زكريا التهامي إعلامي متخصص بالاتصالات
فتحت التدوينة التي قام بنشرها مؤسس فيسبوك مارك زوكربرغ على حسابه مؤخرا ثقبا زمنيا نحو حقبة الذكاء الاصطناعي، والذي طلب فيها من متابعيه على صفحته باقتراح أسماء الشخصيات التي يرغب في أن يتم استخدام صوت أحدها ليكون صوت المساعد المنزلي.
هذه التدوينة التي كشف فيها عن قيامه بتصميم المساعد المنزلي مستخدما تقنية الذكاء الاصطناعي في عملية التحكم في المنزل بالكامل، تلاها بتدوينة أخرى للرد على نجم هوليوود الشهير ربورت داوني جونير صاحب شخصية «الرجل الحديدي» - والذي أبدى تحمسه بأن يكون هو هذا الصوت للمساعد الشخصي المنزلي.. ـ كتب فيها على حسابه الشخصي «هكذا تحول الأمر إلى واقع بالفعل».
وبعيدا عن تدوينة مارك زوكربرغ التي مزج فيها الخيال مع الواقع.. يعترف الكثيرون بأن الشكل التقليدي للحياة بدأ يتغير بالفعل، فاليوم نطالع في ممرات ودهاليز صناعة تكنولوجيا الاتصالات مسميات لا توجد لها ترجمة حاضرة في أذهاننا، على سبيل المثال: إنترنت الأشياء، الحوسبة السحابية، الأتمتة، المواطنة الرقمية، الذكاء الاصطناعي، آلة إلى آلة، وغيرها.. مصطلحات نطالعها بكثرة في هذه الآونة.
وفي وقتنا الحاضر تتجه صناعة تكنولوجيا الاتصالات نحو حقبة جديدة، يطلق عليها الكثيرون الثورة الصناعية الرابعة، وحتى نعرف التوصيف الأمثل لهذه الحقبة، فإن هناك من يصفها بأنها الحقبة الجديدة لحياة البشر، وهناك من يصفها بأنها الجسر الانتقالي الحقيقي نحو ربط الاتصالات الشبكية بين «الناس» و«الأشياء»، وحيث اننا على مشارف هذا التحول، فإن توقعات الخبراء قدمت قراءات تحليلية لمستقبل قطاع الاتصالات خلال السنوات الخمس المقبلة.
ويبدو من الإحصاءات والنسب المئوية التي احتوتها هذه القراءة أننا بحاجة لقراءتها مرة أخرى.. وذلك لسبب وجيه، وهو أن هذه الإحصاءات تحمل معها نسب نمو بحجم موجات «التسونامي».
وإذا كان مصطلح التسونامي في اللغة اليابانية يعني «الكبير»، فإن الثورة الصناعية الرابعة هي «التحول الكبير» للحياة التي نعرفها الآن، حيث كل الأشياء التي نستخدمها أو نتعامل معها أو نتصل بها أو نتصل من خلالها بشكل يومي «ستتحدث» مع بعضها البعض، بمعنى أنها ستكون «متصلة» فيما بينها، وسيكون هناك عالم آخر، تمثله الآلات الذكية المتصلة بالإنترنت.
قامت الثورة الصناعية الأولى على المحرك البخاري في القرن الـ 18، وجاءت الثورة الصناعية الثانية في الثلث الأخير من القرن الـ19 بفضل الكهرباء، بينما بدأت الثورة الصناعية الثالثة بفضل تقنية المعلومات في النصف الأخير من القرن الـ 20، والآن.. تتأهب الثورة الصناعية الرابعة للإعلان عن نفسها مدفوعة بقوة تدفقات البيانات وتكنولوجيا المعلومات حيث الفضاء الرقمي الرحب.
تكشف لنا القراءات التحليلية التي تقدمها المؤسسات المعنية أن عدد الاتصالات التي ستحملها معها هذه الثورة المعلوماتية قد يصل إلى نحو 28 مليار اتصال بحلول العام 2021 على مستوى العالم.
