يعد فندق «مينا هاوس اوبروي» احد اهم الشواهد السياحية في مصر التي عاصرت العديد من المشاهد التاريخية والسياسية والفنية خلال ما يقارب قرنين من الزمان اضافة الى كونه ارثا علويا تعود ملكيته للخديو اسماعيل ولاطلالته الباهرة على اهرامات الجيزة وهي من أقدم عجائب الدنيا السبع.
وقد جاءت فكرة إنشاء هذا الصرح التاريخي عندما أراد الخديوي اسماعيل أن يبني لنفسه وعائلته استراحة مميزة عند هضبة الأهرامات ومكانا يستريح فيه للقيام برحلات الصيد فبنى قصرا في حقبة الستينيات من القرن الـ 19 على مساحة 40 فدانا وأحاطه بحدائق رائعة لتبدو كواحة خضراء في قلب صحراء الجيزة.
وعمل الخديو اسماعيل على توسعة استراحته الملكية وتأهيل طريق «الهرم» المؤدية اليها لتتمكن من استيعاب جميع ضيوفه من ملوك وأباطرة اوروبا وعلى رأسهم الامبراطورة الفرنسية اوجولين زوجة نامليار الثالث لتشهد هذه الاستراحة في عام 1869 احتفال مصر بمناسبة افتتاح قناة السويس.
غير ان هذه الاستراحة قد بيعت في العام 1883 بعد 4 سنوات من عزل الخديو اسماعيل عن حكم مصر وتولي ابنه الاكبر الخديو توفيق مقاليد الحكم الى السير فريدريك هيد أحد الأثرياء الانجليز ليتخذ منها مسكنا شتويا ومصحا للعلاج من الأمراض التي يعاني منها كالروماتويد والروماتيزم.
واطلق على هذه الاستراحة اسم «مينا هاوس» من قبل احد اصدقاء السير فريدريك من المهتمين بالاثار الفرعونية نسبة الى الملك الفرعوني «مينا» احد ملوك الأسرة المصرية الاولى لمملكة الجنوب والذي اشتهر بأنه وحد القطرين أي وحد مملكة الشمال والجنوب في عام 3200 قبل الميلاد.
الا انه وبعد عامين اعيد بيع هذه الاستراحة الملكية لارتفاع قيمتها الى عائلة «لوكيه كينغ» الانجليزية التي عرفت بعشقها للاثار حيث تولدت لديها فكرة تحويل هذه الاستراحة الى فندق عريق يجمع كنوز الشرق وسحر الغرب ليفتح بعدها ابوابه للعالم في العام 1878 حاملا اسم فندق «مينا هاوس».
وبحسب مدير التسويق في فندق «مينا هاوس اوبروي» طارق لطفي فقد عملت عائلة «لوكيه» على تطوير الاستراحة الملكية باضافة لمسات من الطراز الاوروبي الحديث وفن العمارة البريطانية الى جانب ترميم اجزاء من القصر فضلا عن توزيع عدد من التحف والمتعلقات الخاصة بالخديو اسماعيل على مختلف ارجاء القصر حفاظا على الروح الشرقية التي بنيت عليها هذه الاستراحة.
وقال لطفي في مقابلة مع «كونا» ان الفندق بدأ بعدد 80 غرفة وجناحا حتى وصل عددها حاليا الى اكثر من 486 غرفة وجناحا تختلف بشكلها وهيئتها وطرازها المعماري القديم والحديث.
واوضح ان الفندق تملكته بعد عائلة «لوكيه» العديد من شركات الفندقة أولاها شركة الفنادق المصرية التي كانت تملك سلسلة فنادق «شبرد» و«انتركونتنتال سافوي» و«الجزيرة بالاس» (ماريوت حاليا) الى ان جاءت ثورة يوليو 1952 وأممت الفندق واعادت ملكيته للحكومة المصرية لما يزيد على 18 عاما حتى اسندت ادارة الفندق الى شركة فنادق اوبروي الهندية.
