أحمد مغربي
كشفت الازمة المالية العالمية وتداعياتها السلبية على الاقتصاد المحلي العديد من الثغرات وغياب الدور المطلوب من اللجان الشرعية في العديد من الشركات الاسلامية والتقليدية ما جعل الفتاوى الشرعية في هذه الشركات على طريقة «ما يطلبه المديرون».
فالشركات التقليدية لم تكن الوحيدة التي اكتشفت ضعف وافتقادها لادارات المخاطر حول عملياتها الاستثمارية في الوقت الذي كان من المفترض ان تقوم بهذا الدور من الشركات الاسلامية هيئات الفتوى والتشريع الا ان الازمة كشفت ايضا ان هذه الهيئات لم تقم بدورها سواء بشكل متعمد من قبل ادارات هذه الشركات او ان عدم تفرغ هذه الهيئات اوقعها في مشاكل والتي انعكست على الشركات التي تعمل وفقا لاحكام الشريعة الاسلامية وادى الى تعثر بعضها لدرجة تصل الى انها تواجه مشاكل مالية حادة.
«الأنباء» اخذت رأي اقتصاديين عن آليات تعيين اعضاء اللجان الشرعية خاصة ان هؤلاء الاعضاء في العادة يحملون اكثر من وظيفة في عدة لجان حيث قالوا ان من يعين اللجنة الشرعية على ارض الواقع هم الادارة التنفيذية وليس المساهمون او الجهات الرسمية المهنية ما يقوي احتمال تبعية اللجان الشرعية لاهواء ونزوات الادارات وبالتالي اصدار الفتاوى بناء على ما يطلبه المديرون وليس بناء على ما يمليه الدين والضمير.
وقال الاقتصاديان ان ما يعرض على اللجان الشرعية هو بعض العمليات وليس جميع العمليات التي تتطلب رأيا شرعيا اي ان عرض المواضيع يكون انتقائيا ومزاجيا وليس شاملا وموضوعيا وذلك لاخفاء بعض العمليات عن اللجان الشرعية.
وأوضح الاقتصاديان ان بعض العلماء من اللجان الشرعية ليسوا متفرغين ويشغلون عدة مناصب في عدة لجان في آن واحد ما يجعل من غير المنطقي توفر الوقت اللازم لبحث ومناقشة الامور الشرعية.
وطالب الاقتصاديان بإعادة النظر في آلية تعيين اللجان الشرعية ومرجعيتها وان يقوم البنك المركزي بتشكيل فرق شرعية ومهنية متفرغة تحل محل اللجان الحالية.
وفيما يلي التفاصيل:
في البداية قال مدير عام مركز الجمان للاستشارات الاقتصادية ناصر النفيسي ان طوفان الفساد عم جميع شرائح الشركات سواء الكبيرة او الصغيرة، وفي جميع الانشطة والقطاعات في الشركات الاسلامية والتقليدية، موضحا ان كثيرا من الشركات التي تزعم التزامها بالشريعة الاسلامية الغراء تورطت في مخالفات جسيمة وشبهات كبيرة وذلك على مدى السنوات الماضية وليس العام الماضي فحسب.
واوضح النفيسي ان من يعين اللجنة الشرعية هي الادارة التنفيذية وليس المساهمون وهذا ما يقوي احتمال تبعية اللجان الشرعية لأهواء ونزوات الادارات العليا التابعة لها هذه اللجان، وبالتالي احتمال اصدار الفتاوى على طريقة ما يطلبه المديرون وليس بناء على ما يمليه الدين والضمير.
واضاف النفيسي ان العاملين في اللجان الشرعية معظمهم ليسوا متفرغين ويشغلون عدة مناصب في عدة لجان في آن واحد مما يجعل من غير المنطقي توافر الوقت اللازم لبحث ومناقشة الامور الشرعية المرتبطة بالشركات كما يجب.
واشار النفيسي الى تنظيم عمل اللجان الشرعية، حيث ان الفلتان الحالي لا يقتصر اثره على الضرر الاقتصادي الفادح بل يتعدى ذلك الى التشكيك في الاقتصاد السليم وسعيه الى التنمية الحقيقية ومحاربته لكل صور الاستغلال والفساد، حيث يتطلب الامر اعادة النظر في آلية تعيين اللجان الشرعية ومرجعيتها.
