- عارض بشدة الاحتلال العراقي وطالب عرفات بإصدار بيان باسم المنظمة يدين الغزو
- وصف المقبور صدام حسين بأنه «أحمق يهوى اللعب بالنار «قبيل مقتله في تونس»
بقلم: يوسف عبدالرحمن
وأنا أجمع أوراق مذكراتي والنفس تراودني لفتح ملف منسي من تاريخ القضية الفلسطينية وقفت على قول جبران خليل جبران: «الحقيقة التي تحتاج الى برهان هي نصف الحقيقة»، وعليه قررت أن افتح ملفا منسيا طواه الجميع بمن فيهم حركة فتح والشعب الفلسطيني وهو ملف البطل الشهيد القائد صلاح خلف الذي اغتيل في 14 يناير 1991 في تونس في عملية جبانة حيكت خيوطها في بغداد بأطراف فلسطينية ضالعة في المؤامرة لاغتيال هذا القائد الفلسطيني على يد العميل «حمزة أبوزيد» الذي نسب إلى الموساد الإسرائيلي وفي عملية طالت مجموعة من قيادي حركة فتح هايل عبدالحميد (ابوالهول) والقائد فخري العمري ابو محمد العمري وبالتنسيق مع الرئيس التونسي المخلوع لعنة الله عليه في الدنيا قبل أن يدخل مزبلة التاريخ بعد أن شارك في قتل أكثر من قائد فلسطيني وعلى رأسهم الشهيد البطل خليل الوزير صانع الانتفاضة الفلسطينية ومهندسها. انشغلت بعد التحرير ولكن لم اغفل عن هذا الملف الساخن وكلما شاهدت الاوضاع والمستجدات قلت في نفسي، لانتظر قليلا، ومر الزمن، وفي زمن ثورات الشباب افتح هذا الملف لعل الشباب الفلسطيني يفتح عينيه ويطرح معي هذا السؤال: من قتل القادة الفلسطينيين بعد ان وقعت حركة فتح وحركة حماس اتفاق القاهرة؟ ويتبع هذا السؤال بالعديد من الاسئلة مثل:
من قتل كمال عدوان، محمد النجار، وكمال ناصر، سعد صايل أبوالوليد الذي دفع حياته من أجل ان يكون القرار فلسطينيا مستقلا جماعيا، فهد القواسمه، وأبوصبري وأبوعلي إياد الذي قال: «نموت واقفين ولن نركع»، وعلي ياسين، ماجد أبوشرار، رفيق قبلاوي، خليل الوزير، والقائد صلاح خلف ـ رحمه الله ـ ...إلخ، طبعا ستجد الاتهامات وجهت الى الموساد الاسرائيلي وبعض الانظمة العربية وايضا بعض المنظمات الفلسطينية التي ارتبط اسمها بالاغتيالات والكل يعرف من يحركها حينذاك..؟
وأتوسع بطرح الاسئلة وأسأل من خان الكويت وقاد الجماهير الى تأييد العراق في احتلال الكويت وأضر بـ 400 ألف فلسطيني ومصالحهم وأمنهم واستقرارهم؟ لا أريد أن فتح في الجرح الفلسطيني والكويتي، فكلانا مجروح ومتألم رغم مرور الزمن، لأن العلاقة الكويتية ـ الفلسطينية لم تكن عابرة فهي مبنية على دم ونسب وتاريخ مشترك في السراء والضراء ضد عدو واحد معروف هو الكيان الاسرائيلي، وهذه الحقيقة لم تغب عن عين الشعب الكويتي وحتى بعد التحرير قال امير البلاد الراحل الشيخ جابر الاحمد ـ رحمه الله ـ «ستكون الكويت آخر دولة عربية تعترف بإسرائيل».
