[email protected]
عاش أجدادنا وآباؤنا وناضلوا من أجل لقمة العيش في هذه الأرض المباركة الطيبة.
وللأجيال الحالية من أبناء وأحفاد أكتب عن ذكرياتنا الكويتية من عادات وتقاليد وعبارات دارجة وحكايات ومعتقدات وخرافات وفنون وتاريخ.
كما لا يفوتني أن أحرص على ان أعطي الوافد الكريم على أرضنا بعضا من أخبارنا القديمة في الزمن الجميل الذي مضى.
أود أن أشكر في مقدمة استراحتي ببالغ التقدير والامتنان كل من يتابع «الاستراحة» داخل الكويت وخارجها، شاكرا ومقدرا تواصلهم معي على الإيميل أو إرسال التعليقات.
يهمني في استراحة اليوم ان أشعر القارئ بالكويت القديمة الجميلة، متذكرا من عاش تلك الفترة، ومذكّرا جيلي ومَن بعدي بالكويت القديمة، وأرجو من الله ان أوفّق.
«الاستراحة» هذا الاسبوع عن «الديرة» وعندما يقول الكويتي الديرة، فالمقصود هنا الكويت الدولة من جميع حدودها بعكس ما يقول البعض بان المقصود هنا انها «لفظ حضري للمناطق الداخلية» ومن له اضافة هنا يرسلها كي ندعم الموضوع المطروح.
الطفرة السريعة التي شهدتها الكويت أخفت الكثير من المعالم القديمة المنصرمة نتيجة عوامل كثيرة منها مسايرة الحضارة التي مرت بنا وأزاحت الكثير من المعالم القديمة الجميلة العريقة.
لقد ذهب زمن كامل بأهله وقضى معه على الكثير من عاداتنا وروابطنا من محبة وألفة وحشيمة وتعاون وحياء وصدق، وبقي الحسد والبغض والعداوات والقبح الأخلاقي وطغيان الكره والاخلاق الفاسدة، اللهم الا من نفوس قليلة تمسكت بالماضي الجميل.
«الاستراحة» تخاطب الأبناء من هذا الجيل الطيب، الطيب لسانه وأصله بأن يقلدوا آباءهم وأجدادهم ويقتبسوا منهم ليعمّ الخير الجميع.. لكن هيهات هيهات أن نعوّض ما فات.
أيها الأبناء والأحفاد
أيها المقيمون على أرض الكويت، ويا ابناء الكويت الاماجد من شيبان وشبان، اولاد وبنات:
«الاستراحة» اليوم لكم ولأبناء جيلنا الحاضر والأجيال القادمة نذكّر بمحامد وأخلاق آبائهم الأقدمين الذين كافحوا وناضلوا وجاهدوا من أجل هذه الديرة الجميلة وتعرضوا من أجلها لكثير من المخاطر والحروب وللغزاة الذين أرادوا الاستيلاء عليها، فدحرهم وفاء أهل الكويت لحكامهم وأرضهم وتاريخهم.
«الاستراحة» هذه المرة «كويتية أصيلة» من ألفها إلى يائها تعرض جوانب من المعالم بأسلوب مبسط وصور صادقة عن تاريخ الكويت العامرة، واتمنى ان تشكل لجنة تهتم بتسجيل تاريخنا الاجتماعي وهو لا يقل اهمية بأي حال عن تاريخنا السياسي.
قرّاء «الاستراحة»، على مدى الاعوام الماضية حاولت ان اعطيكم أجمل ما في بلدي من «ميراث وموروث» بعيدا عن المغالاة والمبالغة والدسّ وما أحوجنا اليوم كتّابا أو مؤلفين الى ان نظهر للعالم أجمل ما في الكويت من تاريخ بعيدا عن بحور الاحقاد والتزوير، كما نرى في التمثيليات والمسلسلات التي تُظهر الكويت بصورة عاكسين من خلالها ما فيهم وما في نفوسهم الدنيئة، فعندما تلاحظون الحلقات تجدون ان الكويتي مدمن مخدرات - نسونچي - مغازلچي - عنيف - متهور..! وحسبنا الله ونعم الوكيل فيكم، هل هذا هو البيت الكويتي؟!
