هشام أبوشادي
هل انفجرت فقاعة دبي التي اطلقت عليها منذ بداية نهضتها التنموية ام ان اعلان حكومة دبي عن تأجيل استحقاقات سداد بعض القروض لا يعني انفجار الفقاعة؟
في بدايات عمليات التنمية الشاملة التي كانت تقوم بها حكومة دبي، كان رجال الاعمال في الكويت ينظرون اليها على انها حلم يصعب تحقيقه وكانوا لا يعيرونها اي اهتمام حتى انهم وصفوها بأنها مجرد فقاعة سرعان ما ستنفجر، الا ان السباق المحموم والدقة في التنفيذ للمشاريع الضخمة وسرعة الانجاز ادت الى جذب امارة دبي لمليارات الدولارات للاستثمار فيها من كل انحاء العالم الى ان تحولت دبي مثالا يضربه رجال الاعمال في الكويت يجب ان تحتذي به حكومة الكويت، وبدأت التدفقات المالية الكويتية تتدفق بقوة للاستثمار في دبي، حتى انهم لجأوا الى التماس الواسطة من حاكم دبي او المقربين منه للاستثمار فيها، ووصل الامر الى قيام احدى الشركات بالاعلان عن دخولها في مشروع في دبي حتى وان كان صغيرا الذي يعد مفتاح السحر لرفع سهمها في البورصة، بل وصلت قمة السباق لدى الشركات الكويتية بالتفاخر بإدراج سهمها في سوق دبي وكأنه ادرج في اسواق نيويورك الاميركية، وتحولت الاموال الكويتية او جزء كبير منها للاستثمار في سوق دبي، وتكالبت الشركات لتأسيس صناديق استثمارية للاستثمار في اسواق الخليج، الا ان الجزء الاكبر من هذه الاموال كان يوجه لسوق دبي.
إقراض ثم إقراض
وفي ظل ضعف الموارد المالية لامارة دبي، كان المسؤولون هناك يلجأون الى البنوك العالمية للاقتراض لتمويل المشاريع ذات المصطلحات الرنانة مثل: اكبر ناطحة سحاب، اكبر المدن في الصحراء، جزر العالم وغيرها، الامر الذي دفع حجم القروض التي اقترضتها الامارة الى اكثر من 80 مليار دولار منها نحو 59 مليار دولار على شركة دبي العالمية التي استحوذت على اصول ضخمة في مختلف دول العالم عبر الاقراض، وحوالي نصف هذه القروض حصلت عليها الشركة من بنوك في بريطانيا.
ومع سرعة الانجاز والدقة في التنفيذ للمشاريع والسمعة التي حصلت عليها امارة دبي عالميا والتي تجاوزت شهرتها اسم دولة الإمارات نفسها، وصف حاكم دبي بأنه الرجل القوي في الامارات، ولكن لكل تجربة ناجحة جوانب الفشل في اسباب النجاح نفسها، ومن ابرز العوامل التي ساعدت في الازمة، التي تعرضت لها امارة دبي انها قامت بتنمية نفسها وسمعتها على الافراط الشديد في الاقراض، وكذلك اسلوب الادارة لإمارة دبي الذي يمكن وصفه بأنه اقرب لإدارة شركة منه لإدارة إمارة، فقد كان هناك غياب واضح لنظام الحوكمة، وضعف في الشفافية والتشريعات التي تدير نظاما اقتصاديا راسخا، بل ان كل شيء كان يتم من خلال التوجيهات الفردية، ومع ذلك فإنه يجب عدم استغلال الأزمة التي تعرضت لها دبي، والتي تعتبر حالة تأجيل لسداد مستحقات مالية وليست ازمة، فحاكم دبي نجح فيما فشلت فيه العديد من دول الخليج التي لديها فوائض مالية ضخمة، الا انها لم تتمكن من احداث تنمية ضخمة كالتي قامت بها امارة دبي، ولولا حدوث الأزمة العالمية لما حدثت ازمة دبي، لذلك يجب عدم النظر الى ما تمر به امارة دبي من منظور التشفي، فلكل جواد كبوة، وستعود امارة دبي للريادة مرة اخرى.