اعرف تماما ان فتح هذا الملف الذي حاول الكثيرون طيه في دهاليز النسيان لم يغب عن الشرفاء من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يذكرون دور الكويت التاريخي في نصرة القضية الفلسطينية منذ كانت دولة فقيرة قبل اكتشاف النفط حيث قام الشعب الكويتي بنصرة الحاج امين الحسيني واخوانه من أمثال الشيخ القسام ـ رحمه الله ـ وكانوا في كل صلواتهم يقنتون لانتصار فلسطين وعدم سقوطها في أيدي العصابات الصهيونية وما تلا ذلك من خيانة عربية على يد الانظمة العربية الفاسدة (فساد دفعات صفقات السلاح الفاسد الذي جرب على طول الجبهات)؟ أنا سأفتح ملف الشهيد الرمز صلاح خلف، كما عرفته عن قرب اخا عزيزا بطلا فلم انس هذا الملف واعرف ان هناك آلافا مؤلفة على امتداد الوطن العربي تؤمن مثلي بأن الاغتيال تم على يد جهة غير الموساد وأنا مقتنع تماما بأن القائد الشهيد البطل صلاح خلف اغتيل ودفع حياته ثمنا لرفضه احتلال الكويت وتصريحاته محفوظة في وسائل الإعلام وهنا لست بصدد نفي التهمة عن العدو الصهيوني الوالغة يده في هدر الدم الفلسطيني على مدى احتلال فلسطين وحتى هذا اليوم غير ان هناك قادة فلسطينيين قتلوا ومنهم «ابو اياد» لم يقتلهم الموساد الاسرائيلي وعلينا جميعا ان نفكر من قتل هؤلاء الابطال من القادة الفلسطينيين الذين كانوا خير معين «للختيار» وما نالهم الا طلقات في الظهر، وتهمة سمجة لجهاز الموساد او احدى المنظمات الارهابية، واغلاق الملف لأن الفاعل مجهول؟! وربما يكون الفاعل شخصا واحدا يملك تحريك كل اجهزة الظلام للقتل؟
وعندي وعند جماهير الأمة ان قاتل هؤلاء القادة الابطال واحد، ضالع ضمن مؤامرة استهدفتهم واحدا تلو الآخر؟ فمن يجرؤ على قول قولة الحق فيهم ويشير للقاتل الحقيقي؟ كثير هم الذين سألتهم يقولون: في فمي ماء؟
ملف ساخن
سأقوم بفتح هذا الملف الساخن الخاص بالقائد الشهيد صلاح خلف، رحمه الله، لأنني مازلت غير مصدق كل الروايات والتصريحات التي جاءت متواكبة مع الحدث سواء أكانت فلسطينية أو تونسية اضافة الى التحليلات العالمية والكل له الحق ان يطرح رأيه في هذه القضية الحيوية، ولنا الحق نحن جماهير الوطن العربي نصدق من؟
اطرح هذا الملف أولا بهدف عرض فكر القائد الفلسطيني صلاح خلف لقربي منه طوال سنوات طويلة من النضال الوطني الفلسطيني على الساحة الكويتية وبحكم العلاقة الاخوية والنضالية التي جمعتنا في مرحلة الثمانينيات والتسعينيات لنصرة القضية الفلسطينية وما رافق هذه المرحلة من احداث جسام انعكست سلبا او إيجابا على مسيرة الثورة الفلسطينية الباسلة قبل ان تتكحل عيوننا بشوفة قادة الفنادق الرجوب ودحلان وغيرهما ممن جعلوا من حركة فتح الشامخة ادارة لمصالحهم الشخصية؟!
في بداية الثمانينيات تعرفت على الرئيس ياسر عرفات ومجموعة من القادة الفلسطينيين مثل ابو جهاد، ابو اياد، ابو الاديب وغيرهم في الكويت وربطتني علاقة خاصة واخوية بالقائد الرمز صلاح خلف لكونه معلما ونقابيا وثائرا فلسطينيا ألمعيا له القدرة الفائقة على صياغة التوجهات والاستراتيجيات وبناء التحالفات وإدارة التفاوض بشكل بالغ الدقة والحكمة، وهو بحق فارس من فرسان حركة فتح الحقيقيين.
صانع قرار
نعم.. احببت صلاح خلف، لأنه كان يرضي عقلي وتوجهي الفتحاوي حينذاك وكان ابوأياد رحمه الله بارزا في الفكر الثوري لحركة فتح، لأنه احد مؤسسيها وركائزها، ولأنه كان احد القادة الفلسطينيين الذين يحملون الفكر الثوري في الممارسة، ولست مبالغا حينما اقول انه يوم ذاك كان من اشجع القادة الفلسطينيين في قولة الحق، وانه دفع حياته ثمنا لرأيه الجريء ومن يرجع الى ارشيف المعلومات فسيجد صدق كلماتي فيه من خلال مداخلاته وأحاديثه الصحافية او محاضراته وندواته والمؤتمرات التي شارك فيها، حيث اكسبه هذا الطرح الجريء مصداقية وبروزا، كونه احد صناع القرار في الساحة الفلسطينية. وأنا أنصح كل قارئ يحب ان يستزيد ان يقرأ كل ما صدر من الكتب والدراسات التي تناقش فكر هذا القائد الرمز الشهيد.
