- الجراح: «اتحاد العقاريين» حذر من النصب العقاري منذ أكثر من عامين
- القدومي: المشاريع المتعثرة لا تدرج ضمن قضايا النصب العقاري
طارق عرابي
أخذت قضية «النصب العقاري» ابعادا كثيرة خلال العامين الماضيين، لاسيما بعد أن ارتفعت اصوات المتضررين وازدادت أعدادهم، الامر الذي كان له بالغ الأثر على السوق العقاري الكويتي، وتسبب في تلوث سمعة الشركات العقارية التي أصبح ينظر اليها بنظرة الشك وعدم الثقة من قبل شريحة كبيرة من المواطنين الذين كانوا يرون في الاستثمار العقاري ملاذا آمنا لأموالهم بعد أن أوصدت في وجوههم الوجهات الاستثمارية الأخرى.
ولكشف غموض اللغط الكبير الذي احاط بهذه القضية، كان لابد من اللجوء الى المتخصصين وأصحاب الخبرة في هذا المجال للاستماع الى آرائهم ومعرفة موقفهم من هذه القضية التي أضرت بأموال المواطنين والمقيمين من جهة، وبسمعة الشركات العقارية المطورة والمسوقة من الجهة الاخرى.
اتحاد العقاريين
بداية يقول رئيس اتحاد العقاريين توفيق الجراح ان مسؤولية النصب العقاري مشتركة بين المواطنين والجهات الحكومية، كما يتحمل مجتمع الاعمال بالكويت (الشركات العقارية والاستثمارية) جزءا من المسؤولية، حيث استطاعت فئة من «ضعاف النفوس» استغلال الثغرة التي وجدت داخل المجتمع الاقتصادي الكويتي بسبب غياب الاوعية الاستثمارية السليمة التي تستوعب مدخرات شريحة لا بأس بها من المواطنين تمتلك مدخرات تتراوح ما بين 50 و150 ألف دينار.
ويضيف الجراح: «استغل «النصابون» غياب الادوات الاستثمارية السليمة، فضلا عن استغلال القانون الذي كان به بعض الثغرات التي استطاعت من خلالها بعض الشركات تنظيم معارض عقارية والاعلان عن عوائد عقارية ضخمة، استغلوا ذلك كله للنصب على المواطنين والمقيمين وسلب أموالهم ومدخراتهم، حيث خلقت كل تلك العوامل بيئة خصبة ساعدتهم على الاستيلاء على أموال المواطنين بدون وجه حق».
ويتابع الجراح: «نحن في اتحاد العقاريين حذرنا قبل اكثر من سنتين من هذا الامر، حيث خاطب الاتحاد آنذاك كلا من بنك الكويت المركزي ووزارة التجارة وهيئة أسواق المال، لكن الجهة الوحيدة التي تفاعلت مع الاتحاد في ذلك الوقت هو بنك الكويت المركزي الذي ارسل خطابا الى وزارة التجارة والى هيئة اسواق المال طالبهم فيه بضرورة مراقبة الشركات التي تعلن عن عوائد ثابتة وغير منطقية».
ويقول ان اللافت في الامر ان وزارة التجارة بررت سكوتها آنذاك بعدم وجود قانون يمنع هذه العملية أو ينظمها، لكن الوزارة تحركت فيما بعد وأصدرت قرارا بمنع الاعلان عن العوائد الثابتة، وان كان قرارها قد جاء متأخرا.
عوائد غير منطقية
ويوضح الجراح أن الاتحاد لم يكن ضد موضوع شراء عقار خارجي لقضاء الاجازة فيه أو للاستثمار، لكن المشكلة في الكويت لم تكن قضية تملك عقاري أو استثمار، ذلك أن الكثير من الشركات المسوقة كانت تطرح استثمارات عقارية بعوائد شهرية غير منطقية تصل الى أكثر من 12% وفي أسواق ضعيفة، علما بأن العوائد العقارية حول العالم تتراوح بين 3.5 و5.5%.
ويضيف: «لا ننكر أن الشركات المسوقة قد استغلت جهل وطمع المستثمرين، لذا نجد أن المتضررين ليسوا فقط من صغار المستثمرين وإنما كان بينهم عدد من المثقفين والمتخصصين، لكن وفي الوقت نفسه ليست كل القضايا هي قضايا نصب، فبعض المشاريع قد تكون توقفت أو تعثرت لظروف قاهرة، وهذه يمكن مساعدتها بطريقة أو بأخرى، وبالمقابل هناك عقارات بيعت بأسعار مبالغ فيها وهذه يتحمل مسؤوليتها المستثمر الذي كان يفترض به التحقق من السعر قبل الشراء، لكن في نهاية الامر فإن شريحة لا بأس بها من تلك القضايا كانت قضايا نصب عقاري واضحة، في ظل غياب الدور الكبير للدولة».
