أميرة عزام
اشتهرت العباءة السوداء منذ القدم بانتمائها إلى دول الخليج العربية، ومرت بمراحل عديدة من التطوير، وظلت تحمل لمحات من التراث والعادات والتقاليد والسمات المميزة للنساء العربيات، وكانت على مدى قرون الزي التراثي الأشهر في العديد من الدول، وفي الكويت تحتل العباءة مكانة مقدسة بين النساء وخاصة كبيرات السن، وتتنوع من حيث الأشكال والتصاميم، وكذلك الألوان واشهرها على الاطلاق اللون الأسود، ولكن هل ستحتفظ العباءة بعرشها بين الأجيال الجديدة القادمة؟ وهل سيبقى شكلها التقليدي منافسا قويا لكل التطورات والتعديلات التي تطرأ عليها؟ وهل سيظل لونها الأسود هو الأكثر انتشارا ام سيختفي في السنوات القادمة؟ للاجابة على كل تلك التساؤلات استطلعت «الأنباء» آراء مجموعة من الشابات لمعرفة آرائهن ووجهات نظرهن، حيث اكدن ان العباءة مريحة في الحركة وتستر الجسد اكثر من غيرها كما انها مناسبة اكثر لأوقات العمل، مبينين ان «الكاجوال» والجينز ازياء اكثر عملية منها، وان الاسرة والعادات والتقاليد هي من تفرض على الفتاة ارتداء او عدم ارتداء العباءة،
وفيما يلي التفاصيل:
في البداية، اعتبرت انوار الدرباس ان العباءة لا تمت بصلة للتراث من وجهة نظرها، ولكنها تجد انها مريحة في الحركة وأنسب لأوقات الدوام وستر جسم المرأة.
من جانبها قالت الطالبة الجامعية دانة فاضل: «أنا عن نفسي ألبس العباءة وأحبها لأنها مريحة وواسعة وساترة، وبذلك أكون لبست شيئا يحقق الحجاب الشرعي بالطريقة المقبولة في مجتمعي، وبنفس الوقت سريعة وما أحتاج أفكر شنو ألبس حق الكلية ولا أقوم بتركيب ملابس على اخرى، ولكن أحيانا النفس تمل الشيء نفسه، واعتقد ان اللون الأسود هو ما دفع المصممين والنساء للجوء الى العباءات الملونة، لكي تكون مقبولة عند الناس أكثر، وأنا أرتدي بدلات أحيانا، ولكن أحاول ان تكون واسعة وساترة وأؤمن انه لا شيء افضل من العباءة».
في المقابل تقول ريم عمر: «انا شخصيا لا افضل لبس العباءة، اذا لم أكن ملزمة بارتدائها في بعض المناسبات مثل العزاء او زيارة المساجد او الحفلات، اما في الأوقات العادية فأفضل ارتداء الملابس «الكاجوال»، وبالرغم من ان البعض يرى العباءة مناسبة للزيارات البسيطة والسريعة، وأرى ان الجينز او التريننج عملي اكثر، ولذلك اعتقد انها بدأت تفقد شعبيتها لدى البنات من مختلف الفئات والأعمار».
بدورها تؤكد حصة اسماعيل احترامها للعباءة وتراها أنيقة وراقية ولكنها ليست لكل مكان، موضحة انها ليست عملية.
من جهتها، توضح عائشة العجمي ان التحضر والمدنية تحكم على تصرفات البنات، فربما كانت الفتاة تعيش داخل أسرة متشددة وتلزمها بالعباءة والنقاب، ولكنها بعد ان تتزوج يسمح لها الزوج ببعض الحرية أو العكس فربما تكون متحررة ثم تتزوج بشخص متشدد فيلزمها بالعباءة.
اما الفنانة آمنة الكندري فتوضح أنها لا تحب العباءة وتشعر بأنها لا توافق شخصيتها المتحررة المحبة للفنون، مبينة أنها في بدايتها لمشوار فني مليء بالطموح والأمنيات.
