أعذار باطلة
(وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً )، واذكر - يا محمد - قول طائفة من المنافقين منادين المؤمنين من أهل المدينة: يا أهل «يثرب» وهو الاسم القديم للمدينة، قالت طائفة ارجعوا الى بيوتكم وطائفة أخرى تقول إن بيوتنا عورة ولا إقامة لكم في معركة خاسرة بكل الموازين، فارجعوا الى منازلكم، ويستأذن فريق آخر من المنافقين الرسول صلى الله عليه وسلم بالعودة الى منازلهم بحجة أنها غير محصنة ويخشون عليها، والحقيقة انها ليست كذلك وما قصدوا بذلك إلا الفرار من القتال.
أهل النفاق
(وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيراً ) ولو دخل جيش الأحزاب المدينة من جوانبها ثم سئل هؤلاء المنافقون الشرك بالله لأجادوا الى ذلك مبادرين وما تأخروا عن الشرك إلا يسيرا.
خيانة العهد
(وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً) يعجب الله تعالى من حالهم فقد كان هؤلاء المنافقون عاهدوا الله على يد رسوله من قبل غزوة الخندق لا يفرون إن شهدوا الحرب ولا يتأخرون على الجهاد ولكنهم خانوا عهدهم وسيحاسبهم الله على ذلك ويسألهم عن ذلك العهد وكان عهد الله مسؤولا عنه محاسبا عليه.
(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) قل - يا محمد - لهؤلاء المنافقين: لن ينفعكم الفرار من المعركة خوفا من الموت أو القتل، فإن ذلك لا يؤخر آجالكم وإن فررتم فلن تعيشوا في هذه الدنيا إلا بقدر أعماركم المحدودة، وهو زمن يسير جدا بالنسبة للآخرة، فالله فرض الآجال وفرض الأقدار.
حقيقة يجب أن تعلمها
(قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنْ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً ) مفهوم لو وفر في قلب المؤمن لكان أقوى شخصية تمشي على الأرض، إن أراد ربك بك رحمة فلا ممسك لها وإن أرادك بضر فليس بيدك شيء، لا أحد يعصمك من الله فإن المعطي المانع الضار النافع هو الله، ولا يجد هؤلاء المنافقون لهم من دون الله وليا يواليهم ولا نصيرا ينصرهم.
أحاطه علم الله تعالى
(قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً) يخبرنا الله تعالى عن إحاطة علمه. قد: بمعنى التحقيق، قد يعلم الله المثبطين عن الجهاد وهم الطابور الخامس، القائلون لإخوانهم تعالوا وانضموا إلينا واتركوا محمدا فلا تشهدوا معه قتالا، فإنا نخاف عليكم الهلاك بهلاكه. فهم لا يقاتلون إلا مضطرين بل يريدون الفرار وهو مع تخذيلهم هذا لا يأتون القتال إلا رياء وسمعة وخوف الفضيحة.
دعاة الشر
(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ).
أشحة: أبخل الناس بالخير لا يريدونه بتاتا، هؤلاء بخلاء بالمال والنفس والجهاد والمودة لما في نفوسهم من العداوة والحقد، حبا في الحياة وكراهية الموت، فإذا حضر القتال خافوا الهلاك ورأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم لذهاب عقولهم خوفا من القتل وفرارا منه كدوران عين من حضره الموت، فإذا انتهت الحرب وذهب الرعب رموكم بألسنة حداد مؤذية، وتراهم عند قسمة الغنائم بخلاء وحسدة، أولئك لم يؤمنوا بقلوبهم، فأذهب الله ثواب أعمالهم، وكان ذلك على الله يسيرا.
(أحبط الله) تقال كلمة أحبط للناقة إذا رعت في مرتع أخضر وأكلت كثيرا حتى أصبح الأكل الكثير سببا في هلاكها.
حال الجبان
(يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً ).
ذهب الأحزاب ومع ذهابهم لا يصدقون أنهم ذهبوا، ويظن المنافقون أن الأحزاب الذين هزمهم الله تعالى لم يذهبوا، ذلك من شدة الخوف والجبن ولو عاد الاحزاب الى المدينة لتمنى أولئك المنافقون انهم كانوا غائبين عن المدينة بين أعراب البادية يتحسسون اخباركم من بعيد.
