ليلى الشافعي
قدم د.عصام البشير استقالته لوزير الاوقاف من منصبه خبيرا بمكتبه، وتأتي هذه الاستقالة على اثر اعفائه من منصبه كأمين عام للمركز العالمي للوسطية.
ويؤكد البشير اخلاصه للرسالة والقضية التي جاء لاجلها وقد جاء في كتاب البشير: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وبعد..
فهذه كلمات اردت ان اعبر عنها في حق مشروع الوسطية والقائمين عليه خلال الفترة التي كنت فيها امين مركزه العام، وبعد ان انتهت علاقتي الوظيفية بهذا الموقع بناء على اعفاء وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية وبعد ان تقدمت باستقالتي من منصبي خبيرا بمكتب الوزير.
واذ اتخذ الوزير المعني قراره وانتهت علاقتي بالمركز العالمي للوسطية فقد وجدت ان من حقي كما انه من حق المهتمين ان ادلي بهذا البيان الموجز ايضاحا لرؤوس المسائل، وبلاغا للجميع، اكتبه للحقيقة والتاريخ وتقديرا ووفاء لكل من رمى بسهم صالح في هذا المشروع المبارك.
اولا: الوسطية الاسلامية مبدأ اصيل ورسالة نبيلة وهي جوهر ديننا الحنيف ومناط خيرية الامة المحمدية التي اختارها رب العالمين لتكون قائمة بالحق في الارض، شاهدة بالعدل على الخلق (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا - سورة البقرة: 143).
ومن شأن المبادئ الأصيلة والرسالات النبيلة الا تتوقف على اشخاص مهما ارتفعت منزلتهم وبلغت تضحياتهم – الا ان يكونوا أنبياء – فحركة التاريخ ماضية وسنة الله تعالى بالغة امدها، والله غالب على امره، ولكن اكثر الناس لا يعلمون.
ومن هنا نسأل الله تعالى ان يحفظ المركز العالمي للوسطية لاداء رسالته العظيمة، ونتمنى تمام التوفيق لمن سيتولى امره ليكمل المسيرة المباركة.
ثانيا: لقد قدمنا الي هذه البلاد الطيبة بناء على رغبة كريمة من قيادتها ورجائها ان تكون الكويت منارة من منارات الوسطية، ومن هنا تشكلت «اللجنة العليا لتعزيز الوسطية» 2004 التي اعدت استراتيجية لنشر ثقافة وفكر الوسطية، وكان من بين مشروعات تنفيذ هذه الاستراتيجية انشاء مركز عالمي يختص بفكرة الوسطية بحثا وتأصيلا وتعميقا وتنفيذا لهذا البند في الاستراتيجية، صدر القرار الوزاري رقم 14 لسنة 2006 بانشاء «المركز العالمي للوسطية» الذي تشرفت بأن أتولى امانته العامة تحت الرعاية الكريمة في اطار اللجنة العليا لتعزيز الوسطية.
جئنا لنسهم بحسب ما افاء الله تعالى علينا وقدره لنا، في صنع نهضة فكرية وعلمية تتخذ من الكويت مركزا تشع منه على الجوار الاقليمي والمحيط الاسلامي ومن بعدهما ما يتيسر من ارجاء المعمورة.
ولابد لتحقيق هذه الاهداف الطموح والغايات الكبرى من قيادة تخطط وكوادر تنفذ وامكانات تساعد على الانجاز.
ثالثا: لقد بدأنا العمل على المشروع الجليل بكل حماسة واستشراف لافاق عمل عريض في خدمة الاسلام والمسلمين في كل مكان، وبهذه الروح استقطبنا نخبة من خيرة اهل الاختصاص من بلاد عدة، لم ننظر في اختيارهم الى محددات جغرافية ولا الى انتماءات فكرية او مذهبية، بل كان المدار على الموهبة والكفاءة، وكان هذا الفريق – ولا يزال – محل ثقة وجدارة، محاولا تجاوز كل الصعاب ومغالبة جميع الآلام والجراحات.
وليت الصعاب والآلام اقتصرت على ما لابد منه في امور التأسيس والتمهيد للانطلاق.
