يبدو أنه بالرغم من تنامي الإحساس بقرب تعافي الاقتصاد الدولي، إلا أن ديون دبي مازالت قادرة على عرقلة تعافيها الكامل. ورغم أن كثيرا من المتابعين قد توقعوا حدوث ترحيلات لاعداد هائلة من العمالة العاملة في دبي إلا أن ذلك لم يحدث وعادت أجواء الاعمال إلى الانتعاش فورا عقب رمضان. لكن يبدو أن الطريق مازال طويلا أمام دبي، وبالتالي أمام اقتصاد دولة الإمارات ككل.
فوفقا لتوقعات فمن المحتمل أن ينكمش الاقتصاد الإماراتي بنسبة 1% قبل أن يعاود الصعود مرة أخرى إلى نسبة 2.9% من النمو السنوي في عام 2010.
لكن يبدو أن الأمور تحتمل أكثر من هذه النظرة التشاؤمية المحدودة، والدليل على ذلك هو حدوث انخفاض في تصنيفات «فيتش» لعدد من المؤسسات الهامة في الاقتصاد الإماراتي.
ومن أهم أسباب ذلك هو الديون الهائلة التي استخدمت لتمويل الرواج العقاري الزائد عن الحد في دبي. فقد شاعت الأخبار عن حجم ديون دبي في نوفمبر أواخر العام الماضي، والتي تبلغ تقريبا 100% من حجم الناتج المحلي الإجمالي لدبي والذي يصل إلى مبلغ 82 مليار دولار. وبالرغم من كل المحاولات التي تسعى للتقليل من أهمية هذه الأرقام فإن دبي وجدت نفسها مضطرة إلى إصدار سندات حكومية لتمويل حوالي 20 مليار دولار لتغطية التزاماتها قصيرة الأجل. في فبراير تم بيع ما يقرب من نصف هذه الكمية (10 مليارات دولار) إلى البنك المركزي الإماراتي. ومازال من المتوقع أن يتم إصدار النصف الآخر في نهاية العام الحالي. ووفقا لتقديرات ستاندارد آند بورز يبدو أن حجم الديون المتوقع من دبي سدادها يصل إلى أرقام هائلة بحيث يصعب تصور دفعها فهي تصل إلى 50 مليار دولار.
ففي هذه الإمارة الصغيرة لا يمر أسبوع واحد دون الإعلان عن مشروع سياحي أسطوري، مثل مشروع فندق تحت الماء، أو مشروع جعل دبي قبلة الشطرنج الجديدة في العالم. كذلك المشروعات التي تتولاها شركة «نخيل» المحلية بميزانية قدرها 12 مليار دولار، وتتلخص في توسيع الساحل الذي يبلغ طوله 40 كيلومترا ببناء 1500 كيلومتر من الشواطئ الجديدة الساحرة. وقد تمثل آخر مشروعاتها في إنشاء أكبر واجهة بحرية في العالم، هي واجهة دبي البحرية، التي تمتد على مساحة 81 كيلومترا مربعا، أي تقريبا مثل مساحة مدينة باريس.
أغلب هذه المشروعات العقارية توحي بالقول إنه ليس هناك حدود سوى حدود الخيال. إلا أن الحدود الواقعية تتمثل في الميزانية بالتأكيد. وكذلك في الأسعار المعلنة والتي تتراوح بين 7.5 ملايين و36 مليون دولار للجزيرة. إن دبي موقع عمل دائم على الأرض. فهناك تسمع ليلا ونهارا ضجيج الجرافات والمطارق. وعلى جانب الطريق السريع، تبدأ معالم إنشاءات جديدة في التشكل باستمرار.
إن الرؤية الإستراتيجية التي تتبناها دبي ترى في إنفاق مبلغ 50 مليار دولار على تطوير البنية الأساسية السياحية مشروعا مبررا. فدبي لا تملك سوى 2% فقط من احتياطي الذهب الأسود في دولة الإمارات العربية المتحدة. وستنضب آبارها خلال عشر سنوات. وليس أمام دبي من مخرج لتأمين مستقبلها سوى خفض اعتمادها على الثروة النفطية بتنويع اقتصادها. واليوم لم يعد يمثل النفط سوى 7% من إجمالي الناتج الداخلي.
على جانب آخر، فإن إمارة أبوظبي التي تعد أغنى إمارات الدولة بالنفط حيث تمتلك ما قدره 94% من احتياطيات النفط في الدولة ككل، تقف على أهبة الاستعداد لتمويل الرواج العقاري والسياحي في دبي الأفقر في النفط.
لقد جذبت المشروعات الهائلة في دبي كما كبيرا من رؤوس الأموال الأجنبية التي بلغت الذروة في عام 2004. وقد شهدت دبي في العقد الأخير متوسط نمو سنوي بلغ 7 %. وبلغ إجمالي الناتج الداخلي عن كل فرد 17500 دولار وهو يقترب من مستوى الكويت. والطموحات لا تقف عند هذا الحد. إذ تحلم الإمارة أيضا بأن تصبح أهم مركز لتعاملات الأسهم في الشرق الأوسط بتدشين مركز دبي المالي الدولي. ويتوقع ألا يقل عدد الأشخاص الذين سيعملون في هذا المركز المالي الضخم الذي سينشأ في عام 2006 عن 50 ألف شخص. ولاستقبال كل هذا الحشد يجب أن يتم ضخ أكثر من 4 مليارات دولار في البنية الأساسية لتوسيع مطار دبي.
إن الرؤية الإستراتيجية لدبي تعتمد كثيرا على توقعات بخصوص ما سيحدث في المستقبل. وهي تأمل أن تصبح دبي أكثر المدن أمنا في العالم، حيث لن يوجد مكان للتسول أو الإجرام. وهي توقعات متفائلة جدا، إلا أنها مازالت محفوفة بالمخاطر.