كما حاولت ايضا التوغل الصحيح لعرض الحقائق والمعلومات لبلد عشق النور والديموقراطية مبكرا ومارسها، واليوم نعرض لكم جزءا من هذا التاريخ المجيد لسبر أغوار الماضي ومحاكاته لكشف أسراره وخبايا التاريخ والتراث يوم كانت الكويت (فرجانا وبرايح) ملعبا للاطفال ومنتديات للكبار، وأخيرا تلاحقوا على الدشداشة صارت للرسميات فقط، وخوفي أن تكون مثل الطباعة الورقية والمستقبل الالكتروني! وعلى بركة الله نبدأ:
البيت الكويتي
كانت بيوت أهل الكويت القديمة مبنية من الطين، وأنا مازلت أتذكر معالم بيت جدي في فريج سعود بمنطقة چبلة ملمحا وأطلالا قبل ان نسكن النقرة وحولي ثم الاستقرار بمنطقة القادسية «عشقي» الأبدي، وما اجمل البيت الكويتي، بيت مفتوح للسماء وسط حوش وليوان ودرايش ايام الچندل، ويستورد هذا الخشب من شرق افريقيا والهند (تجارة السفن التجارية الكويتية الى الهند) وشرق افريقيا لجلب البضائع وهي: الاقمشة والاخشاب والحبال والشاي والتوابل، اما الچندل فيسقف مساكن اهل الكويت والخليج العربي، والباسچيل والخشب الهندي القديم «الساي»، باب بوخوخه وبيت الحرم ودار اليهال والچيل (مخزن الغذاء) والمرازيم لتسيل منها مياه الامطار.
والبيت الكويتي عالي الجدران بحثا عن «الستر» وله أبواب ونوافذ على «قد الحال» اللهم إلا بيوت التجار الذين كانت تورد لهم الأبواب والشبابيك من الهند. البيوت بسيطة ولكنها عامرة بالايمان والدفء والمحبة والتعاون، وكان من عادة الكويتي القديم ان دخل بيته قال: دَرْبْ دَرْبْ حتى تستعد النساء لأن العوائل كانت تجتمع في بيت واحد أو في حال دخوله المنزل ومعه أغراب من عمال أو أصدقاء أو جيران.
البيت الكويتي القديم أكثره طابق واحد وفيه فناء كبير يسمى «الحوش» وتسمى الغرف بالدور الأرضي «دور» والمفرد دار أما التي فوق السطح فتسمى غرفة، وفيه جليب (بئر) يؤخذ منها الماء المالح (قريب من الصليبي).
كانت مواد البناء إما من صخر البحر او تجلب من الخارج مثل الطين ويسمى باللهجة الكويتية اللِّبنْ ويستخدم معه كثير من الاخشاب مثل الْچَندَل والباسجيل والبواري.
والطين قسمان «طين صلبي وطين تربي» والنوع الأول هو الصالح للبناء وكان ينقل على ظهور الحمير الى اماكن البناء وكانت هناك «مطاين» وجمعها مطينة تتجمع فيها مياه الأمطار فتتكون الخباري التي ينقل الناس منها ماءهم على ظهور حميرهم، وقبل استخدام الطين يجب ان يخمر في المياه وتسمى هذه العملية قيلة والقالب الذي تصب فيه هذه الخلطة يسمى «مَلْبَنْ» وبعد جفافه تتكون قطع صلبة نوعا ما تسمى لِبْنِ تسد مسد الأحجار والصخور في حال عدم توافرها، أما صخر البحر فإنه كان يستخرج من منطقة عشيريج على سواحل البحر وينقل الى داخل الكويت بواسطة سفن تسمى «تشاله» ثم ينقل منها على ظهور الحمير الى المنازل المراد بناؤها، وايضا يستخدم الجص وهو عبارة عن تراب عادي محروق وكانت له محارق في الكويت تسمى «المياص» ويحدد مكانها الآن ما بين وزارة الاعلام حتى المرقاب شمالا ومنطقة الدسمة والشامية جنوبا وكان «الحمّارة» أصحاب الحمير ينقلون من الأهالي يوميا ما يسمى «الخمام» وهي كلمة عربية وتحرق هذه يوميا ويستخلص منها الجص.
البيت الكويتي اليوم ادوار وطوابق وحدائق وفيه كل وسائل الترفيه، لكنه يفتقد ما حظي به البيت العتيچ من اصالة ورونق.
الديوانية
من المعالم البارزة في الكويت: «الديوانية» وهي ظاهرة فريدة من نوعها ليس على صعيد الخليج العربي فحسب، وانما على مستوى العالم اجمع.
ويعود تاريخ الديوانية الى الاجداد العظام والاباء الاماجد الذين عززوا اواصر الترابط بين افراد المجتمع من خلال هذا المكان الذي يجتمع فيه كل اهل الكويت من فقيرهم الى متوسط الحال الى طبقة التجار.
والديوانية في الكويت هي في حقيقتها «برلمان مصغر» يطرح فيه الرأي بجرأة نتيجة وجود الديموقراطية وحرية التعبير عن الفكر والرأي، خاصة انه في الديوانية يطرح كل شيء، ثم ينفض السامر، وكل يذهب الى بيته امنا غير ملاحق من العسس او زوار الفجر.
