محمد ناصر
من أجواء المعارك وصليل السيوف في «القعقاع» العام الماضي ينقلنا المخرج المثنى صبح هذا العام الى جلسات الحب والخيبة والسعادة والألم في مسلسل «جلسات نسائية» الذي ومنذ بدء عرضه يسجل مشاهدة متزايدة ليكون أحد أبرز الأعمال السورية لهذا الموسم.
لا يختلف اثنان على مقدرة كاتبة العمل «أمل حنا» على التوغل في عمق النفس البشرية وإخراج مكنوناتها العاطفية والمادية والنفسية وتقديمها لنا في قالب واقعي يلامس حياتنا اليومية بشكل مباشر.
الأرملة والعاشقة
ينجح العمل في الدخول لعالم المرأة الأرملة والعاشقة والعاقر والعانس والمسنة والمراهقة بأسلوب طغت عليه الرومانسية والواقعية ولا نغالي ان قلنا الكمال الفني في بعض المفاصل، كقصة ابنة هالة وحكاية أول قبلة وعلاقة المراهقة بوالدتها التي تعيش بدورها قصة حب تحمل صراعا نفسيا تعانيه الأم جراء ما يحق لها في هذه العلاقة وما تحرمه على ابنتها.
ملكات الشاشة
فتكاد تكون المرة الأولى في الأعمال السورية التي تتساوى فيها جمالية الصورة بجمالية النص، إذ بدا الاهتمام بما كان يُعد تفاصيل في أعمال أخرى فظهرت ديكورات المنازل قمة في الروعة، بل أيضا ماكياج الممثلات كان مختلفا باتقانه فبدت يارا صبري ونسرين طافش وأمل بوشوشة ونازلي الرواس ملكات متربعات على الشاشة يتنافسن في المظهر كما في الأداء الذي لم يقل وهجه أبدا مع الاهتمام الطاغي بالصورة الذي أراده المخرج كما يبدو تقليدا لظاهرة المسلسلات التركية التي أولت الاهتمام بالمظهر كما الجوهر وما الرحلات السياحية التي درجت مع ظاهرة بداية عرض المسلسلات التركية لرؤية البيوت والمناطق الا تأكيد لذلك وحتى مشاهد المسنتين انطوانيت نجيب وفاتن شاهين بدت فيها روح المسلسلات التركية أيضا.
الصورة والموسيقى
فعندما نقول ان الصورة كانت بطلا رئيسيا كذلك الأمر مع الموسيقى التصويرية التي احتلت حيزا واسعا جدا من مدة العمل لدرجة بدت أحيانا غير منطقية فبعملية حسابية بسيطة نجد ان مدة الحلقة الواحدة لا تتجاوز الأربعين دقيقة يتخللها في البداية اعادة اكثر من مشهد من ختام الحلقة السابقة ولا نعرف لماذا! ثم تأتي مشاهد الموسيقى المترافقة مع الصورة فقط دون كلام لتحتل أكثر من 5 دقائق ورغم جمالية تلك اللقطات في اي عمل الا انه عندما تكون مبالغا فيها تصبح أمرا سلبيا وليس ايجابيا.
العاقر والميتم
التمثيل كان الركن الأساسي أيضا في العمل، فيارا صبري «عايدة» نقلت لنا حالة المرأة العاقر التي يؤلمها حالة أطفال الميتم أكثر من رغبتها بممارسة الأمومة ليأتي قلم المبدعة أمل حنا لتشبك خيوطها بفكرة مضادة بين حب جارف للأولاد (عايدة) وعدم الاكتراث لهم (فادي) الذي يؤدي دوره رفيق علي أحمد وان ظهرت بعض اللا منطقية في حالة مسؤولة الميتم التي تتابع جميع التفاصيل، لا بل وتقوم بـ «كبسات» على منزل عايدة لدرجة اننا ظننا ان الأمر يجري في سويسرا او حتى روسيا مكان اقامة الكاتبة الحالية.
السحر والغموض
اما السحر المغلف بالغموض فأتى من قصة «جلال» سامر المصري، و«سلمى» نازلي الرواس التي أدت الشخصــية بكل ما تحمله من مشاعر متـضاربة بين الفتــاة الراغــبة في الزواج والزوجة التي لا وجود لها في حيـاة الزوج وكذلك سامر المصري غيـر المــبالي والمرغم على اتمـام ذلك الزواج.
أما أمل بوشوشة «رويدا» فلن نعيد ونكرر مسألة عدم اتقانها للهجة السورية، بل شعرنا بأن اللهجة قيدتها فأصبحت أسيرتها اي انها كانت تبذل جهدا لإجادتها على حساب الجهد الذي يجب ان تبذله في التمثيل فأضاعت مشيتها وخسرت اللهجة والتمثيل عكس ما رأيناه منها العام الماضي من تألق في «ذاكرة الجسد» حيث كانت منطلقة وطائرة تمثيلا وتغريدا.
النجمة المبدعة
وتبقى مفاجأة العمل او بصيغة أخرى النجمة القادمة وهي نوار يوسف، الفتاة التي تتعلق بالدكتور ماهر «ميلاد يوسف» اذ استطاعت ان تمتلك الدور وتسيطر عليه بكل تفاصيله، فكانت فتاة عاشقة، فقيرة، مهزومة، متألمة، مريضة، طيبة القلب وفي النهاية مبدعة. فعندما يستطيع عمل مثل «جلسات نسائية» ان يحقق جماهيرية وهو البعيد عن فكرة الأحداث المتسارعة والخيالية التي تحفل بها المسلسلات يكون النجاح لفريق العمل المتكامل وعلى رأسه المخرج الذي حوّل هدوء المسلسل لإثارة عنوانها الصورة وجماليتها وتقديم دراما بصرية تحترم عقل المشاهد ونظره أيضا.