيء قصة نجاح يجب أن تروى، لا بل أن تدرّس لعزيمة شعب أراد.. فصمم.. فنجح، فسكان وارسو قدموا نموذجا مثاليا للمقولة «ما من شيء مستحيل» عندما يكون هناك إرادة للنجاح، فبعد دمار المدينة بشكل تام بعد الحرب العالمية الثانية، أعاد الپولنديون بناء عاصمتهم المدمرة عبر الاستعانة برسومات الفنان الايطالي برناردو بيلوتو الشهير باسم (كاناليتو) الذي رسم 23 صورة عن وارسو في القرن الثامن عشر، فأتى بها المهندسون المعماريون ليعيدوا إحياء مدينتهم كما كانت بالضبط في عصر التنوير.
وأثناء تجوالك في الجزء القديم من المدينة الأثرية ترى لوحات تبين لك رسم الفنان الايطالي في مقابل البناء الحقيقي الذي أتى مطابقا للصورة، كما يوجد في وارسو متحفا خاصا يظهر لك بالصور كل مبنى كيف دمر ثم كيف عمِّر من جديد.
وقصة النجاح الپولندي تستمر بإدهاشك لتجد بعض الابنية التي تخالها تعود فعليا الى القرن الثامن عشر، ولكن تكتشف بأنها بنيت فقط منذ 30 عاما، ولكن كما كانت بالضبط وبتمويل من سكان وارسو أنفسهم الذين تبرعوا لإعادة إعمار آخر جزء مدمر من مدينتهم كما كان سابقا قبل الحرب العالمية الثانية.
كراكوفسكي ونوفشفات
شارعان ساحران في وارسو تدمن ارتيادهما منذ لحظة دخولك المدينة، وهما شارع كراكوفسكي وشارع نوفشفات واللذان يضمان المطاعم الجميلة والفخمة على جانبي الطريق، فتجد المطاعم الشرقية والغربية الحديثة ومطاعم الوجبات السريعة والمقاهي الاميركية المتنوعة التي اعتدنا ارتيادها في الكويت.
وليس غريبا على الإطلاق أن تجد في هذا الشارع الشيشة التي أصبحت طلبا متداولا بكثرة في الآونة الاخيرة يقابلها أيضا، كل ما يطلبه السائح من مطاعم لبنانية أو تركية أو حتى هندية.
ومعروف عن الشعب الپولندي شغفه بالموسيقى وهو ما تلاحظه في هذين الشارعين، إذ تصادف العديد من الشباب الپولندي وهو يعزف على آلات متنوعة على جانبي الطريق في وقت يشارك المارة العازف بالغناء معه وحتى الرقص العفوي.
لا يراودك الملل إطلاقا من هذين الشارعين، ففي كل خطوة هنالك مفاجأة، خاصة في إجازات نهاية الاسبوع، حيث يتم تنظيم معارض ونشاطات وحفلات في الباحات والساحات الواسعة في هذين الشارعين اللذان يضمان خليطا واسعا من الناس، فتجد السائح الأوروبي بجانب الياباني بالاضافة للسائح العربي والفتاة المحجبة لتشكل مدينة وارسو موزاييكا ساحرا يضم جميع الاطياف.
يتميز أيضا شارعا كراكوفسكي ونوفشفات بالمباني القديمة، الساحرة ويقع في نهاية شارع كراكوفسكي الجزء الأقدم من المدينة والذي يعود للقرن الرابع عشر الميلادي.
لا يوجد مبنى في وارسو القديمة تستطيع أن تتغاضى عنه أو تفوت متعة التقاط صورة أمامه من الكنائس الرائعة بمعماريتها المختلفة من العصر القوطي الى الطراز الاغريقي والروماني وغيرها من المباني مثل جامعة وارسو التي تعتبر ثاني أقدم جامعة في العالم وغيرها العديد من المواقع التي تستمتع برؤيتها.
بين وارسو القديمة ووارسو الحديثة فارق بسيط في المسافة، ولكنه كبير في الاختلاف، فعشاق التاريخ والأصالة والهندسة المعمارية القديمة والمقاهي والمطاعم سيجدون ضالتهم في وارسو القديمة، وعشاق مراكز التسوق الحديثة والتي تضم أحدث وأشهر الماركات العالمية وبأسعار مميزة سيعثرون على ما يريدونه في وارسو الحديثة.
من الشوارع البارزة في وارسو ، أيضا هناك شارع aleje ujazdowsicie الذي يضم عددا كبيرا من السفارات منها السفارة الأميركية بمبنى جميل جدا، يقابله تمثال الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان يفصله أمتارا قليلة عن مبنى السفارة الروسية وهو المبنى الاكبر بين كل السفارات المتواجدة في هذا الشارع.
