للشعر جماله ورونقه، ارتبط بالإنسان منذ القدم، امتزج بالحياة وعكسها، غاص في أعماق النفس البشرية، ناقلا شتى المشاعر والأحاسيس، معبرا عن مكنونات الفرد، موثقا للمجريات اليومية والأحداث العظام في تاريخ المجتمعات، كاشفا عن جوانب خفية من شخصيات الملوك والقادة والزعماء، له نجومه وعشاقه وجماهيره على مختلف العصور.
في العالم العربي، كان الشعر ولا يزال «فن العرب الأول» لاسيما في ظل تلاحق المذاهب والمدارس الشعرية المتعددة، وفي العصر الجاهلي سمي بـ «ديوان العرب»، وظل فنا أدبيا بارزا متفوقا على العديد من الفنون الادبية الاخرى، ازدهر الشعر ووصل الى أوج عظمته في الجزيرة العربية، موطن المجد والعزة، حيث صدح الشعراء في مختلف الحقب الزمنية بأعذاب الكلمات وارق الأبيات، وتباروا في ساحات الشعر، تاركين وراءهم روائع ستظل خالدة على مر الازمان، لتبقى جزءا لا ينفصل عن ثقافة وتراث الجزيرة العربية.
الأسبوع قبل الماضي، كانت ابوظبي على موعد مع حدث مهم وهو انطلاق الموسم السابع من البرنامج الشهير «أمير الشعراء» الذي غدا من المعالم الثقافية والفنية لأبوظبي، بعد النجاح الساحق الذي حققه طوال السنوات الست الماضية، فالجهود الجبارة في النسخة السابعة من الديكورات وطرق العرض والاضاءة، بالإضافة الى التنوع الشعري والثراء الثقافي لدى الشعراء المشاركين افرز خليطا متميزا قوامه الجمال والنجاح الذي لا تخطئه العين، حيث شارك في النسخة الحالية العديد من الشعراء الشباب الواعدين من مختلف أنحاء العالم العربي، ليتنافسوا على لقب طالما طمح إليه الكثيرون متسلحين بقدراتهم الذاتية على النظم والارتجال والبديهة الفطرية الشعرية.
«الأنباء» تلقت دعوة من القائمين على البرنامج لحضور احدى حلقاته بفقراتها المحببة والتي لا تملها النفس، فالبرنامج من النادر ان يتكرر نظرا للجماهيرية الواسعة والنجاحات الكبيرة التي حققها.
منازلات شعرية
شهدت الحلقة حضورا جماهيريا غفيرا، حيث ألقى كل من الشعراء المتسابقين اجمل قصائدهم، كما ألقت المطربة مشاعل قصيدة من كلمات الشاعر نزار قباني بعنوان «يسمعني حين يراقصني» والتي سبق للمطربة ماجدة الرومي أن غنتها، في حين كان أبو الطيب المتنبي وأبو فراس الحمداني أشهر شاعرين في العصر العباسي محور اهتمام الحلقة.
وفي ليلة لا تنســـى، حفلت بالشعر الفصيح والنبطي من خــــــلال «المنازلات» الشعرية بين الشاعرين نذير الصميدعي نجم «أمير الشعراء» في موسمه السادس، ومحمد السكران التميمي نجم «شاعر المليون» في موسمه السابع، حيث تحديا بعضهما في تأكيد وتأصيل لمكانة الشعر النبطي والفصيح في الجزيرة العربية.
صناعة النظم
من جانبها، ألقت الشاعرة وردة الكتوت قصيدتها «سارق النار» التي بدأتها قائلة:من سكرة الروحلا من صخرة الجسدأمشي إليكويقتات الهوى كبدييلقي علي قميصا قد من قبلشوق لعينيك لم يهد ولم يكدوأكد عضو لجنة التحكيم د.عبدالملك مرتاض ان الصورة في قصيدة «سارق النار» تقوم على صناعة النظم لا على دفق الشعر، مؤكدا أن وردة قدمت صورة فنية بديعة، حيث جعلت البحر يسوق الموج ويطاردها بكل ما فيه من أهوال، كما ترسم لوحة فنية من فزع وبغي وعدوان، لكنه وجد نشازا في البيت التاسع، وكذلك في نهاية النص، وتمنى على وردة لو أنها لم تحكم على الأردنيين بأنهم يعيشون في كبد، لأن البلد الحضاري لا يمكن أن يعيش ذلك.
واوضح عضو لجنة التحكيم د.صلاح فضل إن وردة تتقن صناعة الشعر، وصياغتها قوية، وصورها جميلة، وتراكيبها مشحونة، وهي معجونة بالبلاغة القرآنية، غير أن هذا الأمر يسلبها طاقتها لأنها لا تستطيع مجاراته، فالقرآن كالشمس، وليس للشموع أن تضيئ ما يضيئه، كما ان لها لفتات طريفة وأنثوية بديعة، مقدرا اعتزازها ببلدها.
