- الوقيان: عملية إعادة الهيكلة تقتضي مفاوضات شاقة من الدائنين الياقوت: ليست هناك نظم قانون في دول التعاون للتعامل مع الانكماش
منى الدغيمي
إعادة الهيكلة وإعادة التمويل في دول مجلس التعاون الخليجي من ضمن الخيارات المتاحة على الساحة الاقتصادية اليوم التي يمكن للشركات المتعثرة تبنيها للوصول الى أفضل النتائج، كان هذا منطلق مؤتمر نظمته شركة بايبر كويت وبايبر ميدل ايست تحت عنوان الاعداد للمستقبل وإعادة هيكلة التمويل في مجلس التعاون الخليجي.
حيث اجمع المحاضرون في الندوة على ان قانون الإفلاس في الكويت ولاسيما الدول الخليجية غير حديث وغير مكتمل ونقدوا النظرة السلبية للإفلاس بوصفه تسريع لوفاة الشركة وطالبوا بضرورة تبني إعادة الهيكلة المالية كوسيلة لتعافي الشركات المتعثرة وفيما يلي التفاصيل:
في البداية تناول الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية عادل الوقيان موضوع إعادة الهيكلة من منظور محلي، مشيرا الى أن الافلاسات المالية التي حصلت هي نتيجة تبخر الأصول.و أضاف الوقيان الى ان مشكلة الإفلاس ولدت معه مجموعة من المتغيرات الاقتصادية التي أفضت الى قضايا شائكة تواجه الاقتصاد العالمي عموما ولاسيما تفشي البطالة وانخفاض اسعار المواد الأولية.
وتطرق الوقيان في مداخلته الى ان علاج الازمة الاقتصادية في الدول عامة لا في دول الخليج فقط لا تنحصر فقط في استخدام السياسة النقدية بل تتطلب تدخلا سريعا للمشاءات وإعادة تطويرها وهيكلتها. ورأى الوقيان ان إعادة الهيكلة المالية تعني إعادة هيكلة أصول الشركات وهذه الخطوة تسهم في إنقاذ الشركات من الإفلاس.
ودعا الوقيان الى أن تتعامل الشركات بالحلول المتوافرة في صلب خطة إعادة الهيكلة ،لافتا إلى أن المقاومة العنيفة للشركات لإخفاء حقيقة وضعها ستحيدها عن اي محاولة للمعالجة.
وأكد الوقيان على إعادة الهيكلة المالية، مشيرا إلى أنها تبقى الأداة الوحيدة والأكثر فاعلية لتعافي الشركات. وأضاف في هذا الإطار ان التجارب العالمية عكست نجاح ونجاعة الهيكلة المالية.
وفي ختام مداخلته كشف الوقيان ان طريق إعادة الهيكلة ليس سهلا واعتمادها يستوجب التضحية وقد يكون هناك استبعاد لصفقات، مشيرا إلى ان عملية الهيكلة تقتضي مفاوضات شاقة من الدائنين لكن في النهاية تهدف الى تحقيق الصالح العام للملاك.
من جانبه، تناول شريك اول مكتب الوقيان والعوضي والسيف المحامي نادر العوضي أحكام الإفلاس في القانون الكويتي وإشكالية تطبيقه على ارض الواقع. واعتمد العوضي في تقديمه للقانون على آليته، مشيرا الى ان الفقرة الاولى من مادة 681 من قانون التجارة قد حددت شروط اشهار الافلاس الشركات بقولها: «فيما عدا شركات المحاصة يجوز اشهار افلاس أي شركة اذا اضطربت اعمالها المالية فوقفت عن دفع ديونها. وأوضح العوضي انه لابد ان يتوافر في الشركات التي يجوز اشهار افلاسها شرطان: وقوف الشركة عن دفع ديونها بسب اضطراب اعمالها المالية وثانيهما اكتساب الشركة للشخصية المعنوية المستقلة عن اشخاص الشركاء، مشيرا الى ان هذا الشرط الاخير يفهم من عدم جواز اشهار افلاس شركة المحاصة وهي شركة لا تكتسب كما تقدم شخصية معنوية بسبب صفتها المستترة.
واضاف ان حالة الافلاس تؤكد على ارض الواقع بصدور حكم من المحكمة ضد الشركة. وبالنسبة للأشخاص الذي يحق لهم اشهار افلاس الشركة افاد العوضي بأن المادة 570 من قانون التجارة نصت على ان يحق للمدير او مجلس الادارة طلب اشهار افلاس الشركة او اي من دائنيها كما يجوز للمحكمة ان تقتضي باشهار افلاس بناء على طلب النيابة العامة او من تلقاء نفسها، موضحا ان المحكمة تستخدم هذا الحق اذا ما عرض عليها نزاع يتعلق بالشركة وثبت لها اضطراب اعمالها المالية ووقوفها عن دفع ديونها.