حلول صعبة
ويؤكد الجراح أن الحلول لشريحة كبيرة من هذه القضايا باتت صعبة، خاصة وان القانون الكويتي لا يمكن تطبيقه على العقارات الخارجية، لكن في نهاية الامر ليس هناك ملجأ لمثل هذه القضايا سوى القضاء، أو من خلال تدخل الحكومة من خلال علاقاتها الديبلوماسية مع الدول التي كثرت فيها قضايا النصب العقاري.
ليست ظاهرة
من ناحيته يقول العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمجموعة توب العقارية وليد القدومي إن مشاكل العقار متنوعة ومتفاوتة، وهذه المشاكل لا تقتصر على الكويت فحسب، بل أن دبي والتي تعتبر أكثر دولة في المنطقة لديها قوانين تحمي المستثمر وتنظم السوق العقاري واجهت مؤخرا مشاكل عقارية بارزة. وبينما أقر القدومي بوجود قضايا نصب عقاري، الا انه أكد أن الامر لا يرتقي الى صفة الظاهرة، فهي مجرد حالات فردية، لكن المشكلة أن البعد الكبير لهذه القضية ألصق بالقطاع العقاري بعد أن اتخذت بعض الشركات الاستثمارية الجانب العقاري كستار لعملياتها المدلسة.
ودلل القدومي على كلامه بالقول إن التملك العقاري يعتمد على بيع وحدة عقارية ملموسة (ارض أو مبنى) مع تسليم المالك سند الملكية، وكل ما خلاف ذلك هو استثمار وليس عقارا، خاصة اذا ارتبط الامر بعوائد استثمارية او ايجارية مع وعود بإعادة البيع بعد فترة محددة من الزمن، مضيفا انه لا يمكن اعتبار كل القضايا الحالية هي قضايا نصب عقاري، فهناك نسبة كبيرة من المشاريع العقارية تعثرت مؤخرا لظروف اقتصادية او سياسية (في بعض الدول)، وهناك شركات أخرى تعرضت للإفلاس بسبب سوء الادارة، فمن غير المعقول ان شركة لديها مشروع حقيقي ومتعثر هي شركة نصابة.
واشار الى ان ربط عمليات النصب بالعقار قد اضر بالسوق العقاري وبجميع الشركات العقارية كثيرا، وجعل الكثير من المستثمرين يحجمون عن الشراء بعد السمعة السلبية، لذلك يجب التمييز بين العقار وبين الاستثمار، فمشاكل العقار تختلف كثيرا عن مشاكل الاستثمار، كما أن الغالبية العظمى من شركات العقار لديها مشاريع حقيقية وقامت بتسليم آلاف الوحدات السكنية الى العملاء عبر التاريخ وبدون اي مشاكل. واختتم القدومي يقول إن الحاجة باتت ماسة حاليا لعقد ملتقى أو مؤتمر تبحث خلاله القضية بطريقة علمية ومنطقية مدروسة، بحيث تعود الثقة الى السوق العقاري من جديد، خاصة أن الضرر قد لحق بجميع المتعاملين بالسوق من شركات وتجار وعملاء على حد سواء.
الرأي القانوني
بدوره قال المحامي مشاري الصواغ إن قضية النصب العقاري بالكويت لا يمكن وصفها بالظاهرة وإنما هي أزمة عابرة، مشيرا الى أنه لا يوجد حتى الآن أي احصائيات رسمية حول عدد المتضررين من هذه الازمة أو قيمة المبالغ المالية المتعلقة بها.
وأكد أن السبب الرئيسي وراء هذه الازمة مشتركة ما بين الجهات الحكومية التي غابت عن الرقابة في فترة ما، وبين الشركات المسوقة للعقارات الخارجية والتي كانت تبحث عن الربح السريع، بالاضافة الى العملاء الذين كانوا يبحثون عن فرص استثمارية مجدية في ظل ارتفاع اسعار العقار المحلي، والعوائد المرتفعة التي كانت تعد بها شركات التسويق العقاري عملائها ومستثمريها.
