بموجب المرسوم الصادر عن رئيس أوكرانيا بشأن الفعاليات في عام 2015 بمناسبة إحياء الذكرى السبعين للنصر على النازية في أوروبا والذكرى السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية وقانون تخليد النصر على النازية في الحرب العالمية الثانية 1939-1945، تبدأ أوكرانيا تقليدا جديدا للاحتفال بيومي 8 و9 مايو في الروح الأوروبية للتذكر والمصالحة.
الأمة المقسمة
أعلنت أوكرانيا استقلالها لأول مرة في القرن العشرين خلال الحرب العالمية الأولى.
وفي عام 1917 تم تأسيس المجلس الأوكراني المركزي في مدينة كييف الذي لعب دور البرلمان الانتقالي وأعلن إقامة الجمهورية الأوكرانية الشعبية.
بعد إعلان الوثائق الدستورية الأساسية ـ المراسيم ـ أقامت الجمهورية الأوكرانية الشعبية كدولة مستقلة علاقات ديبلوماسية سواء مع إنجلترا وفرنسا أو ألمانيا وحلفائها.
في ديسمبر عام 1917 بعد تشكيل الحكومة البلشفية في مدينة خاركيف وإعلان «أوكرانيا السوفيتية» شنت روسيا البلشفية الحرب ضد أوكرانيا التي استغرقت معاركها حتى عام 1921 وأدت إلى هزيمة أوكرانيا المستقلة التي كانت منهكة بها والصراعات الأخرى الجارية في أراضيها.
في إحدى الأمم الأوروبية الكبرى حان الوقت الصعب.
وشهد «العقدان السلميان» ما بين الحربين العالميتين عمليات الترحيل الجماعي والمجاعة والترعيب الكبير التي قتلت الملايين من الأرواح.
وعلى وشك اندلاع الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939 كان الشعب الأوكراني مقسما بين الدول الخمس وهي الاتحاد السوفييتي وپولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا.
الحرب العالمية الثانية: صراع مسلح عالمي في تاريخ البشرية وسبب أكبر المآسي في القرن العشرين.
شارك فيها حوالي 80% من سكان الأرض واشتملت المعارك والأعمال القتالية ثلثي الدول القائمة في ذلك الوقت.
بدأت الحرب في 1 سبتمبر عام 1939 بعد غزو پولندا من قبل ألمانيا النازية وانتهت في 2 سبتمبر عام 1945 بعد الاستسلام غير المشروط لليابان.
وفي غضونها تم ارتكاب الجرائم الكبرى ضد الإنسانية وكذلك استخدام السلاح النووي لأول مرة في القتال.
ضمت جيوش الأطراف المتحاربة أكثر من 110 ملايين نسمة.
وبلغت الخسائر بين الجنود والسكان المدنيين ما بين 50 و85 مليون نسمة.
في نتيجة الحرب تم تأسيس منظمة الأمم المتحدة وتشكيل النظام الحالي للعلاقات الدولية.
إن معاهدة عدم الاعتداء بين الرايخ الثالث والاتحاد السوفييتي (ما يسمى مولوتوف ـ ريبنتروب) الموقعة في 23 أغسطس عام 1939 مكنت من اندلاع الحرب ووفقا لملحقها السري تم تقسيم أوروبا الشرقية بين الديكتاتورين: احتل هتلر پولندا، أما الاتحاد السوفييتي فتوسعت أراضيه على حساب مناطق أوكرانيا الغربية وبيلاروس الغربية وبسربيا مع بوكوفينا ودول البلطيق الثلاث وفنلندا.
مع ذلك، نفت السلطة السوفييتية وجود هذا البروتوكول السري على مدى خمسين عاما.
إن البعد الأوكراني للحرب العالمية الثانية لم يقتصر على محاربة الجيش الألماني والجيش السوفييتي على الأراضي الأوكرانية مثلما يصفه علم التاريخ السوفييتي وما بعد السوفييتي التقليدي.
في الواقع، في إطار الحرب العالمية الثانية تحولت أوكرانيا إلى ساحة عدة مواجهات عسكرية: الألمانية-الپولندية (1939-1945)، الپولندية ـ السوفييتية (1939)، السوفييتية ـ الرومانية (1940-1945)، الألمانية ـ السوفييتية (1941-1945)، الألمانية ـ الأوكرانية (1941-1944)، السوفييتية ـ الهنغارية (1941-1945)، الپولندية ـ الأوكرانية (1942-1947) والسوفييتية ـ الأوكرانية (1939-1954).
