تناولنا في مقالات سابقة بعض الملامح المهمة حول الاستدامة، بداية من المفهوم مرورا بأهم المحطات، وانتهاء بالأهداف الأممية السبعة عشرة للتنمية المستدامة، وبعض الملاحظات حولها، وكيفية التعاطي الإيجابي معها في مؤسساتنا وبيئاتنا من منطلق قيمنا وعاداتنا.
وسيكون حديثنا اليوم عن مدى وجود مفهوم الاستدامة أو ظلاله في دستور الكويت.
أما فيما يخص دستور الكويت وكونه كان مراعيا لهذه المبادئ أو مشتملا عليها، فإننا إذا انطلقنا من كون أهداف التنمية المستدامة السبعة عشرة هي أهداف تعلي من قيمة الإنسان وتحافظ على مقومات حياته وحياة الأجيال اللاحقة، وتحافظ على البيئة ومقوماتها، وتحوكم العلاقات، فإن الدستور الكويتي حافل بالمواد التي تقنن ذلك وتشير إليه، ومن ذلك مثلا: المادة 7: «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين»، والمادة 8: «تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين»، والمادة 9: «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها، ويقوي أواصرها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة»، والمادة 10: «ترعى الدولة النشء وتحميه من الاستغلال وتقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي»، والمادة 11: «تكفل الدولة المعونة للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل، كما توفر لهم خدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية»، والمادة 12: «تصون الدولة التراث الإسلامي والعربي وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية»، والمادة 13: «التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع، تكفله الدولة وترعاه»، والمادة 14: «ترعى الدولة العلوم والآداب والفنون وتشجع البحث العلمي»، والمادة 15: «تعنى الدولة بالصحة العامة وبوسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة»، والمادة 16: «الملكية ورأس المال والعمل مقومات أساسية لكيان الدولة الاجتماعي وللثروة الوطنية وهي جميعا حقوق فردية ذات وظيفة اجتماعية ينظمها القانون»، والمادة 20: «الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية، وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع المستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين، وذلك كله في حدود القانون»، ويمكن النظر إلى المواد 21 و23 و24 و25 و29 و35 و40 و41 كأمثلة على ما نحن بإزائه.
وبعيدا عن الاستطراد في شرح كل مادة وعلاقتها بمحاور الاستدامة وأهدافها، فالملاحظ والبين أن كل مادة من هذه المواد إما تدخل في النطاق البيئي أو النطاق الاقتصادي أو نطاق المجتمع والناس، وهي مواد مؤسسة للحقوق والمطالب والغايات التي تتطلع إلى تحقيقها الأهداف السبعة عشر، وتحقق النمو والازدهار والديمومة لمجتمع متماسك قوي فاعل وبناء، يحافظ على مقوماته الصلبة، سواء لأهله وللقائمين والموجودين عليه حاليا أو لمن يأتون بعدهم، وهذا هو صلب الاستدامة، فضلا عن كون كل هذه المواد - وغيرها من مواد الدستور - مواد محوكمة ومحددة لطبيعة العلاقات داخل المجتمع وفئاته ومكوناته، وهو ما لا يحتاج إلى مزيد بيان حول مدى تأثيره على ديمومة واستدامة وحيوية المجتمع والبيئة.. والحديث موصول.