- تحقيق استغرق 4 أشهر ليكشف كيف ولد أكبر تكتل لمتضرري العقارات الخارجية
- متوسط استثمار كل متضرر 50 ألف دولار تبخرت في عقارات وهمية
- بيوت محملة بالضرائب.. وعند خصم الضريبة يقل العائد كثيراً
- إغراءات بعوائد 20% وأكثر تبين لاحقاً أنها «أضغاث أحلام»
- انتظار الشباب الكويتي لبيت العمر يدفعهم للخروج والوقوع بالفخ
- الكاش الكبير وقلة الفرص تخلق «بونزي سكيم».. والقصة ستتكرر بطرق أخرى
- هل يعقل وجود إعلان عن عقار بعائد دقيق مثل 25.3%.. وأي مجنون يصدقه؟!
أحمد بومرعي
عاشت «الأنباء» أكثر من 4 أشهر واحدة من أعقد القصص المالية التي راح ضحيتها مئات الكويتيين والمقيمين في الكويت بعد شرائهم عقارات في الخارج، وسط وعود شركات عقارية بعوائد مرتفعة، تبين لاحقا أن أغلبها غير موجود على أرض الواقع.
بدأت القصة عندما تتبعت «الأنباء» حسابات شخصية للمتضررين على «تويتر» يشتكون من تأخر شركات عقارية في دفع عوائد استثماراتهم العقارية.
اهتدى حسن البحراني، وهو أحد المتضررين، الى طريقة لتجميع وتنسيق هؤلاء المتضررين في هاشتاق على «تويتر»، حيث دعاهم الى التجمع عبر «الواتساب» لتنظيم أنفسهم. لاقت الدعوة تجاوبا من أكثر من 30 متضررا، ومن هنا دخلت «الأنباء» في مجموعة «الواتساب» لتتابع عن قرب عشرات القصص المليئة بالتشابك بين الطمع الشخصي والتلاعب والغش التجاري وضعف الرقابة.
قصص المتضررين
يروي أحد المتضررين ويدعى بدر (45 عاما) قصته عندما كان يتجول في احد المعارض العقارية الكويتية وصادفه اعلان لإحدى الشركات عن عوائد تفوق 20% سنويا عند شرائه عقارا في أميركا. أجرى حسبته فوجد أن الاستثمار مجد خصوصا أن مدخراته في البنك لا تحقق أكثر من 2% عائدا سنويا. وضع الإعلان صورة لبيوت بحالة جيدة في أميركا مع كثير من المؤثرات البصرية، أبهرت بدر وكثيرين غيره الذين رووا القصة نفسها، ووجدوا فرصة لن تعوّض بامتلاكهم منزلا في أميركا مع عائد ممتاز.
ويقول الإعلان أيضا إن الشركة العقارية ستكون الوسيط الذي سيهتم بكل شيء، وما على المستثمر سوى الجلوس مرتاحا في منزله في الكويت مقابل أن تقوم الشركة بشراء العقار وتخليص المعاملات القانونية وتحصيل العوائد الشهرية التي هي عبارة عن ايجار المنزل، وصيانة العقار وتحويل الأموال. «كل هذه الخدمات مقابل 20% عائدا يبدو الإغراء لا يمكن مقاومته اليوم»، حسب متضرر آخر، والذي قام بجهد إضافي عندما دخل موقع وزارة التجارة والصناعة للتأكد من قانونية الشركة، فوجد أن كل شيء رسمي لا غبار عليه.
متضرر ثالث ذهب الى الشركة، فأبهره الديكور الفاخر وحسن الاستقبال والكلام المعسول الذي تقوله وسيطة عقارية، حسنة المظهر، لترغبه في الاستثمار، وأمام كل هذه البروباجندا وضع أمواله. من طرق الاغراء أيضا، حسب روايات المتضررين، هو استخدام أسماء سياسية وشخصيات اجتماعية واقتصادية مرموقة سبق أن استثمرت في الشركة مع اظهار وثائق تثبت ذلك. من مفارقات قصص المتضررين أن أغلبهم جامعيون وبعضهم محامون ورجال أمن تعاملوا مع قصص النصب والاحتيال لسنوات طويلة وعلقوا في فخ العقارات الخارجية!