لقد وجدنا انفسنا المركز وادارته وفريقه بالكامل في اتون تجاذبات سياسية وفكرية داخلية لا ناقة لنا فيها ولا جمل، واجتمعت على طعننا وتثبيط هممنا الاطراف المتشاكسة كافة من اقصى «اليمين» الى اقصى «اليسار» ولو كان سهما واحدا، لاتقيناه – بفضل الله – ولكنه سهم وثان وثالث، حتى تكسرت النصال على النصال! فعلى من يسألنا عن النتائج، خلال اقل من ثلاثة اعوام، الا يغفل عن ثلاثة امور:
أولها: ما تم انجازه فعلا على صعيد الكتب والدراسات المطبوعة، والدورات التدريبية، والمؤتمرات والندوات العلمية، والمشاركات والمناشط، وما الى هذا مما هو موثق في ادبيات المركز لمن اراد ان يطلع بنفسه، لا عبر اختزالات مخلة.
وثانيها: ما وجدناه في مسيرة العمل اليومية من تلكؤ من بعض الجهات في امضاء ما يلزم من قرارات ادارية لازمة لتسيير الاعمال صوب تحقيق الاهداف الكبيرة، لاسيما ما يتعلق بثلاث قضايا اساسية: تبعية المركز وهويته (اهو ادارة تابعة لوزارة ما؟ ام مركز محلي؟ ام مؤسسة عالمية؟)، وهيكله الاداري وكوادره البشرية، وميزانيته.
وثالثها: ما احطنا به من حملات ساعدت على تضييق آفاق العمل، واحباط كثير من المشاريع، واجهاض كثير من الاحلام! وعلى الرغم من كل هذا فهذه بعض اهم انجازاتنا: وضع خطة المركز الاستراتيجية المتكاملة ،الانطلاقة الكبرى بمشروع «علماء المستقبل»، بمشاركة 80 ناشئا كويتيا، بعد خمس حلقات نقاشية متخصصة حول المشروع بحضور نخبة من اهل العلم والفكر والاعلام من الداخل والخارج ،تنظيم ثلاثة مؤتمرات دولية كبرى (بلندن، وواشنطن، والكويت)، بمشاركة اكثر من 450 عالما ومفكرا وباحثا من جميع انحاء العالم، ومن اطياف الفكر والمذاهب المتنوعة.
وما تلا هذا من اصدار اعمالها في مجلدات خاصة، تدريب 725 اماما وخطيبا بالكويت على التوسط والاعتدال، تخرج 110 من الدعاة الكويتيين من «مركز اعداد الدعاة والداعيات»، لنشر الوسطية والاعتدال من خلال مواقعهم الدعوية،تأهيل 447 موجها ورئيس قسم ومدرس تربية اسلامية وعلوم شرعية، من خلال الدورات التدريبية المكثفة على الوسطية فكرا ومنهاجا، تدريب 350 داعية من دعاة فرنسا ودول البلقان وروسيا واذربيجان وطاجكستان من الوافدين على الكويت.
والتعاون مع الادارة الدينية في سراتوف لتدريب وتثقيف 64 داعية وطالبا، انتاج 20 اصدارا، بالعربية والانجليزية، حول التوازن والاعتدال.
بالاضافة الى سلسلة «رسائل التأصيل» الموجهة للائمة والخطباء، توقيع 7 مذكرات تفاهم مع مؤسسات بحثية رائدة اقليميا وعالميا.
والعمل على استكمال «وثيقة التواصل والحوار الانساني»، تدشين «بوابة الوسطية» على شبكة المعلومات العالمية، اقامة ثلاثة منتديات علمية وفكرية عامة.
اقامة ملتقى «وطننا: رؤية اسلامية معاصرة» لتناول قضايا الوطنية والمواطنة في الداخل الكويتي خاصة، بحضور نخبة من قادة الرأي والفكر والعمل السياسي والاجتماعي بالكويت على اختلاف اطيافهم وتنوع مدارسهم, تواصل انتاج «منتدى الادب الاسلامي» وامسياته العامة بمسجد الدولة الكبير، بالاضافة الى تنظيمه «ملتقى الجمال والادب» بحضور 250 مشاركا من الشباب والفتيات، ورشة العمل الاولى لمشروع «موسوعة الوسطية»، المشاركة في سبعة معارض وبرامج محلية للتعريف برسالة المركز وانجازاته.
وقد واكبت هذه النشاطات والانجازات زيارات متتابعة الى مقر المركز قامت بها قيادات محلية كويتية من مختلف اطياف الدعاة وارباب الفكر والقلم، ووفود عالمية للاطلاع على تجربته، ولقاءات فكرية وحوارات معمقة مع بعض اهم المفكرين وقادة الرأي في الكويت والعالم الاسلامي، تجسيدا لروح رسالة الوسطية في التواصل مع جميع المدارس الفكرية والدعوية التي تهتم جميعا بصالح البلاد والعباد، وقد خص الامير تشالز، ولي عهد بريطانيا، جزءا من زيارته الاخيرة الى الكويت للقاء القائمين على مشروع الوسطية بمسجد الدولة الكبير، وابدى اهتمامه المتعاظم بالمشروع وتقديره لاهميته للعالمين العربي والغربي على السواء.