شهادتي
قد تكون شهادتي فيه اليوم بعد صمت السنين مجروحة لمعرفة اخواني قادة الثورة الفلسطينية خاصة الذين عملوا في الكويت قربي منه، وحبي لشخصه، غير ان هذا لا يمنعني ان اقول الحقيقة شفافة ومجردة ولأنني بصراحة انتظرت سنوات طويلة انتظر فتح ملف وفاته وهذا ما لم يحدث ولن يحدث كما طويت صفحات القادة الآخرين الذين اغتيلوا وكانت الشماعة دائما الموساد الإسرائيلي أو بعض المنظمات الفلسطينية الإرهابية بحكم وجودي النقابي في الثمانينيات في جمعية المعلمين، ارتبطت بهذا القائد الفلسطيني وبحركة فتح التي كانت متسيدة للقضية الفلسطينية والثورة، مع اعترافي بوجود فصائل فلسطينية كثيرة حينذاك.
تاريخ المعلم الكويتي
في ذاك الزمن الجميل كانت جمعية المعلمين الكويتية متبنية القضية والثورة الفلسطينية وموضوعة على اعلى سلم اجندتها النقابية القومية ومن الحق ان اقول ان جميع مجالس ادارة جمعية المعلمين منذ الإنشاء حتى اليوم لاتزال تساند هذه الثورة حتى يومنا هذا، وعلى مدار التاريخ برز قطاع المعلمين الكويتيين كنصير لهذه القضية الساخنة وكان المعينون والمنتخبون يضعون الثورة الفلسطينية في اول اهتماماتهم كونها قضية العرب المركزية والمسلمين واحرار العالم، وكان الفارق هو اتجاه مجلس الادارة في التعامل مع اي الفصائل الثورية المشابهة للفكر الذي يقود جمعية المعلمين رغم حرص كثير من مجالس الإدارات على وضع رأي مستقل يحمي الثورة من انحياز العواطف والمواقف، مما اعطى جمعية المعلمين الكويتية على مدار تاريخها موقفا نقابيا قويا مشهودا له في صفحات التاريخ الفلسطيني ولم يتمزق هذا الموقف على صعيد المعلمين العرب حتى احتلت العراق الكويت في 2 اغسطس 1990 وما رافق هذا من موقف سيئ في حساباته من القائد الفلسطيني ياسر عرفات الذي وضع كل الحسابات الفلسطينية في سلة الاحتلال العراقي ضاربا عرض الحائط بكل ما قدمته الكويت أميرا وحكومة وشعبا لهذه القضية والثورة على امتداد الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين العربية، مما أضر بمئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الذين كانوا يعملون على أرض الكويت، وهذه الخطيئة لم ولن تغفر لياسر عرفات لانه موقف خياني فاجأ به جماهير الثورة الفلسطينية فكيف يقف قائد يعاني من الاحتلال مع أي احتلال؟!
زياراته
في هذا الجو التاريخي من النصرة الى الأزمة وفرز المواقف ارتبطت بالقائد الفلسطيني صلاح خلف وكنت كلما قدم الى الكويت زرته في حركة فتح بالجابرية أو حولي في مقر المنظمة وجلست معه ساعات طوالا يحدثني عن التطورات والإخفاقات والنجاحات وكنت يومها امينا للسر في جمعية المعلمين شابا في بداية حياتي متحمسا حالي حال كل شباب العالم من الاحرار الذين يرون كيف كانت ولاتزال اسرائيل تعربد وما تقوم به من ممارسات البطش والتهويد في فلسطين السليبة المحتلة ضاربة عرض الحائط بكل القرارات الدولية ومناشدات حكومات وشعوب العالم في مشارق الأرض ومغاربها.
العمل النقابي الكويتي ـ الفلسطيني
ومع ممارسة العمل النقابي في جمعية المعلمين واحتكاكي بالطليعة الواعية من نقابات المعلمين في الوطن العربي وحضور مؤتمرات اتحاد المعلمين العرب واتحاد المعلمين الفلسطينيين زاد اهتمامي بالقضية الفلسطينية، وكان هذا دور طبيعي للمعلم الكويتي العربي المؤمن بالقضية الفلسطينية وما تشهده الساحة الدولية من تلاحق الاحداث ونشاط فئة المعلمين العرب لدعم الثورة الفلسطينية أو الساحة الدولية مما جعلنا كمعلمين عرب نتوجه الى تطوير علاقاتنا مع الاتحاد العالمي لنقابات المعلمين المسمى (فيز) والذي تأسس في عام 1946 وضم خلال مسيرته اكثر من 130 دولة من النقابات والجمعيات والاتحادات وكان مناهضا للامبريالية والصهيونية، وكان «ابو اياد» ـ رحمه الله ـ يحث الاستاذ جميل شحادة ـ نقيب المعلمين الفلسطينيين على التعاون مع جمعية المعلمين لدفع مسيرة هذا الاتحاد لنصرة القضية الفلسطينية عن طريق التنسيق والعمل المشترك، ورغم العلاقات الاخوية الحميمة التي تربط جمعية المعلمين الكويتية بنقابة المعلمين الفلسطينيين الا ان الاخيرة وقفت مع الاحتلال العراقي بتوجيهات من ياسر عرفات؟!
