أكد الخبير الاقتصادي جاسم خالد السعدون ان إسقاط الفوائد عن قروض الكويتيين المتعثرين ليس عادلا ولا محقا، بل يعلمهم الاستدانة أكثر من دون الالتزام بالسداد.
ويوافقه بنك الكويت المركزي في هذا الرأي، مؤكدا أنه يحمل الخزينة العامة أعباء باهظة غير مبررة.
وقال السعدون في لقاء مع «إيلاف» إن حل مشكلة القروض الاستهلاكية الذي توصلت إليه الحكومة الكويتية مع اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة، والقاضي بإسقاط فوائد تلك القروض المتعثرة عن المواطنين، هو تحفيز على المزيد من الاقتراض، والتردد عن الالتزام بالسداد، حيث تبلغ أصول تلك القروض 750 مليون دينار، وتبلغ الفوائد المستحقة عليها نحو 300 مليون دينار. ويستفيد من إسقاط الفوائد 66.555 مدينا.
ولا يرى السعدون، الذي يرأس مجلس إدارة شركة الشال للاستثمار، أن هناك مشكلة تعثر في تلك القروض، فلم يبلغ في أي يوم عن تخلف في السداد يستحق المراجعة، «وإن وجدت مشكلة، فيفترض أن يتحملها صانعها وليست الخزينة العامة، وفي حال احتمال وجود مشكلات إنسانية، فمكان مواجهتها هو المؤسسات الإنسانية غير الساعية للربحية، ولا بأس من دعوة عامة إلى ضريبة طوعية يتصدرها وزراء وأعضاء مجلس أمة
لتمويل حلولها».
حجم القروض
وعن حجم هذه القروض، يقول السعدون: «طبقا لآخر معلومات بنك الكويت المركزي، يبلغ حجم القروض أكثر قليلا من 26 مليار دينار، ولكن ما يدور حاليا عن إسقاط فوائد القروض لا يشمل هذا التعريف الواسع، فالحديث السياسي حول الإعفاء من فوائد يشمل فقط القروض الاستهلاكية بسقف أعلى للقرض الواحد 15 ألف دينار، والقروض المقسطة بسقف أعلى للقرض الواحد 70 ألف دينار، ومجموع هاتين الفئتين من القروض أكثر قليلا من 7 مليارات دينار».
الاتفاق الحكومي النيابي يشمل الفئتين، وبينها التي منحت ما بين الأول من يناير 2002 و30 مارس 2008، والمبرر المعلن للتركيز على قروض تلك الحقبة هو أنها الحقبة التي أخفق فيها بنك الكويت المركزي عن فرض كامل رقابته على توسع تلك القروض، ما دفع بالبنوك المانحة إلى المبالغة في تسعير الفوائد عليها.
وحتى هذه اللحظة، لا يعرف السعدون حجم ما تبقى منها، لكن أعضاء في اللجنة المالية البرلمانية يقدرون أصل تلك القروض بنحو 750 مليون دينار، والفوائد المستحقة عليها بحدود 250 إلى 300 مليون دينار.
يقول السعدون: «لا نعرف على وجه الدقة عدد المستفيدين من إسقاط الفوائد، ففي رواية يبلغ عددهم 66.555 مدينا من أصل نحو 350 ألف مدين، وفي رواية أخرى 66.555 قرضا من أصل نحو 550 ألف قرض».
أين المشكلة؟
لا يجد السعدون مشكلة في مسألة القروض، ويقول: «إذا ما اعتمدنا المعايير المصرفية، أي بدء الشكوى من التعثر عن السداد عند ارتفاع نسبة العاجزين عن سداد ديونهم عن نسبة محددة، فنحن لا نواجه مشكلة تعثر حقيقية، ولم يبلغ في أي يوم عن تخلف عن السداد يستحق المراجعة».
فتلك القروض لا يمكنها أن تبلغ مرحلة التعثر، لأن معظمهما مضمون برواتب موظفي حكومة، ونحو 76.6% من العاملين الكويتيين موظفون حكوميون، والبقية تتلقى دعما من الحكومة، والحكومة لم تتخلف يوما عن دفع الرواتب، كما أن الرواتب العامة طالتها زيادات متكررة.
لكن السعدون يستدرك قائلا: «إنها مشكلة بالرغم من انعدام مؤشراتها، فقد أصبحت حقا مكتسبا منذ أكثر من 30 سنة، ففي أواخر سبعينيات القرن الفائت، ولأسباب سياسية بحتة أو للترويج لتنقيح الدستور، قامت الحكومة بشراء أصول مدينين بكلفة إجمالية بلغت نحو 150 مليون دينار، ثم تدخلت مرة أخرى بعد أغسطس 1982 إبان أزمة المناخ بشراء أصول مديني المناخ بصندوق صغار المستثمرين وقروض المقاصة وبالشراء المباشر للأسهم الكويتية، ثم أصدرت في العام 1986 برنامج المديونيات الصعبة، وظف سياسيا لشراء مديونيات مدينين نافذين استمروا عاجزين عن مواجهة التزاماتهم منذ أزمة المناخ، ثم تبنت الحكومة في العام 1992 قانون المديونيات الصعبة، وقامت بشراء كل المديونيات الصعبة والسهلة ولم تعرف تكلفته حتى الآن ولكنها كانت بضعة مليارات».
لاحقا، أصبحت قضية إسقاط ديون المواطنين مدخلا في العمل السياسي، وبات إطلاق الوعود أو العمل على إسقاطها مادة انتخابية أو سياسية شعبوية، ما دام من يدفع هو الخزينة العامة وليس دافعي الضرائب.
