ويليام فاف
في كلمته عن السياسة الخارجية التي ألقاها في المأدبة التي أقامها عمدة لندن نوفمبر الماضي، قال جوردون براون إنه في حين أن علاقات بلاده مع أميركا «تعتبر أهم علاقاتها الثنائية على الإطلاق، إلا أنها لا تأتي على حساب علاقات بريطانيا الأخرى، بما في ذلك علاقاتها متعددة الأطراف».
في نفس الوقت حثت أنجيلا ميركل التي أمضت يومين في مزرعة كروفورد، للرئيس جورج بوش على «مواصلة مساره الديبلوماسي مع إيران»، كما تم أيضا الترحيب بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تحت القبة الكبرى للكابيتول (مقر الكونغرس) حيث صدرت النداءات الشهيرة لمقاطعة «البطاطس الفرنسية» وإحلال «بطاطس الحرية» محلها، كما صفق له أعضاء الكونغرس عندما قال إنه يفخر باللقب الذي يطلقه عليه شعبه وهو «ساركو الأميركي».
مع كل ذلك، لاتزال هناك أزمة صامتة ومستمرة بين واشنطن وحلفائها في «الناتو» بشأن إيران. فالبريطانيون في الوقت الراهن يتلمسون طريقهم إلى باب الخروج من العراق، تاركين البصرة وغيرها من المناطق التي كانت خاضعة لاحتلالهم في أيدي الجماعات المحلية المسلحة، التي يطمع كل منها في إدارة المنطقة والتحكم في مواردها في المستقبل. وبالجملة فلم يعد لدى البريطانيين سوى القليل من الأوهام الآن، بعد أن خرج بلير من منصبه، وذهب كي يمارس حياته العادية، وهو ما يجعل الاحتمال الأرجح هو أن يسعى جوردون براون إلى مغادرة العراق فورا، لأنه إن لم يفعل ذلك فسيبدو في صورة سيئة أمام شعبه. وفي الوقت الراهن، نجد أن معظم القوات التي أرسلها تحالف الراغبين إلى العراق، إرضاء لواشنطن قد عادت إلى بلادها، أو باتت غير ذات أهمية. وعلى رغم أن عدد أفراد الوحدة الپولندية على وجه الخصوص لايزال كبيرا، إلا أن رئيس وزراء پولندا الجديد «دونالد تاسك» قال إنه وإن كان يرغب في تجنب الانسحاب المتعجل من العراق، إلا أنه مقتنع بأن بلاده «قد وفت بــالتــزامــاتهــا تجاه أميركا».
في نفس الوقت لاتزال السفارة الأميركية، ومقر قيادة التحالف في بغداد يصران على أنهما يعملان على تجهيز العناصر الوطنية العراقية، لتولي وظائف في حكومة بلادهم التمثيلية، على رغم أن الحقيقة على أرض الواقع تختلف عما يدعى بهذا الشأن. ففي الوقت الراهن، نجد أن هناك مجموعة سُنية تتعاون مع الجيش الأميركي من أجل محاربة «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين». وهذه المجموعة وصفت في تقرير في العاشر من نوفمبر الماضي نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، بأنها جماعة تعمل من أجل إبعاد عناصر تنظيم «القاعدة» عن حي الأميرية في غرب بغداد، وأن هذه المجموعة قد نجحت على ما يبدو في مهمتها.
وعلى أي حال، فإن ما يفعله الأميركيون في حي الأميرية في غرب بغداد في الوقت الراهن، سبق أن قام به البريطانيون في البصرة من قبل، والفارق بين الحالتين هو أن البريطانيين يشرعون في مغادرة العراق أما الأميركيون فلا. وهو أيضا نفس الشيء الذي يحدث في أماكن أخرى من العراق حيث تقوم قوى مناطقية وعشائرية، وجماعات تعمل تحت قيادة زعماء عشائر أحيانا بإعادة تأسيس النظام - أو ما يشبه النظام - في ذلك البــلد الــذي مــزقتــه الحرب. وهناك مشكلة مماثلة تواجه «الناتو» في أفغانستان في الوقت الراهن. فعلى رغم أن حكومات غرب أوروبا على استعداد للاستماع إلى الحجج الأميركية بوجوب التصدي لعودة خطر «طالبان»، فإن هناك عدم رغبة شعبية وسياسية في خوض القتال، وهو موقف تتناقض فيه الشعوب والحكومات.
قد يرجع هذا كما يقول بعض المنتقدين إلى عدم خشونة الأوروبيين، أو عدم استعدادهم لتقديم التضحيات، ولكن سببه أيضا اعتقاد شعبي راسخ، بأنه في أفغانستان - وكما في العراق - كلما زاد عدد القوات الغربية التي تخوض القتال، كلما ازداد الــموقــف تــدهورا وتأججا.
لو كانت هذه الحرب حربا بين الأفغان الأصليين - بصرف النظر عن الأصل العرقي - ومحاربة لحركة «طالبان» والراديكالية الأفغانية والإسلامية، فإن الأمر كان سيصبح عاديا، وكانت ستصبح لهذه الحرب حدود. أما عندما تأتي قوات «الناتو» من شمال أميركا أو أوروبا، فإن الموقف في هذه الحالة قد يتغير في نظر بعض السكان المحليين، لأن ما يحدث في تلك الحالة هو أن «القومية» قد تتحول لتصبح عنصرا مؤثرا من عناصر الصراع. وتدويل الحرب، قد يؤدي أيضا إلى مفاقمتها. فهناك تقارير حديثة تشير إلى أن هناك جماعات أجنبية تساعد «طالبان»، وأن هذه الجماعات ليست من باكستان وحدها ولا من الدول الإسلامية فقط، وإنما من سيبيريا والشيشان والجزء الغربي من الصين، ومن أماكن أخرى غريبة. ونظرا لأن هؤلاء الناس يأتون إلى أفغانستان انطلاقا من التعصب الأيديولوجي، فإنهم عادة ما يكونون أكثر عنفا، وغير قابلين للسيطرة، وأشد تطرفا. ومما يفاقم من خطورة الأمر، أن هؤلاء الأجانب المتعصبين يأتون إلى أفغانستان وهم مزودون بخبرة قتالية، اكتسبوها من أماكن أخرى، وهو ما يجعلهم أكثر قدرة على جعل تدريب التمرد وتكتيكاته أكثر احترافية، كما أنهم قد يجلبون معهــم الأمــوال والإمكانيــات.
ولاشك في أن تطوير الإحساس بالمخاطر الكامنة في التدخل في أفغانستان سيكون له تأثير مهم على حلفاء «الناتو»، خصوصا أن القوات الرئيسية في هذا الحلف تنتمي إلى دول كولونيالية سابقة، تبدي في الوقت الراهن نوعا من التمنع والإحجام عن القيام بدور أكبر في حرب غربية عبثية أخرى فــي أمــاكــن بعيــدة للغــاية.
عن هيرالد تريبيون
صفحة قضايا في ملف ( pdf )