وترتبط هذه الصراعات ارتباطا مباشرا مع الحرب العالمية الثانية لأنها ناجمة عنها وأصبحت فروعها.
ويضم البعد الأوكراني للحرب مشاركة الأوكرانيين في الأعمال القتالية خارج أراضيهم (على سبيل المثال في «حرب الشتاء» السوفييتية ـ الفنلندية 1939-1940) وصفوف الجيوش الأجنبية.
قد ساهمت الأمة الأوكرانية مساهمة كبيرة في النصر على النازية وحلفاء ألمانيا.
وحارب ممثلوها بجانب الأمم المتحدة في صفوف جيوش بريطانيا وكندا (45 ألفا) وپولندا (120 ألفا) والاتحاد السوفييتي (أكثر من 6 ملايين) والولايات المتحدة (80 ألفا) وفرنسا (6 آلاف) وكذلك حركة التحرير الوطنية (جيش التمرد الأوكراني 100 ألف) ـ وبلغ عددهم الإجمالي 7 ملايين شخص.
ومنح أكثر من 2.5 مليون أوكراني الميداليات والأوسمة السوفييتية والغربية، ونال أكثر من ألفي أوكراني لقب بطل الاتحاد السوفييتي و32 منهم مرتين وأفضل الطيارين السيد إيفان كوجيدوب ثلاث مرات.
تجاوزت الخسائر الأوكرانية في الحرب العالمية الثانية خسائر المملكة المتحدة وكندا وپولندا والولايات المتحدة وفرنسا كلها.
وتقدر الخسائر الإجمالية لأوكرانيا في هذه الحرب على 8-10 ملايين من الأرواح.
ويمكن مقارنة الضحايا الأوكرانية مع عدد سكان النمسا الحديثة.
وأثناء الأعمال القتالية وفي الأسر قتل 3-4 ملايين عسكري ومقاوم شعبي وكذلك 5 ملايين ساكن مدني على يد الاحتلال والمجاعة والإرهاب وتعرض 5 ملايين شخص للإجلاء والترحيل القسري إلى روسيا وألمانيا، وكثير منهم لم يعودوا.
وبلغت الخسائر المادية 285 مليار روبل وألحقت المعارك الضرر والتدمير لـ700 مدينة وبلدة و5.6 آلاف جسر و28 ألف قرية و300 ألف شركة.
في 1 سبتمبر عام 1939 قامت طائرات لوفتفافه؟؟؟؟ المقاتلة بقصف جوي على مناطق غاليسيا وفولين.
وكانت أوكرانيا من بين جمهوريات الاتحاد السوفييتي التي واجهت ضربة أولى لقوات هتلر، وامتدت المعارك من الغرب إلى الشرق على المساحة البالغة أكثر من ألف كيلومتر، واستمرت أكثر من سنة.
وسمح ذلك بتركيز الموارد العسكرية والصناعية في المناطق الداخلية للاتحاد السوفييتي والاستعداد للهجوم المضاد في شتاء عام 1942.
في غضون الحرب العالمية الثانية عبرت الجبهة الأراضي الأوكرانية كلها ذهابا وعودة، أما ثاني أكبر المدن الأوكرانية، وهي خاركيف، فعبرتها الجبهة أربع مرات. وتحول الأوكرانيون إلى وقود للمدافع للديكتاتوريين ـ هتلر وستالين. وفي الجيش الأحمر لقي حتفه كل جندي ثالث (بالمقارنة مع كل جندي عشرين في الجيش البريطاني).
ومع ذلك، ساهم الأوكرانيون مساهمة بارزة في النصر على النازية وانتموا إلى الأمم المنتصرة.
والدليل الواضح على الاعتراف الدولي بدورهم المهم في النصر على النازية هو إدراج أوكرانيا إلى قائمة الدول المؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة.
كان نظام الاحتلال النازي في أوكرانيا من الأكثر عنفا في العالم.
وهناك العديد من الدراسات المفصلة حول جرائم الرايخ الثالث ضد الإنسانية ولكن إدانة جرائم النظام الشيوعي لاتزال مستمرة.