من ناحيتها تبين فاطمة الدوسري ان جميع أخواتها منتقبات وملتزمات بالعباءة وقد حاولت هي ان تكون كذلك ولكنها لم تستطع رغم أنها ربة منزل وأكثرهن موظفات وذلك لان زوجها معتدل ومتفهم أنها لا ترتاح في العباءة كثيرا ولا تفضلها الا في المناسبات فقط.
وأكدت أم جاسم العازمي أن فتيات القبائل بمجرد أن يصلن لمرحلة البلوغ يلتزمن بارتداء العباءة والملفع ومن المستحيل أن يقبل أولياء امورهن بالتخلي عن ذلك، مضيفة ان هناك بعض الفتيات في الوقت الحالي يحاولن التخلي عن هذه العادة، آسفة لتشجيع بعض الأهالي على ذلك.
أما وفاء العيد فتوضح أن طبيعة البنت هي التي تقرر، فمن الصعب تقيدها بالعباءة إذا كانت طبيعتها متحررة.
في السياق ذاته استنكرت حنان الخضري ارتفاع اسعار العباءات أكثر من الملابس العادية، مبينة انه من المفترض أن تكون أقل سعرا ففي السابق كانت تكلف 5 دنانير فقط.
الحسيني: العباءة السوداء ظهرت بعد سقوط الدولة العباسية في بغداد
أكد الباحث في التراث مشعل الحسيني أن النساء أبدين حزنا شديدا إبان هجوم التتار على الدولة العباسية وقتل أمرائها ومن ثم سقوطها، فلبسن السواد في بغداد والذي انتقل بدوره إلى شبه الجزيرة العربية، ومنها إلى بعض الدول العربية والمهجر، موضحا أنه قبيل سقوط الدولة العباسية كانت النساء ترتدي ما يشبه الجلابيب أو الدراريع الملونة كما كانت تضع «خمارا» على الرأس وغالبا ما يكون لونه أسودا، مبينا ان الخمار آنذاك يسدل من فوق الرأس ليغطي الرأس والوجه أي فيما يشبه النقاب إلا أنه لا يحكم عند الأنف مثل نقاب الآن.
وأضاف الحسيني: أن العباءة ستر، وقد وجدت في الكويت في العام 1920، مؤكدا أنها لم تكن تباع، بل كانت كل امرأة تشتري القماش ثم تقوم بتفصيله، مضيفا انها عادة وليست عبادة، ولكنها تلائم طبع البداوة وتناسب شرع الإسلام كما أنها تخفي مفاتن المرأة وتعتبر من العادات التراثية الأساسية في شبه الجزيرة العربية.
وعن عباءة الرأس ذكر تميز أهل الكويت والسعودية والعراق والبحرين بارتدائها منذ سنوات طويلة، إلا أنها تطورت إلى عباءة الكتف لتناسب الحياة العملية للمرأة خاصة التي تحمل طفلا والتي تضطر للعمل ساعات طويلة، مشيرا الى أن الفتاة يمكنها أن ترتدي ما تريد ثم تغلف ذلك بالعباءة فلا تتعرض للأذى بمفاتنها، فهي دائما مرصودة وممدوحة حتى في عباءتها والدليل وجود أشعار وأغان قديمة تمدح لابسات العباءة.
مصمم سعودي: أسعار العباءات تتراوح بين 800 و1200 ريال وأغلاها بـ 5000
أكد المصمم السعودي وصاحب محلات ملفع وعباية نادر الفارس وجود بعض خامات الأقمشة التي ينفرد بتصنيعها في الخارج خصيصا له دون غيره، موضحا اختياره للنوع الخفيف الذي لا يشف ولا يتكسر ويلائم درجة الحرارة العالية في فصل الصيف، مبينا ان لكل نوع جديد حسب درجة خفته وميزاته، فالنوع «وجداني» خفيف ولا يتكسر وهو على اسم ابنته وكذلك النوع «روان»، أما النوع «دلالي» فهو بحسب تعبيره «كالزبدة» أخف من وجداني وهو على اسم زوجته، بخلاف النوع «تاج الفارس» على اسم عائلته فهو أكثر ثقلا لأوقات المناسبات الفاخرة، مضيفا وجود العديد من الأقمشة التي ينفرد بها كذلك ولا توجد في الأسواق مثل بريهان وعتان ومروان ونادر، أما أكثر الخامات المطلوبة في الأسواق فهي خامة «كريب صالونة».