سوق الكويت
تترقب الأوساط الاستثمارية والاقتصادية اليوم الثلاثاء ردود فعل سوق الكويت للأوراق المالية تجاه اعلان حكومة دبي عن تأجيل سداد التزامات مالية مستحقة عليها خاصة ان هذا الاعلان عصف بمعظم اسواق المال العالمية يوم الخميس الماضي وسوقي دبي وابوظبي امس، رغم إجماع الأوساط الاستثمارية الذين تحدثت معهم «الأنباء» على انه قد يكون هناك تأثير نفسي الا انه يجب عدم التضخيم من حجم هذا الحدث وانعكاساته على البورصة الكويتية لأسباب عديدة:
اولا: ان المعلومات الأولية عن البنوك الكويتية التقليدية تشير الى انه ليست هناك انكشافات لها على حكومة دبي، واذا كانت هناك انكشافات فإنها محدودة جدا، اما من جانب البنوك الاسلامية، فإنه ليس مستبعدا ان يكون لبعض البنوك الاسلامية في الكويت انكشافات خاصة تجاه الصكوك الاسلامية التي يجب ان تسددها شركة النخيل العقارية في 14 الجاري والتي يقدر حجمها بنحو 3.5 مليارات دولار،
وقد اعلنت حكومة دبي انه في اطار برنامج اعادة الهيكلة تم تعليق صكوك اسلامية مترتبة على شركة النخيل العقارية بقيمة 3.5 مليارات دولار تستحق في 14 ديسمبر الجاري.
ثانيا: يجب التفريق بين اعلان التأجيل عن السداد وعدم القدرة على السداد او التعثر في السداد، فهناك فرق شاسع بين التأجيل وعدم القدرة على السداد، وما تم اعلانه يتعلق بتأجيل بعض الالتزامات المالية المستحقة، وباعتبار ان اقتصاد امارة دبي يشكل جزءا من الاقتصاد الكلي لدولة الامارات، فان هناك اجماعا من المحللين والاوساط الاستثمارية على ان الحكومة المركزية في ابوظبي ستتدخل لدعم امارة دبي، ويتوقع ان تتضح معالم هذا التدخل قريبا وذلك في اطار عمليات الدعم الذي حصلت عليه دبي من ابوظبي منذ بداية الازمة العالمية، ففي الاسبوع الماضي اعلنت حكومة دبي انها تمكنت من جمع خمسة مليارات دولار من بيع سندات وصكوك اسلامية لبنكين تابعين لحكومة ابوظبي، وهذا يأتي في اطار برنامج السندات الذي اعلنت عنه حكومة دبي والبالغ حجمه 20 مليار دولار، والذي ينقسم الى مرحلتين الاولى تم تغطيتها من قبل المصرف المركزي الاماراتي بقيمة 10 مليارات دولار، والمرحلة الثانية تم تجميع خمسة مليارات دولار منها الاسبوع الماضي من خلال سندات وصكوك، وهذا يأتي ضمن عمليات الدعم التي تحصل عليها حكومة دبي من المصرف الاماراتي وبمعنى اكثر دقة من حكومة ابوظبي.
والجدير بالذكر ان حجم مديونية حكومة دبي يقدر بنحو 80 مليار دولار، منها 13 مليار دولار التزامات واجبة السداد في عام 2010، ونحو 19.5 مليار دولار مستحقة في 2011، علما بان هناك 30 مليار دولار ديونا لصالح بنوك بريطانية، وهو ما اثر على بورصة لندن وتراجع الجنيه الاسترليني.
ثالثا: وقع الصدمة، على الرغم من وقع الصدمة على اغلب الاسواق العالمية الا ان اغلاق السوق الكويتي بسبب عطلة عيد الفطر وكذلك الاسواق الخليجية، سيقلل من وقع الازمة على السوق الكويتي في تعاملات اليوم (الثلاثاء) وان كانت التوقعات تشير الى ان سوقي دبي وابوظبي سيشهدان هبوطا كبيرا، وسيترك ذلك تأثيرا نفسيا على السوق الكويتي الذي بدا يشهد تعافيا خاصة في تعاملات الاربعاء الماضي، وهذا التعافي من المفترض ان تحافظ عليه المجاميع الاستثمارية حتى تستوعب الازمة النفسية لتدعيات ازمة دبي خاصة وان من صالح المجاميع الاستثمارية دعم السوق في هذه الازمة تحديدا للتخفيف من وطأتها باعتبار ان المحافظة على رفع قيم اصولها ستخفف من ضغوط البنوك عليها.
