محط أعين المستثمرين لتطور اقتصادها وتنوعه واستقراره
مركز أساسي لصناعة قطع غيار السيارات والطائرات في أوروبا
وارسو - محمد ناصر
الحلقة (5 - 5)
جولة سياحية استمرت لـ 8 أيام في پولندا بدعوة من السفارة الپولندية في الكويت للتعريف بأبرز مدنها وأسواقها وحدائقها ومعالمها الأثرية العديدة. فرصة جميلة للتعرف على بلد ناهض استطاع بعد حوالي 25 عاما على سقوط الحكم الاشتراكي أن يكون أحد أكثر البلدان نموا وازدهارا في القارة الأوروبية متجنبا الركود الاقتصادي الذي ضرب القارة بفضل السياسات الاقتصادية المتبعة في هذا البلد المنفتح على الاقتصاد الحر والأسواق الحرة. بلد سياحي بامتياز صنف ضمن قائمة أكثر 20 بلدا استقبالا للسياح حول العالم فاتحا ذراعيه لاستقبال المزيد منهم ومرحبا بهم من قبل شعب مضياف عرف بابتسامته وطيبته وترحيبه بالضيوف. «الأنباء» تقدم لكم من خلال هذه الحلقات لمحة تعريفية عن پولندا سيمفونية أوروبا السياحية وبلاد شوبان وأبرز مدنها وملامح السياحة فيها.
مع انهيار الحكم الاشتراكي، تحول اقتصاد پولندا الى اقتصاد السوق الحر وتوج هذا التحول عام 2004 بانضمامها الى الاتحاد الأوروبي، وبرزت پولندا كدولة واعدة استطاعت وحدها من بين دول الاتحاد الأوروبي أن تكون بمنأى عن أزمة 2008 الاقتصادية، ولتشكل بنجاحاتها أحد أبرز الاقتصادات العالمية والأسرع نموا في أوروبا بحسب ما ذكر البنك الدولي في تقارير سابقة.
هي «صين أوروبا» هكذا يُطلق على پولندا اليوم التي أصبحت مركزا لصناعات قطع غيار السيارات التي يتم تصديرها لألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، بالإضافة الى صناعات بارزة عديدة اشتهر بها هذا البلد الناهض اقتصاديا أبرزها الصناعات الآلية وبناء السفن وصناعة الطيران بوجود منطقة مخصصة لتلك الصناعات والمنتجات الكيميائية والالكترونية، إذ يوجد في پولندا أكبر مصنع للـ «lcd» ومصانع الأثاث والمفروشات.
الأراضي الزراعية
تستخدم حوالي 60% من مساحة پولندا للزراعة، لذا أضحى القطاع الزراعي أهم أعمدة الاقتصاد، وأهم المنتجات الزاراعية هي التفاح، الحبوب، البطاطس، الشمندر السكري، الخضراوات والفاكهة.
وتعتبر پولندا أهم منتج زراعي في الاتحاد الأوروبي وسلة الخبز المستقبلية لأوروبا. كما تملك البلاد ثروة حيوانية ضخمة.
تتمتع پولندا بموقع جغرافي مميز وسوق استهلاكي كبير وخبرة صناعية جيدة، وتقدم مجموعة من الامتيازات للمستثمرين الأجانب ومن بينها الامتيازات في المناطق الاقتصادية الخاصة، وهي مناطق صناعية مُعدة خصيصا للاستثمار، ويتم فيها تقديم إعفاءات ضريبية واسعة وخدمات خاصة، وهناك أيضا دعم حكومي يُقدم للشركات والمؤسسات التي تستثمر في المشاريع المتعلقة بتطوير البنية التحتية والبيئة وتدخل تقنيات جديدة.
وتفتح پولندا مجال الاستثمارات لرأس المال الأجنبي (عبر الشركات الحكومية والخاصة أو صناديق الاستثمار) في كل المجالات تقريبا، وعلى وجه الخصوص في مجالات الطاقة والصناعة الثقيلة والتعدين والاتصالات والسياحة والعقارات وكذلك في الصناعات الخفيفة والتحويلية والكيميائية والصناعات الغذائية.