المبنى الأعلى
معلم آخر لابد لك من زيارته في وارسو وهو قصر الثقافة والعلوم الذي تم بناؤه عام 1955 كهدية من حكومة الاتحاد السوفيتي، وتحديدا من جوزيف ستالين للشعب الپولندي وهو يعتبر لغاية الآن أعلى مبنى في وارسو، كما يضم أكبر ساعة في أوروبا وهي أكبر من ساعة بيغ بن. وتستطيع رؤية المدينة الآسرة بشكلها الجميل من الأعلى وتزداد متعة الرؤية إذا كان الطقس صافيا ومشمسا.
ومن التناقضات ان الرئيس الأميركي باراك أوباما وأثناء زيارته هذا الشهر الى وارسو اختار الإقامة في فندق ماريوت المقابل تماما لمبنى قصر الثقافة السوفيتي والذي كان أول فندق أميركي يتم بناؤه في وارسو في ثمانينيات القرن الماضي.
عشاق التسوق
لعشاق التسوق والماركات الأصلية بأسعار ممتازة حتما سيسعدون بزيارة شارع اميليا بلاتر، حيث يوجد أهم وأبرز مركز تسوق في وارسو بارتفاع 240 مترا تقريبا، ويضم شققا سكنية هي الأغلى في وارسو.
يصادفك وأنت تتجول في وارسو تمثال الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول في ساحة كبيرة لا تعرف باسمه، ولكن تعرف شعبيا باسم ساحة النخلة التي تتوسط الساحة، وذلك مقابل شارع «القدس» الرئيسي في المدينة والذي كانت تسكنه أغلبية ساحقة من اليهود والذي يضم الفندق الوحيد الذي لم يدمر وهو فندق «بولونيا».
حدائق وارسو وشوپان
للحدائق في پولندا قصة أخرى وخاصة في وارسو التي تكاد تكون العاصمة الوحيدة في العالم التي تشكل المساحات الخضراء 40% من مساحتها التي تتألف من 516 كيلومترا مربعا.
فعندما نقول حديقة في پولندا، فذلك يعني مساحات كبيرة وواسعة من الأشجار والبحيرات والأنشطة الترفيهية المرافقة إن كان للأطفال أو حتى للشباب والكبار.
لعل الحديقة الأشهر في وارسو هي حديقة «واجنكي» أي الحمّامات والتي تضم تمثالا كبيرا للموسيقار الپولندي الأشهر فريدريك شوپان وتشهد حدثا جميلاً كل يوم أحد خلال أشهر الصيف عبارة عن إقامة حفل عزف لمقطوعات الموسيقي العالمي شوپان بجانبي التمثال والبحيرة التي يستلقي الپولنديون على ضفافها المتكونة من العشب الأخضر ومتلحفين بأشعة الشمس يستمعون الى موسيقارهم الأعظم في مشهد خلاب وساحر قد لا تراه في أي بلد آخر.
تضم حديقة «الحمّامات» و«اجنكي» قصر الملك الصيفي ستانسيلاس وهو آخر ملوك پولندا وتستمد تسمية الحديقة من حمامات تركيا وهي التي شاهدها ملوك بولندا وأعجبوا بها فقرروا إنشاء مثيل لها في پولندا، لتكون بمنزلة الاسترخاء والراحة في الهواء الطلق.
وتعتبر هذه الحديقة أيضا الأكبر في وارسو بمساحة 40 هكتارا وتستمتع أنت والعائلة برؤية الحيوانات من طواويس تتباهى بريشها أمامك ومن البط الذي يسبح طوال الوقت في المياه الدافئة صيفا ومن السناجب التي تشتري لها الجوز والبندق لتطعمها بيديك.
إذا زرت الحديقة قريبا لا تفوت على نفسك فرصة التمتع بركوب عربة الخيل أنت وعائلتك، حيث يتم أخذك في نزهة جميلة ترى فيها الحديقة بشكل كامل.
حديقة أوتيسوف
بالإضافة لحدائق وارسو تشتهر پولندا بوفرة الحدائق التي تنتشر في أرجاء البلاد، فهناك 23 حديقة وطنية بالاضافة الى 121 متنزه كبير تمارس فيه الأنشطة الترفيهية.
تعتبر حديقة «أوتيسوف» أو الحديقة الأبوية أحد أبرز الحدائق وأكثرها تنوعا وتبعد عن مركز مدينة كراكوف نحو 25 كيلومترا وتبلغ مساحتها 20 كيلومترا مربعا.
رغم مساحتها الكبيرة إلا أن طرقاتها جميعها معبدة ليتنزه السائح بكل راحة وليستمتع بممارسة هواياته من ركوب الخيل للاستمتاع بالمناظر الخلابة الى ركوب الدراجات الهوائية فيها.
وهواة تسلق الصخور يجدون ضالتهم فيها لوجود أفضل صخور التسلق.
يزور الحديقة سنويا نحو 300 ألف زائر يتركز معظمهم في فصل الصيف ويستطيع السائح ان يستأجر منزلا داخل الحديقة.
