علي بولند
«من جد وجد ومن زرع حصد».. لعل هذا المثل ينطبق على فريق يقدم حاليا أمتع كرة قدم، يصفها الأغلب بأنها أجمل كرة قدمت في التاريخ، فهذا الفريق «جد» في انتقاء طريقة لعب مميزة، وهي طريقة المدرسة الهولندية في النمط التكتيكي، فـ «وجد» لنفسه أسلوبا مغايرا للمألوف، جعلت منه فريقا متناغما سيتذكره التاريخ جيلا بعد جيل بأنه فريق يصنع المستحيل في كرة القدم، فهو يحطم الأرقام الواحد تلو الاخر، ويحرز البطولات بشكل شبه متواصل خلال السنوات الأخيرة.
ولم يأت كل ذلك من فراغ فما يجنيه فخر كاتالونيا (برشلونة) في الوقت الراهن هو نتاج «زرع» تكتيكي، غرسه المدرب الهولندي الراحل «رينوس ميتشيلز» ببذور الكرة الشاملة، وسقاه الأسطورة الهولندية «يوهان كرويف» بقطرات تكتيكية، فـ «حصد» نتاجها الفيلسوف الاسباني «غوارديولا».
وسأتطرق في مقالتي هذه الى المدرب المحنك ميتشيلز الذي ظلمه التاريخ عندما اختزل معظم عشاق المستديرة هذا الإبداع التكتيكي الذي ينتهجه برشلونة بكرويف وحده على أنه من بدأ باختراع هذه المدرسة الشمولية الجميلة والممتعة على المستوى التكتيكي بكرة القدم رغم اعتراف كرويف بنفسه عندما قال: «عندما كنت لاعبا ومدربا لم أتعلم أبدا كما تعلمت من رينوس ميشيلز».
بدأت ملامح المدرسة الهولندية أو الكرة الشاملة كما يحب عشاق الكرة الهجومية تسميتها منذ تسلم ميتشيلز لمهام تدريب نادي أياكس الهولندي عام 1965م، وعندها قال كلمته الشهيرة: «ان كرة القدم هي حرب.. وعلينا أن نقاتل حتى نحصل على مبتغانا وهو الفوز لا غير»، فصعد بالفريق الهولندي إلى منصات التتويج لكثير من البطولات، لتغري هذه الإنجازات الفرق العريقة بأوروبا في كسب ود هذا المدرب لينتقل بعدها «أفضل مدرب في القرن حسب الفيفا» إلى النادي الكاتالوني برشلونة عام 1971م، ونتيجة لإبداعه عين بعدها مدربا للمنتخب الهولندي، فأدخل لكرة القدم الحديثة مفهوم «الكرة الشاملة» بفكرها الهجومي، ليقود منتخب بلاده لنهائي مونديال 1974م قبل أن يخسر أمام صاحبة الأرض والجمهور ألمانيا.
ومن تلك البطولة بدأ النقاد بتصنيف الكرة الهولندية على أنها مدرسة كروية جديدة، لاستخدام ميتشيلز لطريقة 4-3-3 بتكتيكها العالي بشكل مخالف لما قدمته البرازيل (أول من استخدم الـ 4-3-3 عام 1962م)، واتباع المدربين الهولنديين لنفس الطرق التكتيكية التي استخدمها ميتشيلز مع فرقهم لإسعاد الناس وإمتاعهم بالكرة الهجومية.
وكان التميز عند ميتشيلز بطريقة بناء الهجمات عن طريق الاستحواذ والضغط العالي على الخصم في مناطقه، فكان المنتخب البرتقالي في حال استحواذه على الكرة يستخدم الرتم البطيء في بناء هجماته، باعتماده تناقل الكرات القصيرة بين اللاعبين بشكل عرضي لفتح الثغرات في خطوط الخصم، والتحرك السريع بالكرة ودونها في خط الوسط بوجود صانع لعب مميز يقود هذه المنظومة وهو ويم ينسن، ودخول الأجنحة للعمق مما ساعد على فتح مساحات كبيرة للاظهر بالتقدم والاستحواذ، كما أن وجود مهاجم بقيمة كرويف في تفعيل هذا الاستحواذ بصورة إيجابية جعل من الكتيبة الهولندية قوة ضاربة، فتم تسميتها بالكرة الشاملة، نظرا للعب الجماعي الكبير الذي كان يؤديه نجوم المنتخب الهولندي.
وبعد ذلك درب ميتشيلز العديد من الأندية قبل أن يعود للمنتخب البرتقالي مرة أخرى ويحصد معه لقبه القاري الأول والوحيد حتى الآن بتحقيقه لقب كأس الأمم الأوروبية عام 1988م وحلوله بعد ذلك بالمركز الثالث عام 1992م، لينهي بها رينوس رحلة كروية كبيرة عامرة بالدروس الفنية والتكتيكية، وليكون يوهان كرويف وفان غال وريكارد وغوارديولا امتدادا لهذه المدرسة الكروية الكبيرة، والتي استفاد منها برشلونة في فرض هيمنته على القارة العجوز كأفضل فريق يقدم كرة قدم ممتعة ومتكاملة.