كما انني شخصيا كنت ومازالت وسأظل اذكر المعلمين الفلسطينيين بكل الخير خاصة القدامى الذين قاموا بدور كبير في النهضة التعليمية لبلدي الكويت، وعانى هؤلاء القدامى من قسوة الحياة في الكويت، ومن قلة الاجور وسوء الاحوال السكنية وبخبراتهم استطاعوا التكيف واخلصوا في عملهم ويكفي انك لم تسمع يوم كانوا يعملون في مدارس الكويت عن كارثة الدروس الخصوصية؟ وكان من ابرز هؤلاء المعلمين القادة خليل الوزير وابو اياد رحمهم الله، وآخرون كثيرون تشهد لهم قاعات الدرس في مدارس وزارة التربية في الكويت، وايضا قطاعات الاطباء والصيادلة والسكرتارية وغيرها من المهن التي برز بها ابناء الشعب الفلسطيني.
وابدأ على بركة الله اولا بالتعريف بالقائد الشهيد صلاح خلف حتى يقف «القراء» على سيرة هذا البطل وفكره وانجازاته وتاريخه الوطني الطويل في خدمة القضية الفلسطينية على امتداد حياته تاركا في الختام المشهد الأخير لذكاء القارئ ليتعرف على قاتل «أبواياد» وبرجاء ألا يقال لنا انهم الموساد الإسرائيلي؟!
من هو صلاح خلف؟
صلاح خلف.. اسمه الحركي «أبو اياد» سياسي من القادة الفلسطينيين البارزين في تأسيس حركة «فتح» التي تشكلت على شواطئ الصليبخات في الكويت يوم كان يعمل في الكويت المهندس الفلسطيني «ابوعمار»، في وزارة الاشغال ومجموعة من الفلسطينيين الذين شاء القدر ان يجمعهم على ارض الكويت ليؤسسوا اكبر «حركة ثورية عربية» في الستينيات وكان من ابرزهم خليل الوزير وصلاح خلف، الذي درس في ثانوية الدعية، وهناك جيل كويتي من المخضرمين امثالي يذكرون هذا القائد البطل وامثاله من اخوتنا الفلسطينيين الذين قالوا للاحتلال العراقي: لا، وان كانوا قلة الا انهم وضعوا موقفا مبدئيا ضد الاحتلال العراقي الغاشم الذي قتل آمالهم في دولة فلسطين مستقلة؟!
حياته
هاجر والده من غزة الى يافا وهناك ولد القائد صلاح خلف في عام 1933، وعقب ولادته هاجرت اسرته الى غزة مرة ثانية عن طريق البحر قبل قيام دولة الكيان الاسرائيلي، درس في مدارس غزة حتى الثانوية ثم ذهب الى مصر عام 1951 ليكمل دراسته في دار المعلمين وهناك حصل على ليسانس تربية وعلم نفس من جامعة القاهرة، وخلال هذه الفترة نشط مع الحركة الطلابية وكان له دور كبير في تأسيس اتحاد طلاب فلسطيني، وقد قال لي هو شخصيا انه تأثر ومعه ياسر عرفات والاستاذ سليم الزعنون بفكر الاخوان في بداية حياتهم، ثم عاد الى غزة مدرسا للفلسفة حيث واصل نشاطه السياسي حتى جاءت فرصته التاريخية للعمل في الكويت عام 1959 للعمل مدرسا، وكانت هذه فرصة عظيمة له ولاخوانه خاصة الرئيس ياسر عرفات والاخ الشهيد خليل الوزير، وفي ارض الكويت تم انشاء بدايات حركة وطنية فلسطينية هي «حركة فتح» وقد كانت الكويت بلدي ارض خير على الدوام للقضية الفلسطينية، ففيها الحرية وفيها شعب متفهم لقضايا التحرر لان الشعب الكويتي اختار «حكامه» وليس لديه مشكلة معهم.
