بقلم: المستشار عادل عثمان الحيدر
لامست الليرة التركية أدنى مستوى على الإطلاق عند 4.0852 ليرة للدولار، بينما هوت إلى مستوى قياسي مقابل العملة الأوروبية الموحدة عند 5.03 ليرات لليورو. وانخفضت الليرة أكثر من 10% مقابل الدولار هذا العام وارتفعت العوائد على سندات الديون العشرية التركية إلى مستويات قياسية مع تسارع التضخم إلى 10.9% وتوسع عجز الحساب الجاري إلى نحو 6% من الناتج المحلي الاجمالي. بالاضافة الى فقدان سوق الأسهم نحو 20% من قيمتها بالدولار.
ان الانخفاض الكبير الذي وصلت إليه الليرة بعد الإعلان عن الانتخابات المبكرة، يأتي نتيجة لهذا الإعلان قبل الذهاب إلى الانتخابات، وهذه الفترة الزمنية حتى صدور نتائج الانتخابات، ستعتبر الأصعب على البلاد وهذا يفسر الدعوة الى انتخابات مبكرة بالبلاد.
ودعوني أبدأ بالسمات البارزة للاقتصاد التركي. عانت البلاد دائما من انخفاض معدل الادخار، لطالما كانت تركيا تعاني من عجز في الحساب الجاري. وبما أنها لا تملك الموارد الكافية لتمويل نموها، فقد اقترضت دائما من الأجانب. هذا هو فقط كيف يتم بناء البلاد. لذلك، إذا نمت تركيا بمعدل باهظ، فإنها تحتاج إلى اقتراض أكثر. وهذا يعني أن معدل النمو بنسبة 7.4% ستكون له عواقب حتمية. كل هذا بحد ذاته لا يمكن أن يكون سببا لانخفاض قيمة الليرة. لا يتعلق الأمر بتسريع النمو في حد ذاته، بل تسارع في البيئة العالمية والإقليمية الحالية مع السياسات الاقتصادية الحالية. انتقلت الأسواق المالية من التيسير الكمي (QE) إلى التضييق الكمي (QT)، هذا هو جحيم التغيير.
وجاء في تحليل حديث للبنك الأميركي أن «التسهيلات الكمية هي فترة مليئة بالكثير من المال الذي يطارد عددا قليلا من السندات في حين أن كيو تي هو عكس ذلك»، وهذا يعني ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع تكاليف التمويل. هذا ليس جيدا بالنسبة لبلد يحتاج إلى الاقتراض لكي ينمو، يعني الاقتراض دائما أن تكون أكثر عرضة للخطر. بحكم التعريف، فإن الحاجة إلى اقتراض المزيد الآن يجعل بلدك أكثر ضعفا.
ان تراجع الليرة التركية أمام الدولار إلى مستويات قياسية، يمكن ان يفسر دون الاسهاب في التفاصيل على اساس العوامل التالية:
٭ ارتفاع فاتورة المستوردات من الطاقة مع تعافي سوق النفط.
٭ مقدار الدين الهائل للقطاعين العام والخاص واضطرارهما لتحمل زيادة رأسمالية في خدمة الدين بسبب انخفاض اسعار الصرف.
٭ تباطؤ الائتمان من قبل الجهاز المصرفي والنظام المالي بالبلاد.
٭ الظروف السياسية بالمنطقة بالاضافة الى الانقلاب الذي زعزع منسوب الثقة لدى المستثمرين وهروب مؤثر لرأس المال.
نظريا، انخفاض قيمة العملة له تأثير مباشر على زيادة الطلب على الصادرات التركية وزيادة هائلة على الاصول المنقولة وغير المنقولة لما يمثله انخفاض اسعارها من قوة جاذبة للطلب الاجنبي. ولكن على ارض الواقع، ان عدم الاستقرار النقدي يمثل قوة طاردة للاستثمار وبالتالي فإن الدعوة للانتخابات المبكرة على امل ان يستطيع الحزب الحاكم ان يحقق اجماعا قويا في مجلس الامة قد يولد اجماعا تلقائيا على ادوات السياسة النقدية التي ستوفر الاستقرار على المدى المتوسط. من ناحية أخرى هناك تضخم يقلل من تأثير تخفيض قيمة العملة على الميزان التجاري، لأن التضخم هو زيادة في أسعار التصدير وهذا أدى إلى انخفاض في الصادرات وزيادة الواردات، مما يخلق العجز التجاري في نهاية المطاف، بالإضافة إلى الزيادة في سعر الصرف الحقيقي هو زيادة في أسعار السلع الأجنبية، وهذا سيقلل الواردات ويرفع الصادرات، ويؤدي في النهاية إلى زيادة الفائض في الميزان التجاري.
ان القراءة العميقة لمجريات الامور على الساحتين الاقتصادية والسياسية التركية تدفعنا نحو تنبؤات متباينة ومشروطة في آن واحد، حيث انه اذا ما تم التوصل الى نتائج مرضية للانتخابات بالاضافة الى حدوث بعض الانفراج في قضايا الشرق الاوسط المعقدة فإن الاستقرار السياسي سيدفع نحو استقرار ونمو اقتصادي. وبما ان جميع المؤشرات تذهب الى تحقيق الحزب الحاكم لاغلبية في المجلس ورئاسة الدولة، فإننا ننظر بعين التفاؤل نحو انفراج في ازمة الليرة التركية. وعليه فإن المستثمرين الكويتيين والعرب بشكل خاص واجب عليهم الا يفوتوا الفرصة الذهبية في انخفاض اسعار الاصول الحقيقية والمالية في تركيا في الوقت الحاضر. وبالطرف الآخر، يجب على المستثمرين الحاليين عدم تصفية استثماراتهم هناك بل عليهم ان يتوسعوا من خلال استغلال الرخص والتصاريح الاستثمارية لديهم والحوافز الحالية المعروضة من الحكومة التركية، كما يجب الا نغفل عن الارباح الرأسمالية التي ستتحقق في حال تعافي سوق الاوراق المالية التركية حيث ان هامش الارتفاع قد يصل الى 30% من القيمة الحالية للاسهم.
ستظل تركيا قبلة سياحية محببة لدى الكويت والعرب لما يربطهما من علاقات تاريخية، وبالتالي ستظل مركزا جذبا للاستثمارات العقارية ذات العائد المرضي خاصة مع الانخفاض الهائل لاسعار العقارات هناك حاليا في ظل تراجع قيمة الليرة، وهنا نخلص الى القول ان رب ضارة نافعة، حيث ان الانخفاض الكبير في قيمة العملة اصبح ميزة ايجابية للمستثمرين والسياح وطلبة العلم وشرائح اخرى من المجتمع.