يعتقد البعض أن المعارضة هي مشكلة نظام الحكم في الكويت بينما في الحقيقة معضلاتنا أكبر وأهم من ذلك، بل قد تكون المعارضة إحدى الأدوات العلاجية لتحديات أخرى تهدد استقرار نظام الحكم في البلد، وفي هذا المقال سأذكر مجموعة حقائق تمثل بذاتها مشاكلنا وتحدياتنا الحقيقية:
1 - واقع جيوبوليتيكي مزعج: يتمثل في كوننا دولة صغيرة وجغرافيتها مسطحة وخالية من التضاريس التي قد تخدمها دفاعيا في صد أي عدوان خارجي، في الوقت الذي يجاورنا فيه ثلاث دول أصغرها أكبر منا بـ 24 مرة، وأكبرها أكبر منا بـ 126 مرة.
2 - عجز قدرتنا الذاتية عن الردع: وهي انعكاس مباشر لصغر حجم الدولة وشح السكان مقارنة بدول الجوار، ومع هاتين الحقيقتين لن يكون الهرع إلى التسلح التقليدي كافيا لخلق وزن ردعي يمنع منفردا أي هجوم أحادي من دول الجوار قبل حدوثه، لذلك بحثت الكويت واقترحت فكرة «مجلس التعاون» في محاولة منها لخلق منظومة دفاعية إقليمية تشبع حاجتها وتوفر لها الحد الأدنى من الضمانة الردعية المطلوبة، ويبدو أن مجلس التعاون لم ينجح في تلبية هذه الحاجة بينما قد ينجح تحالف الحزم ورعد الشمال في تلبية المعادلة الدفاعية المطلوبة كويتيا.
3 - تهديد ديموغرافي: يتمثل في كون عدد السكان الوافدين يزيد على ضعفي عدد السكان الأصليين مما يجعل إمكانية أن تكون الدولة مخترقة بعناصر وتنظيمات عسكرية أجنبية تضر بالأمن الوطني وتهدد استقرار نظام الحكم واردة جدا أو ممكنة مستقبلا لسهولة تجنيد الوافد.
4 - قصور أمني: وذلك لعدم استيعاب الأداة الأمنية بتنظيمها ومقدراتها وعقيدة أفرادها لحجم التداعيات الأمنية الناتجة عن تركيبتنا الديموغرافية الحديثة، وهذا لا يعيب الداخلية لأن أداتها الأمنية اعتادت لأكثر من نصف قرن على أنماط لم يكن من ضمنها أبدا الحالة التي نعيشها اليوم، ومع ذلك لا نعفي الداخلية من مسؤوليتها الوطنية تجاه إعادة هيكلة أداتها الأمنية وضرورة تضخيم مقدراتها بما يسع ويستوعب الاحتياج الأمني الفعلي، وعلى المجلس أن يتفهم هذا الاحتياج وأن يقر الميزانيات والتشريعات المناسبة التي تخدم عملية الوصول لهذه الأداة.
5 - خلل اقتصادي:
أ - يزيد عن نسبة 80% من الكويتيين الموظفين موظفون في قطاعات حكومية طبيعة عملها غير إنتاجية باستثناء الوظائف البترولية، والغالب الأعم من الموظفين لا يأخذ راتبه وفق معيار عمل مقابل مال لأن توظيفه من حيث المبدأ لم يكن دافعه احتياجا حكوميا لطاقته كفرد ولأن طاقته تزيد على الحاجة التشغيلية الحقيقية لأعمال الحكومة أصبح معيار التوظيف عمليا هو فقط تلبية حق الكويتي في الوظيفة كإحدى قنوات توزيع الثروة دون منهجية سليمة في توزيع الطاقة الوطنية بين القطاعات المحلية الخاصة والحكومية والمدنية بطريقة تجعل بقية قطاعات المجتمع تشارك في تحمل مسؤوليتها الوطنية تجاه هذا الملف.
ب- افتقار السوق لجميع أنواع الصناعات الثقيلة والمتوسطة غير النفطية والأغلب الأعم من الصناعات الخفيفة التي من شأنها امتصاص الطابور الوظيفي وتدعيم الاقتصاد الوطني وإنعاش القطاعات التجارية الأخرى.