موقف الكويت
وكانت الكويت حكومة وشعبا ومنذ القدم تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الاولى وقدمت لهذا الشعار الحقيقي المال والدعم المعنوي وسمح لهؤلاء الحركيين الفلسطينيين بالعمل بحرية لتأسيس حركة فلسطينية ثورية وهي «حركة فتح».
وللامانة والتاريخ حركة فتح في بداياتها كانت تضم رجالا على قدر كبير من النزاهة والتدين، واعرف العشرات منهم كانوا يؤدون الصلوات في المساجد حال سماع الاذان، وليست فتح «الرجوب ـ دحلان»!
وهذه شهادة نسأل بها عند الله عن هؤلاء القادة الذين اذا حضرت الصلاة وكنا في مؤتمر او حفل خطابي او ملتقى وجدناهم معنا في الصفوف الامامية يؤدون الصلاة، ومعنى سطوري الا نعزل «قادة فتح» الحقيقيين عن اخواننا في «حركة حماس» فالدين لله.
البداية من الكويت
هناك حقيقة مدونة في التاريخ مهما حاول المتحذلقون طمسها لا يقدرون وهي ان الكويت هي الأساس في تكوين حركة «فتح» وايضا حركة «حماس» ولعل هناك كثير من الأدبيات والإعلاميات التي تشير بصوت مسموع الى دور الكويت الجلي في تأسيس حركة «فتح» عندما تجمع رفاق الدرب الواحد لتوحيد جهودهم في بداية الستينيات على شكل بلورة مبادئهم وقيمهم ومنطلقاتهم في حركة تضم الشتات الفلسطيني في المهجر وقد كان لمجلة «فلسطيننا» و «الصخرة» الدور المعرف بهذه الحركة أمام جماهير الوطن العربي وقطاعات الشعب الفلسطيني في المهجر، وفي عام 1969 بعد دمج حركة فتح في منظمة التحرير الفلسطينية بدأ يكبر ويظهر اسم «أبو إياد» كعضو في اللجنة المركزية لفتح وقد أخذ هذا الاسم «المركزية» بالتشنيع بحركة فتح بأنها شيوعية لتداول هذا الاسم المركزي في كل المسميات الشيوعية في إبان سطوة المنظومة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفييتي، اما تأسيس حركة «حماس» في الكويت فآمل يوما ان أوضح ما قام به جمع طيب من اهل فلسطين ومشايخ من الكويت في بدء منطلقات «حماس» كما فعلت اليوم.
استهدافه
وأعود الى أبي أياد حيث تولى في منتصف السبعينيات رئاسة جهاز الأمن في فتح والأجهزة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي هذه الفترة تعرض أبو إياد لأكثر من عملية اغتيال استهدفت حياته وفشلت، هنا فقط يمكن ان أشير الى يدي الاستهداف الإسرائيلي من الموساد وغيره من المنظمات الفلسطينية العميلة التي توجهها بعض الأنظمة العربية، وكان الرئيس الزنقة ـ معمر القذافي احدهم والمقبور صدام حسين.
وفي عام 1978 أصدر كتاب أسماه «فلسطيني بلا هوية» وهو مأخوذ عن سلسلة لقاءات خاصة مع الصحافي الفرنسي اريك رولو حيث حاول نفي اي علاقة له بمنظمة «ايلول الأسود» والتي أشيع عنه انه زعيمها وموجهها بناء على اتهام دائم له بأنه يمثل الفكر الثوري المسلح لحركة فتح وهو اتهام له نطاقات أمنية وإعلامية ونخبوية تشيعه بل وصل الأمر انهم أسموه «جارنج فلسطين» نسبة للديبلوماسي السويدي المشهور جارنج، وذلك لقدرته الفذة في بناء التحالفات وصياغة التوجهات الإستراتيجية وإدارة عمليات التفاوض بشكل فائق الدقة والحكمة ومن هنا استطيع ان أحدد انه بدأ يظهر كقائد بارز ملتفة حوله الجماهير الفلسطينية والعربية مما يعني انه أخذ دور غيره في البروز فكان الاستهداف من زمن بعيد؟!
منظمة أيلول الأسود
والكل يذكر ان منظمة «ايلول الأسود» هي منظمة فلسطينية كانت مسؤولة عن عملية ميونخ التي أدت الى مقتل «احد عشر رياضيا اسرائيليا» في دورة الألعاب الأولمبية عام 1972 في ميونيخ بألمانيا، واغتيال رئيس وزراء الأردن وصفي التل في القاهرة عام 1971 والتي حملته المنظمة مسؤولية «ايلول الأسود» يوم كان رئيسا لمجلس الوزراء ووزير الدفاع في وقتها حيث تم تصادم الجيش الأردني مع قوات منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت متمركزة في الأردن وقد قيل ان منظمة «ايلول الأسود» تشكلت بعد ان طردت المنظمة من الأردن وقد أشيع بعد هذا التاريخ ان صلاح خلف هو المسؤول عن تنظيم هذه المنظمة والعمليات التي جرت ووجه الاتهام ايضا الى كل من أبومحمد العمري ومحمد داود.