في الديوانية تحلل الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ويحدث احيانا كثيرة شجار واختلاف في الرأي، غير ان هناك دواوين طبيعتها فكرية يحضرها رجال الادب والثقافة والعلم والرأي، ويطرحون ما عندهم في جو يسوده الرأي الثاقب والحجة البليغة.
برزت الديوانية اثناء الاحتلال العراقي، وكانت حامية للمقاومة، ومنسقة للعصيان المدني، وتوزيع الاموال، وتنفيذ التعليمات.
الديوانية تعبر بصدق عن ترابط المجتمع الكويتي، واتصال الكبار بالصغار، والعكس صحيح، وفي كل انحاء الكويت ومناطقها في محافظاتها الست ـ مئات الألوف ـ من الديوانيات العامرة بأهلها وروادها.
تشبيهات في أمثالنا الشعبية
أرجو ان نتمعن في الألفاظ والتشبيهات وهي في رأيي ذكية من حكماء راصدين للواقع وأجدها تصلح لكل زمان ومكان وان كانت لهجتنا الكويتية اليوم تعاني من دخلاء كثر، ولكن هذا لا يمنع ان نحث عيالنا على ان يقرأوا اليوم «أمثال ديرتهم» ويطبقوها على الواقع، وقد شاعت تلك الأمثال والتشبيهات فتوارثها الجميع وهي تسمى بالكويت قديما «طفاره أو علوقه» لذا سأتحفظ في الكتابة على بعض التشبيهات والأوصاف العامة دون التطرق الى الأسماء أو العائلات أو الأشخاص وإليكم بعض هذه الألقاب والتشبيهات والأوصاف مثل:
٭ چَلْب مِيَاصْ: وتطلق على من يتصف بالضخامة والقذارة معا.
٭ ثُورْ مْعَمْعَمْ: وتطلق على من يدعي الفطنة وهو بليد.
٭ كُوْر مْخَلْبَص: وتطلق على الشخص العصبي ومن فسدت آراؤه وصعب التفاهم معه.
٭ دَابَّةْ الله بأَرْض الله: وتطلق على الشخص الهادئ الذي لا حل بيده ولا ربط.
٭ كَطُوْ مُطَابُخْ: تقال لمن يلوذ دائما بالمطبخ للبحث عن الطعام.
٭ عَقْرَبْ رَمُل: تطلق على من يبيت النية السيئة ويحيك الدسائس بتستر دون ان يشعر به أحد فيقال «عقرب رَمُلْ من تَحَت لْتَحَتْ».
٭ حَيَّه رَقْطَهْ: وتطلق على من يتصف بطيب المظهر والخباثة معاً.
٭ ثُورْ ابْهُورْ: يوصف بها البليد الابله الذي لا يعرف من حوله.
٭ حمَارْ جَتْ: تطلق على من يحمل شيئا أَو يعمل عملا دون أن يكون له نصيب منه.
٭ فَارْ النِّقْعَه: يوصف بها من يشبه الفأْر.
٭ زَبُّوطْ النِّقْعَهْ: يوصف بها من شابه شكله «الزَّبُّوطْ» «نوع من القواقع».
٭ طير مْنَتَّفْ: تطلق على ضعيف البدن ومن لا يتناسق شكله وتتفق ملابسه.
٭ حَمَنْدَلْ: تطلق على من يتصف بالغباء.
٭ قَمْلَهْ مَقْصُوعَهْ: تقال لمن يتصف بالهدوء والخوف معا.
٭ طْويَفَهْ هَبِيطَهْ: تطلق على الذليل الذي يُعتدَى عليه بسهولة.
٭ مَقْطُوعْ التَّنَايفْ: تقال عن الشخص الذي لا أَقارب له.
٭ أمْ هَيلاَنْ: تطلق على المرأَة المنافقة «الْعَچَّافَهْ» التي تُظهِر خلاف ما تُبطِن.
وقد اشتهر أهل الكويت القدامى بإطلاق هذه الألقاب والأمثال والتشبيهات التي يلقونها جزافا على كل من يحتك بهم، وأعرف ان كثيرا من هذه الكلمات لا تفهم إلا بالتفسير خاصة لأبناء هذا الجيل الذي شرب من الدخلاء الكثير من الألفاظ المستجدة، واتمنى هنا ان يقرأ القارئ هذه التشبيهات ويكررها حتى يحفظها ويعاود تطبيقها على الواقع قدر المستطاع.
