لم يتمكن الكونغرس الأميركي من حل أي أمر ذي أهمية تقريبا منذ عام 2010 إذ أخفق في إنجاز مهام كانت ضمن مسؤولياته الرئيسية المتعلقة بالطرق والمدارس والمزارع والبريد الأميركي.
وزاد الغموض الذي يكتنف رد واشنطن على الأزمة السورية بعد أن طلب الرئيس الأميركي باراك أوباما من مجلس النواب الذي يهيمن عليه الجمهوريون ومجلس الشيوخ الذي يقوده الديموقراطيون الموافقة على إجراء عسكري بات يمثل قضية مثيرة للجدل بالفعل داخل الحزبين وبين بعضهما البعض.
ونظرا لأن الكونغرس لن يبدأ حتى مناقشة هذه المسألة قبل التاسع من الشهر الجاري على أقل تقدير ستظل هناك علامة استفهام على سياسة واشنطن تجاه سورية لأسابيع يتخللها نقاش زاخر بالانفعالات وربما المرارة.
واتضح ذلك أمس الأول عقب الاعلان المفاجئ من الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه سيسعى وراء الحصول على تفويض بتنفيذ ضربات عسكرية محدودة من الكونغرس الذين شكا من أن كثيرين منهم يسارعون دون تفكير بمعارضة أي أمر يقترحه.
وليس هناك أحد على دراية بشؤون الكونغرس يمكنه التنبؤ بأي قدر من الثقة بالكيفية التي سيتعامل بها المشرعون مع قرار يسمح بتنفيذ ضربات في سورية.
ومما يزيد من الغموض، تلك العلاقة التي غالبا ما تتسم بالتوتر والفتور بين أوباما والكونغرس.
وقال مساعد ديموقراطي في مجلس النواب الأميركي طلب عدم ذكر اسمه ان «التصويت سيعتمد على الجمهوريين» لأن الديموقراطيين سيكونون «منقسمين بالتساوي».
ولدى سؤاله عن النتائج المحتملة للتصويت في مجلسي النواب والشيوخ قال السيناتور الجمهوري بوب كوركر من ولاية تينيسي انه يعتقد أن التصويت قد يكون «معضلة».
وقال كوركر لشبكة «سي.إن.إن» الأميركية ان بعض الأعضاء «ربما لا يدركون ما يحدث» في سورية، مضيفا ان «الشعب الأميركي اليوم لا يؤيد ذلك».
وقال جون الترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «قرار إشراك الكونغرس في حين لم يتحقق قدر كبير من النجاح في العمل مع الكونغرس يبدو لي بمثابة مغامرة».
وأضاف «حاول الرئيس ووزير الخارجية إظهار إصرارهم، ولكن السؤال هو ماذا سيحدث إذا لم يحصلا على الدعم الذي أراداه، وما تأثير ذلك على قدرة الحكومة على قيادة البلاد؟» لا شك أن القضية السورية قضية معقدة للغاية من الناحية السياسية وتسبب انقسامات داخل الحزبين وبين بعضهما البعض، فبعض الديموقراطيين الليبراليين ومن بينهم أعضاء في كتلة السود بالكونغرس باتوا يتشككون في جدوى التدخل ووقع عشرات الديموقراطيين على خطاب يوم الخميس يعبرون فيه عن قلقهم من الانزلاق إلى «حرب غير حكيمة».
وعبر بعض الجمهوريين الأكثر محافظة أمثال جاستن أماش النائب عن ولاية ميتشيغان عن تشككهم أيضا في جدوى التدخل في سورية.
أما أنصار هذا التدخل ـ ومن بينهم السيناتور جون ماكين من ولاية أريزونا والسيناتور ليندزي غراهام عن ولاية ساوث كارولاينا ـ فلم يؤيدوا طلب التفويض، قائلين في بيان مشترك انهم يخشون ألا تكون خطة أوباما المحدودة لشن ضربات عسكرية كافية لإرضائهم، مطالبين بتدخل يزيح نظام الرئيس بشار الأسد.
وتقدم البيت الأبيض مساء السبت بطلب التفويض الذي وصف بأنه رد على استخدام الأسلحة الكيماوية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل، وجاء الطلب في صورة قرار يتطلب موافقة مجلسي الكونغرس.
ومن المستبعد أن تكون هناك محاولات لتعديل القرار أو اتباع الإجراءات الروتينية لتعطيله، وسيحتاج أوباما إلى دعم كبير من الجمهوريين للموافقة عليه.
وقال داريل ويست مدير دراسات الحكم في مؤسسة بروكنجز :«من المفارقة أن الجمهوريين في الكونغرس قد ينقذون أوباما.. فهم يميلون إلى التشدد في السياسة الخارجية، ويمكنني أن أتوقع تصويت عدد كبير من الديموقراطيين بالرفض لكونهم أكثر تشككا في جدوى التدخلات الخارجية».
ولعل ما يبرز الانقسام بشأن الملف السوري ذلك الخلاف حول توقيت المداولات التي سيجريها الكونغرس لبحث هذا الموضوع خاصة قرار قيادة مجلس النواب بالانتظار حتى انتهاء العطلة الصيفية في التاسع من سبتمبر بدلا من العودة إلى واشنطن يوم الثلاثاء أو قبل ذلك.
وبينما قالت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مساء أمس الأول إنها ستبدأ جلسات الاجتماع قبل عودة الكونغرس إلى العمل رسميا، لم يعلن مجلس النواب عن خطة مماثلة.
وقال السيناتور ماركو روبيو من ولاية فلوريدا والذي يعتبر مرشحا محتملا عن الحزب الجمهوري للرئاسة في عام 2016 «يجب أن يعود الكونغرس إلى واشنطن على الفور ويبدأ في مناقشة هذه القضية».
ويعطي الدستور الأميركي للرئيس الحق في استدعاء الكونغرس للانعقاد «في مناسبات غير عادية» ويمكن كذلك لقيادة الكونغرس ان تفعل ذلك، غير أن أيا من الطرفين لم يتخذ هذه الخطوة. وقال مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية ان أوباما ترك لقادة الكونغرس القرار في دعوة الأعضاء للانعقاد مبكرا نظرا لأن الحكومة تريد عقد اجتماعات مغلقة وعرض مبرراتها على الكونغرس في الأيام المقبلة كما أن هناك مشكلات في ترتيب الإجراءات في ظل حلول عطلة عيد العمال اليوم وعطلات دينية خلال الأسبوع.
ورغم أن الكثير من الأعضاء حثوا أوباما على التشاور مع الكونغرس لم ينتقد قرار الرئيس سوى عدد قليل منهم.
وقال النائب الجمهوري بيتر كينغ عن ولاية نيويورك وهو أحد أعضاء لجنة المخابرات في مجلس النواب والذي يؤيد الرد العسكري في سورية «الرئيس أوباما يتخلى عن مسؤوليته كقائد أعلى ويقوض سلطة الرؤساء القادمين». وأضاف «لا يحتاج الرئيس إلى الكونغرس للتفويض بتنفيذ ضربة في سورية».
ورغم ذلك قال بعض الديموقراطيين الذين يؤيدون أوباما إنهم كانوا يفضلون أن يتصرف الرئيس دون اللجوء إلى الكونغرس.
وقال السيناتور الديموقراطي بيل نيلسون من ولاية فلوريدا «أؤيد قرار الرئيس... ولكنني أرى أنه يجب علينا تنفيذ ضربة في سورية اليوم. فاستخدام الأسلحة الكيماوية أمر غير إنساني وينبغي إجبار المسؤولين عنه على تحمل عواقبه».