التعارف وتشكيل تكتل
شيئا فشيئا تعرف المتضررون على بعضهم البعض، وأدركوا أن قصصهم متشابهة وأنهم وقعوا في عملية نصب منظمة.
بدأت الاجتماعات بين المتضررين، التي حضرتها «الأنباء»، ودخل المحامون المتطوعون لمساعدة هؤلاء، ومن بينهم المحامي عبدالله الذياب الذي يقول لـ «الأنباء» انه تمكن من حصر مشاكل المتضررين ووجدها تنقسم الى ثلاثة:
٭ الأولى، هي مشكلة الذين اشتروا منازل في أميركا عن طريق الشركة العقارية الوسيطة وسجلت باسمهم، لكنهم اكتشفوا لاحقا ان العقار عبارة عن خردة لا يمكن بيعه او السكن فيه ومتواجد بمناطق تكثر فيها الجريمة.
٭ الثانية، هي مشكلة الذين تسلموا منازل تبين لاحقا انها محملة بالضرائب وعوائدها تقل كثيرا عن المتفق عليه بعد خصم الضريبة.
٭ والفئة الثالثة الأكثر تضررا التي دفعت ثمن المنازل لكنها لم تحصل على وثائق، وهي فئة تصنف في خانة المنصوب عليها.
الى مكتب الذياب، انضم محامون كثر لمساندة التكتل مثل مكتب مشاري العصيمي والمحامي علي العطار، ويقدر المحامون متوسط الاستثمار للشخص عند خمسين ألف دولار مقابل عقار واحد، في قضية تقارب 150 مليون دولار لمئات الضحايا.
التوجه للقضاء
واستمرت الاجتماعات بين المتضررين الذين زاد عددهم إلى 76 آنذاك، ونظموا انفسهم أكثر فأكثر. واستقر الرأي بين المجتمعين ومحامي التكتل إلى ضرورة تقديم شكوى للنائب العام تتهم إحدى الشركات بغسل الأموال بعد أن جمعوا بعض الحقائق حول ذلك.
كان الغرض من تقديم الشكوى تشكيل رأي عام، خصوصا أن قصتهم تزامنت مع قصة لشركات عقارية أخرى في السوق، أخذت أبعادا كبيرة أيضا، حيث اكتشفت النيابة العامة وجود عمليات غسل أموال في الشركة أوقفت على اثرها المسؤولين فيها وحجزتهم على ذمة التحقيق.
وقد أحالت وزارة التجارة شركات عدة إلى النيابة للتحقيق في عمليات نصب وغسيل أموال. حتى الآن ما زالت قضية تكتل المتضررين في النيابة، لكن التكتل تابع مشواره في القضية واستمر في البحث عن حقائق أخرى في الكويت وأميركا ليقدمها في شكاوى أخرى.
في اتصال أجرته «الأنباء» مع مسؤول في إحدى الشركات المتهمة، قال انه «وقع بدوره في عملية نصب من قبل إدارة تنفيذية سابقة سرقت أموال الشركة وأنه يحاول جاهدا لكي يحل الأزمة وأن الأمور معقدة بين الكويت وأميركا، لكنه واثق من الوصول إلى الحل».
الرهن العقاري يصل الكويت
يقول المتطوع في الحملة ناصر البرغش انه أجرى بحثا عبر شركة استشارية متخصصة بالعقارات واكتشف من خلال الوثائق أن البيوت التي بيعت على المتضررين كانت عبارة عن منازل حجزت عليها البنوك الأميركية إبان أزمة الرهن الأميركية قبل 10 سنوات، وتمكنت بعض الشركات العقارية، ومنها الشركة التي تعامل معها، من شراء البعض منها وإعادة بيعها في السوق الكويتية مقابل عوائد، لكن هذا الأمر لم يحصل لأنها بيوت محملة بالضرائب والفواتير المتأخرة وتقع بأماكن «غيتو» صعب الدخول اليها.