ومن أشهرها المجزرة في غابة كاتين والقضاء على السجناء السياسيين في أوكرانيا الغربية وتفجير محطة الطاقة الكهرمائية على نهر دنيبرو واستخدام الفلاحين غير المسلحين «المشاة السود» في المعارك وإبعاد الأوكرانيين وممثلي الشعوب الأخرى وبينهم تتار القرم.
أثار الهجوم السريع في الصيف عام 1941 الذعر في جميع أجهزة سلطة الاتحاد السوفييتي تقريبا التي كان موظفوها في الصفوف الأولى عند هروبهم من المدن خوفا من الانتقام الشعبي أكثر من النازيين، لكن اللجنة الشعبية لشؤون الداخلية ـ الجهاز الرئيسي العقابي للدولة البلشفية ـ ما زالت أبدا حتى في ظروف التراجع الفوضوي تقوم بوفاء بمهامها الرهيبة.
وعند انسحاب القوات السوفييتية من المدن في أوكرانيا الغربية فإنها غالبا ما تركت الممتلكات والمعدات والوثائق الخاصة حتى بأعضاء الحزب الشيوعي لكنها دائما نجحت في قتل جميع السجناء.
وقامت فرق التصفية بإعدام جميع المعتقلين وحتى المشتبه فيهم عن طريق الخطأ دون أي حكم قضائي أو تحقيق، وذلك بعد التعذيب الرهيب.
وبات من المعروف قتل 924 سجينا بالرمي بالرصاص في السجون الثلاثة بمدينة لفيف.
منذ الأشهر الأولى للحرب لجأت القيادة السوفييتية أثناء انسحاب قواتها إلى تطبيق تكتيكات «الأرض المحروقة» أي تدمير البنية التحتية بأكملها دون أي قلق على مستقبل السكان غير القادرين على مغادرة منازلهم.
من بين أعنف مشاهد هذا التكتيك تفخيخ السد لمحطة الطاقة الكهرمائية على نهر دنيبرو بمدينة زابوريجا.
وفي 18 أغسطس عام 1941 بعد تقدم القوات الألمانية في هذه المنطقة قام موظفو اللجنة الشعبية لشؤون الداخلية بتفجيره وتسببت ضربات موجات المياه العالية في تدمير وقتل الناس القاطنين على الضفتين.
وتقدر الخسائر في الأرواح بين جنود الجيش الأحمر والسكان المدنيين بما يتراوح بين 80 و120 ألف شخص.
والبيانات الدقيقة غير معروفة حتى يومنا هذا.
في إطار الهجوم بعد النصر في معركة كورسك بدأت القيادة السوفييتية الاستنفار الجماعي للسكان الذكور المدنيين في أوكرانيا وتم إنشاء اللجان العسكرية الميدانية التي جندت حتى الشباب البالغين 16-17 عاما من عمرهم. لقد استخدم الأوكرانيون غير المتدربين بصفة «وقود للحرب».
وكان النظام الشيوعي يعتبر كلا من بقي في الأراضي المحتلة من قبل النازيين كأنه خائن.
وكثيرا ما شاركوا في المعارك وهم غير مسلحين ويرتدون ملابس مدنية ولذلك أطلق عليهم اسم «ذوو القمصان السوداء» أو «المشاة السود».
تم طرد النازيين من شبه جزيرة القرم في 12 مايو عام 1944 وبعد أسبوع بدأ السوفييت ترحيل السكان الأصليين ـ تتار القرم إلى آسيا الوسطى.
وهم متهمون بالفرار الجماعي في بداية الحرب والتعاون الوثيق مع المحتلين.
وتم توجيه الادعاءات المماثلة بحق الشعوب الأخرى في شبه جزيرة القرم.
وتعرض للترحيل 225 ألف شخص: 183 ألفا من تتار القرم و12 ألفا من البلغاريين و9.5 آلاف من الأرمن و15 ألفا من اليونانيين و4 آلاف من ممثلي القوميات الأخرى.
وأثناء الترحيل لقي 30 ألف شخص حتفهم قبل نهاية الحرب.
مازالت الأمة الأوكرانية تتكبد خسائر وحتى بعد نهاية الحرب واستمرت عمليات القمع الشامل حتى وفاة ستالين.
وفقا لمصادر مختلفة، في إطار القمع ضد الحركة الوطنية في أوكرانيا الغربية قتل 150 ألفا واعتقل 130 ألفا ورحل 200 ألف شخص.