قطاع البنوك وتداعيات دبي
هناك اجماع بين الاوساط الاستثمارية على ان هناك تداعيات لازمة دبي على ثلاثة قطاعات أساسية هي البنوك وقطاع الاستثمار والعقار.
وبالنسبة لقطاع البنوك، فإنه في الوقت الراهن قد جاء اعلان البنك المركزي ليوضح حجم انكشافات البنوك الكويتية على حكومة دبي، على الرغم ان هناك بعض البنوك الكويتية التقليدية اكدت لـ «الأنباء» انه ليس لديها انكشافات على حكومة دبي أو الشركات التابعة لها.
قطاع الاستثمار
سيتأثر قطاع شركات الاستثمار في الكويت بأزمة دبي التي جاءت لتزيد من الوضع الكارثي لهذا القطاع الذي يعاني من عدم القدرة على سداد قروض تقدر بحوالي ستة مليارات دينار، وعلى الرغم من ان قطاع الاستثمار يواجه أزمة كبيرة، خاصة بعض الشركات التي لها استثمارات خارج الكويت وتحديدا في الامارات، وخاصة في دبي، الا ان ازمة دبي جاءت لتعمق أزمة شركات الاستثمار للأسباب التالية:
أولا: ان هناك عددا لا بأس به من الشركات الاستثمارية الكويتية مدرجة في سوقي دبي وأبوظبي، ومع الهبوط القوي للسوقين امس، فإن ذلك سيؤثر على اسعار اسهم هذه الشركات في السوق الكويتي، وقد اغلق سوق دبي على انخفاض بنسبة 7.3% وأبوظبي بنسبة 8.3%.
ثانيا: اكثر الشركات التي ستتأثر بأزمة دبي، هي الشركات التي دخلت في مشاريع استثمارية ضخمة في دبي، وهذه الشركات تواجه صعوبة شديدة اصلا، وبعضها لايزال متوقفا عن التداول بسبب عدم الاعلان عن ميزانية عام 2008 حتى الاعلان في الوقت الذي شارف فيه عام 2009 على نهايته.
قطاع العقار
في فترة من الفترات، كان المسؤولون في شركات العقار يضربون بامارة دبي المثل في القدرة على تحقيق اعلى معدلات الارباح لاستثماراتهم العقارية هناك، الامر الذي دفع الشركات العقارية الكويتية المدرجة وغير المدرجة لخوض سباق محموم للاستثمار في دبي وايضا الادراج في سوقها المالي، لذلك فإن وطأة ازمة دبي ستكون شديدة على الشركات العقارية الكويتية، خاصة التي دخلت في مشاريع عقارية ضخمة هناك، الا ان هناك من يرى ان هذه الشركات تأثرت في الاصل قبل الاعلان عن ازمة دبي، وان استثمارات هذه الشركات في قطاع العقار ليست لها علاقة بعجز الشركات التابعة لحكومة دبي عن سداد قروض مستحقة عليها، لكن في الوقت نفسه ستتأثر قيم اصول هذه الشركات من جهة ومن جهة اخرى ضعف القدرة الشرائية على الاصول العقارية في دبي، وتضاف هذه التداعيات الى تداعيات السوق المحلي الذي يعاني من هبوط في قيم الاصول العقارية بشكل كبير وصعوبة شديدة في تسييل الاصول العقارية، وهو ما يزيد من الصعوبات التي تواجهها الشركات العقارية في القدرة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه البنوك، حيث تقدر قروض الشركات العقارية المدرجة بحوالي 1.8 مليار دينار.