ولمن يفضل الإقامة الفاخرة بإمكانه ارتياد الفنادق القريبة من مركز المدينة ثم المجيء للحديقة متى يشاء.
فلاتر الهواء
عند رؤيتك وارسو من أعلى يلفت نظرك رؤية منصات حمراء صغيرة وهي عبارة عن فلاتر هواء بنيت على أطراف المدينة في القرن التاسع عشر وتحديدا في 1868م من قبل البريطاني وليم لندلي في هامبورغ ولندن ووارسو، لتكتشف ان عشق هذه المدينة للطبيعة وحرصها على البيئة قديم وتاريخي جدا.
العربية في وارسو
يعرف عن الشعب الپولندي طيبته وترحيبه بالضيوف وابتسامته الدائمة، وما فوجئنا به هو العشق الپولندي للغة العربية بوجود قسم في كلية الاستشراق يخرج عددا كبيرا من المتخصصين باللغة العربية.
إذا لن تفاجأ إذا زرت وارسو ان تتم مبادلتك بتحية «السلام عليكم» لدى معرفة انك عربي أو حتى التحدث ببضع كلمات ليعبروا فيها عن محبتهم لهذا الجزء من الشرق.
وخلال جولتنا قابلنا عددا من الطلبة الدارسين للغة العربية ومنهم الشاب مارتن غواتشيك الذي أبدى إصرارا وعزيمة كبيرين لدراسة القانون العربي ومقارنته بالقوانين الپولندية آملا ان يواصل دراسته كذلك في الشريعة بجامعة الأزهر.
وما لفتنا أيضا خلال الجولة وجود لوحة ضخمة جدا تزين مبنى مكتبة وارسو الجامعية مقتطفة من كتاب «الحيوان» للجاحظ ومكتوبة باللغة العربية، كما شاهدنا في طرقات المدينة لافتات خاصة في «شارع نوفشفات» لأشعار وكتابات الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط.
تلفت نظرك في پولندا أيضا البنية التحتية الرئيسية لتكون بحق أكثر البلدان الشيوعية نجاحا بعد انهيارها، وقد تم بناء جزء واسع منها لاستضافة كأس أوروبا عام 2012 في پولندا وأوكرانيا.
ولدى صعودك أقدم جسر في وارسو، والذي تشاهد عبره أحدث ستاد رياضي في العاصمة ترى نهر «فيسوا أو فسيتلا» وهو النهر الأبرز في پولندا، ويقسم البلاد الى قسمين في مشهد تراه بوضوح عبر المبنى الأعلى في وارسو.
فرساي وارسو
إذا سبقت لك زيارة باريس ورؤية قصر فرساي، فستجد شبيها له في وارسو، ويقع على بعد 10 كيلومترات من وسط المدينة، وهو قصر فيلانون الذي كان مقرا لملك پولندي حاول تقليد قصر فرساي بعدما فتنه بسحره، وبالتأكيد عشاق العمارة يستمتعون برؤية حدائق القصر المتنوعة بين النمط الإنجليزي والفرنسي بالاضافة لبحيرة كبيرة أضفت جمالا إضافيا على القصر.
يهود وارسو
في نهاية هذه الجولة لا بد من تصحيح فكرة شائعة خاطئة يأخذها معظم العرب، فعندما يتم ذكر پولندا أو وارسو يتم الاعتقاد مباشرة بأن السياحة هناك فقط لرؤية آثار الحرب العالمية الثانية والغيتو اليهودي وغيرها من الأمور المتعلقة بتلك الحقبة.
ولكن الحقيقة مختلفة تماما، فبالاضافة لتلك الأماكن تزخر پولندا ووارسو بالمقومات السياحية التي تجعلها في مركز متقدم في السياحة العالمية.
وللعلم فإنه قبل الحرب العالمية الثانية كان عدد سكان وارسو نحو مليون و 200 ألف بولندي منهم 350 ألف يهودي پولندي ولا يوجد الآن في وارسو سوى 400 شخص يهودي فقط يرتادون كنسيا واحدا بينما كان في السابق هناك 400 مركز ديني يهودي.
باقة شكر
تتوجه «الأنباء» بجزيل الشكر الى كل من ساهم في إنجاح الزيارة الى پولندا والمساهمة في تقديم پولندا سياحيا واقتصاديا في الكويت:
٭ السفارة الپولندية في الكويت وسفيرها غريغورز أولزاك والهيئات السياحية والاقتصادية والاعلامية في بولندا.
٭ د.مارتشين غرودزكي الدكتور المحاضر في جامعة وارسو في اللغة العربية والدراسات الإسلامية والذي رافق الوفد الإعلامي، وكذلك المرشدة السياحية آليتسيا آكساميتوفسكا والتي قدمت لنا جولة سياحية وتعريفية مميزة في وارسو.