متطوعون
ويحاول عباس الشواف أن يشرح ما جرى لهؤلاء المتضررين، وعباس هو متطوع في حملة تكتل المتضررين ولديه خبرة سابقة في الحملات الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي اكتسبها من خلال عمله كمتطوع في حملة #وطن_بالايجار، وهي حملة شعبية قادها عباس ومجموعة من الشباب الكويتيين بغرض الضغط على الحكومة لإيجاد منازل للمواطنين وتخصيص أراض جديدة لهم بعد أن اضطر المواطن الكويتي الى انتظار اكثر من 10 أعوام للحصول على قسيمة للبناء عليها او منزل حكومي جاهز.
ويقول الشواف إن «هؤلاء المتضررين الشباب لم يجدوا مسكنا في بلدهم، فاضطروا الى شراء مسكن لهم في الخارج.. هذا الأمر حصل بسبب سياسة الحكومة في عدم الإسراع في تأمين منزل لشباب تضيق أمامه فرص الاستثمار داخل بلده». للعلم، ان حملة #وطن_بالايجار الى جانب حملة #ناطر_بيت تمكنتا من الضغط على الحكومة وتسريع ملف الإسكان بالبلاد وتخفيض أسعار العقارات السكنية بنسبة 13% العام الماضي.
أزمة اقتصاد .. وتجاوب حكومي
يقول المحلل المالي والمدير العام لشركة الأجيال القادمة عيد الشهري ان المشكلة في الاقتصاد الكويتي وجود كاش كبير لدى الناس وقنوات استثمارية قليلة، وهو ما يفتح في كل مرة فرصا لبعض المحتالين الذين يستغلون الفجوة ويكسبون على حساب قليلي الخبرة بالاستثمار وطرق «بونزي سكيم» التي تتكرر في اقتصاد.
ويضيف انه يتذكر انه وجد اعلانا في شارع قريب من منزله لشركة عقارية تعد بعائد استثماري 25.3%، ويقول ان أي شخص صاحب خبرة بسيطة في عالم المال يدرك انه لا يمكن تحقيق عوائد بهذه الدقة وان القصة برمتها مجرد «تلبيس طواقي» بين المستثمرين على طريقة «بونزي». وينصح الشهري بحل هذه الأزمة عن طريق توقيف هذه الشركات سريعا وتدخل حكومي لإيجاد مخرج للضحايا.
وينصح أيضا بالبدء في البحث عن كيفية إيجاد استثمارات بديلة للناس لأن هذه الأزمة ستكرر بشكل آخر، فقبل 10 أعوام كانت في البورصة ثم لاحقا في العقار والآن بالعقار الخارجي، ومن الأفكار التي يقدمها الشهري بطرح مثلا شركات نفطية منتجة في البورصة تمكن من لديهم الكاش من استثمار أموالهم فيها، فتنفع الحكومات بالحصول على سيولة وتنفع الأفراد في المشاركة في الثروة الأكبر للبلاد.
المؤازرة الإعلامية لقضية هؤلاء المتضررين، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، ووقوف المحامين معهم، أعطتهم دافعا إيجابيا للاستمرار في الدفاع عن حقوقهم، حيث استمروا في التجمع والتنسيق ونشر اخبارهم في المواقع.
ووصلت رسالتهم إلى وزير التجارة والصناعة الجديد خالد الروضان الذي دعا عبر «تويتر» التكتل إلى الاجتماع به وشرح قصتهم. ويقول البحراني الذي اصبح منسقا عاما للتكتل انه بعد عرض القصة على الوزير في لقاء خاص، حثهم على رفع شكوى يوضحون فيها المشكلة ويوقعون عليها على أن يرى الأمر من جهته بعد ذلك.
واصدر الوزير الشاب مؤخرا قرارا بتشكيل لجنة وزارية متمثلة بوزارة التجارة والبلدية لمداهمة الشركات العقارية محل الشك في عملها.
واعتبر البحراني ذلك الأمر إيجابيا حيث يكشف عن اهتمام حكومي بقضيتهم، وأنه يمكن الوصول إلى غايتهم اذا تحركت القضايا من كل حدب وصوب.