وفي جزء ثان من مداخلته بين العوضي أوجه الخلاف بين قانون الإفلاس الكويتي والقوانين المعمول بها في الامارات المتحدة والبحرين وأوضح ان القوانين الحالية المطبقة على صعيد الإفلاس والعجز عن السداد في الكويت وغيرها من دول المنطقة قديمة ولا تعكس نماذج العمل الحديثة، مشيرا الى انه لم يتم اختبار مواد هذه القوانين وبالتالي من الصعب توقع الأحكام الصادرة بموجبها.
ومن هذا المنطلق دعا العوضي الى ضرورة مراجعة القوانين الحالية على ضوء المستجدات التي فرضتها الأزمة. وقدم العوضي إمكانية اعتماد قوانين مماثلة لقانون الإفلاس والمادة رقم 11 المطبق في أميركا والذي يتيح للشركات اعادة الهيكلة بدلا من ان تتم تصفية الشركات لتغطية ديونها التي عجزت عن سدادها.
واستخلص العوضي ان أحكام الإفلاس في القانون الكويتي لم يتم اختبار موادها ولم يسبق لأي حكم صدر بالإفلاس.
من جانبه، عرض المدير الإقليمي لقسم التمويل والمشاريع في الشرق الاوسط طوني هولاند قضية اعادة جدولة الديون، وأفاد بأنه أمام هذه القضية يواجه المديرون مشاكل مع الدائنين وتطرح امامهم خيارات منها تصفية الشركة او اللجوء الى القضاء.
ورشح طوني خيار اعادة الهيكلة المالية لما له من مزايا، لاسيما منها التركيز على خطة عمل متفق عليها وتكون اقل ضررا على الأعمال التجارية وسمعتها من الافلاس.
اما عن أهداف إعادة الهيكلة، فقد كشف هولاند انه في حالة اتخاذ الشركة قرار اعادة الهيكلة فإن الخطوة المبدئية تعتمد على دراسة وضع الشركة ويكون الهدف من الهيكلة استعادة أوضاع الشركة المالية إما عن طريق رهن جزء من أصولها او بيع جزء من الأعمال.
وكشف هولاند ان مراحل الهيكلة تقتضي مراجعة وتقييم الشركة وتحديد وضعها وملاءتها المالية على المديين القريب والبعيد، إضافة الى مدى قدرة الشركة على تطبيق الخطة الموضوعة لها ووفق تلك الخطة فإما ان يتقرر بيع الأصول او رهنها لإعادة الشركة الى وضعها الصحيح. على صعيد متصل، أكد على ضرورة توفير المعلومات واعتبرها مسألة مهمة، وطالب بأن تكون المعلومات دقيقة وواضحة وان يتم تقديمها في موعدها المحدد، مؤكدا على ضرورة ان تكون الشركة صريحة مع دائنيها.
وكمرحلة ثانية لعملية الهيكلة، أفاد هولاند بأنها تقتضي مراجعة العقود الرئيسية التي ترتبط بها الشركة، لاسيما إيجار الأرض، القروض وبنود التوريد ان وجدت، مشددا على فهم كل هذه النقاط قبل اتخاذ اي خطوة إلى الأمام.
وأشار في الاطار ذاته إلى ضرورة التأكد من وجود دعاوى ضد الشركة أو مطالبات، لأن هذا قد يعطل او يؤخر عملية الهيكلة.
ولفت هولاند إلى انه يوجد الكثير من الترتيبات المالية التي قد تؤثر على عملية الهيكلة، وطالب بضرورة إدراك الترتيبات للقروض باعتبار ان البنوك ستعتمد على ايرادات الشركة، وبالتالي قد تكون لديها اشتراطات، مشيرا الى ان الهدف في التعامل مع البنوك كجزء من إعادة الهيكلة هو وضع شروط جماعية يتفق حولها الدائنون والبنوك، وقال ان البنوك تحتاج الى الاتفاق مع الدائنين من ناحية الالتزام بالخطة الموضوعة من قبل الشركة من ناحية أخرى، ولفت الى ان الكثير من البنوك أصبحت تشترط عقد جمعية عمومية باعتبارها قناة اتصال صحيحة وواضحة، واكد على ان قنوات الاتصال بين البنوك والدائنين تتم بموجبها عملية الإقراض، واستخلص هولاند ان التقيد بالشروط والمراحل السابق ذكرها في عملية الهيكلة من شأنها ان تكون بمنزلة الطريق للخروج من مأزق الإفلاس.
