- ناشد التربويين وساسة القطاعات التربوية التركيز على أنماط التفكير الحديثة
- الوطن العربي يعاني غياب الرؤية العلمية والنقدية وسيادة العقل الناقل الذي يقلل القدرة الإبداعية
نحن اليوم بأمس الحاجة لتربية أولادنا على اكتساب مهارة «غربلة» الأحداث والمواقف، ونقد كل ما يدور حولهم إيجابا أو سلبا، حتى لا يقعوا فريسة سهلة ولقمة سائغة في أفواه من يريد أن يجرهم إلى البعد عن دينهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم التي تميزهم عن غيرهم من مجتمعات العالم، هذا ما أكده د.ناصر نزال السهو في لقائه مع «الأنباء». وأوضح السهو أن التركيز على تنمية أنماط التفكير الحديثة هو من أعظم ما يميز عصرنا الحديث، والتي من أبرزها ما يسمى «بالتفكير الناقد»، لافتا إلى أن الوطن العربي يعاني غياب الرؤية العلمية والنقدية وسيادة العقل الناقل الذي يعتمد على تكديس المعلومات والحقائق والقوانين والتعريفات في أذهان الطلاب واسترجاعها وقت الاختبار والتي لا يتبقى منها أكثر من 5%، في حين يقلل القدرة الإبداعية لديهم، وأضاف أن مناهج التربية بأسلوبها التقليدي لا تساهم أبدا في تنمية مهارات التفكير الناقد، بل إنها تنتج نسخة متطابقة من الطلاب لا هم لهم سوى الحفظ ومجرد استرجاع المعلومة. وبين السهو في رسالته لنيل درجة الدكتوراه «أثر استخدام برنامج لمناقشة القضايا الأسرية في تنمية قدرات التفكير الناقد لدى طلاب المرحلة الثانوية» أن التفكير الناقد يجعل المتعلم قادرا على إصدار الحكم السليم على المواقف والأحداث التي تعرض عليه، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
بداية حدثنا عن أهمية رسالتكم حول «تنمية قدرات التفكير الناقد»؟
إن الانسانية اليوم تقف على اعتاب عصر جديد تم تسميته بعصر ما بعد التصنيع، بحيث يجعل من خطوط الانتاج في المصانع اشياء عتيقة انتهى زمانها، لذا كان التركيز على تنمية انماط التفكير هو من اعظم ما يميز هذا العصر، لذا اهتم صاحب الرسالة بموضوع التفكير الناقد والذي يجعل المتعلم قادرا على إصدار الحكم السليم على المواقف والاحداث التي تعرض عليه، فالإنسان في حياته العصرية يواجه في كل يوم العديد من وسائل نقل المعلومات كالإنترنت والقنوات الفضائية المتنوعة والتي تحوي ثقافات متنوعة وافكارا متناقضة ومزيجا من الخير والشر، بل لا اكون متشائما عندما يظهر الاعلام اليوم وعالم السماوات المفتوحة الاطباق الشر في صورة الخير، وتخدع الاجيال والشعوب فيزين الباطل، ويلبس الباطل والفساد والانحراف والخلاعة لباس الحق والفضيلة والاستقامة والنجومية.
كما ان العالم اليوم يتسم بما يسمى بالعولمة او الكنتكة او الماكدنة بمعنى ان يسير العالم كله في انماط سلوكية وطريقة أكله وشربه على النمط الغربي الذي يفرضه عبر الاعلام، ناهيك عن اساليب الكلام وتقليعات الملبس وقصات الشعر، فاليوم شبابنا يرفع كل واحد منهم ستايله ويفتخر به بين زملائه واصحابه ويرى انه قد حقق لنفسه مكانة جيدة عندما تشبه بفئة ما أو شخصية نجومية ما، لذا فنحن اليوم بأمس الحاجة لتربية ابنائنا على اكتساب مهارة (غربلة) الاحداث والمواقف ونقد كل ما يدور حوله ايجابا او سلبا، حتى لا تقع الاجيال فريسة سهلة ولقمة سائغة في أفواه من يريد ان يجر الشباب الى البعد عن دينه وعاداته وتقاليده التي تميزه عن غيره من مجتمعات العالم.
أنماط التفكير الحديثة
لذا كان لزاما على التربويين وساسة القطاعات التربوية التركيز على انماط التفكير الحديثة ومنها ما نحن بصدده التفكير الثاقب فالوطن العربي يواجه ازمة حقيقية تختلف من حيث الكم والكيف عن الأزمة التي تعاني منها الدول المتقدمة في مجال التعليم فغياب الرؤية العلمية والنقدية وسيادة العقل الناقل الذي يعتمد على التحصيل الدراسي والأساليب التقليدية والتي تسمى بالتعليم البنكي حيث يركز على تقليل القدرة الإبداعية لدى الطلاب او إلغائها والتركيز على تكديس المعلومات والحقائق والقوانين والتعريفات في اذهان الطلاب واسترجاعها وقت الاختبار (الايداع بدل الإبداع) خاصة إذا علمنا ان ما يبقى في اذهان الطلاب بعد الاختبارات لا يتجاوز 3-5% فقط من مجموع ما تم تخزينه وقت المذاكرة والدراسة للامتحانات.
