فرض الوضع الإنساني الكارثي في أفغانستان وتضاعف الاحتياجات الإنسانية وتنوعها ضرورة تضامن المجتمع الدولي لتقديم العون وإغاثة الشعب الأفغاني، وفي هذا الإطار، تلعب المنظمات الإنسانية الدولية، سواء ما كانت منها تابعة لحكومات معينة، أو للأمم المتحدة، أو منظمات شبه مستقلة، دورا محوريا، بحكم انتشارها في مناطق الكوارث والصراعات، وما تملكه من خبرات، بما يملي ضرورة التعامل معها بذكاء وتحقيق فوائد إنسانية للشعب.
وحتى يكون الطرح موضوعيا، فإن لهذه المنظمات إيجابيات عديدة، فهي بداية قد قامت بجهد كبير لإبراز الوضع الإنساني في أفغانستان أمام المجتمع الدولي، وذلك من خلال التقارير المتخصصة والمتنوعة التي أصدرتها، مثل تقريري OCHA: تقرير اللمحة العامة للعمل الإنساني الدولي 2022، وتقرير خطة الاستجابة الإنسانية لأفغانستان 2022.
وفضلا عن انتشارها في أنحاء العالم، فهي تتنوع في اختصاصاتها ومجالات عملها، والاتفاقيات معها تتسم بقدر كبير من القوة والمصداقية، ولذلك يحسن أن يكون التعامل مع منظمات الأمم المتحدة بما يشبه نظام الحصص، وكل في تخصصه، كمنظمة الفاو في مجال الأغذية والزراعة، واليونيسيف فيما يخص الطفولة ومفوضية اللاجئين، مع ما يمكن أن يكتنف هذا التعامل من سلبيات، ودون الاقتصار على جهات بعينها أو اختلاق عداوات مع أخرى، ولاحقا، فإن الانخراط مع هذه المنظمات في تعاون أو مشاريع مشتركة سيظهر قوة هذه المنظمة عن تلك.
من جهة أخرى، فإن هذه المنظمات بشكل عام تبدي مرونة وتعاونا في التعامل مع أفغانستان وتعيش استنفارا لتقديم العون، خلافا لبعض الدول، وهي تحظى بمصادر متنوعة للدعم، وتتلقى التمويل من حكومات وجهات متعددة، سواء من شركات القطاع الخاص أو جهات مانحة خليجية أو عالمية، وبإمكانها تجاوز معضلة تحويل الأموال، وهي مزايا تمس الحاجة إليها في الوضع الأفغاني، خاصة مع استمرار غياب الاعتراف الدولي بحكومة طالبان والعقوبات الدولية المفروضة على قادتها، ومع الإقرار بأن بعض هذه المنظمات قد يسعى إلى ليّ ذراع الحكومة الأفغانية، في بعض البرامج، بطرح قضايا مثل الجندر والنساء، إلا أن التعامل مع ذلك ينبغي أن يكون بذكاء دون إفراط أو استفزاز، وبعد طرح الأمر للنقاش مع العاملين المحليين من الأفغان الأكثر خبرة بهذه المنظمات.
إن التقارير الدولية تظهر صورة غاية في البؤس لأفغانستان، وهو ما يفرض على متخذ القرار، والذي يفترض أن يمثل الشعب الأفغاني ككل، أن يبتعد عن العنجهية ومجافاة الواقع، وأن يتعامل بحكمة بما يحافظ على هذا الكيان السياسي الجديد، لا أن يستنزفه ويضعفه بتوريطه في صراعات هو في غنى عنها والتي سيكون الشعب الأفغاني الخاسر الأكبر فيها!