عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: «لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع.. السجدة: 16) حتى بلغ (يعملون.. السجدة: 17)، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله.
قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فقلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا.
قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك وهل يكب الناس على وجوههم ـ أو قال على مناخرهم ـ إلا حصائد ألسنتهم؟!».
يستوقفني حديث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام في آخره لقوله «وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»، ولعل أغلب مشاكلنا هي منبع حصاد ألسنتنا، فاللغو يوقع صاحبه بمشاكل اجتماعية، ويفقره، ويذهب عنه البركة بصحته وعياله وبيته وزوجه وعمله وماله، كما أنه سبب لتعاظم وتكاثر ذنوبنا وهمومنا بلا شك.
فمجالسنا تعتليها بما قالوا وما يقولون، وما يحدث على الساحة الاجتماعية من تفاهات الأمور، ولغو دنيوي لا فائدة منه ولا أجر، والكثير من الناس وهم الغالبية العظمى من يغرق نفسه باللغو والشتم والفضول الاجتماعي فهي ملاذ مجالسهم، وإن تحدث أحدهم بقال الله وقال الرسول تشمئز قلوبهم وتغشى أبصارهم عن الحقائق، وإن حدث أحدهم كذلك بالفائدة العلمية الاجتماعية التي ترقى بها العقول بالتفكر والتأمل بملكوت الله عز وجل سرعان ما يعتليهم الملل والضجر.
فرسالتي للقلوب الواعية المتوجة بحب الخير وحب الله ورسوله، إن التزام الصمت فعل جليل وقدير، والهجر الجميل الذي يتحقق تحت سقفه الهدف المنشود في الإحسان والبر فهو بذلك رقي والتزام بالطاعة، فلنجعل الكتاب صديقا لنا، والقرآن ملاذ حياتنا ومجالسنا، فالهدوء والسكينة والانشغال بحفظ القرآن وتدبره عمل عظيم من شأنه يزيد من بصيرة المؤمن وفهمه ويقينه وصبره وقوة ايمانه ورقي نفسه (باطنه وظاهره) فلنجعل ما سبق أسلوب حياة راقية.
وفي الختام لا يوجد إنسان إلا وله أخطاء يخشى من عواقبها، ولكن تبقى الدروس التي يتعلمها من تلك المدرسة الحياتية التي أسست مناهجها أثر أخطائه وعثراته والظلم الواقع عليه سواء كان من نفسه أو من الآخرين، حينها يصل الإنسان لمراحل التعليم العالي في توظيف أخطائه في رقي أفعاله وأقواله، وتذكر عزيزي القارئ أن اللغو يسقم القلب كما يسقم المرض الجسد.
family_sciences@