يوسف غانم
هناك أشياء لا تستطيع أن تقف عندما تبدأ بها، رغم أنه يمكنك الرجوع إليها في أي وقت، وهذا ما حدث معي عندما بدأت قراءة كتاب «كويتية في نيويورك» للزميلة الإعلامية ووردة الصحافة الكويتية ريم الميع، والذي جمعت في فصوله الخمسة والخمسين خلاصة تجارب شخصية ومهنية وأحداث محلية وإقليمية وعربية وعالمية، استطاعت نقلها إلينا بأسلوب سردي رائع، فمع كل معلومة أو موقف تتجسد في مخيلتنا صورة مرافقة ورؤية واضحة لكيفية سير الأمور وما كان يصاحب ذلك من طرائف في بعض الأحيان وأشياء أقرب للغرابة منها للواقع سواء فيما هو ظاهر للعيان أو لما كان يدور خلف الكواليس في كثير من الأحيان.
نعم فقد وضعتنا الزميلة الميع أمام مجموعة من الوقائع والحقائق التي وإن كان الكثيرون قد عايشوا أحداثها أو قد يعرفون بعضا منها أو اطلعوا على معلومات متعلقة بها سواء بشكل مباشر أو عن طريق وسائل الإعلام إلا أنها بهذا الكتاب لخصت أحداثا تهمنا جميعا في الكويت والعالم العربي، وبرؤية صحافية ثاقبة كان تصويرها لفصول الكتاب قريبا من نفس القارئ الباحث عن الحقيقة وبأسلوب مشوق وبسيط في آن معا.
ويعتبر كتاب الميع «كويتية في نيويورك» الإصدار الثاني لها بعد كتاب «كويتية في غوانتانامو» والذي لاقى نجاحا كبيرا وإقبالا متميزا من القراء والمهتمين لما اشتمل عليه من معلومات وحقائق، حيث كانت أول صحافية عربية تدخل معتقل غوانتانامو في كوبا في أبريل 2002م.
وتقديرا منها للزملاء الصحافيين الذين راحوا ضحايا في مناطق الحروب والنزاعات، جاء إهداؤها لهم ولأرواحهم، فقالت: «عندما عدت من منطقة القنيطرة في الجولان السوري المحتل، لفت نظري وأنا أشاهد صوري في المدينة المدمرة، لوحة خلفي كتب عليها: انتبه منطقة ألغام.
وحين ذهبت إلى مدينة صفوان الحدودية بين الكويت والعراق، منعنا العسكر من تجاوز الأسلاك الشائكة في المنطقة منزوعة السلاح، لأن الأرض الرملية قد تكون ملغومة، بعد ستة أشهر، وقع انفجار في مكتب الأمم المتحدة في بغداد، راح ضحيته صحافيون.
يزخر المجال الصحافي يوميا بقصص مأساوية كثيرة لصحافيين راحوا ضحايا رصاص طائش أو متعمد أو شظايا تفجير في مناطق النزاع حول العالم.. إلى تلك الارواح البريئة التي أهدتنا حياتها: أنتم أكبر من أي إهداء».
55 فصلاً وعنواناًثم تنتقل المؤلفة بنا إلى فصول الكتاب الخمسة والخمسين في سرد مرتب للعديد من الأحداث والوقائع تبدؤها بعنوانها الأول «جبين جابر» مستعرضة تاريخين راسخين في الذاكرة هما 17 مايو 1999، ويوم 27 سبتمبر 1990 اللذان تفصل بينهما 9 سنوات ورغم مضي نحو عشرين عاما وأكثر عليهما، فالأول هو غداة إقرار أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد مرسوما بمنح المرأة الكويتية حقوقها السياسية بالترشيح والانتخاب، والثاني هو التاريخ الذي اعتلى فيه رحمه الله منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ليلقي كلمة الكويت إبان الاحتلال، وكيف أنه مثلما وحدنا الإعلام وحدتنا الأمنيات في أمنية واحدة، الجميع كان يتمنى وقتها لو يطبع قبلة على جبين الأمير الراحل، الذي سمي أمير القلوب بعد رحيله.
وفي الفصل الثاني «الفرق بين الأمنية والطموح خطة».. عرض لانتقال أمنية وتحولها إلى واقع فهي ضمن الوفد النسائي الذي استقبله الشيخ جابر الأحمد رحمه الله، إنها ريم التي قبلت جبين الأمير. أما الفصل الثاني «بين الانهيارين» ففيه الكثير من المشاهد عن الانهيار الأول في 11 سبتمبر 2001، وكيف تعاطف الكويتيون مع الأميركيين خصوصا بعدما قادت واشنطن حرب تحرير الكويت، وكذلك حملتها على الإرهاب.
والانهيار الثاني 21 سبتمبر 2001م، مع تعرض صحة الشيخ جابر الأحمد لوعكة صحية، واستذكار الكويتيين لـ 24 عاما من العطاء خلال مشواره رحمه الله في الحكم.
