بيروت: عام مر على تدخل روسيا العسكري المباشر لدعم النظام السوري، هذا التدخل الذي شكل نقطة تحول أساسية في مجرى الحرب وأدى الى خلط الأوراق وأسفر عن نتائج مهمة جدا، فقد عادت روسيا الى الشرق الأوسط لاعبا أساسيا من البوابة السورية بعدما أخرجت من العراق وليبيا، وأصبحت قطبا دوليا ملغية أحادية الزعامة الأميركية، وفي سورية صار مفتاح التحكم بالأمور وكذلك مفتاح الحل السياسي في يدها، صحيح أن روسيا لم تنجح في تحقيق أي من أهداف تدخلها، وفي مهلة الأشهر التي حددتها، فلم يحدث تحول جذري على الأرض ولا حدث تحول يذكر في مسار العملية السياسية من ضمن الأطر والشروط الروسية، ولكن الصحيح أيضا أن تدخل روسيا نجح في وقف انهيار النظام السوري وفي إسقاط نظرية الحسم العسكري وإسقاطه بالقوة، وأفلح في نقل القوات السورية من موقع الدفاع الى موقع الهجوم على عدة جبهات.
وانقسمت العمليات التي خاضها الجيش السوري تحت غطاء روسي الى شقين أساسيين: استهدف الأول مناطق سيطرة تنظيم «داعش»، وأسفر عن استعادة مدينة تدمر التاريخية وفك الحصار عن مطار كويرس العسكري، فيما استهدف الشق الثاني معظم مناطق المعارضة واسفر عن السيطرة على أجزاء واسعة من ريفي حلب الجنوبي والشمالي، وفك حصار نبل والزهراء، إضافة إلى استعادة معظم مناطق ريف اللاذقية الشمالي، وتقدم كبير في غوطة دمشق، واخلاء مدينة داريا لكنه قوبل بانتكاسة كبيرة في ريف حماة الشمالي كما نجحت روسيا في أن تصبح في سورية اللاعب الأول والأقوى، وفي أن تتخذ من الساحة السورية ساحة اختبار لقدراتها وأسلحتها العسكرية. العملية حدد لها اربعة اشهر فقط لكنها تجاوزت العام الآن وهو ما يبدو مفاجأة للروس انفسهم اكثر من غيرهم.
كانت السنوية الأولى للتدخل العسكري الروسي في سورية موضوعا رئيسيا بحثه مجلس الاتحاد (المجلس الفيدرالي ـ المجلس الأعلى في البرلمان الروسي) خلال جلسته العامة الأولى للدورة الخريفية، وعرض ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، تقييمه لنتائج العملية وقال إنه عندما «بدأت المرحلة الفعالة من عملية قواتنا الجوية حسبنا أن العملية ستستمر أشهرا عدة، العملية السورية تجاوزت التوقعات التي لم نكن نحسبها أشهرا، وها نحن نعيش سنوية العملية، ولا نرى نهاية لعملنا، لم نتمكن من تشكيل تحالف واسع وتوحيد جهودنا (مع الأميركيين) لذلك طالت العملية».
وأقر قسطنطين كوساتشيوف، رئيس لجنة الشؤون الدولية في المجلس الفيدرالي بأن «تغيرات طفيفة طرأت على الوضع في سورية خلال العام الماضي»، أي منذ بدء العملية الروسية في سورية، معربا عن خيبة أمله إزاء فشل تحقيق روسيا الهدف الأهم الذي سعت إليه من عمليتها في سورية، ألا وهو تشكيل تحالف دولي وفق الرؤية الروسية للتصدي للإرهاب، ونشرت وكالة الأنباء الروسية «ريا نوفوستي» تقريرا موسعا حول سنوية العملية العسكرية الروسية في سورية، استهلته بالتأكيد على أن «روسيا تمكنت من خلق ظروف لانتقال القوات الحكومية من الدفاع إلى الهجوم، وتمكنت في الوقت ذاته من تعزيز موقفها في السياسة الخارجية»، إلا أنه ورغم هذا كله، فإنه «لم تتمكن روسيا من القضاء بشكل نهائي على أعداء النظام، بينما لم تشهد عملية التسوية السياسية للأزمة السورية أي تقدم خلال عام كامل على العملية الروسية في سورية».
وفي هذا الشأن، نقلت «ريا نوفوستي» عن الخبير الروسي قسطنطين سيفكوف رئيس «أكاديمية المشكلات الجيوسياسية»، قوله إن «الأهداف السياسية المعلن عنها رسميا لتلك الحرب لم تتحقق، وكان هناك إعلان بوقف العمليات القتالية حتى نهاية عام ٢٠١٥، إلا أن العمليات لم تتوقف، وهذا يعني أنه «لا يمكن وصف العملية الروسية بأنها ناجحة تماما» وفق ما يرى الخبير الروسي سيفكوف، الذي يرى رغم كل ما سبق أن العملية حققت بعض النتائج، منها استعادة النظام السيطرة على عدد كبير من المناطق واعتبر أن «العملية كانت مكانا مهما عرضت خصوصيات الاستخدام الفعال للقوات الجوية والأسلحة البرية، والقوات البحرية، وأجرت تدريبا عمليا على استخدام أنواع جديدة من الأسلحة المتطورة جدا.