الصدفة قادتني إليه
لعلي كنت محظوظا ان اتعرف عليه في زهرة شبابي، وأنا شاب في مقتبل العمر متحمس للعمل الثوري، وكانت «القومية العربية» طاغية في وقتها، الحرب الإيرانية ـ العراقية، واحتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، وكان الهم العربي كبيرا، والجرح الإسلامي أكبر، ومماحكة بين القوميين والإسلاميين والمحافظين والصامتين تدور في كل أروقة الوطن العربي من خليجه الى محيطه وكانت فرصتي التاريخية ان أتعرف على هذا القائد الذي أحببته وبادلني المحبة وكان أخا كبيرا وصديقا نصوحا، صارحني في كثير من المواقف بما يدور في نفسه، وهو الذي يحمل جراحات شعبه وثورته وما كان يدور من تآمر الأنظمة العربية لتعطيل الدور الفلسطيني على يد العملاء وحتى يتعرف «القارئ» اكثر على هذه الشخصية الأسطورية اتوقف طويلا لتناول محطات حياته بنوع من التفصيل ليتعرف قارئي الكريم الى فكر هذا القائد الثوري الذي عارض الاحتلال العراقي الغاشم على الكويت في الثاني من اغسطس 1990 وكيف طالب عرفات بإصدار بيان باسم المنظمة يدين الاحتلال.
وكيف كان يصف المقبور صدام حسين بأنه أحمق يهوى اللعب بالنار قبيل مقتله بساعات في تونس، واحتفظ ببعض المعلومات لان المجالس امانات وهي امور لا تستحق ان تظهر في ملف يقرأه كل الناس ولا تخصهم لا من قريب ولا من بعيد.
التأسيس والقيادة للتنظيم في الكويت
في كتاب «ابو جهاد.. اسرار بداياته واسباب اغتياله» الذي صدر في ابريل 1989 في صفاقس التونسية يعرض د.محمد حمزة في الصفحة (254 – 255) كيف تم تأسيس حركة فتح في الكويت وقدمه د.سمير يوسف، وهذا يؤكد كلامي الذي قلته في بدايات الملف واعرضه بالنص كاملا:
ابرز «ابو جهاد» بشكل خاص دور تنظيم حركة فتح في الكويت وقال: «كان تنظيمنا في الكويت هو الاقوى والاكثر متانة وكنا نقيم حوارا مستمرا من هناك مع جميع التنظيمات».
وقد اشرنا في مواقع اخرى الى الاجتماع التأسيسي الاول لحركة فتح الذي التأم في الكويت وضم الاخوة، ياسر عرفات، وخليل الوزير، وعادل عبدالكريم، ويوسف عميرة، وتحتشد قائمة تنظيم حركة فتح في الكويت بالعديد من اسماء القيادات والكوادر التي التحقت بفتح في بداياتها. ونقلا عن ذاكرة «ابو جهاد» نذكر بالخصوص الاخوة عبدالله الدنان، ومحمود مسودة، وكانا من اوائل الذين انضموا لعضوية اللجنة المركزية لحركة فتح.
وضم تنظيم فتح في الكويت ايضا الاخوة: فاروق القدومي، وخالد الحسن، وصلاح خلف، وسليم الزعنون الذين عايشوا البدايات وانضموا الى عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح على فترات متعاقبة.
وكان من ابرز الكوادر المتقدمة التي عاصرت البدايات ايضا الاخوة: علي الحسن ومحمود الوزير، وفتحى عرفات، وهاني القدومي، ومختار بعباع، وعلي جاد الله، ومحمد حرب، وموسى قنيبي، والمرحوم عرفات أبو سكرانة ـ ابو اسماعيل الذي كان شعلة من الحركة والنشاط، وعرف كواحد من الرعيل الاول الذي كان يخترق الحدود العربية في سبيل تأمين الذخائر والاسلحة والعتاد والتموين للفدائيين.