ألعاب اليهال
ألعاب الطفولة في الكويت القديمة عجيبة، ولما هممت ان اكتب عنها استرجعت أيام طفولتي في «چبلة وحولي والنقرة والقادسية» وتمنيت لو انني احتفظت ببعضها للذكرى، ولكن ذلك الآن صعب المنال فمن الطائرات الورقية الى صنع الكردية «عروسة من قماش» والمقصي «عصاة طويلة وموق صغير»، والدرباحة «عجل حديدي بسيط» وتيّلْ «بيليا» والمفاتيح المحشوة برؤس أعواد الكبريت والدامة، والله كنا نلعب عنكب وصلوا صلاة البقر والصبة على الرمال وهي تلعب على ثلاثة أشكال، أهل القبــلة 8 مثلثات وأهل شرق 4 مربعات وأهل المرقاب مربعان اثنان صغير وكبير، وايضا لعبنا «الدوامة» والتي تلف بخيط ثم ترمى على الأرض بشدة وخيطها نسميه مشيل وكان الواحد فينا يخاف ان يقذف لاعب دوامته على الدوامة الخاصة به فتصاب وتسمى العملية «انفلشت» مما يعني خسارته ويحبط وبعضهم يبكي ولا انسى ديارف العيد «مراجيح» وتسمى القليلية أو أم الحصن دارت وهي من الألعاب للأسف انقرضت أمام التكنولوجيا اليوم، وهناك قبل أن انسى ألعاب خاصة بالبنات مثل «الحيّلَهْ» وغيرها من الألعاب الخاصة بالبنات.
لن تعود الالعاب القديمة مثل طقة وطمرة والصفروك، احيانا اضحك كنا نسمي «القاري» الدراجة حصان ابليس!
آخر الكلام
«الضروره».. أهلنا أيام زمان كانوا ولا يزال جيلي المخضرم يؤمن بشيء لا يعرفه عيال اليوم من جيلنا الحالي وهو «الَضْرُورهْ» وهي حالة نفسية معقدة يصاب بها انسان ويسمى «مس الجن» بمعنى ان يتلبس هذا الجني إنسانا ما فيمرض عند غضبه ويشفى عند رضائه عليه ولا يخلي سبيله الا بعد تنفيذ بعض المطالب التي يفرضها عليه فيعرفها أهله من أول وهلة يصاب بها ابنهم لكونهم تعودوا على مثل هذه الطلبات.
وفي هذه الحالة يحضرون له شيخا يقرأ على هذا المريض فان كان به «جني عاص» يقوم بضرب المريض وبعضهم مات نتيجة هذا الضرب المبرح، هنا تتداخل الخرافات والحكايات والأوهام لأن كثيرا ممن كانوا يعالجون المرضى كانوا دجالين يأخذون طلباتهم إما اموالا أو اشياء عينية مثل طلب خروف لونه أسود أو ديك أبيض وهكذا.
واحيانا كانوا يقيمون حلقة من الطرب والاستنزال على شاكلة حلقات الصوفية وهكذا.
أهلنا القدامى يسمون كل هذا «الزيران» وكان يقام اما سرا إلا لأهل المريض وليس على رؤوس الاشهاد أمام مجتمع حلقات الذكر مثل «المالد والقادري والسامري والطنبورة والليوه وطق الحبوش» وهنا يقام دجل كبير فيوهم المريض وأهله بأن هذا الزيران المعمول لكشف ما به من تلبس وان الأمر قد «بَيّت» وجار كشفه حتى يصير الاستنزال من هذه الفرق التي عددتها ثم تبدأ الشيلات والتنزيلة وكلما حمي أصحاب الشيلة هوى هذا بالمستنزل فيرجف ثم يسقط على الأرض يتلوى ثم يبدأ كبيرهم الكبير «شتبون.. الله يهداكم.. اطلبوا أو اطلعوا» معتقدات وزار لاشباع ميول وغرائز كامنة في النفوس يقصد منها شفاء من هم مصابون بالضرورة اي من تلبسه الجن.
كان كثير من اهل الكويت يلبسون في رقبتهم «اليامعة» أي الحجاب اعتقادا منهم أنه يقي شر الشياطين والجان والمردة ويمنع عنهم الاحلام المزعجة مثل «الجاثوم»، وهي كلها أساطير وخرافات سادت في الكويت قديما مثلما هي منتشرة في كل بلدان العالم.
ومن أشهر النساء واللائي اشتهرن بهذا الأمر آمنة الحبوش وعكروشة ووضحة بنت طوق.
انتهى زمن «الضروره».. ولكننا مازلنا بحاجة الى اعادته لعلاج الرياضة في بلدنا.
وتبقى كلمات الشكر والتقدير موجهة لكل كويتي باحث حرص على ان يلتزم الامانة العلمية ونشر الحقيقة مجردة وشفافة وخالية من هوى النفس لينقل التاريخ للاجيال الحالية واللاحقة بكل امانة.