وأشار لطفي الى الدور البارز الذي لعبه فندق «مينا هاوس» خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية حيث كان مقرا للقوات الاسترالية والنيوزيلندية خلال الحرب العالمية الاولى في العام 1914 غير انه تحول الى مستشفى في اواخر تلك الحرب.
واستدرك قائلا «اما خلال الحرب العالمية الثانية فقد شهد (مينا هاوس) اعمال مؤتمر القاهرة الذي ضم رئيس الوزراء البريطاني الاسبق ونستون تشرشل والرئيس الأميركي روزفلت والزعيم الصيني شيانج كاي شيك لمناقشة خطط الحرب في العام 1943».
واضاف لطفي ان «مينا هاوس» احتضن كذلك العديد من المباحثات والاتفاقات الدولية ابرزها مباحثات السلام التي كانت بين الرئيس المصري الاسبق انور السادات والرئيس الأميركي جيمي كارتر ورئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق مناحيم بيغن والتي عرفت باسم «مؤتمر مينا هاوس».
وذكر ان «مينا هاوس» لم يقتصر على رجال السياسة فحسب بل كان موقعا جاذبا لمخرجي ومنتجي السينما العالمية والعربية للتصوير به وذلك لاحتوائه على تراس مميز او لأنه يطل على هضبة الأهرامات وقد كان من اشهر الأماكن المفضلة لدى صفوة المجتمع الاوروبي والمصري آنذاك.
واشار في هذا السياق الى ان من اشهر تلك الأعمال الفنية فيلمي «حكاية حب» و«يوم من عمري» لعبد الحليم حافظ وفيلم «صاحب الجلالة» لفريد شوقي والفيلمين العالميين «اسباي هو لوف مي» لجيمس بوند و«فالي اوف ذا كنج».
واعتبر لطفي ان موقع «مينا هاوس» المتميز والذي يبعد 500 متر عن اهرامات الجيزة اكسبه حراكا سياحيا غير مسبوق انعكس ايجابا على نسب التشغيل فيه حيث تصل تلك النسبة الى ما بين 85 الى 100% خلال فصلي الشتاء والربيع وتتناقص هذه النسب تدريجيا خلال اشهر فصلي الصيف والخريف الى ان تصل الى 60% في تلك الفترة.
بيد انه اكد ان نسبة التشغيل في الفندق ليست المعهودة حيث تصل النسبة الى ما بين 20 الى 30% بسبب ظروف (ثورة 25 يناير) مؤكدا ان تلك النسبة في تزايد مستمر وستعود الى وضعها الطبيعي خلال الاشهر القليلة المقبلة.
ويتكون فندق (مينا هاوس) من 4 طوابق تميزها سلالم من الرخام الابيض الذي يتماشى مع طراز العمارة الاسلامية التي شيد بها القصر كما تتنوع مستويات غرف الفندق البالغة 486 غرفة من بينها 96 غرفة في القصر الرئيسي للفندق و390 غرفة في الحدائق الملحقة به.
وتطل جميع هذه الغرف على أول واكبر حمام سباحة في تاريخ مصر وملعب للغولف هو الاول من نوعه وملاعب للتنس كما يوجد بالفندق أكثر من قاعة لاقامة الحفلات والمؤتمرات بسعات مختلفة بالاضافة الى العديد من المطاعم ابرزها مطعم للمأكولات الهندية.
وخضع الفندق منذ تأسيسه للعديد من عمليات التجديد والتطوير كان اخرها التي قامت بها (شركة فنادق اوبروي) على يد المهندس المصري الشهير عمرو الألفي حيث قام بتطوير مباني الفندق ومدخله المزين بالرخام مع حرصه على الاحتفاظ بمعالم البناء والعمارة القديمة وفي مقدمتها الأرابيسك (المشربية) الذي يميز الفندق.
في حين حرصت ادارة فندق «مينا هاوس» على اطلاق أسماء الشخصيات المهمة التي أقامت به من ملوك ورؤساء الدول ومشاهير العالم على الغرف والاجنحة الخاصة به كجناحي «تشرشل» و«مونتغمري» وجناح «ام كلثوم» وذلك تخليدا لأسماء ابرز نزلائها.