هذا في موسكو، أما في دمشق فإن التقييم السنوي لمسألة التدخل الروسي هو تقييم إيجابي على ما تنقله شخصيات لبنانية قريبة من دمشق.
وفي هذا التقييم أنه لم يكن قليلا بعد عام فقط من العمليات، ان دمشق خرجت من دائرة الاستهداف نهائيا، وأن بقاء النظام والجيش السوري أصبح خارج أي رهان أو خطر، الانخراط الروسي في سورية كان كافيا لوقف العد التنازلي الذي كانت تتردد أصداؤه في المنطقة لإسقاط النظام خريف العام ٢٠١٥، وجاءت «عاصفة السوخوي» لتغير مسار الحرب.
عشرون الف طلعة جوية للطيران الروسي خلال عام أعادت للجيش السوري الزخم الميداني للامساك بما يسمى «سورية المفيدة»، والذي كانت قد قطعته في ميادين إدلب والشمال السوري وانخراط الأميركيين المباشر في دعم وتدريب المجموعات المسلحة، إذ استأنف الجيش السوري خلال العام ما كان قد بدأه صيف العام ٢٠١٢ لاستعادة التجمعات الديموغرافية السورية الكبرى، والتمدد خلف أسوار سورية المفيدة من درعا في أقصى الجنوب صعودا الى دمشق.
وفي تقرير مفصل أعده مركز «جسور» للدراسات، اعتبر فيه أن ما حققته موسكو من تدخلها العسكري في سورية ينقسم إلى قسمين:
الأول يتعلق بالصراع مع الولايات المتحدة والغرب، حيث تمكنت من إرغام واشنطن على الدخول في مفاوضات ثنائية ومباشرة، تبدو في العلن ذات صلة بالوضع في سورية، ولكنها في الواقع تتصل بنقاط الخلاف العميقة بين الطرفين، ومنها مسائل الدرع الصاروخية، ونصب صواريخ قرب حدود روسيا، وتدخلات واشنطن لعرقلة بيع النفط والغاز الروسي إلى أوروبا.
الثاني يرتبط بالوضع السوري، حيث تمكنت موسكو من تثبيت وضع نظام الأسد في الظاهر، وفي الواقع الإمساك بورقة النظام وتوظيفها لخدمة السياسة الروسية إقليميا ودوليا، وتجلى ذلك بأن حركة النظام عسكريا ومواقفه سياسيا باتت تتم بأوامر روسية، عكستها آلية التعامل مع رأس النظام بشار الأسد، والعمل على إحداث تغيير جذري في مرجعية جنيف (٢٠١٢)، واستخدام ورقة «الإرهاب» كحجة للتمدد العسكري ميدانيا.
وأدرج التقرير الإعلان الروسي - الأميركي ضمن أربعة سيناريوهات:
٭ السيناريو الأول: إمكانية توصل الطرفين إلى اتفاق عنوانه الوضع في سورية، ويشمل تفاهمات حول أوروبا و«الناتو» وقضايا أخرى، لكن التحدي الذي سيواجهه مثل هذا الاتفاق هو ضمان التزام أميركي بها مع قدوم إدارة جديدة، خصوصا في حال نجاح الجمهوري دونالد ترامب، إضافة إلى احتمال مقاومة دول الإقليم لها إذا مست مصالحها الحيوية.
٭ السيناريو الثاني: يرتبط بالتفاهمات الإقليمية، بحيث يكون هذا السيناريو بديلا عن الصفقة مع واشنطن، وستعمد إليها روسيا في حال فشل اتفاقها الحالي أو يأسها من تغير الموقف الأميركي استراتيجيا، والخوف من آثار تدخلها العسكري في سورية لعام ثان، مع احتمال تطور الصراع ودخول عوامل جديدة تعرض القوات الروسية لخسائر نوعية خاصة بعد التهديدات الاميركية الاخيرة.
السيناريو الثالث: يرتبط باستخدام العنف المفرط بعد انهيار الهدنة، حيث تعود القوات الروسية لما كانت عليه قبيل الهدنة، والاستمرار بحالة اللاتفاهم مع واشنطن والأطراف الإقليمية.
٭ السيناريو الرابع: يقوم على عنصر المفاجأة، وهو يستند إلى احتمال حدوث تطورات غير متوقعة لدى أحد الأطراف المركزية، تؤدي إلى تغيير في التموضع الاستراتيجي أو تبدلات جوهرية في الموقف من الأزمة السورية، مثل انقلاب ١٥ يونيو في تركيا، وتطورات ملف نفوذ PKK وتفرعاته الذي جعل خطر إقامة كيان انفصالي جنوب تركيا عاملا مؤثرا في تغيير نظرتها وأسلوب تعاملها مع القضية السورية.
وخلص التقرير إلى أن موسكو «تواجه وضعا صعبا ومقلقا لها، رغم محاولة الإيحاء بأنها في وضع إيجابي استراتيجيا».
ورأى أن «عدم نجاحها في تحقيق الهدف المركزي من تدخلها في سورية، سيجعل أي مكاسب جانبية عديمة الفائدة من ناحية التأثير على دورها في المنظومة الدولية، كما أن عامل الوقت يشكل عنصرا ضاغطا عليها، إضافة إلى الغموض في شكل وطبيعة الإدارة الأميركية الجديدة، التي لا يتوقع أن تكون شبيهة بحالة أوباما التي نعتت بالضعف وعدم المبادرة».