واقترح النفيسي ان يشكل البنك المركزي على سبيل المثال فرقا شرعية مهنية متفرغة تحل محل اللجان الحالية وعلى نفقة البنوك والشركات المستفيدة منها، بحيث تقوم بواجبها بكل حيادية واستقلالية ومهنية وان تكون مرجعيتها الى البنك المركزي والى المساهمين بالدرجة الأولى وليس الى الادارة التنفيذية للمؤسسات المعنية.
وقال النفيسي انه على الرغم من الثغرات وغياب الدور المطلوب من اللجان الشرعية لشريحة كبيرة منها مما جعلها في قفص الاتهام، الا انه لايزال بعض من اللجان الشرعية صامدا حتى الآن أمام طوفان الاغراءات والفساد، حيث استمرت في أداء واجبها المهني الذي يمليه عليها الوازع الديني اولا ثم مصلحة عموم المساهمين، وليس لأهواء شخصية للمديرين والتنفيذيين والذي هو الشغل الشاغل لبعض اللجان الشرعية للأسف الشديد.
وبين النفيسي ان بعض اللجان تقوم بواجبها في التأكد من توافق او تطابق عمليات الشركة وذلك نظرا لغياب عنصر المتابعة، حيث ان الادارة التنفيذية تستهتر بقرارات اللجنة الشرعية، وذلك نظرا لعدم قيام الادارة التنفيذية بمراجعة صحة التطبيقات الفعلية للعمليات مع المقتضيات الشرعية التي اقرتها اللجنة الشرعية.
من جانبه، قال خبير الموسوعة الفقهية وعضو هيئة الفتوى الكويتية د.احمد الكردي ان هناك قصورا في عمل اعضاء اللجان الشرعية، حيث ان اعضاء هذه الهيئات مثقلون بأعباء كثيرة في نطاق عملهم، فهم بشكل عام غير متفرغين لأعمال الرقابة الشرعية في المؤسسات التي يعملون بها، موضحا ان الكثير من هؤلاء الاعضاء يعملون في العديد من الهيئات الشرعية للرقابة على المؤسسات الاقتصادية.
واضاف الكردي ان اعضاء الهيئات الشرعية لا يكادون ينصرفون من اجتماع لهيئة شرعية حتى يدعوا لهيئة شرعية اخرى، الى جانب ان بعضهم مع فقهه ومكانته العلمية ليس من المتخصصين في العلوم الاقتصادية العامة والعلوم الاقتصادية الاسلامية، وان كان على علم جيد بكثير من احكامها، مما يدعوه الى الصمت عند مناقشة بعض امور لا علم له بها بشكل كاف، فيخسر مجلس الهيئة خبرته في هذا الامر ويكون وجوده شكليا لا عمليا مؤثرا.
واشار الكردي الى ان بعض المؤسسات الاقتصادية الاسلامية تتجاهل ادارتها انفاذ بعض الفتاوى والقرارات التي تصدرها الهيئة التابعة لها، ولا يعلم اعضاء الهيئة بذلك، اما لضعف المراقبين الشرعيين الذين يعملون مع هذه الهيئات او لأسباب اخرى وهو وان كان قليلا نسبيا، الا انه مخالفة كبيرة في واقع الحال، ومؤثرة في صحة سير هذه المؤسسات الاقتصادية.
وبين الكردي ان من الامور التي لا يمكن تجاهلها هو ندرة العلماء المختصين في فن الرقابة الشرعية على المؤسسات الاقتصادية الاسلامية، وسبب ذلك هو الزمن الطويل الذي مر على بلاد المسلمين وهم يتعاملون فيه بالربا المحرم والنظم الاقتصادية الغربية البعيدة عن روح التشريع الاسلامي، حتى ظن البعض ان الاقتصاد الوحيد في العالم هو الاقتصاد الربوي، وان الاقتصاد الاسلامي لا وجود له.
وعن الشروط الواجب توافرها في الاعضاء الصالحين لعضوية الرقابة الشرعية، قال الكردي: ان عضو اللجنة الشرعية يجب ان يكون على المام ودراية كاملة بأصول وتفاصيل علم الاقتصاد، ومعرفة بدقائق اصول وتفاصيل الاقتصاد الاسلامي وفروعه ولا يكفي مجرد الاطلاع او الالمام العام بكل أو بأي من هذه النوعية من العلوم.
واشار الكردي الى انه ونظرا لأهمية دور الرقابة الشرعية قضت عامة قوانين البنوك المركزية في العالم الاسلامي بألا يصادق البنك المركزي على اعمال اي مؤسسة اقتصادية اسلامية قبل ان تصدر الهيئة الشرعية فيها اقرارا من كامل اعضائها.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )