إن ميثاق العيش المشترك هو في حقيقة الأمر كلمة قيمة تخفي وراءها جوهرا ثمينا يكمن في أن يتمتع كل مواطن بغض النظر من يكون، ومن أي طائفة أو مذهب، بالحرية المنشودة، لكي تجعله أكثر نقاوة وطمأنينة، لأنه ينبع من خيار حقيقي وليس نتيجة قوانين وعادات اجتماعية ومصالح سياسية تفرض عليه واقعه.
العيش المشترك كلمة متكررة صدعت رؤوس اللبنانيين والعالم عبر الأزمنة وما زالت مستمرة الى يومنا هذا.
شعار العيش المشترك ليست كلمة تقال لمجرد الكلام.
انه موضوع في غاية الأهمية.
لما لهذا الشعار من إيجابيات خاصة في وقتنا الحالي حيث بلغ التحريض الطائفي أوجه، وعدنا إلى الوراء بأعوام وسنين.
نحن الآن في شهر رمضان وأيام لها من الفضائل والكرامات عند جميع الشعوب، وجميع الطوائف.
أنا اليوم أتكلم عن ميثاق العيش المشترك ومحاسنه وكيف اصبح بيتي هذا النموذج الإنساني للسلام وبكل فخر وتواضع اصبح متمثلا من عمق الواقع والحقيقة.
نعم، حقيقة العيش المشترك التي أعيش فيها مع أولادي وبناتي الذين ولدوا مسيحيين وتم تعميدهم بالكنائس وتمثلوا بالسيدة مريم العذراء وبأخلاقها ومبادئها، والبعض منهم قرروا ان يكونوا مسلمين، أقول لأبنائي وكل اللبنانيين الدين لله، والوطن للجميع، والاعتراف بالاخر والتعامل معه واجب على كل المواطنين.
إن الكنائس والمساجد هي بيوت الله.
هذه الأماكن المقدسة هي ملتقى روحي إنساني لجميع اللبنانيين.
والله خلقنا جميعا سواء، ان نتعلم من المسيح كيف نحصل على السلام الروحي والسلام الاجتماعي، ونتعلم من النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جعل تحية الإسلام «السلام».
ربيت أولادي أن يركزوا في تعاليمهم الدينية على محبة الله «وجميع المسيحيين والمسلمين يلتقون على محبة الله» والبعد كل البعد عن العصبية لأنها تغلق على الإنسان عقله وفكره وتمنعه من الانفتاح على الفكر الآخر وتجعلنا نعيش في زنزانة دائرته الخاصة.
لو رجعنا إلى الوراء منذ بدء الخلق من سيدنا آدم عليه السلام، أول إنسان خلقه الله، ليبدأ رحلة بناء الأرض ويعمرها.
لم يخلقه وهو ينتمي لطائفة دون أخرى، لم يخلق حواء من عالم آخر وديانة مختلفة.
افهموا آدم في آفاق فكره.
ارتبطوا بآدم بالإنسان.
بفكره، بمواعظه بإرشاداته، بعمق الآفاق الواسعة التي ارتبطت بها البشرية في الفكر الإنساني والروحي.
مشكلتنا في لبنان وخصوصا المسؤولين اننا نعلم الناس كيف نحقد، كيف نفرق.
نتفنن في زرع الفتن والتعصب الذي يزيد الضعف، والتفكك بين الأبناء، والأزمات الاجتماعية أو الحضارية الشاملة لا نريد ان نغير قدر لبنان وقدر وطننا.
ماذا لو تبنينا موروث القيم المشتركة الموجودة في التراث المسيحي الإسلامي وعبرنا عن هذه القيم المشتركة وحملناها وأقررنا بها؟
عيشوا السلام.
تجاوزوا فيما اختلفتم فيه وتفاهموا فيما افترقتم حوله.
ابحثوا عن كلمة السواء، لا تنطلقوا في دعوات الطائفية التي تثير الغرائز، انطلقوا في دعوات المحبة التي تفتح قلب الإنسان.
وعلينا أيها الشعب اللبناني أن نعرف واقعنا، والا نسقط أمام الإعلام الذي يحاول ان يصور للعالم الصراع بين مسيحي ومسلم.
ان القضية ليست صراع المسيحية مع الإسلام.
ولكن صراع مع المستكبرين والظالمين وفي المسلمين مستكبرون وفي المسيحية مستكبرون وفي اليهود مستكبرون.
لذلك أيها الأحبة لاسيما أننا في وطن واحد نحتاج الى أن نبنيه معا، نمنحه المحبة معا، فلنبعد الحقد من قلوبنا ونزرع المحبة كما قيل «احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك».
إلى جميع أبنائي أهدي كلمتي هذه.
ايها الأحبة أهديكم كلمتي لعلها تعبر عن مدى فخري واعتزازي بكم يا من أضأتم حياتي بشموعكم الموقدة.