طمع وجشع
أكد القدومي ان ظاهرة النصب العقاري في الكويت سببها الطمع والجشع، حيث إن شريحة كبيرة من العملاء لم تكن تبحث عن عقار حقيقي، وانما كانت تبحث عن عوائد وايجارات كانت تطرحها تلك الشركات، خاصة وأن بعض الشركات كانت تعرض عوائد وصلت في بعض الاحيان الى 100% وأكثر، فيما كانت شركات أخرى توزع عوائد على الرغم أنها لم تبدأ بعد بتشييد المشروع الذي بدأت بتسويقه على العملاء، ومع ذلك لم يكن أحد من العملاء يتساءل عن كيفية حدوث ذلك الامر، وما اذا كان ذلك منطقيا ام لا؟!.
عمليات النصب مستمرة رغم الحملات الكبيرة لإيقافها
مواطنون لـ «الأنباء»: وقعنا ضحايا للنصب العقاري.. «أغيثونا»
باهي أحمد
ضحية للنصب العقاري
في البداية، يقول المواطن علي حسين، الذي تعرض لعملية نصب عقاري في الأردن منذ عامين ولم يستطع تحصيل أمواله المنهوبة، انه تم إغراؤه لشراء العقار بالعديد من المميزات كالعائد الاستثماري الكبير للشقة، إضافة إلى سعرها الجيد مقابل المساحة والموقع المميز، إلا انه اكتشف لاحقا أن تلك المميزات ما هي إلا وهم كبير بعد أن قام بسحب قرض لتغطية تكاليف شراء العقار مما ترتب عليه دين كبير يعاني منه إلى الآن.
ويضيف أن السوق المحلية تشهد تراجعا ملحوظا في عدد الشركات العقارية العاملة في مجال التسويق العقاري، وذلك منذ بداية ظهور عمليات النصب والاحتيال واستغلال العقار في غسيل الأموال، حيث تدخلت وزارة التجارة وشددت إجراءات إقامة المعارض العقارية، إلا أنه لا يزال هناك العديد من الشركات غير الجادة التي تحتاج إلى مراقبتها ليس فقط في المعارض العقارية، بل في مقارها أينما وجدت أيضا، لاسيما أن أعمال النصب لا تزال مستمرة برغم استمرار توقف المعارض العقارية.
ويطالب حسين الجهات المختصة بالإسراع في اتخاذ الإجراءات الفعالة لاستعادة حقوق المواطنين، والتصدي لهذه الحيل التي ظاهرها قانوني، إلا أن الهدف منها هو سلب حقوق المواطنين والإخلال بالأمن الاقتصادي للبلاد.
ضعف الرقابة
من جانبه، يؤكد المواطن فهد العجمي، الذي تعرض لعملية نصب عقاري في أذربيجان من خلال احد المعارض العقارية المنظمة في الكويت، أن ضعف الرقابة من وزارة التجارة وحماية المستهلك الدافع وراء استمرار تلك الشركات في أعمالها إلى الآن، حيث إن معظم تلك الشركات تقوم باستغلال «المعارض العقارية» للتسويق لشقق عقارية غير موجودة من الأساس وعند انكشاف أمرها فإنها تقوم بتغيير اسمها وبذلك تقوم بالتضليل والغش للاستمرار في عمليات النصب.
ويضيف أن العديد من الذين تعرضوا لعمليات النصب العقاري لجأوا إلى سفارات تلك الدول والجهات المعنية في تلك الدول كوزارة التجارة وحماية المستهلك، إلا أن رد تلك الجهات غالبا ما أصابهم بالصدمة، حيث أكدت تلك الجهات على أن هذه الشركات لا وجود لها من الأساس وأنها شركات وهمية ولا توجد لها أي أوراق مما يتعذر على الجهات ملاحقتها.
ويشير العجمي إلى أن العديد من الذين قاموا بشراء تلك العقارات لجأوا إلى البنوك للحصول على قروض لشرائها، مما وضعهم في مديونية متعثرة، حيث انهم كانوا يعتمدون على العائد الاستثماري لسداد تلك القروض، مشيرا إلى أن البنوك ما زالت تلاحقهم للحصول على القروض خاصة أن البنك غير مسؤول عن التصرف في الأموال الممنوحة للعملاء.
معاينة المشروع بالواقع
بدوره، ينصح مواطن، لم يرد الإفصاح عن اسمه وهو ضحية لعملية نصب عقاري، المقبلين على شراء عقارات في الخارج بضرورة تحري الدقة قبل شراء تلك العقارات، مؤكدا ضرورة الذهاب لموقع البناء ورؤية عقود الشركة ومعاينة كل الأمور على أرض الواقع قبل الشراء، مشيرا إلى انه، مع الأسف، لم يقم بهذه الإجراءات ووقع ضحية لشركة عقارية باعت له الوهم بمشروع على الخرائط وليس له وجود.