رابعا: وبخصوص الشأن الاداري بالمركز يهمني التأكيد على انه كان قائما على دعامة مؤسسية، عبر مكتب تنفيذي برئاسة وكيل وزارة الاوقاف نائب رئيس اللجنة العليا لتعزيز الوسطية، وعضوية كل من: الوكيل المساعد لشؤون الدراسات، الوكيل المساعد للشؤون الادارية والمالية، الامين العام للمركز العالمي للوسطية، بالاضافة الى المستشار القانوني.
وكان كل امر يتصل بالمال «الميزانية والانفاق والرواتب والمكافآت ...الخ» مرده الى وزارة الاوقاف وفق لوائح الشؤون الادارية والقانونية بها، ولم يكن للمركز ولا لأمينه العام سلطة التصرف المالي على اي نحو، كثيرا او قليلا.
خامسا: بناء على كل ما تقدم، اود التأكيد على اننا ابناء الاسلام الحنيف حيث كنا، واننا لن نتوانى عن تحمل المسؤولية، واداء الواجب، ورعاية الامانة.
وقد اجتهدنا حسب الوسع الانساني، والجهد البشري، فيما تحقق من انجاز لا ندعي لأنفسنا عصمة فيما صدر عنا، ولا قداسة فيما اجتهدنا فيه، وتقبلنا كل نقد موضوعي لنهضة المشروع وتطويره، وضربنا الذكر صفحا عما اصابنا من تجريح وتشهير.
سادسا وختاما:
لابد من تقديم واجب الشكر لكل الكرام بهذه البلاد الطيبة:
-
للقيادة الرسمية التي بادرت بالفكرة، ورحبت بالمشروع، ومهدت له السبل، ووطأت له الأكناف، لايما ما كان من حضرة صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد الذي انطلقت منه البادرة الكريمة ورعاها مهدها، وكذلك لسمو ولي عهده الامين، ولرئيس مجلس الامة الموقر جاسم الخرافي والى سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد واعضاء حكومته واعضاء مجلس الامة.
-
لكل من اسهم في هذه المسيرة بجهد او رأي او فكر من عامة اهل الرأي، ومن منظمات المجتمع المدني، وجمعيات النفع العام من مؤسسات دعوية وخيرية وثقافية واجتماعية.
-
لاهل الكويت الكرام – مواطنين ومقيمين – الذين غمروني بالمشاعر النبيلة، والكرم الفياض، والمخالقة الحسنة، ولا يعكر على حبي القديم للكويت وأهلها، واصالة موقفي تجاه الاحتلال الغاشم انطلاقا من مبدأ ثابت، افتراء بارد ممجوج تدحضه الوقائع والوثائق، كما لا تؤثر فيه جراح اثخنتها سهام الاقلام والألسنة.
-
للقائمين الافاضل على مسجد الراشد بالعديلية ورواده الكرام.
-
للاقلام الموضوعية المنصفة، التي كانت تنطلق فيما تكتب – مع المشروع او في ندقه – من المصلحة العامة، تسديدا لخطهة وترشيدا لمساره.
-
لاهل المركز ورجال وزارة الاوقاف، من المسؤولين والباحثين والموظفين والعاملين، حيث عشنا معا – نحو ثلاث سنوات – مخاض التجربة وآلامها ونجاحاتها متسامين عما اصابنا من جراحات آذتنا في أنفسنا، مستشعرين ثقل الامانة وأهمية الموقع، طالبين من الله تعالى العون والمدد والتوفيق.
فــإن تـكن الايـــام فـيـنـا تقلـبت
ببؤسى ونعمى.. والحوادث تفعل
فـمـا ليـنـت مــنـا قـنـاة صلـيـبة
ولا ذللـتـنـا للـتي لـيـس تجـمل
ولـكن.. رحلناها نفوسـا كريمة
تحمل ما لا يستطاع، فتحمل!
حفظ الله الكويت من كل سوء ومكروه، وزادها في الخير رفعة، وقيض لمشروع الوسطية نهضة مباركة.
وخير ما يبقى وداد دائم
ان المناصب لا تدوم طويلا
والحمد لله رب العالمين، وهو المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الصفحة في ملف ( pdf )