إعداد: إبراهيم مطر
بأسلوب سهل وبلغة بسيطة خالية من التعقيد، تحس فيها بصدق يخترق مباشرة الى قلبك، ويخاطب من خلالها عقلك ووجدانك، نقف على مجموعة من الخواطر والتأملات النابعة من تجارب حياتية عاشها صاحبها بعقل ناضج وبخبرة سبعيني او ثمانيني عرك الحياة وعركته.
هذه الخواطر وتلك التأملات في فلسفة الحياة يقدمها لنا الاعلامي والمذيع محمد ناصر الدغيشم الذي ترك الميكروفون وأمسك بالقلم ليحلق بنا - ليس عبر الأثير - ولكن من خلال كتابه «لمن يفهم فقط» في فضاء التأملات متنقلا- ومن دون رتوش- بين جوانب الحياة بعلاقاتها المتشابكة، ويقف على مجموعة من المحطات المهمة ليذكرنا بمبادئ جميلة في حياتنا نفتقدها كثيرا هذه الايام مثل الحب والصدق والتسامح، ويضعنا في لحظات صدق مع النفس امام عدد من «المعادلات الغريبة في الحياة» لنكتشف بعض العيوب والسلبيات التي نهرب منها احيانا ولا نستطيع ان نواجه بها انفسنا.
يقع الكتاب في 189 صفحة من القطع الصغير ويحتوي على 124 خاطرة، وفي وفاء كبير وعرفان جميل بالفضل نجد تلك البداية التي يبدأ بها الدغيشم الصفحات الاولى من كتابه تحت عنوان «الحكاية»: سأختصر حكايتي بكلمة واحدة، امي.
بعد ذلك يعرج بنا الى بعض التجارب متلفعا بعباءة فلسفية ويضع ايدينا على بعض «المواقف المؤلمة في الحياة التي نتعلم دائما منها، بل نستفيد كثيرا منها، وبعد فترة من الزمن نسعد بهذه المواقف لانها جعلتنا اقوى، ولكن الذي لا نستطيع نسيانه من هذه المواقف بل ويجعلها مؤلمة رغم مرور زمن عليها، هو ممن جاءتنا هذه المواقف المؤلمة؟ ومن كان سببها؟ هذا هو المؤلم بحق، فنميمة الاصدقاء مؤلمة، وخيانة من نحب مؤلمة، وكراهية الاقارب مؤلمة..».
حبات لؤلؤ من عقد النصائح
وكعقد من اللؤلؤ يهدي الكاتب مجموعة من النصائح الجميلة للقارئ ينثرها في ثنايا الكتاب.
يقول تحت عنوان «للحفظ والتطبيق فقط لا غير»: «لا تحفظها دونما تطبيق.. لا تحاول الاقتراب من شخص لا يريد ان يقترب منك، لا تحارب ظروفك وحياتك لشخص لم يستطع محاربة غروره لاجلك، تذكر، اذا لا تريد تطبيقها لا تحفظها، لأن.. حقوق الحفظ مسموحة لمن يطبقها».
ثم يضع القارئ وفي مصارحة شديدة في «دائرة» صعبة، فيقول تحت عنوان «دائرتك»: «تخيل نفسك في دائرة محيطة بك، ولك حرية اختيار اشخاص يكونون في هذه الدائرة، ما هي صفات هؤلاء الاشخاص ستكون؟ بحيث انهم سيكونون محيطين بك دائما، مجرد تخيل.. انت في وسط دائرتك وحولك هؤلاء الاشخاص، ما هي الصفات التي يجب ان تتواجد بهم؟ اكتب لي في الصفحة المقابلة هذه الصفات، ومن الاشخاص الذين هم حولك يملكون هذه الصفات؟».
وتحت عنوان «طلب صغير» يقول: «قبل ان تتحدث اربط لسانك بعقلك دائما.. بمعنى.. قبل ان تخرج الكلمة من لسانك، مررها على عقلك.. قبل نطقك».
وبعنوان: «لا تعطي» يقدم الكاتب تلك النصيحة: «ابدا لا تعطي وعدا لا تستطيع الإيفاء به، فكر ألف مرة قبل أن توزع الوعود، لا لشيء.. لأن غيرك قد يبني.. أحلامه، طموحاته، على وعد منك»، ثم يتحدث عن معنى من المعاني الجميلة في الحياة، عن الصداقة، ناصحا بألا نترك الخلافات الصغيرة البسيطة أو سوء الفهم يدمر صداقة عظيمة، فيقول تحت عنوان «صداقة عظيمة»: «لا تترك أي خلاف صغير.. أي سوء تفاهم ولو كان صغيرا.. أن يدمر صداقة عظيمة».