كارثي وغير عادل
وثمة حلول عديدة مطروحة لهذه المسألة الشائكة، لكن السعدون يقول إن الحل الذي أعلن عنه في اجتماع مشترك للجنة المالية في مجلس الأمة وممثلي الحكومة يوم الأربعاء الماضي جاء ليشمل الديون السهلة والصعبة، ما بين الأول من يناير 2002 و30 مارس 2008، وهو ما يراه كارثيا، لأنه مناف لكل القيم ولكل الحصافة وكل مبادئ إرساء مشروع تنمية حقيقي، وهو مشروع ظالم على كل مستوياته.
ويقول: «ضمن المقترضين هناك مقترض بألف دينار وآخر مقترض بـ 70 ألف دينار، وهناك من التزم بالسداد وهناك من تتم مكافأته لأنه لم يلتزم بالسداد، وهناك من صدق الحكومة وسوى قرضه ضمن صندوق المتعثرين، وهناك من عاند، فتم عقاب الأول ومكافأة الثاني. وضمن المقترضين هناك من اقترض قبل يناير 2002، وهناك من اقترض بعد مارس 2008، وهم خارج المشروع، وهناك نصف البالغين الكويتيين ممن آثروا الحصافة ولم يقترضوا، وهم يعاقبون على حصافتهم».
ويضيف: «هناك أكثر من نصف الكويتيين صغار في السن، لم يبلغوا بعد سن الرشد، وهم بحاجة إلى وظيفة وتعليم محترم وخدمات صحية، والهدر يعني حرمانهم من تلك الضرورات في المستقبل، وهي رسالة للاندفاع في الاقتراض، والتردد عن الالتزام بالسداد، وتلك قيم منافية لتنشئة إنسان يتحمل مسؤولياته ومسؤوليات التنمية الوطنية. وأمام المستوى المرتفع جدا للنفقات العامة، والضعف المحتمل لسوق النفط، يعتبر هذا الحل دعوة مفتوحة لدخول حالة من عدم الاستقرار، خصوصا إذا بدأت المطالبة بالعدالة من بقية المقترضين وممن لم يقترضوا».
الحل الأنسب
إن كان هذا كارثيا، فما الحل الأنسب؟ يجيب السعدون: «نبحث عن حل إذا كانت هناك مشكلة، وليست هناك مشكلة حتى نبحث عن حل لها، وإن وجدت مشكلة، وستكون محدودة، يفترض أن يتحملها صانعها لا أن تتحمل الخزينة العامة تبعاتها، فإن ثبت أن بنك الكويت المركزي أخطأ، فلابد من معاقبة مسؤوليه، وإن أخطأت البنوك، فعليها تحمل التكلفة، أما إذا كان ذلك ناتجا عن سوء تخطيط من المقترضين فعليهم تحمل مسؤولياتهم».
ويلتفت السعدون للجانب الإنساني، فيقول: «يبقى هناك احتمال أن تكون هناك مشكلات إنسانية، وأعتقد أن مكان مواجهتها هو المؤسسات الإنسانية غير الساعية للربحية، ولا بأس من دعوة عامة إلى ضريبة طوعية يتصدرها وزراء وأعضاء مجلس أمة لتمويل حلولها».
تحفظات المركزي
ويتوافق رأي السعدون مع رأي بنك الكويت المركزي في مسألة رفض إسقاط فوائد القروض. فما أن تسربت الصيغة الأولية لمعالجة قضية القروض، حتى سارع بنك الكويت المركزي إلى تجديد معارضته للحل المطروح، مؤكدا أن إسقاط الفوائد أو القروض سيحمل المال العام أعباء مالية باهظة وغير مبررة، ويؤدي إلى التراخي وعدم الانتظام في سداد القروض الجديدة.
وكشف تقرير صادر عن المركزي أن إسقاط الفوائد على القروض وإعادة جدولتها سيساهمان في نشوء قضية قانونية تتمثل في إلزام البنوك وشركات الاستثمار بإعادة جدولة القروض الاستهلاكية والمقسطة المقدمة منها، استنادا إلى أن هذه القروض تحكمها عقود تم إبرامها وفقا للنظم والتشريعات السارية عند الحصول على القرض، كما أن التدخل بتعديل هذه العقود يخل بالاستقرار المطلوب للمعاملات المالية.
وأكد التقرير أن المطالبة بإسقاط الفوائد عن المواطنين بشكل عام «تمثل إخلالا واضحا بمبدأ العدالة الذي نص عليه الدستور، وستخلق سابقة في تحمل الحكومة أعباء القروض، الأمر الذي ستصعب معه مواجهة مثل هذه المطالبات في المستقبل، كما أن إسقاط الفوائد سيولد لدى المواطنين قناعة بمعاودة إسقاطها عن هذه المديونيات، ما يؤدي إلى التراخي وعدم الانتظام في سداد القروض الجديدة، وهو ما يترتب عليه تزايد المخاطر الأدبية والسلوكية في الجهاز المصرفي والمالي».
وشدد التقرير على أن هذا الإسقاط من شأنه أن يولد تيارا قويا إزاء مبدأ المعاملة بالمثل بالنسبة للمواطنين المدينين للجهات الأخرى الخاضعة لوزارة التجارة والصناعة، وهي مديونيات كبيرة، ما يحمل المال العام كلفة مالية باهظة غير مبررة.