ويذكر «ابو جهاد» انه كان برفقة «ابو اسماعيل» وهما في طريقهما الى بيروت قادمين من دمشق، وكان بحوزتهما مجموعة من الاسلحة والمتفجرات، وعند نقطة الحدود اشتبه رجال الامن اللبناني بـ «أبو اسماعيل» وقاموا بتفتيشه ووجدوا معه نسخة من مجلة «فلسطيننا» كانت كافية كمبرر لاعتقاله، بينما لم يكتشف امر «ابو جهاد» ولا الاسلحة التي دخل بها الى لبنان. ويتذكر «ابو جهاد» ان الوصول الى الكويت كان صعبا بسبب صعوبة الحصول على تأشيرة دخول لكن «فتح» كانت لها مواقعها المهمة في الادارة الكويتية، بحيث كان من الممكن تقديم كافة التسهيلات، فقد كان الاخ خالد الحسن مثلا يشغل موقع السكرتير العام للمجلس البلدي لمدينة الكويت، وهو موقع بالغة الاهمية في تلك الفترة حتى ان معظم شخصيات الكويت ورجالاتها كنت تجدها في مكتبه، فيكفي ان يشير او يجري اتصالا هاتفيا للحصول على كل ما يريد دون اي تأخير، كذلك كان الاخ هاني القدومي يشغل موقع السكرتير الاول لأمير الكويت، وبمجرد ان يجري اتصالا يكون اسمي مسجلا في المطار وداخل الكويت دون عقبات.
ويضيف ابو جهاد: «مثل هذه الظروف كانت تطبع تنظيمنا في الكويت الذي كان يتميز بمرونة اكبر بحكم سهولة تحركه نسبيا، ورغم ان اتصالاتنا كانت محدودة على مستوى الشخصيات الكويتية، الا اننا حاولنا اجراء مثل هذه الاتصالات، حيث قمنا مرة ابو عمار وانا ويوسف عميرة بالالتقاء مع بعض الشخصيات الكويتية، حيث قدمنا لهم تعريفا بأنفسنا بأننا تنظيم وطني فلسطيني ونملك امكانية التنفيذ وبدء العمل لكننا نعاني من قلة الامكانيات المادية، فبدلا من ان ننتظر خمس سنوات اخرى لتوفير هذه الامكانيات فإننا نقترح ان يقوموا هم بتقصير هذه المدة وذلك من خلال تقديم قرض لنا كي نبدأ العمل على ان نقوم بتسديد القرض فيما بعد وقلنا لهم اننا نوافق على كافة الشروط التي يفرضونها، وكان الجواب: اذا بدأتم فلكم ما تريدون اما قبل ذلك فنحن آسفون، وربما شكل مثل هذا الموقف حافزا اضافيا لنا على المواصلة والاستمرار».
واستمر الموقع القيادي لتنظيم حركة فتح في الكويت حتى تاريخ تفجير الانطلاقة المسلحة في 1/1/1965 حيث اخذ مركز الثقل في الانتقال تدريجيا الى سورية بانتقال ابو عمار وابو جهاد على رأس القيادات والكوادر التي اخذت في تصعيد العمل الفدائي من الحدود المشتركة مع العدو ثم حسمت بعدها مسألة القيادة نهائيا في عام 1966، واستقرت على النحو الذي عرفه العالم منذ حوالي ربع قرن كامل من الزمن.
ألقاب
كثيرة هي الألقاب التي حصل عليها الشهيد صلاح خلف وهي: عقلية سياسية حادة، أسلوب خلاب طلق، قادر على تسوية النزاعات، رجل يوثق به في المهام الخارجية، حافظ لأسرار منظمته، الوطني الملتزم (التدين)، كان أول من أوصى بمباحثات تسوية مع إسرائيل وأول من دعا لدولتين تعيشان في سلام فلسطينية وإسرائيلية.
العمل التنظيمي
كان «أبو إياد»، رحمه الله، يرسل أسرته إلى القاهرة صيفا ويتفرغ هو في إجازته للعمل التنظيمي والثوري داخل حركة فتح التي اتخذت قياداتها الكويت مقرا لها وتحديدا في (حولي ـ الجابرية) لمرونة الأمن الكويتي وللدخل المادي لأعضاء حركة فتح العاملين في الكويت، وهذان العاملان جعلا من الكويت الموطن الآمن بعد الكثير من الصعوبات التي واجهها القادة الفلسطينيون في البلدان العربية من ملاحقات رجال الأمن ونتيجة قلة الدخل المادي للجاليات الفلسطينية هناك بعكس الجالية الفلسطينية في الكويت التي كانت تشغل قطاع التربية والتعليم والصحة وكثيرا من المؤسسات الخاصة.