صناديق الأستثمار
وتتبنى الحكومة أيضا خطة للخصخصة، وهو ما شرحه لـ «الأنباء» مسؤول العلاقات الأفريقية - الشرق أوسطية في وزارة الخارجية الپولندية ستان سلو سمولن، ودعا بعده الجهات الكويتية المعنية للاستثمار في پولندا في مختلف المجالات خاصة السياحية والتجارية للمشاركة في دعم النهضة التي تشهدها البلاد وللاستفادة أيضا من مراكز الجذب فيها.
وقال سمولن ان پولندا بدأت في خصخصة المرافق والمراكز التجارية والسياحية والمصانع مؤكدا جاهزية بلاده لاستقبال المستثمرين الكويتيين في جميع المجالات،
وأوضح ان پولندا قبل 10 أعوام «لم تكن مهيئة لبناء العلاقات الاقتصادية والسياحية والتعليمية مع دول الخليج ولكننا الآن بعد الانضمام للاتحاد الأوروبي قمنا بتطوير جامعاتنا ومرافقنا السياحية لنصبح أكثر استعدادا للمستثمرين والطلاب والسياح من جميع أرجاء العالم ومنها الكويت».
الاقتصاد المتفوق
بدوره اعتبر مستشار وزارة الاقتصاد الپولندي كريستوف دابروسكي ان پولندا بلد آمن تماما لإقامة مختلف أنواع الاستثمار فيه وهو الأكثر استقرارا وتطورا وتقدما ولديه اقتصاد متقدم ومتفوق على إيطاليا وإسبانيا واليونان.
ودعا دابروسكي المستثمرين لنسيان المرحلة الشيوعية والتوجه الى پولندا الواعدة التي تخلت عن البيروقراطية في الاقتصاد وهي من أقل الدول الأوروبية بيروقراطية، مؤكدا في الوقت نفسه ان المؤشرات الاقتصادية الپولندية مرتفعة جدا، متوقعا ان تتحسن أكثر وأكثر في السنوات القادمة.
وكشف المستشار الاقتصادي عن قيام قطر بالاستثمار في مشاريع غاز لتدخل بعد هذا التعاقد الشركات القطرية لتستكشف السوق الپولندي الواعد الذي ينتظر رأس المال.
واعتبر المسؤول الپولندي انه في الاقتصاد دائما هناك نقطة بداية، فبالنسبة لقطر كانت الانطلاقة مع الغاز، ومع الإمارات توسعت العلاقات الاقتصادية بعد تشغيل خط جوي مباشر مع وارسو، ويأمل دابروسكي الذي كان أول خريج پولندي متخصص باللغة العربية والشريعة من جامعة الكويت ان يكون هناك نقطة بداية مع الكويت ليأخذ مسار العلاقات الاقتصادية الپولندية - الكويتية أبعادا متقدمة ومتطورة عما هي عليه الآن.
وكشف المسؤول في وزارة الاقتصاد الپولندية عن قيام بعض المستثمرين من الأردن ولبنان باستئجار أراض زراعية في پولندا وتصدير ناتجها الوافر الى دول العالم وهي تجربة تتوسع شهرا بعد شهر خاصة بعد المردود الكبير الذي جناه المستثمرون، داعيا في الوقت نفسه الشركات الغذائية في الكويت لاستكشاف الاستثمار في الزراعة في پولندا.
الغاز الصخري
من جانب آخر، ذكر عدد من المسؤولين الاقتصاديين في پولندا ومنهم عضو مجلس إدارة التنمية الاقليمية في وكالة الاستثمارات الخارجية الپولندية بوزينا زاجا عن التنوع الكبير في الاقتصاد الپولندي والذي لا يعتمد على جهة واحدة للاستثمار بها.
فقد تم الكشف عن كميات كبيرة جدا من الغاز الصخري في پولندا، حيث بدأت شركة pgng الپولندية لاستخراج الغاز والتعدين في التنقيب الذي كشف عن نتائج واعدة، داعين الشركات الكويتية للتعاون مع الشركات النفطية الپولندية للتباحث في إمكانية تحويل المباحثات الموجودة الى نتائج على أرض الواقع.
