-
الكويت تحولت من أولى الدول في مؤشر الشفافية إلى القاع مع الدول المسحوقة والديكتاتوريـة
-
المناخ السائد أصبح غير جاذب لرؤوس الأموال الوطنية فكيف سيكون جاذباً لرؤوس الأموال الأجنبية؟!
-
آفة الفساد لا تحارب جيداً لا في القطاع العام ولا الخاص مما أظهر «الرشوة» بشكل كبير
أحمد مغربي
مع اندلاع الأزمة الاقتصادية التي لم تنته فصولها بعد وتداعياتها الفادحة على الاقتصاد المحلي باتت مسألة الشفافية في المعاملات الاقتصادية أهم من أي وقت مضى إذ أكدت الأزمة ضرورة نشر احصاءات وأرقام صحيحة في كل الظروف سواء الايجابية أو السلبية وذلك لتفادي أي خسائر قد تنجم عن حجبها.
ويلاحظ أنه في السنوات القليلة الماضية أصبحت الكويت دولة غير جاذبة لرؤوس الأموال الوطنية، فكيف ستكون جاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية في ظل المطالب العديدة لجعلها مركزا ماليا وتجاريا في المنطقة؟
وللأسف تعاني الكويت بشكل عام من نقص الشفافية التي وضعت الاقتصاد في نفق مظلم حوّل الكويت الى بلد طارد للاستثمار وغير مرغوب فيه وذلك مقارنة ببعض الدول الخليجية المجاورة والتي أخذت خطوات جبارة في تحقيق التحول إلى مركز مالي وتجاري فعال ومؤثر في المنطقة مثل دبي والبحرين.
ولكي نقف بشكل محايد لنعرف الأسباب التي أوصلتنا الى هذا الوضع والذي أصبحنا من خلاله طاردين للاستثمار بفضل نقص الشفافية وأسباب أخرى عديدة لم نستطع طرحها حاليا وان نعرف الحلول الممكنة لكي نصل الى أفضل الحلول حيث انه من الخطأ ان ندع الأزمة المالية تمر مر الكرام دون أن نقف على إفرازاتها المباشرة على الاقتصاد المحلي وان نتعلم منها دروسا عديدة تحصنا ضد أي أزمة مالية قد تحدث في المستقبل.
فالتقرير الأخير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية بيّن أن الكويت تراجعت في التصنيف العالمي للعام الماضي 5 مراكز لتحل في المرتبة الـ 65، بعد أن كانت في المركز الـ 60 على مؤشر عام 2007.
وجاء في التقرير تراجع كبير للكويت التي كانت تحتل منذ أربعة أعوام المرتبة الأولى خليجيا وعربيا، وهذا ان دل فإنما يدل على أن الكويت لا تحارب آفة الفساد جيدا في القطاعين العام والخاص.
ويمثل عامل الشفافية للمؤسسات العالمية أهم عنصر لمدى تمتع أي دولة بالشفافية في القوانين والقدرة على جذب الاستثمارات الأمر الذي يجعل من أي دولة تحتل مراتب متقدمة في الشفافية أهدافا للاستثمارات الأجنبية.
والكل يعلم أن الكويت كانت تحتل المراتب الأولى عربيا وخليجيا على مؤشر الشفافية حيث احتلت من أربع سنوات المرتبة الأولى على المؤشر العربي والخليجي والمرتبة الـ 40 عالميا ولكن وضع البلد وتدهوره خلال السنوات الماضية قهقر هذه المراتب إلى القاع لكي نكون بجوار كوبا التي تتفشى فيها الديكتاتورية والفساد.
والأسباب الحقيقة التي أوصلتنا إلى هذا الوضع المبكي هو التناحر المستمر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والذي شهد سجالا كبيرا بينهما خلال السنوات الخمس الماضية التي تقهقر فيها مؤشر الشفافية الكويتي إلى القاع مع الدول المسحوقة عالميا.
ولا يخفى على الكثيرين أن الكويت تعاني من ثغرات عديدة كان من المقدر أن يكون لها مستقبل مغاير تماما لما تفرضه الأزمة الراهنة من واقع، اذ تبوأت في فترات سابقة مكانة جعلتها ملتقى لمعظم استراتيجيات الاستثمار على المستوى العالمي، وتوقعت لها هذه الاستراتيجيات ان تصبح البلد الأول لاستقطاب الاستثمارات العالمية أو ما يسمونها «التورتة الاستثمارية».
خطة الطريق
وخلال ازدهار المنطقة على مدى 6 سنوات ارتفعت فيها أسعار النفط، لم تكن البيانات الاقتصادية المتفرقة التي تصدرها هذه الدول تثير التساؤلات بين المستثمرين المعتادين على التعامل مع النظم الكتومة محليا، وكانوا يبنون قراراتهم الاستثمارية على قوة أسعار النفط وليس على درجة الشفافية، واغفلوا أن عدم توافر بيانات دقيقة وفي مواعيد مناسبة، سيقوض جهود المنطقة في إقناع العالم الخارجي باستمرارية النمو الاقتصادي المحلي.