لتنقلنا بعد ذلك إلى «نيويورك الأولى» وقضائها لإجازة رأس السنة مع أسرتها في لوس أنجيليس، ليصار بعد ذلك إلى اختيارها في مهمة عمل من الزميلة «الراي» ورئيس تحريرها آنذاك الزميل جاسم بودي، بتاريخ 16 سبتمبر 2001.. لكنها لم تذهب بسبب ما حدث في 11 سبتمبر!ثم تتوالى الفصول والأحداث بين طيات الكتاب بتسلسل مميز واختيار جميل للعبارات بما يتناسب مع المواقف فنشاهد «كويتية في الدوحة» بعدها «حكمة حاكم»، «أم الأزمات»، إلى حكاية «عمرو موسى وعيدية الشيخ صباح»، لنتعرف كيف أن هناك «أزمة تلد أخرى»، لنصل إلى «نيويورك الكبرى»، وهكذا كانت «الحملة الصليبية» و«رجل بسبعة أرواح»، فـ«الأصل والصورة والتصور»، وهذه قصة «قطر أيضا.. قبل نيويورك».
وبكل وجدانية تنقل إلينا معنى أن يكون «صباح بلا سلوى»، ثم تروي «النضال قبل انتحار أبونضال»، و«صراع الدورات» لنصل إلى «نيويورك الثانية»، لتسير بنا في «الطريق إلى الأمم المتحدة».. مع «يوم حلو.. يوم مر»، وهذه «نيويورك الصغرى»، و«الفرصة الأخيرة»، ومعنى «الجار للجار ولو جار»، لنتعرف معها على «كويتية في دمشق»، وما حكاية «الجرف المنضوب»، وهذا «أسوأ اجتماع وزاري عربي»، أما «كويتية في شرم الشيخ» فقصة أخرى، تتبعها «قمم بالثلاث»، بعدها تأتي «الضربة».
وبعد كل ما سبق نصل إلى «كويتية صفوان» لنشاهد «سقوط صنم»، ونعرف ما هو «الرفيق»، و«سمو الرئيس»، و«الأمم المتفجرة»، و«أبومازن ولعبة التوازن»، كيف «خالفت الكويت الشرع»، لنصل إلى «نيويورك الثالثة».
ولأن الجغرافيا السياسية والديبلوماسية باتت مسرحها ومجال متابعتها فقد نقلتنا الميع من «الحفرة» إلى «قمة ما بعد الغمة» إلى موعد مع «كويتية في صنعاء» مع «Happy Valentine»، و«محاكمة سيف سابق» في «نيويورك الرابعة» إلى «سقطة عرفات» و«كويتية في المنامة» لكن مع «Sad Valentine›s» لكن «كاملة الحقوق بنصف كعب».. إنها المرأة في «نيويورك الخامسة» مع «الامم المتحدثة»،.. إنها «كويتية في تونس»، مع «استقبال الوداع» وما الذي يعنيه، هي «سيدة القصر»، وهذا معنى «تواضع الهيبة»، لنصل معها في فصلها قبل الاخير إلى «عدالة المشنقة»، والختام بابتهاج «العودة سائحة إلى الأمم المتحدة».
والشيء الجميل في هذا الكتاب اللغة البسيطة والمشوقة والمفردات البعيدة عن التعقيد، إضافة إلى استشهادها بآيات من القرآن الكريم، وببعض الامثال والعبارات المعروفة والمنتقاة لعدد من الفلاسفة والأدباء في بداية كل فصل لتشكل مفتاحا يساعدنا على الولوج إلى عالم الفكرة المراد إيصالها للقارئ بكل أريحية مع جرعة من التشويق، بعيدا عن الملل والإطالة.
«أنت صحافية زينة.. بس لو ما تسألين»
من جميل ما خطته الزميلة ريم الميع على الوجه الآخر لغلاف كتابها:
كان صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد يقول لي دوما: «أنت صحافية زينة.. بس لو ما تسألين».
وكانت كلمة السر.. لانتزاع الجواب منه تحديدا.. «شدعوة يا حافظ.. كلها كلمتين!».
وهي لفظة نسائية يندر استخدامها بين أبناء جيلي.. وتعبر عن الرجاء والعتاب...
كنت أتعمد استــخدام كلمة غارقة في المحــلية.. ولو بدت بعيدة بعــض الشيء عن المهنية... لتمرير رسالة إني كويتية قبل أن أكون صحافية... وكانت تروق له الكلمة.. فيبتسم.. ثم يصرح.
شكراً للجميع ونراكم في معرض الكتاب
توجهت المؤلفة بالشكر والتقدير إلى كل من ساهم بإنجاز كتابها «كويتية في نيويورك» خصوصا أسرة الزميلة «الراي» وكذلك الناشر «ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع» ومصمم الغلاف محمد شرف.
«والشكر موصول كذلك الى د.أحمد عبد الملك لتشجيعه الدائم، والى زميلي سابقا في «كونا» عبدالعزيز الرشيد لاستمرار مساعدته منذ «كويتية في غوانتانامو»
خصوصا انه واكب معي معظم الأحداث، والى شخص مجهول عبر حساب وهمي في «تويتر» رفض الكشف عن هويته واختفى بعد أن كانت لمساندته دور أساسي في إصدار الكتاب».
وأوضحت الميع أن كتابها سيكون بيــن أيدي القراء والمهـتمين فــي معرض الكـــويت الدولي للكتاب.
ريم الميع في سطور
٭ صحافية كويتية
٭ كانت أول صحافية عربية دخلت معتقل غوانتانامو في كوبا في أبريل 2002
٭ كتبت مقالا يوميا في جريدة الوطن السعودية منذ عددها الأول في أغسطس 2000
٭ كاتبة مقال ومحررة سياسية في جريدة «الراي» الكويتية منذ 1999
٭ غطت جميع دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ العام 2002 حتى 2006، وأجرت لقاءات مع عدد من الزعماء العرب والأجانب
٭ شاركت في تأسيس مجلة الحدث وتحريرها في 1997