لا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ أخبارا أو تغريدات أو نستمع لندوات ومحاضرات كلها تتحدث عن الفساد، وتشتكي من توغله في كثير من مفاصل الدولة، وتنبه لضرورة مواجهته والقضاء عليه قبل استفحاله، مما رسم صورة متشائمة، قد تكون مستحقة، عن الأوضاع المحلية على كل المستويات.
هذه الحالة التي يعيشها المواطن ويستشعر خطرها بتعدد أوجه الفساد وظهورها على السطح لها آثار سلبية، فهي تخلق جوا من الاستياء العام، وتسهم في زعزعة الثقة بالمؤسسات، مما يؤدي إلى انتشار الإحباط المجتمعي وانخفاض الإنتاجية لدى الفرد، بل قد تكون دافعة للمشاركة في مظاهر الفساد من غش ورشوة وشراء للذمم وغيرها، خاصة أنها ترسخ الاعتقاد باستحالة مواجهة الفساد ورؤوسه وعدم إمكانية محاسبتهم.
يقع العبء الأكبر، بلا شك، في مواجهة الفساد والقضاء عليه على الدولة والمؤسسة التشريعية من خلال اختيار البطانة الصالحة في مراكز القرار الحساسة، وسن القوانين والتشريعات التي تسد الثغرات التي يتسلل منها الفساد، والحزم في تطبيق القوانين والأحكام الصادرة بشكل عادل دون تمييز أو تفرقة، ومن المهم أن تكون البداية ببؤر الفساد وقادته، وعدم الاكتفاء بمحاسبة بعض مظاهره البسيطة المنتشرة هنا وهناك، فيتم تفعيل دور مؤسسات الرقابة ومكافحة الفساد واختيار الأكفأ ليتبوأ قيادتها، ورصد الفاسدين والمفسدين وسرعة تحويليهم للمحاكمات وتطبيق الأحكام الصادرة على المدانين حتى يعتبر الناس من مصيرهم وما آلوا إليه.
بهذه الخطوات، وغيرها، يمكن أن يتم تجفيف منابع الفساد، وتبدأ طلائع الإصلاح، فتعود الثقة للمجتمع، وننطلق لتحقيق الرؤية بأن تكون الكويت مركزا تجاريا وماليا وثقافيا على المستوى الإقليمي.
ولا تقل أهمية دور الفرد عن دور المؤسسات في الحرب على الفساد، فلابد أن يراقب الله تعالى في عمله وتعاملاته، وينشئ أسرته النشأة السليمة من خلال تمثيله للقدوة في نزاهته واجتهاده وتطبيقه للقوانين، وعدم أخذ ما ليس من حقه أو التعدي على حقوق الغير.
مع الأخذ بالاعتبار أن هناك من يتحدث عن الفساد وينتقده ويحاربه قولا، لكن عند وضعه في أول اختبار قد تتغير مبادئه وقناعاته، وكما يقول د.غازي القصيبي: «لا يجوز لأحد أن يدعي العفة ما لم يتعرض للفتنة! ما أسهل النزاهة على إنسان لم يعرض عليه أحد عشرات الملايين»، لذلك نرى نماذج ممن كانوا يعدون رؤوس حربة في مكافحة الفساد وقعوا في الوحل، وتدنست أرواحهم قبل أموالهم وغرقوا في الفساد، فعلى الفرد أن يستعد ويتهيأ لمواجهة هذه اللحظة متى تعرض لها.
إن الجدية في محاربة الفساد، واتخاذ إجراءات في حق المفسدين، وتنفيذ الأحكام الصادرة في حقهم يلقي بظلاله الإيجابية على كل المستويات في الدولة، ولا يكون ذلك إلا بإعلان الحرب على الفساد في كل المستويات.
[email protected]