مدركات الفساد
ومع هذه الأرقام السلبية تأتي رياح الاصلاح بما لا تشتهي السفن فأداء الكويت مازال غير مقنع في محاربة الفساد بالمعاملات الرسمية وذلك وفقا لتقرير مدركات الفساد لعام 2008 الصادر من منظمة الشفافية الدولية، فتراجع ترتيب الكويت 5 مراتب إلى المركز الـ 65 عالميا وليس غريبا ان نشاهد قطر في هذا الصدد في المرتبة الأولى عربيا.
بدورها نالت الامارات المرتبة الـ 35 عالميا ثاني أفضل نتيجة بين دول مجلس التعاون والدول العربية وعليه واصلت الامارات سلسلة تأخرها بعد أن حلت في المرتبة الـ 34 في تقرير عام 2007، فضلا عن المرتبة الـ 31 عالميا في تقرير عام 2006. وكانت الامارات قد حظيت بالمرتبة الأولى خليجيا وعربيا في عام 2006 بحلولها في المركز الـ 31 عالميا. في المقابل، حققت عمان قفزة نوعية في ترتيبها متقدمة 12 مرتبة في غضون سنة واحدة إلى المركز رقم 41 دوليا. بدورها تقدمت البحرين ثلاث مراتب إلى المرتبة 43 دوليا على خلفية تعزيز الشفافية في منح المناقصات الحكومية مثل القدرة على تقديم عطاءات إلكترونيا.
«الأنباء» استطلعت آراء عدد من الاقتصاديين عن الأسباب الحقيقة وراء انعدام الشفافية وغياب البيانات التي تصدر من الجهات الحكومية المسؤولة، حيث قال احد الاقتصاديين ان مؤشر الشفافية خرج بالأساس من رحم المؤسسات المالية وهي نتاج خبرات متراكمة لدى هؤلاء المسؤولين الذين انحدر بهم الحال من الأسوأ إلى الأسوأ حتى أصبح هؤلاء المسؤولون بلا حكمة ولا مسؤولية تجاه بلدهم في قيادة هذه المؤسسات الكبرى التي تدير المليارات ولا احد يعرف ادنى معلومة عن هذه الاستثمارات ولا الخسائر التي لحقت بها خلال الأزمة المالية العالمية.
وأوضح أن التشاحن المستمر بين السلطتين هو الذي الذي زاد «الطين بلة» وحول الكويت إلى بلد فقير في الاستثمار في الوقت التي كان في أشد الحاجة إلى مزيد من الاستثمارات داخل الاقتصاد لتوفير السيولة اللازمة لتخطي براثن الأزمة وتجنب آثارها وتداعياتها، مضيفا أن الكويت بصفة عامة تعاني من إطار عمل تنظيمي وتشريعي غير جيد للتعامل مع الانكماش الاقتصادي الذي فرضته الأزمة الاقتصادية والذي من شانه دفع العديد من المستثمرين إلى الخارج بحثا عن فرص استثمار أفضل وفصول تشريعية منقحة لم يجدوها في الكويت التي ما زالت تشريعاتها وقوانينها المنظمة للاقتصاد متخلفة.
وبين اقتصادي آخر أن المشكلة تكمن في نقص الشفافية وان خطة الطريق الوحيدة الممكنة متوافرة فقط لدى صناع السياسة العامة وأمام المستثمرين هامش وضوح محدود عن كيفية سير اللعبة، مشيرا إلى انه إذا ما نظرنا إلى المسألة من زاوية الاقتصاد الكلي، وبما أن المنطقة قد تمكنت من ادخار ما يقارب 70% من مكاسب الفورة النفطية، فإن هناك ادخارات وفيرة يمكن الخروج منها بخطة إنقاذ موثوق بها، ولذلك يتعين على دول الخليج أن تبدأ في نشر بيانات اقتصادية دورية لإقناع المستثمرين القلقين من تراجع أسعار النفط والأزمة المالية العالمية بأن هذه الدول مازالت وجهة جيدة للاستثمارات.
وأضاف أن الاستقرار السياسي والاقتصادي يقوم بدور كبير في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، منوها بالجهود الأخيرة التي قام بها فريق التعامل مع الأزمة المالية العالمية الذي شكلته الحكومة برئاسة محافظ «البنك المركزي»، والذي كان له دور إيجابي في مجال إعادة جزء من الثقة.
إلا أن احد الاقتصاديين الذين استطلعت «الأنباء» آراءهم قال ان الأزمة المالية قد تعمل كمحفز للكويت وان تسعى إلى تحسين نوعية ومواعيد اصدار بيانات المؤشرات الاقتصادية وذلك في خطوة حثيثة منها في إطار تحضيرها للوحدة النقدية الخليجية، والتي قد تتأخر كثيرا عن الموعد المقرر في عام 2010 وذلك لنقص المعلومات اللازمة عن كل دولة كحساب التضخم وأسعار المستهلكين.