وكشف هولاند ان خطة العمل هي خارطة الطريق التي سيتم الالتزام بها على المدى القصير والطويل، مشيرا إلى أن خطة العمل التجاري ستحدد الوسيلة النهائية لتعديل وضع الشركة إما بالمحافظة على الأصول أو بالتخلص منها.
وختم بقوله ان المرحلة الأولى من الهيكلة المالية لا تستوجب اتخاذ أي إجراءات استباقية.
تعثر الشركات
وكشف مدير شريك استشارات الديون وإعادة الهيكلة بالشرق الأوسط جيوفاني مييل أن المشكلة الأساسية التي فجرتها الأزمة العالمية في الكويت هي تعثر الشركات الاستثمارية وطول الانتظار لرد فعل من الحكومة ما أدى الى تأزم الوضع العام، وأضاف ان الأداء الاقتصادي العام للكويت نقص في الفترة الأخيرة خاصة وزادت نسبة الركود.
وأوضح مييل أن الفجوة في بيئة الكويت تتعلق أساسا بالسياسة النهائية التي ستتبناها الحكومة حتى تعود عجلة الاقتصاد إلى الدوران من جديد. وعلى صعيد متصل، بين مييل ان الأثر الواضح في البيئة الاقتصادية الكويتية هو انخفاض قيمة الأصول وعدم توافر الخطوط التمويلية ما اثر سلبا على المشاريع التنموية وعلى الحركة الاقتصادية.
وأشار مييل الى أن جميع الشركات تتقاسم الأزمة سواء الخليجية او العالمية لكن المفتاح يتمثل في البحث عن محصنات قبل وقوع المشكلة.
على صعيد متصل، عاب مييل على الدول الخليجية والعربية عموما عدم احترامها او اقتناعها بعملية الهيكلة المالية واعتمادها كحل، مشيرا إلى أن هناك تغييبا لهذا المفهوم.
وأوضح أن النظر إلى الأصول المتعثرة يقود إلى النظر في الضمانات وإعادة الهيكلة، لافتا إلى أن التصرف بالأصول يجب أن يكون مسألة ينظر إليها بجدية، متسائلا عن كيفية تطبيقها على مستوى دول الخليج وفي الكويت تحديدا.
بين مييل ان الدائنين في الكويت يعتمدون على الدعم الحكومي، وهذا ما ادى الى تدهور قيمة الأصول مع مرور الوقت، داعيا الى ضرورة التعامل المبكر مع المشاكل واعتبرها شرطا ضروريا لعملية اعادة الهيكلة.
مصطلحات جديدة
وتطرق الشريك الإداري dla بايبر كويت عبدالعزيز الياقوت إلى كيفية قيام الدول الخليجية بإعادة الهيكلة والفرص المتاحة أمامها، مبينا أن الأزمة أحدثت 3 مصطلحات جديدة، لاسيما الركود والتعثر والإفلاس، وأشار الى ان الشركات في الكويت تعتمد على الحكومة وعلى شبكة الاخوة القديمة، لافتا إلى أنه ليس هناك نظم قانونية في دول مجلس التعاون الخليجي مبنية او مصممة للتعامل مع الانكماش.
رد فعل الحكومة
واستثنى البحرين من الدول الخليجية في ردة فعلها إزاء الازمة، مشيرا الى ان المركزي البحريني تعامل مع الأزمة بجدية وجرأة رغم ان حجم البحرين اقتصاديا صغير مقارنة بالدول الخليجية الأخرى، واشاد كذلك بمحاولات مؤسسة النقد العربي السعودي الرامية إلى ضمان مستوى اعلى من الشفافية من خلال الضغط على الشركات المتعثرة للكشف عن مستويات الديون الفعلية. وعلى مستوى الكويت، أفاد بأنها اتخذت الكثير من الخطوات لكن الوضع الاقتصادي لايزال غير واضح في انتظار المصادقة على قانون الاستقرار المالي في الدورة النيابية المنتظرة عائبا على ردة الفعل في الكويت إزاء الأزمة.
وكشف الياقوت أن قوانين الإفلاس في دول مجلس التعاون غير حديثة وغير مكتملة مستنكرا في ذات السياق النظرة السلبية للإفلاس من قبل دول الخليج واعتباره انه تسريع في عملية الوفاة، وكشف الياقوت عن عدة شوائب تحول دون معالجة الأزمة خاصة في إطار الشركات، لاسيما منها غياب الشفافية وغياب إدارة رشيدة داخل الشركات.
وتوصل الياقوت من خلال دراسته لردة فعل الحكومات الخليجية إزاء الأزمة أنها لم تتبن الطريقة او الوسيلة الناجعة لحل الأزمة، مشيرا إلى أن أمامها عدة تحديات في المستقبل وجب التهيؤ لها والتحصن ضدها.