ج - الاعتماد الحكومي شبه الكلي على مصدر دخل أوحد «برميل النفط ومشتقاته» وهنا أؤكد أن مشكلتنا لا تكمن في كون مصدر دخلنا وحيدا فقط، وإنما أيضا في كون هذا المصدر الوحيد حساسا جدا ومتأثرا بشكل مباشر بالعوامل والتفاعل السياسي في المنطقة والعالم، وبما أن عالم السياسة دائما مضطرب فإن سعر البرميل دائما متقلب بالتالي لا يمكن التكهن بقيمة إيرادات سنة قادمة ما دامت العوامل السياسية هي المؤثر على تسعيرة مصدر دخل الدولة.
6 - عقدة الشرعية: شرعية النظام الكويتي «شرعية تقليدية» تستمد اعتراف الشعب فيها من أعرافنا وتقاليدنا الموروثة من الآباء والأجداد، ولا يمكن لأي كان أن يشكك في هذه الشرعية، بل ولا أعرف كويتيا يرتضي غيرها على نفسه، ومع هذه الحقيقة علينا أن نأخذ بالاعتبار حقائق أخرى منها أن عدد دول العالم يصل لـ 194 دولة بينما الأنظمة التقليدية فيها لا تصل لنسبة 10% من إجمالي عدد الأنظمة في العالم، أما الحقيقة الثانية فهي أننا في عصر العولمة والانفتاح على العالم وتداخل الثقافات وسهولة التواصل والتبادل بكل أنواعه، ومما لا شك فيه أن هذا الانفتاح على شعوب الأنظمة غير التقليدية والتداخل الثقافي بيننا وبينهم بسبب سهولة التواصل والتبادل بكل أنواعه سيشكل عنصرا أساسيا في تكوين الجيل الصاعد والقادم ثقافيا، بالتالي يلزمنا أن نعيد تعبئة أجيالنا وأن نجعل ثقافتهم تستقر بعد تفاعلها مع مؤثرات العولمة دون أن تتأثر فكرة «شرعية نظامنا التقليدي» في عقولهم لأن كفر الجيل بهذه الفكرة سيتسبب في تغييرات هيكلية مستقبلا على شكل النظام السياسي الكويتي.
كيف نحقق معادلة تحافظ على استقرار المنظومة الثقافية الكويتية أو المهم منها على الأقل للحفاظ على البيئة الحاضنة لنظامنا السياسي؟
هنا يأتي دور المعارضة.
نعم، المعارضة ستكون الأداة العلاجية لهذه المشكلة المحتمل حدوثها مستقبلا وذلك عن طريق السماح للمعارضة بالحديث وتقبل سقفها العالي حتى وإن تخلل خطابها بعض النقد اللاذع إلا أنه يجب على الحكومة تقبله لتحافظ على قدرة خطاب المعارضة على التأثير على عقول الجيل الحالي.
لماذا نريد أن نحافظ على قدرة المعارضة على التأثير؟
لأن المعارضة يمكن التفاهم معها والتحاور معها والتنسيق معها لكونها «معارضة موالية لنظام الحكم» بالتالي بالإمكان ضبط خطابها وجعله يعبئ الشارع الشبابي بعقيدة الشرعية التقليدية، وسيتقبل الجيل الجديد هذا الخطاب منهم لأن نقدهم اللاذع يشبع رغباتهم ويفرغ سخطهم بالتالي سينجح في تحديد سقفهم.
وفي ختام المقال أرفع مجموعة توصيات للمعنيين من الحكومة والمجلس:
1 - تعزيز تحالف الحزم وتحالف رعد الشمال وتحالف الجيش الإسلامي وعدم التباطؤ في الانخراط مع أي حلف عسكري خليجي/عربي.
2 - استخدام كل الوسائل الممكنة لتخفيض عدد الوافدين والمقيمين بصورة غير شرعية.
3 - إعادة تنظيم الأداة الأمنية وتطويرها وتضخيم إمكاناتها.
4 - إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني مع الأخذ بعين الاعتبار النقاط الثلاث المذكورة في بند الخلل الاقتصادي.
5 - تعزيز التنسيق مع المعارضة حتى وإن لم تتحلحل الملفات العالقة معها.