وكشف دابروسكي أن السنة المقبلة ستشهد تعبئة مقترح انضمام پولندا لعملة اليورو، مؤكدا في الوقت ذاته أن بلده لديه كل المؤهلات والمعايير للدخول لليورو، ولكن يتم تأجيل الخطوة تخوفا من الركود والتقلبات الاقتصادية.
بدوره، دعا عضو مجلس الشيوخ الپولندي ورئيس لجنة الصداقة الكويتية ـ الپولندية ستانسواف كوفوت الى ضرورة تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، خاصة عبر تشجيع السياحة والتي ستكون مدخلا ممتازا لتطوير العلاقات.
وأكد كوفوت على متانة العلاقات التي تمتد لأكثر من خمسين عاما، بدء من الاستقلال مروراً بالمشاركة في قوات التحالف لتحرير الكويت وصولا للدور الپولندي الابرز بين جميع الدول في المساهمة يالكشف عن جثث الاسرى الشهداء عقب سقوط نظام صدام البائد.
وأبدى كوفوت استغرابه من حجم التبادل التجاري بين البلدين والذي لا يتخطى بأحسن الأحوال 100 مليون دولار مقارنة مع تنامي وتطور العلاقات الاقتصادية مع الدول المجاورة مثل السعودية والإمارات وقطر.
وأكد ان عمليات الخصخصة في پولندا ماضية قدما، داعيا المستثمرين الكويتيين الى المشاركة في هذه الحركة خاصة في القطاع الغذائي بالإضافة الى عدة مصانع مملوكة لخزانة الدولة طرحت للتخصيص مثل مصانع أحواض السفن «التي لها بنية تحتية كاملة وعمالة محترفة» ولا ينقصها سوى التمويل لتعمل بكفاءة وربحية كبيرة تحت مراقبة الاتحاد الأوروبي.
كما كشف كوفوت ان من الفرص الاستثمارية أيضا تخصيص المصحات العلاجية وخدمات المواصلات العامة والزراعة الغذائية وصناعة مواد التجميل من مواد طبيعية والتي تعتبر سوقا كبيرا في العالم وتشارك فيه پولندا بشكل كبير.
پولندا.. قصة نجاح..
وقعت پولندا عقب الحرب العالمية الثانية تحت الحكم الشيوعي وكانت اكبر دولة في الكتلة السوفييتية.. وعقب اضرابات واحتجاجات عديدة اضطر النظام الشيوعي عام 1989 لخوض محادثات مع المعارضة وأسفرت اول انتخابات ديموقراطية جزئيا عن هزيمة ساحقة لمؤيدي النظام فدخل الكثير من زعماء المعارضة السابقة البرلمان
واختارت پولندا عدم ملاحقة ومحاكمة الاعضاء السابقين في النظام الحاكم وأعاد الدستور الجديد ضمان الحقوق والحريات الاساسية للشعب وبدأت الاصلاحات الاقتصادية والسياسية التي احدثت تحولات هائلة في مجمل ومختلف النواحي
وتحول الاقتصاد الپولندي المنهار من نظام التخطيط المركزي الى نظام السوق الحرة وحسنت الخصخصة الكفاءات اذ يعتبر الاقتصاد الپولندي من ابرز اقتصادات العالم وكان خلال العقدين الماضيين الاقتصاد الخامس الاسرع نموا من حيث دخل الفرد في العالم
تعتمد پولندا نظاما سياسيا متطورا ينص على التوازن بين كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما يقر بأن أساس النظام الاقتصادي في پولندا هو اقتصاد السوق الحر.
تتكون السلطة التنفيذية في پولندا من رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء ونائبيه، والوزراء ويتم انتخاب رئيس الجمهورية من جانب الشعب الپولندي لمدة خمس سنوات، ويمكن إعادة انتخابه لفترة ثانية
وتتكون السلطة التشريعية في پولندا من البرلمان الپولندي الذي يتكون من مجلسين مجلس الشيوخ «الأعيان» وعدد أعضائه 100 عضو يتم انتخابهم بأغلبية الأصوات على أساس قروي لمدة أربع سنوات ومجلس النواب وعدد أعضائه 460 عضوا يتم انتخابهم وفقا لنظام التمثيل النسبي لمدة أربع سنوات أيضا.