- راتبه كان 18 جنيهاً شهرياً وثروته فاقت 300 مليار .. و«جولي فيل» الاسم السحري لمنتجعاته المختلفة
- شرم الشيخ البداية الأولى لزواج المال والسلطة في مصر بين سالم وأركان النظام السابق
شرم الشيخ: أسامة ابو السعود
هنا مصر.. هنا قاهرة المعز وقلعة صلاح الدين والأزهر والحسين والسيدة زينب وشبرا والدقي والمهندسين.. هنا الأهرام وأبو الهول والنيل.. هنا شرم الشيخ والغردقة والإسكندرية والأقصر وأسوان.. هنا بساطة شعب ورحابة الأهل.. هنا شباب صنعوا ثورة سيتحدث عنها التاريخ طويلا طويلا.. وسيذكرها العالم في أمجاده بأنها الثورة التي أسقطت أعتى نظام قمعي. إنها مصر التي في خاطري وفي دمي.. قبلة العرب وقلب العروبة النابض.. مصر التي عشقها كل من قدم إليها وشرب من نيلها.. هنا حيث تهفو النفوس والقلوب إلى زيارة كل معالمها ولو لمرة واحدة في العمر. زيارتي لأم الدنيا وأرض الكنانة هذه المرة كانت بدعوة من المركز العربي للإعلام السياحي لنتجول في رحاب المحروسة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها لنرى بأنفسنا كيف عادت مصر كما كانت على مدى تاريخها واحة الأمن والأمان والاستقرار.
هنا شرم الشيخ التي لا يعرفها كثير من المصريون، هنا مدينة الحكم والقرار في عهد النظام السابق.. هنا امبراطورية حسين سالم.. فنادق ومنتجعات وفلل وقصور.
هنا كان ملك يحكم مصر بمعية اعوان السوء.. هنا حيث انعزل حاكما ومحكوما في مستشفى شرم الشيخ والذي ينتظر بين اللحظة والاخرى ترحيله الى سجن طره.
هنا الحكاية الاولى لزواج المال والسلطة حيث لا قيم ولا اعراف.. هنا حسين سالم حيث تدور الكثير من الحكايات والروايات في المدينة الاشهر عالميا عن علاقات تجارية وشراكات خاصة بين رجال المخابرات واركان النظام السابق.
سيبقى حسين سالم الصديق الحميم للرئيس المخلوع حسني مبارك لغزا يحير الكثيرين في مصر والعالم، فالرجل الذي صدر قرار بإحالته الى محكمة الجنايات بصحبة صديقه الرئيس السابق حسني مبارك القابع في مستشفى شرم الشيخ ونجليه جمال وعلاء، ولا يزال هاربا بين تل ابيب وايلات ولندن واخيرا جزر الكاريبي ـ كما تقول بعض الروايات، يلقبه الناس هنا في شرم الشيخ بانه «امبراطور خليج نعمة».
حسين سالم تاجر السلاح ومهندس السلام مع اسرئيل الذي اقتص لنفسه اجمل قطعة في كيكة شرم الشيخ وهي خليج نعمة بأسره، اضافة الى الاف الامتار في مناطق مختلفة من شرم وباع الغاز المصري الى اسرائيل تاركا شعبه يتضور جوعا، لم يكن ليفعل ذلك لولا نظام فاسد سهل له الاستيلاء على كل تلك الاموال والكيلومترات من اجمل بقاع مصر.
في هذه الحلقة نستعرض حياة هذا الرجل الغامض في عيون الكثيرين.. انه حسين سالم ولد بسيناء التي ينتمي إلى إحدى قبائلها بدأ حياته موظفا في صندوق دعم الغزل، وكان راتبه 18جنيها يقتطع منه 2 جنيه ضريبة للدفاع الوطني عن فلسطين، بعدها التحق بسلاح الطيران ليعمل طيارا ومن هنا كانت بداية معرفته بالرئيس السابق مبارك وهرب بعد ثورة 25 يناير وقدرت ثروته بـ 300 مليون جنيه مصري.
ومع وصول الرئيس أنور السادات إلى الحكم عاد سالم للحياة العامة كسياسي ليصبح أحد المستشارين الداعمين للسادات ولاتفاقية السلام مع إسرائيل، وكان المسؤول عن تنفيذ المعونة الأميركية الأمنية للقاهرة في إطار اتفاقية السلام مع إسرائيل.
ويعتبر سالم أول من استثمر بمدينة شرم الشيخ منذ عام ١٩٨٢ بعد ان تركها اليهود مباشرة لتتحول الى شراكات متعددة وتجارة رابحه بينه وبين عدد من كبار المستثمرين الاسرائيلين في الارض والغاز.