وهناك 200 ألف أوكراني كانوا في المخيمات الغربية للمشردين ولم يعربوا عن رغبتهم في العودة إلى الاتحاد السوفييتي.
أما أوكرانيا فالحرب العالمية الثانية هي مأساتها الوطنية، وخلالها اضطر الأوكرانيون المحرومون من دولتهم المستقلة للقتال من أجل مصالح أجنبية وقتل أشقائهم الأوكرانيين الآخرين.
وكانت أوكرانيا ساحة للمعارك بين نظامين شموليين عديمي المبالاة بقيمة الحياة البشرية على حد سواء.
وحاول كل من الأطراف المتحاربة أن يتمتع بولاء الأمة الأوكرانية ويلعب بشعورها الوطني، ولكن الكيان الأوكراني الوحيد فقط خلال الحرب كان حركة التحرير ـ في المقام الأول جيش التمرد الأوكراني.
مارست حركة المقاومة الأوكرانية السرية أنشطتها في أوكرانيا الغربية قبل الحرب العالمية الثانية.
وقام تنظيم القوميين الأوكرانيين بنضاله من أجل استقلال أوكرانيا ضد پولندا (حتى 1939) والاتحاد السوفييتي (1939-1941) ثم ألمانيا النازية.
مع ذلك، كان الاتحاد السوفييتي دولة شمولية حتى عام 1941 وما زال بعد عام 1944. ولم تختف الديكتاتورية الحزبية والقمع السياسي.
وخلال الحرب سعت القيادة السوفييتية إلى تشجيع الشعب الأوكراني للنضال، داعية إلى المشاعر الوطنية وواعدة بدمقرطة النظام السياسي بعد الانتصار.
على وجه الخصوص، سمحت لنخبة المثقفين باللجوء إلى الموضوعات التي حتى ذلك الحين كانت تسمى «القومية البرجوازية»: إطلاق اسم «أوكراني» على جبهات الجيش الأربع ومنح وسام زعيم القوزاق بوهدان خملنيتسكي وتأسيس وزارة الخارجية الجمهورية ووزارة الدفاع الجمهورية.
ولكن فورا بعد نهاية الحرب كثير من هذه المبادرات لم يتحقق تنفيذها أو كانت مدانة ومغلقة تماما.
وبعد استعادة السلطة السوفييتية في أوكرانيا، قامت القيادة الستالينية بزيادة نطاق عمليات القمع بشكل ملموس فيما يتعلق بالترحيل العقابي للفئات الكبيرة من السكان إلى المناطق النائية في الاتحاد السوفييتي.
وتم فرض مجموعة متنوعة من القيود القانونية والمعاقبة على الأشخاص القاطنين في الأراضي المحتلة وجنود الجيش الأحمر الأسرى والمشاركين في العمل القسري تحت الحكم الألماني النازي.
الإدراج المباشر للجمهورية الأوكرانية الاشتراكية السوفييتية للأعضاء المؤسسين لمنظمة الأمم المتحدة خدم لصالح الأهداف السياسية للاتحاد السوفييتي فقط ولم يدل على أي موقف ذي سيادة لأوكرانيا في الساحة الدولية.
وبالرغم من مساهمتها المهمة والضحايا الهائلة لم تحتل أوكرانيا المستقلة مكانة في النظام العالمي الجديد.
إن التحرير المقصود به التقدم في الحرية ولكن لم يحدث ذلك في عام 1944. وحصلت أوكرانيا على حريتها في 24 أغسطس عام 1991 بعد إعلان استقلالها وانهيار الاتحاد السوفييتي.
ومع ذلك، هذا اليوم عندما يشهد المجتمع الدولي انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان وتدميرا للقيم الأساسية للتعايش السلمي، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة التوتر وانتشار أعمال العنف وظهور مراكز جديدة للإرهاب الدولي والتطرف، فإن الحفاظ على التذكر حول الأحداث التاريخية التي حصلت منذ سبعين عاما يحظى بأهمية كبرى ومنع تكرار السيناريوهات المماثلة يجب أن يكون من بين أهم مهام الإنسانية وجزءا لا يتجزأ من المسؤولية المشتركة عن مصيرها ومستقبلها.
السفارة الأوكرانية في دولة الكويت