صلاح خلف يشيد بدور السعودية والكويت
ومن يراجع مذكرات أبو أياد ورسائله الخاصة يكتشف ان العلاقة بين المقاومة الفلسطينية، وخصوصا فتح، مع دول الخليج العربي، خصوصا الكويت والسعودية كانت أكثر اتزانا واستقرارا من العلاقات بين المقاومة والانظمة الثورية في العالم العربي التي تنافست على الزعامة العربية على حساب شعوبها.
ويعتبر أبوأياد أن الكويت هي التي وفرت لفتح الحضانة الأولى لنمو حركة فتح ويقول: ان المساعدات الخليجية المالية بدأت تتدفق على فتح منذ العام 1952 حيث ان العاهل السعودي الملك سعود كان قد استقبل أبو أياد في أكتوبر من عام 1952 وهو عضو في اتحاد الطلاب الفلسطينيين، واعطى وفد الاتحاد ـ أثناء زيارة للمملكة ـ ما يوازي 30 ألف دولار أميركي وهو مبلغ ضخم من أجل استخدامه في تمويل النشاطات الطلابية. ويواصل أبو اياد: وفي عام 1968 تقابلت مع الملك فيصل في مقره لمدة أربع ساعات متصلة، ووجدت منه عطفا شديدا على الحركة الفلسطينية، وكان تقديره هو ان علينا الا نتشابه أو نتماثل مع أي نظام عربي، وعلى هذا فإن المملكة العربية السعودية ستساعد المقاومة بقدر ما يمكن أن تفعل... وقال الملك فيصل: ونحن لا نريد من الحركة الفلسطينية مديحا ولا انتقادا، كما وافق ـ بناء على اقتراح قدمه أبو أياد ـ على السماح بإنشاء «لجان دعم» في المملكة تكلف بجمع الهبات، وبأن تخصم تلقائيا نسبة تصل الى 7% من رواتب الفلسطينيين العاملين في المملكة العربية السعودية كي تستخدم حصيلة هذه الخصومات في تغذية صندوق فتح، ثم اضاف الملك فيصل: المملكة ستدفع لفتح مبلغا يوازي المبلغ الذي سيتم جمعه من الفلسطينيين المتبرعين.
رفضه لاحتلال الكويت
في اليـــوم الذي قتــل فيـه «أبو أياد»، رحمه الله كان مشغولا للغاية بالحرب الدائرة ما بين التحالف ونظام صدام حسين بسبب احتلاله للكويت، وكان «أبو اياد» أحد القادة الفلسطينيين الاحرار الذين رفضوا هذا الاحتلال وضغطوا على الرئيس عرفات لإدانة الاحتلال العراقي، وكان ابو إياد منتظرا ردا من عرفات يدين وبشدة الاحتلال العراقي بعد أن أجرى «ابو اياد» في مقره في تونس لقاء مع سفراء أجانب حاولوا استطلاع رأيه فأكد ابو أياد على حماقة صدام حسين واعتبر احتلاله للكويت كمن يهوى اللعب بالنار دائما ولا يستطيع العيش دون عواصف، وهكذا اسدل الستار على احد قادة حركة فتح الابطال «ابواياد» رحمه الله، الذي دفع حياته في سبيل موقف مبدئي نادى به طوال حياته وهو ان يبقى القرار الفلسطيني مستقلا بعين الانظمة العربية فكان مقتله وفي الغد نكمل الحكاية.
أبونضال
كان شديد الغضب مــن «ابو نضال» خاصة عندما بدأت الانظمة العربية تتناوب على احتضانه، وكان صريح الغضبة عندما احتضن نظام القذافي «ابونضال» واستضافه مع رجاله على الارض الليبية، وايضا العراق في عهد صدام حسين وأوعز له بقتل بعض القادة الفلسطينيين.
تسليح «أمل»
قال لي عقب معارك نهر البارد والميه ميه ان تسليح حركة أمل وتدريبها خطأ استراتيجي عانت منه فصائل الثورة في لبنان.
سؤال
ماذا تم بعد القبض على قاتل «ابو اياد» واخوانه القادة ابو اللطف ومحمد العمري ـ مجرد سؤال؟
عزيزي القارئ الكريم:
هذا هو الجزء الاول ويلحق غداً الجزء الثاني من ملف اغتيال القائد صلاح خلف، وتبقى كثير من الحقائق المغيبة عند اطراف العلاقة والاحرار. وبعد «القراءة» اذا كانت لك مداخلة واضافة بخصوص هذا «الملف الساخن» يرجى ارسالها.
[email protected]
[email protected]
فكس ادارة التحرير: 22272830
فكس قسم المحليات: 22272892