من جانب آخر فإن التفكير الناقد يسهم عبر مجالات الحياة الكثيرة في إيجاد بيئة تسهم في فلترة الأفكار والقيم والشبهات والتوجهات والدعاوى التي تعج بها اجهزة الاعلام المتنوعة واخذ ما هو صالح منها ونبذ الفاسد.
مجالات التفكير الناقد
ما المجالات التي يمكن ان يسهم فيها التفكير الناقد؟
من هذه المجالات:
1ـ القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث إن هذه الشعيرة الدينية هي ترجمة للفكر الناقد لأوضاع المجتمع.
2ـ هذا الفكر يسهم في دعم الاستقلالية والاستطلاع والاكتشاف وحب الفضول حتى يصل الفرد الى مرحلة الاشباع.
3ـ اشعار المتعلم بمسؤوليته عن افكاره وآرائه ومعتقداته وتنمية نقده لنفسه بدلا من التبرير والاسقاط على الغير.
4ـ تهذيب السلوك وحسن التعامل مع الناس، بعيدا عن السطحية والضحالة في التفكير.
5ـ مساعدة النشء على التمييز بين الصحيح والزائف، وتكوين الشخصية الواعية والإيجابية، لمواجهة خطر الانفتاح العالمي، ولكي يتسطيع الفرد ان يحدد موقعه بين تلك التيارات الجارفة والافكار المتلاطمة فيساعد التفكير الناقد الفرد على ان يزن الامور ويفاضل بينها ويستطيع اتخاذ القرارات المناسبة وتقويم الحجج والمواقف بما يعود عليه بالخير.
6ـ اسلوب التفكير الناقد هو توجه يدعو اليه الاسلام ويحث عليه وذلك من خلال التوجيه النبوي: «لا يكن احدكم إمعة يقول ان احسن الناس احسنت وان اساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس ان تحسنوا وان اساءوا ان تجتنبوا إساءتهم» او كما قال صلى الله عليه وسلم.
بيئتنا العربية
أين التفكير الناقد في بيئتنا العربية خاصة؟
لقد عاشت مجتمعات العالم الثالث الاستعمار لزمن طويل، الامر الذي ادى الى تبعيتها واعتمادها على النقل والتقليد فانعكس على العملية التربوية وفي الكتاب الشهير «تربية المقهورين» قال المؤلف ان الامم المقهورة - وهي المستعمرة من قبل أو التي تشعر بالتبعية للغير - تعتمد في انظمة تعليمها على ما يلي:
1ـ معلم يقوم بالتلقين ومتعلمون يتلقون ما يقوله المعلم.
2ـ معلم يفكر ومتعلمون يستمعون ولا يفكرون.
3ـ معلم يعرف كل شيء ومتعلم لا يعرف شيئا.
4ـ معلم هو قوام العملية التعليمية والمتعلم هو نتاجها.
وقد قام الباحث في هذه الدراسة بتفعيل ابعاد التفكير الناقد الخمسة وهي: كيفية التعرف على المسلمات والاستنتاج والاستنباط وتقويم الحجج من خلال الحوار والمناقشة للمشاكل الاسرية التي تتجدد بتجدد الزمان والمكان، فكل مجتمع له مشاكله الخاصة به، لذا تم استخدام استراتيجية حل المشكلات بخطواتها المتعارف عليها في كيفية التعرف على المشكلات الاسرية التي تواجه الطلاب من خلال علاقاتهم الاسرية مع الوالدين والاخوان وكيفية التوصل الى الحلول المناسبة للمشكلات الحياتية من خلال هذه الابعاد الخاصة بالتفكير الناقد.
توصيات
ما ابرز النتائج والتوصيات التي خرجتم بها من الرسالة؟
لعل أهم ما توصلت إليه الدراسة هو ما يلي:
1ـ ان المناهج بأسلوبها التقليدي لا تساهم ابدا في تنمية مهارات التفكير الناقد، بل انها تولد طبقة من الطلاب لا هم لهم الا الحفظ واسترجاع المعلومات فحسب.
2ـ ان الحوار والمناقشة الجماعية مع افراد الاسرة او في حجرة الدراسة يسهم بشكل ما في تنمية ابعاد التفكير الناقد الخمسة.
3ـ التوصية لوزارة التربية باعتماد اساليب حديثة بخلاف الاساليب التقليدية التي تعتمد على الحفظ وتكثيف وحشو المناهج بالمعارف الكثيرة.