في المقالات الثلاثة السابقة تناولنا بإيجاز بدايات الطب النظامي في الكويت خلال العقود الأربعة الأولى من القرن الماضي، إلا أن النهضة الصحية الشاملة كانت في عقد الخمسينيات من القرن العشرين بعد إنشاء دائرة الصحة وافتتاح المستشفى الحكومي وتوافر الموارد المالية.
فقد شكلت تلك الفترة التاريخية تحديا للقائمين على شؤون الصحة بالبلاد خصوصا مع زيادة عدد السكان والوافدين إليها للعمل وقلة المنشآت الصحية وضعف الوعي الصحي، ورغم حداثة العهد بالإدارة والتخطيط إلا أن المسؤولين سارعوا الى الاستعانة بخبراء فنيين لإسناد القرارات الفنية ومن ضمنها الصحة.
وعلى الصعيد الطبي تسلم البريطانيون بقيادة د. إيريك بري العمل الطبي الفني وشغل وظيفة رئيس الأطباء بالدائرة وأسهم مع رفاقه في وضع السياسات والتنظيمات الفنية في ممارسة المهن الطبية وخاصة الطب العلاجي وتوصيف العمل الفني للعاملين بها كما شاركت الكوادر العربية الطبية في إدارة الطب الوقائي والتثقيف الصحي وإدارة العمل بالمستوصفات والمراكز الصحية.
وخلال فترة الخمسينيات من القرن العشرين تم التوسع في المراكز الصحية والمصحات وخدمات طب الأسنان ومراكز الإسعاف خاصة بالقرى وتأمين العمالة الفنية المتخصصة في فروع الطب والتمريض والخدمات المساندة وهي المهمة الأصعب. كما تم إنشاء المعاهد الصحية للتدريب وتم ابتعاث الكوادر الوطنية لدراسة العلوم الطبية والصحية وتم الشروع في إصدار القوانين والتشريعات الصحية المنظمة للعمل الصحي بالبلاد. والبدء بقيد المواليد والوفيات كما بدأ الاهتمام بالتثقيف والإرشاد الصحي عن طريق إصدار مجلات وبث برامج صحية في المدارس وعبر الإذاعة الكويتية فيما بعد.
لقد رسمت البدايات ملامح الممارسة الطبية بعد عهد الاستقلال والتي كان أهم مظاهرها مجانية الخدمات الطبية الحكومية وتمويلها من موارد الدولة، وتأمين خدمات طبية ووقائية لكل مقيم، توزيع جغرافي للمراكز الطبية على جميع مناطق وضواحي الكويت، وتبني النظام الفني البريطاني في الممارسة الطبية والتعليم والمسميات الوظيفية الفنية، الالتزام بنظم قياس الجودة والتخطيط ومكافحة الأمراض وفق معايير منظمة الصحة العالمية والهيئات التابعة لها فيما بعد.
كانت تلك هي بدايات الطب النظامي في الكويت والتي اخترنا لكم بإيجاز بعض فصولها عبر سلسلة من مقالات هذا الشهر والتي نختمها اليوم.
[email protected]