ولفت إلى ان بروميثيوس «سارق النار» عنوان قصيدة وردة توحي بأن الشعر هو النار المقدسة المضطرمة، وأن علاقة الشاعرة بالشعر هو فناء تام، وفي النص – كما أشار - عدة مستويات تشبه دلالات قميص يوسف بين مراودة ومراوغة، لتتعالق الشاعرة مع النص القرآني بذكاء وجمال، وترسم علاقتتها بالشعر.
صوفية وإنسانية
تحت عنوان «ضوء يخفف الطين» ألقى وليد الخولي قصيدته التي نالت إعجاب الحضور بدءا من العنوان الذي اعتبره في غاية الشعرية، أما بالنسبة لصور النص فكانت جميلة، وبعضها حديث جدا، حيث الشاعر يشجر المعنى، ويجعل الصور تتوالد وتتشعب، فيصور بالحداثة ويبني بالتراث، وكأنه يستلهم من البيت الجاهلي: وتضحك مني شيخة عبشمية كأن لم تر قبلي أسيرا يمانياوتناول د. صلاح فضل النص الشعري موضحا أنه لا يخفف العتمة وحسب، بل يجعله بللورا، وهو ضوء المحبة الإنسانية، والشاعر أبدع إذ علق قلبه بجناح فراشة، وناشد أخاه للخروج من العزلة كما فعل أكتافيوباث، ومن فخ الهويات القاتلة، وحين عاد وليد إلى المتنبي كي يقشر النصال ويتكئ على ابن عربي، فبدا أنه يدعو إلى مذهب الإنساينة ودين الحب، مؤكدا ان شعراء هذا الزمان أمامهم التبشير برسالة الإنسانية.
وركز عضو اللجنة د.علي بن تميم أيضا على تأثر شعراء الموسم السابع بالصوفية، وكأنهم يريدون البحث عن دين بلا إيديولوجية وتشدد، مضيفا: حسنا فعلت حينما ذهبت إلى ابن عربي، فقصيدتك تتسامى بدءا من عنوان فيه مفارقة بين الطين الجسد والضوء الروح، وقصيدتك تتحاور مع النفري، وهذا جيد منك وموفق فيه، لافتا الى أن صياغته الشعرية جميلة، وبالتالي علينا أن نحيي اليوم الكولاج الروحي الإنساني الصوفي كما كانت تفعل النصوص الشعرية القديمة التي نزعت إلى الصوفية.
استقبال حافل
فور هبوط الطائرة في مطار ابوظبي، توجهنا الى قاعة الاستقبال في المطار، وهناك وجدنا استقبالا مميزا، وتم توصيلنا الى مقر الاقامة في الطابق الـ23 من أحد الفنادق الفخمة ذات الرواق البهي وحمامات السباحة الراقية، والتمتع بنسمات الهواء الباردة وانغام الموسيقى من انامل احدى الفنانات الاوكرانيات في أجواء لا توصف من المتعة والحفاوة الكبيرة.
مسجد الشيخ زايد وجسر خليفة
كتب الكثيرون عن مسجد الشيخ زايد في ابوظبي وجماله وبهائه، ولكن ليس من رأى كمن سمع، وربما يخفى على الجميع المساحة الشاسعة التي يقع عليها المبنى، حيث الاجواء الروحانية والايمانية التي تلف ارجاء المكان، فيقصده المسلمون وغير المسلمين من أميركيين واوربيين في جولات للتعرف على الصرح العمراني الهائل الذي يعد من أهم الصروح الدينية في الامارات.
كما قمنا بجولة استشكافية لجسر خليفة المذهل والذي يقع بالقرب من الكورنيش الرائع ويقصده مرتادوه من السياح الذين تراهم اما يمارسون رياضتهم المفضلة عليه او يقضون اوقاتا جميلة بين جنباته.
«فيراري» و«999»
حرص القائمون على البرنامج على اطلاعنا على العديد من المعالم الجميلة في ابوظبي ومنها حلبة «فيراري» التي تحمل بين طياتها العديد من السيارات والالعاب التي لم يسعفك الوقت لكي تطلع عليها جميعا او تستمتع بتجربتها واكتشاف بهائها، كما قمنا ضمن الوفد بزيارة الى مجلة «999» وهي مجلة متكاملة تصدرها وزارة الداخلية تتحدث عن ابرز القضايا الاسرية وكيفية معالجتها، كما قام العقيد عوض الكندي باصطحابنا في جولة بين اقسام المجلة المختلفة ومكاتب التحرير بها حيث يعمل الجميع في جد كخلية نحل.
شكر وتقدير
لا يسعني أمام تلك التجربة الفريدة في ابوظبي الا ان اتقدم بالشكر الجزيل للقائمين على برنامج أمير الشعراء والدور الكبير الذي يقومون به لتذليل العقبات وتسهيل المهام أمام الاعلاميين والجماهير والزوار من مختلف الدول، ونخص بالذكر عبدالله المصعبي وهويدا الظنحاني وألين صابريان وعبد الناصر نهار، ونعتذر عن ذكر باقي الأسماء.