في 22 من نوفمبر سنة 1520م أصدر ماجلان أمره بالإقلاع من مرفأ نهر السردين وكانت السفن قد اجتازت المضيق والذي سيعرف في المستقبل بمضيق ماجلان وعند مخرج المضيق وقع نظر ماجلان وقلبه يخفق من التأثر على مياه البحر الذي لم تمخر عبابه من قبل سفينة أوروبية وهو يمتد خلف نتوء أطلق عليه ماجلان اسم «كابود يسيادو» أي «رأس الشوق» ويا له من منظر مؤثر لابد أن تكون هناك إلى الغرب وراء الأفق اللانهائي تلك الجزر جزر التوابل والصين واليابان والهند وأمر ماجلان بأخذ راحة عند المدخل قبل الانطلاق في المحيط الغامض.
في 28 نوفمبر 1520م رفعت المراسي والإعلام وأطلقت السفن الثلاث مدافعها تحية للبحر المجهول.
إن عبور المحيط المجهول للمرة الأولى عمل من أعظم الأعمال التي عرفتها البشرية.
انطلق ماجلان بسفنه الثلاث إلى المحيط الغامض المجهول ورجاله منهكون وقد قاسوا آلام الجوع والحرمان وثيابهم بالية وحبال سفنهم وقلوعها بالية تلك الظروف التي سارت فيها السفن ثلاثة أشهر دون أن يلمحوا وراء الأفق ظل أرض أو يبدو لهم أنهم يقتربون من الساحل والسفن تسير آلاف الساعات، ومع ذلك عبر ماجلان ثلث المحيط المجهول الذي سماه بسبب انقطاع الرياح فيه: «المحيط الهادي» والبحر مازال بلونه الأزرق والسماء صافية محرقة والهواء لا يحمل صوتا والأفق ينفسح لهم كلما أوغلو فيه ولا يحيط بالسفن الثلاث غير الفضاء الأزرق وهي وحدها النقط المتحركة وسط ذلك الجمود الرهيب والمؤن الغذائية تنقص والمجاعة تتفاقم يوما بعد يوم والمياه العذبة المحفوظة في البراميل فارت تحت نار الشمس التي لا ترحم، أما الخبز المجفف وهو مع السمك أساس غذائهم، فقد تحول إلى مسحوق قذر وأصبح فاسدا وتفاقمت المجاعة حتى اضطر البحارة إلى التهام الجلود التي تكسو عوارض الصواري لتحمى الحبال من التمزق وظهرت على البحارة أعراض فساد الدم وبدأت أسنانهم تقع وامتلأت أفواههم بالقروح ومات كثيرون منهم في عذاب أليم، وأما الذين لبثوا على قيد الحياة فقد أنهك الجوع قواهم وهم يتحركون متوكئين على عصيهم وزادت ألم الخيبة في نفوس البحارة في ذلك المحيط اللانهائي ويخدعهم السراب في ذلك المحيط الغامض.
صاح المراقب من برجه قائلا إنه يلمح البر في الأفق إنها جزيرة ولكن خيبة الأمل أصابت البحارة أنها عبارة عن جزيرة جرداء وأكوام من الصخور فسماها البحارة جزيرة التعاسة وأخيرا في 6 مارس سنة 1521م سمع البحارة هناك جزيرة وفي هذه الجزيرة سكانا وما كادت السفن الثلاث تقترب من شاطئ الجزيرة حتى أسرعت نحوها زوارق ملونة صغيرة ناشرة قلوعها المصنوعة من أوراق النخيل المحبوك وخرج منها ركابها الزنوج العراة وتسلقوا جوانب السفن خفافا كالقرود وبدأوا يستولون على كل شيء يقع تحت أيديهم جهلا منهم بكل قواعد اللياقة ولم يخطر ببال أولئك الزنوج أنهم أقدموا على عمل غير مشروع، بل كانوا يضحكون لأنهم حصلوا بسهولة على أشياء لم يروا مثلها من قبل ثم عادوا بأسلابهم مطمئنين ولكن ماجلان لا يسعه السكوت على تصرفات أولئك المتوحشين ولا يمكن أن يترك لهم زورقه الذي سرقوه وقد أرسل ماجلان إلى البر في اليوم التالي أربعين بحارا مسلحين ليعودوا بالزورق المسروق ويلقنوا السكان درسا قاسيا فأضرم البحار النار في بعض أكواخ الزنوج ولكنهم لم يشتبكوا معهم في قتال كأنهم يجهلون فنون القتال وفر الزنوج هاربين إلى الغابات.
والآن أصبح في وسع الإسبانيين أن يحملوا المياه العذبة وأن ينصرفوا إلى السلب والنهب على ذلك النحو المتبادل وأراد الاسبانيون أن يصموا تلك الجزيرة بالعار الأبدي فأسموها «جزيرة اللصوص». استعاد البحارة نشاطهم في تلك الجزيرة والسفن الآن تواصل سفرها نحو الغرب بهمه جديدة.
[email protected]