وبروح ملؤها التفاؤل، وبكلمات يشع منها الأمل يتحدث الكاتب عن الإيجابية في حياة الإنسان، وكيف أن الأمور تتغير من حولنا فقط إذا نظرنا إليها نظرة إيجابية، فتحت عنوان «كن» يقول الدغيشم: كن إيجابيا، في كل أحوالك.. لأن وقتها فقط، الأشياء الجيدة ستحصل لك، فكلما أصبحت إيجابيا فإن ما تراه من حولك يغدو أجمل، وسترى حينها أن كل شيء يحصل لك بزاوية أخرى إيجابية».
ويتساءل الكاتب عن السعادة وهل تأتينا من داخلنا أم من خارجنا؟ فيقول بعنوان «سعادتي»: «هل نحتاج حقا من يخبرنا بأننا سعداء؟ هل السعادة شيء يأتينا من الخارج، أقصد من خارجنا؟ هل هي شيء مادي أم شيء معنوي؟ أم شيء يعطى إلينا من الآخرين؟ ما أعرفه جيدا.. السعادة تأتي من الداخل للخارج، من داخلنا لخارجنا، أنت الوحيد من يستطيع إسعاد نفسه، وكلما كان شعور السعادة صادرا منك أحسست به وبتأثيره، تذكر أن السعادة تأتينا من الداخل للخارج».
حديث الذكريات
وفي مسحة حزن يختلج نفس الكاتب، «ولأن كلا منا لابد أن يمر على ميناء الألم» نجد في ثنايا الكتاب بعض السطور والخواطر التي توحي ببعض «الألم»، يقول تحت العنوان نفسه «الألم»: «ما عرفته من تجاربي المتواضعة والقليلة في الحياة، أن كلا منا لابد أن يمر على ميناء الألم.. ولو لمرة واحدة.. وأنا رست سفينتي كثيرا على مر السنين بهذا المرسى الموجود في ميناء الألم، ولكنني أيقنت جيدا أن هناك نوعين من الألم: ألم يؤلمنا، وألم يغيرنا، أيهما أفضل إيلاما؟».
وبعدها وبعنوان «فقدت» يقول: «لم أعد أخاف في حياتي من الوقت إن فقدت أشياء، لأنني فقدت أشياء كانت في وقت ما كل حياتي..».
ولم تخل خواطر الدغيشم من حديث عن الذكريات، التي تداعب خيالاتنا بين حين وآخر، فمن حديث عن البشر وأخلاقهم ينقلنا الكاتب الى بعض الأماكن وما تثيره من شجون وذكريات جميلة في النفس، يقول تحت عنوان «لندن» بتعبيرات مليئة بدفقات حنين مشوبة بروح رومانسية: القصة.. في زمن ما، المكان.. مكان ما في لندن، الموضوع.. صدفة وبداية لعلاقة جديدة، أحيانا البدايات الصغيرة، تكون نهاياتها كبيرة».
وكما بدأ الكاتب خواطره بالحب يختمها أيضا بالحب الذي يشبهه بالنهر. يقول الدغيشم بروح العاشقين تحت عنوان «مثل النهر»: «الحب يشبه كثيرا مجرى النهر.. فأهل الطبيعة ومتخصصوها قالوا عن النهر: متغير دائما لكنه في النهاية يصب حيث يجب أن يصب، فالنهر دائما في الآخر يلتقي بمجراه.. لهذا يعجبني النهر لأنه مهما كان ما يواجهه في طريقه فهو قادر على التكيف ليكمل مساره، ويصب في مجراه، كن كالنهر متكيفا، لتكمل المسير، وتصل لمجراك».
بقي أن نقول: ان الكاتب استطاع أن يختزل في «لمن يفهم فقط» سنوات من تجارب حياته وعصارة خبراته ليسطرها لنا في كتابه الذي يجد القارئ فيه ما يخاطب وجدانه وكأنه مكتوب بصفة خاصة له، وكأنه هو من مر بتلك التجارب.
محمد الدغيشم في سطور
٭ مذيع ومعد برامج إذاعية منذ العام 1995.
٭ مدرب إعلامي معتمد دوليا.
٭ مدرب دولي معتمد ـ كلية تورونتو ـ كندا.
٭ مدرب معتمد من istd.
٭ مدرب معتمد من الأكاديمية الدولية.
٭ حاصل على شهادة البكالوريوس في الآداب.
٭ حاصل على الجائزة الذهبية من مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون.
٭ حاصل على الجائزة التقديرية من مهرجان القاهرة الدولي للإذاعة والتلفزيون.
٭ حاصل على الجائزة الذهبية للبرامج المنوعة.
٭ حاصل على جائزة أفضل مذيع.
٭ عضو البورد العربي للتدريب.
٭ عضو رابطة الاجتماعيين.
٭ عضو جمعية الصحافيين.