القدوة والمثل
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) إذا أردت القدوة والمثال الذي يحتذى ما لكم إلا النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في حياتك.
هذه الآية تستدعي منا معرفة السنة، إذ كيف اقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم وأنا لا أعرف سيرته؟ وأقول لنفسي لقد مر الرسول بهذا الموقف وهكذا فعل، أرسله الله تعالى لنقتدي بهديه وننتفع بسنته، فيجب ان يحرص المسلم على معرفة نبيه صلى الله عليه وسلم لأن الله قد أمره بهذه المعرفة.
(لمن كان يرجو الله) لا يلزم سنة الله تعالى إلا من علم أنه ملاق ربه وأنه محاسب مع أعماله هو الذي يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فالمسلم يحرص على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلم سنته ويكون ممن اتبعه ففي طاعته طاعة لله عز وجل.
ذكر الله
(وذكر الله كثيرا) المؤمن لا يذكر الله عز وجل فقط عند النعمة ولكن يشكره في الشدة والمحبة ايضا. فعودي نفسك على ذكر الله وحضور القلب، فاللسان وحده لا يكفي، اصبري في كل محنة ولابد ان يعقبها النصر، فأكثروا من ذكر الله واستغفروه واشكروه في كل حال.
حفر الخندق
علم المسلمون بما كان الاحزاب ينوونه، وانهم قد يهاجمونهم في أي وقت فجمع الرسول كبار القادة من جيوش المسلمين من الانصار والمهاجرين وذلك للتشاور في الأمر والاعداد للحرب، وكان من بينهم سلمان الفارسي الذي اشار على الرسول صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق فقال سليمان: يا رسول الله، إنا إذا كنا بأرض فارس وتخوفنا الخيل، خندقنا علينا فهل لك يا رسول الله ان تخندق؟ فأعجب المسلمون بإشارة سلمان وبدأوا بالبحث عن المكان المناسب للخندق، فذهب الرسول وبعض الصحابة لتحديد المكان واختاروا اكثر مكان في حماية المسلمين وجيش المسلمين وكان ذلك السبب في تسميتها بغزوة الخندق.
المواجهة
حاصر الاحزاب المسلمين شهرا كاملا، عانى فيها الكثيرون من الجوع والعطش والبرد وشكا المسلمون الجوع للرسول فما كان من الرسول الا ان رفع عن بطنه وكان يضع حجرين، فقال ابوطلحة في ذلك: شكونا إلى رسول الله الجوع فرفعنا عن بطوننا عن حجر فرفع الرسول الله عن حجرين» ولكن بعدها جاء النصر من الله عز وجل فأرسل على الأحزاب رياحا قوية وباردة جعلتهم ينسحبون من المكان وبذلك انتصر المسلمون بفضل من الله تعالى ومن ثم بفضل فكرة حربية ذكية من سلمان الفارسي.
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
عندما اعترضت صخرة الصحابة وهم يحفرون الخندق، ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات فتفتت، فقال إثر الضربة الأولى: الله اكبر، اعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة، ثم ضربها الثانية، فقال: الله اكبر، اعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض، ثم ضرب الثالثة وقال: الله اكبر اعطيت مفاتيح اليمن والله اني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة».
وفي الحديث بشارة بأن هذه المناطق سيفتحها المسلمون مستقبلا، وكان موقف المؤمنين من هذه البشارة ما حكاه القرآن الكريم (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما).
معجزات النبي صلى الله عليه وسلم أثناء حفر الخندق
1 ـ الصبر على الجوع وتكثير الطعام القليل ليكفي الجيش الإسلامي كله.
2 ـ التبشير بانتصار المسلمين.
3 ـ معجزة الريح.
حكم الصلاة ركعتين بين أذان المغرب والإقامة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب ثم قال في الثالثة لمن شاء» رواه البخاري. وكان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن للمغرب بادروا بصلاة ركعتين قبل الإقامة، والنبي صلى الله عليه وسلم يشاهدهم ولا ينهاهم عن ذلك.
والصلاة ركعتان قبل صلاة المغرب أي بين الأذان والإقامة سنة، لكنها ليست راتبة فلا ينبغي المحافظة عليها دائما (من فتاوى ابن عثيمين) (272/14).
ألقيت المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بالشهداء