المحفظة الحكومية
هناك اكثر من مليار دينار سيولة مالية ضمن رأس المال الذي حدد للمحفظة الحكومية والبالغ 1.5 مليار دينار يجب استغلال جزء كبير منها في تعاملات البورصة اليوم الثلاثاء لاستيعاب تداعيات ازمة دبي على السوق الكويتي الذي شهد نشاطا ملموسا في تعاملات الاسبوع الماضي، خاصة ان الحالة النفسية التي سادت الاوساط الاستثمارية خلال عطلة عيد الاضحى والهبوط الحاد لسوقي دبي وابوظبي امس قد يدفعان لعمليات بيع عشوائي ستؤثر بشدة على البورصة الكويتية التي تحتاج الى تدخل قوي من الحكومة ودعم من المجاميع الاستثمارية لاسهم شركاتها، خاصة مع اقتراب عام 2009 من نهايته وحاجة المجاميع الاستثمارية لرفع قيم اصولها لتحسين ميزانياتها بقدر الامكان.
«الوطني» غير منكشف على شركات دبي
اكد الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني ـ أكبر البنوك الكويتية ـ ابراهيم دبدوب عدم وجود اي تعرض او انكشاف لبنك الكويت الوطني على كل من مجموعة دبي العالمية وشركة نخيل المملوكتين لحكومة دبي وذلك في اعقاب الاعلان الاخير عن طلب الشركتين تأجيل سداد ديونهما، مشيرا الى ان البنك الوطني ليس لديه ايضا انكشافات على اي من الشركات التابعة لحكومة دبي.
وأوضح دبدوب انه بالرغم من وجود فرع لبنك الكويت الوطني في دبي، الا ان البنك ليس لديه اي انكشافات او تعرض على اي من المؤسسات او الشركات التابعة لحكومة دبي.
من ناحية اخرى اشار دبدوب الى الجهود الحثيثة التي يبذلها بنك الكويت المركزي وحرصه على متابعة تطور الازمة في دبي وتواصله الدائم مع البنوك الكويتية منذ اندلاعها.
.. و«بوبيان» : ليس لدينا أي تعرض
أكـد الـرئـيس التنفيذي لبنك بوبيان عادل الماجد عدم وجود اي تعرض او انكشاف لبنك بوبيان على كل من مجموعة دبي العالمية وشركة نخيل المملوكتين لحكومة دبي وذلك في اعقاب الاعلان الاخير عن طلب الشركتين تأجيل سداد ديونهما.
ومن ناحية اخرى اشار الماجد الى جهود بنك الكويت المركزي الواضحة وحرصه على متابعة التطورات المرتبطة بالأزمة المالية في دبي وتواصله مع البنوك الكويتية في هذا الشأن.
.. و«الأوسط»: لا انكشافات على شركات دبي
صرح بنك الكويت والشرق الاوسط بانه لا يوجد لديه اي انكشاف على شركتي دبي العالمية والنخيل العقارية حيث لم يقم البنك باي عملية اقراض مباشر او اكتتاب في اي من ادوات الدين التي اصدرتها تلك الشركات، وقد جاء ذلك تعقيبا على قيام مجموعة دبي العالمية وشركة النخيل العقارية بمطالبة دائنيهما بتجميد مطالبات السداد وتأجيلها الى مايو 2010 حيث تمثل ما يقرب من 59 مليار دولار من اجمالي ديون الامارة البالغة نحو 80 مليار دولار. وذكر الاوسط في بيان صحافي أمس ان البنك يركز بناء قاعدة اصوله على تمويل قطاعات الاقتصاد الوطني المنتجة وذلك وفق سياسة ائتمانية متحفظة وبما يتماشى مع تعليمات بنك الكويت المركزي في ذلك الشأن مما يجعل البنك في مأمن من تداعيات الازمات المتلاحقة سواء على الصعيد العالمي او الاقليمي أو المحلي. ويأتي هذا التصريح في اطار تعامل الاوسط مع مثل هذه الامور بشفافية مطلقة وذلك تفاديا لأية ردود فعل مبالغ فيها وغير مستحقة حيث ان الوضع على الصعيد المحلي يختلف تماما عن وضع بعض البنوك العالمية والتي لديها انكشافات كبيرة لدبي العالمية، كما ان الاقتصاد الكويتي لديه من المقومات التي تجعله بمنأى عن تداعيات تلك الازمات المتلاحقة.