شرم الشيخ التي كانت منتجعا لصفوة القادة الاسرائيليين فقط دون غيرهم من عامة اليهود اثناء الاحتلال الاسرائيلي لسيناء تحولت الى احتلال من نوع فريد هو احتكارها لحسين سالم دون غيره من ابناء الشعب المصري، فالرجل استحوذ على خليج نعمة بالكامل وهو يعتبر بالكامل ملكا له حيث اقام العديد من المنتجعات على اجمل شواطئ العالم وكلها تحمل «جولي فيل» وبأحد هذه المنتجعات كانت ارض الجولف وقصر الرئيس السابق حسني مبارك واسرته وهو مطل على البحر مباشرة ولا يفصله عن ملاعب الجولف سوى بوابة خاصة يقف عليها حرس خاص من الشرطة المصرية بعد ان كان حرسها السابق هو الحرس الجمهوري.
«الأنباء» حاولت دخول الموقع لتصوير المكان الذي لطالما كان مقرا لحكم مصر باختيار الرئيس السابق وليس الشعب، لكن دون جدوى، فالأمن يسيطر على المكان وممنوع الدخول الى البوابة التي تضم قصر الرئيس السابق والفلل الملحقة به.
القصر الذي يقع في الجهة اليمنى من منتجع «جولي فيل» وبعده مجموعة فنادق تحمل الاسم ذاته يفصله عن قاعة المؤتمرات الدولية التي بناها ايضا حسين سالم للرئيس السابق لتضم اهم المؤتمرات بعيدا عن الشعب وعاصمة الشعب المصري «القاهرة» ويأتي ضيوف مصر ومن يحضر المؤتمرات فكان جولي فيل هو مقر اقامتهم و«كله على حساب الشعب ومن ميزانية الغلابة».
ولم يسعف الزمن حسين سالم لاستكمال مساحة شاسعة من الارض خصصها مواقف لسيارات ضيوف «قاعة المؤتمرات» فكانت الثورة لتوقف هذا العبث والفساد بأموال الشعب المصري وتعيد الامور الى نصابها وتصبح القاهرة عاصمة الشعب ومنها الادارة والقرار.
ولم يتوقف امر بناء حسين سالم لقصر اهداه للرئيس السابق حسني مبارك حيث امر سالم ببناء مسجد السلام ـ بين نبق وخليج نعمة وعلى مقربة من لوحة ضخمة تضم «قادة السلام في العالم ولا تزال تحمل صورة الرئيس السابق» ـ بلغت تكلفته حوالي ٢ مليون جنيه خلال أقل من شهرين، عندما علم أن الرئيس سيقضي إجازة العيد في المنتجع الشهير.
حسين سالم رجل الاعمال
وكما تشير الكثير من الروايات فان العلاقة بين حسين سالم ومبارك قوية، ولكنها بقيت محصورة في أضيق الحدود ولا يعرفها سوى المقربين منهما، حتى عام 1986 عندما قام علوي حافظ عضو مجلس الشعب آنذاك بتقديم طلب إحاطة لأحد أعضاء مجلس الشعب عن الفساد في مصر، مستندا في جزء منه إلى اتهامات خاصة، وردت في كتاب «الحجاب»، للكاتب الصحافي الأميركي بوب دوورد مفجر فضيحة «ووترجيت» الشهيرة، التي أطاحت بالرئيس الأميركي نيكسون في بداية السبعينيات من القرن الماضي.
وكانت النقطة الفاصلة في معرفة قوة هذا الرجل ونفوذه توقيع شركته «شرق المتوسط للغاز» عقد تصدير الغاز إلى إسرائيل، وهذه الشركة تمتلك فيها الحكومة المصرية 10% فقط في حين يمتلك رجل الأعمال الإسرائيلي يوصى ميلمان 25%، ويملك حسين سالم 65%، وتنص بنود الاتفاقية على أن تقوم الشركة بتصدير 120 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى إسرائيل مقابل 28 مليار جنيه فقط.
ورغم الرفض الشعبي والأحكام القضائية التي صدرت من محكمة القضاء الاداري بوقف تصدير الغاز المصري لإسرائيل، ظل حسين ومن خلفه يتحدون الشعب بشكل مستفز وصارخ لم يسبق له مثيل.
الهروب الكبير
بعد ثورة 25 يناير هرب حسين سالم من مصر بطائرته الخاصة ـ كما تقول بعض الروايات ـ متجها إلى ايلات ثم الى تل ابيب ومنها الى سويسرا، وعندما نشرت الصحف خبر هروبه خرج مدافعا عن نفسه وقال انه لم يهرب ليفاجأ الجميع بأنه يتحدث من سويسرا.
وقد نشرت تقارير إعلامية أن سالم اصطحب معه لدى فراره إلى خارج البلاد خزينة تحتوى على نحو مليار ونصف المليار دولار أميركي.