لن يكون من المستغرب أن تكون نتيجة الكويت متقدمة من بين 80 دولة في مؤشر حرية العمل الخيري Index of Philanthropic Freedom الذي تصدره كلية العمل الخيري في جامعة أنديانا الأميركية بشكل دوري، والمتوقع أن تعلن نتائجه هذا الشهر أبريل 2018، بمشاركة الكويت، وتشرفنا نحن بالمشاركة في كتابة تقرير الكويت لأول مرة!
يتضمن المؤشر عدة أسئلة قانونية وسياسية واجتماعية من شأن الإجابة عنها أن تعطينا وصفا وتقييما لمدى تمتع دولة ما بهامش حرية مزاولة العمل الخيري، فثمة محاور عن سهولة تأسيس المؤسسة الخيرية من حيث المدة والإجراءات، وحرية الأفراد في تشكيل وإنشاء المؤسسات الخيرية، وأخرى عن مدى عمل المنظمات الخيرية بحرية دون التدخل الحكومي المفرط، والى أي مدى تتناسب وتشجع البيئة القانونية تلقي أو إرسال التبرعات عبر الحدود، وما مدى وجود بيئة سياسية وممارسات اجتماعية وأبعاد ثقافية ملائمة لعمل المنظمات الخيرية بحرية؟
وفي خضم إجابتنا عن كل هذه التساؤلات وإعطاء نتيجة من 5 درجات للمحاور الرئيسية مع تعزيزها ببنود قانونية وبمبررات منطقية وأحداث ومواقف واقعية في تجربة الكويت، ومع وجود ثمة تحفظات وأمنيات وطموحات أكثر نحو الحرية، إلا انه يحق الفخر بما تتمتع به الكويت وتجربتها العريقة والتناغم بين السلطات والمؤسسات المحفزة للعمل الخيري والإنساني.
في نشوة فرحنا بهذا الواقع من حرية ودور العمل الخيري الكويتي، يأتي مشروع قانون جديد محتمل أعدته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وستتم إحالته لمجلس الأمة بنوايا حسنة لحماية العمل الخيري والعاملين فيه كما يبدو من بعض بنوده، ومما يكشف عن حسن الممارسة للوزارة أنها دعت ـ أول من أمس ـ قيادات جمعيات العمل الخيري الكويتي لجلسة نقاش ـ أدارها وكيل الوزارة ـ مسودة القانون العمل الخيري الجديد ليتم التغيير والتعديل بالتوافق ـ قدر المستطاع ـ وفق مصلحة جميع الأطراف المعنية.
وفي الوقت نفسه، الذي تسود فيها الحكمة والاصوات الناصحة بضرورة مراعاة الظروف المحلية والإقليمية والمعطيات العالمية المعروفة، فإن مشروع القانون ينبغي أن يحافظ على حرية وقوة العمل الخيري الكويتي المشهود لها وفق الممارسات الفضلى والأدبيات ومعايير مؤشر حرية العمل الخيري المشار اليها أعلاه، وهو سنركز عليه في هذه المقالة كنماذج لمصلحة مسيرة هذا العمل الانساني مع ذكر ملامح إيجابية تضمنها مشروع القانون لعلها تسهم في دعم اللجنة المشكلة من المؤسسات الخيرية لتقديمها للوزارة خلال الأيام العشرة القادمة.
يفرض مشروع القانون في بعض البنود مثل المادة 4 البنود (2 +6+ 7) قيودا على حرية المؤسسات الخيرية باشتراط الحصول على موافقة الوزارة فيما يتعلق بقبول التبرعات والهبات والوصايا والانضمام لجمعيات أو هيئات خارجية وحرمان تملك المؤسسات الخيرية للعقارات الا بالقدر الكافي، بل ان مشروع القانون وفق المادة (8) قد قيد المؤسسات الخيرية الموافقة على طلبات التطوع بموافقة الوزارة الكتابية وتصديقها على العقود، ما يمثل تأثيرا سلبيا كبيرا على ظاهرة التطوع وقدرة المؤسسات الخيرية على جذب متطوعين جدد، والتي بينت بعض الدراسات والاحصاءات أن من اسباب ضعفها عدم وجود التشجيع على التطوع من المجتمع ومختلف الجهات الحكومية والخاصة، كما أن استمرار العمل ببنود تقيد ـ نوعا ما ـ استقبال وارسال التبرعات النقدية بموافقة الوزارة يشكل عائقا لحرية العمل الخيري وفق معايير مؤشر جامعة انديانا، هذه المعايير التي تخصص حصة كبيرة لنسبة ودرجة الحرية.
إن حظر تأسيس المدارس الذي فرضته المادة 4 بند 5 على المؤسسات الخيرية يحرم ويمنع المؤسسة الخيرية من 30% من مجالات عملها، على اعتبار أن اولوية المؤسسات الخيرية محاربة المثلث المستهدف (الفقر والجهل والمرض)، كما أنه بالمقابل يفوت فرصة حقيقية للتخفيف من الفقر باستهداف واحد من أهم أسبابه وهو الجهل (حرمان أو تقليل فرص الناس من حقهم في التعليم).
وبنظرة عامة لبعض العبارات التي أوصى بها بعض قيادات الجمعيات الخيرية حينما قال «إن الدور المأمول من الوزارة أن يبقى دور رقابيا لا اشرافيا يدخل بتفاصيل عمل المؤسسة الخيرية ويحرمها من استقلالها وابداعاتها»!
يبقى القول بأن ثمة جوانب إيجابية في مشروع القانون عكستها بعض البنود، ومنها على سبيل المثال دور الوزارة التأهيلي والتدريبي للعاملين في المؤسسات الخيرية، حيث جاء في المادة (6) من مشروع القانون أن الوزارة تعمل لتحقيق هذا الغرض بالتنسيق مع جهات مختصة، وهذا ما ظهر بشكل عملي وربما مبكر من خلال مبادرة اتفاقية«تمكين» لتدريب العاملين والمتطوعين في العمل الخيري، حيث انيطت هذه المهمة للهيئة الخيرية العالمية الإسلامية والتي تشكل أبا روحيا للجهات الخيرية في بعد عالمي، وهو ما يبدد بعض المخاوف التي وردتنا من بعض الممارسين بأن ثمة سيطرة حكومية ناعمة على العمل الخيري بهذه الجلسات التدريبية والتأهيلية، كما اضيف في نفس المادة (6) التنسيق لإعداد دراسات وبحوث وهو مما يستحق الثناء باهتمام الوزارة بهذا الجانب الحيوي المهم.
لا شك أن التطوير والتحسين في القطاع الخيري مطلوب على كل الأصعدة، ومنها مجال التشريعات المنظمة للعمل الخيري، ولكن المحافظة على حريته وابداعاته وآفاقه الواسعة مطلب مهم لاسيما لدولة مثل الكويت بمكانتها الإنسانية وبريقها الخيري وتجربتها العريقة.
تم إعداد هذا المقال بالتعاون مع أ. د. عبد الرزاق الشايجي