ويخبرنا تقرير وايرلس انتلجنس الذي يصدره الاتحاد الدولي لشبكات الاتصالات المتنقلة «GSMA» بإحصاءات تكشف لنا الصورة بشكل أكثر تفصيلا.. شهد العام 2015 زيادة في عدد شرائح الاتصال «SIM» بنحو 350 مليون شريحة اتصال، بنسبة نمو بلغت 4.7%، وذلك مقارنة بـ 7.28 مليارات شريحة اتصال في نهاية العام 2014، وهذه النسبة تعني أن قاعدة من يملكون شريحة اتصال قفزت إلى نحو 7.63 مليارات مستخدم على مستوى العالم.
في الوقت الحالي يبلغ معدل انتشار الهواتف الذكية 44.5% أو 3.4 مليارات جهاز، أي بزيادة 30.8% سنويا ارتفاعا من 2.6 مليار في العام 2014، وتشير إحصاءات «الاتحاد الدولي للاتصالات» إلى أن عدد الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت وصل إلى 3.2 مليارات فرد، أي بزيادة 8.1% صعودا من 2.9 مليار في نهاية العام 2014، ومن بين هذا العدد شكل استخدام الإنترنت عبر الهواتف النقالة ما نسبته 85%، ما يبلغ 2.7 مليار اتصال بالشبكة.
تبرهن هذه الإحصاءات أن التكنولوجيات الأسرع في الاتصال آخذة في التزايد بشكل كبير، فالاتصالات المتنقلة التي تجرى على شبكات الـ WCDMA/HSPA، تشكل الآن أكثر من 3.2 مليارات اتصال، ما يقرب من 42% من إجمالي الاتصالات عامة، بينما تشكل اتصالات «LTE» وحدها ما يقارب 1 مليار اتصال. تفتح هذه المؤشرات نافذة ضوء من الحجم الكبير على حركة خدمات البيانات المتنقلة، وهي تتجه لتحقيق مستويات من النمو في الأسواق العالمية بمعدلات أسرع من معدلات نمو الاتصالات، وفعليا... فإن حركة خدمات البيانات المتنقلة وصلت إلى 5.3 إكسابايت (EB) شهريا، بزيادة 65.6% صعودا من 3.2 إكسابايت شهريا في العام 2014.
بالنظر إلى حجم استهلاك البيانات لمستخدمي شبكات الاتصالات اللاسلكية عند العبور لشبكة الانترنت، فإن الدراسات تشير إلى أنه ارتفع بشكل كبير في العام 2015، فعلى سبيل المثال: منطقة الشرق الأوسط التي تتسم بأداء عال في استخدام شبكات الاتصالات المتطورة، بلغت فيها قاعدة المشتركين 421 مليون مشترك، تشكل 5.5% من إجمالي قاعدة المشتركين على مستوى العالم، وبلغ معدل انتشار استخدام الإنترنت 44.4% بإجمالي 167 مليون مستخدم، ومن بين هذا العدد، فإن هناك 68.4% (أو 114 مليون مستخدم) هم من مستخدمي الإنترنت على شبكات الاتصالات اللاسلكية.
استخدام الهواتف الذكية في أسواق منطقة الشرق الأوسط وصل إلى مستويات مرتفعة مؤخرا (149 مليون مستخدم)، وعلى وجه الخصوص في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث شكلت الهواتف الذكية 35.3% من إجمالي الاتصالات، تمثل 40% من مجموع السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تخطت أرقام معدلات انتشار الهواتف الذكية 100% من حجم السكان في جميع دول مجلس التعاون.
إن تزايد استخدام البرودباند (النطاق العريض) والهواتف الذكية يولد موجة ضغط ارتدادية في اتجاه «ثوران» خدمات البيانات المتنقلة في المنطقة، ووفقا لتقارير أصدرتها شركة اريكسون العالمية، فإن حركة البيانات ستنمو 16 ضعفا خلال الفترة من 2015-2021 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
هذه التحولات المتسارعة والتدفقات المعلوماتية في صناعة تكنولوجيا الاتصالات تدفع الحياة بجميع أشكالها نحو حقبة الآلات الذكية.. نحو ساحات العالم الرقمي.