وأكد الفارس ان الألوان المركبة للعباءة السوداء هي البني والبيج والكحلي والرمادي و«الأوف وايت» وهي ما تسمى بالعبايات الملونة جزئيا، وتعتبر «موضة» في الفترة الحالية، أما الملونة كليا فهي مطلوبة في حال السفر إلى الغرب لتغير نظرتهم نحو المرتديات للون الأسود والشعور بالغرابة نحوه وعدم تقبله، ولكن مازال اللون الأسود هو الأكثر طلبا ومهما حلت التطورات بالعباءة يظل ثابتا.
وعن أعلى سعر عباءة تم بيعها لديه أوضح الفارس انه بلغ 5 آلاف ريال سعودي لاحتوائها على أكثر من 7 آلاف حبة كريستال شوارفسكي البراق اللامع، مؤكدا ان العامل يستغرق أياما طويلة في تركيبها ولذلك يمنح معها ضمان عام كامل، مبينا أنه عادة ما تتراوح أسعار العباءة بين 800 و1200 ريال، وأن تفاوت أسعار كل منها يكون بحسب دخولها في المراحل الخمس من العاملين وهم، القصاص والخياط والمطرز والشكاك والآلي.
علي: للعباءة في الكويت «مواسم»
أكد شوكت علي وهو احد من يحيكون العباءات في الكويت كثرة الطلب على العباءة السوداء «السادة»، وان أغلب زبائنها من كبار السن والموظفات للدوام، أما السيدات متوسطات العمر فيطلبن أحيانا بعض الزخارف، مبينا أن البيع قليل جدا في الفترة الحالية نظرا لعدم وجود موسم معين، مفيدا أن طلب تفصيل العباءة يتزايد في المواسم بحسب الحاجة إليها كموسم العيدين ومحرم وكذلك عند بداية دوام الموظفات في كل عام.
كيمياء خاصة وعشق فريد بين نجمات الفن والعباءة الخليجية
أحمد صابر
بمزج فريد بين الاصالة والحداثة، وفي ظل طوفان الأزياء المتنامي و«هبات» الموضة المتلاحقة بشكل سريع، استطاعت العباءة الخليجية خلال السنوات الأخيرة الحفاظ على عرشها في وجه الموديلات العصرية، فتخطت حدودها المحلية وانطلقت إلى آفاق أرحب، حاملة للعالم جزءا من تراث وعادات وهوية اهل الخليج، حيث طرقت ابواب بيوت الموضة العالمية في لندن وباريس بقوة لتحظى بفكر واهتمام اشهر المصممين العالميين، فجادت أناملهم بالعديد من القصات واللمسات التي جعلت من العباءة لوحة فنية تشع بالأناقة، محتفظة في الوقت ذاته بخصوصيتها وتفردها، لتزاحم بذلك أرقى الصيحات العصرية من الملابس مثل «الكاجوال» والجينز وغيرهما.
وبكل ذلك الاتقان والجمال، تمكنت العباءة الخليجية من اجتذاب اشهر نجمات الفن في العالم، فعشقنها وأحببنها، ولبسنها في العديد من الحفلات والمناسبات، في محاولات للخروج عن النمط التقليدي لأزيائهن، فارتدتها نجمة تلفزيون الواقع الفنانة كيم كارديشيان وبدت من خلالها اكثر انوثة وجاذبية، كما لبستها النجمة العالمية أنچيلينا چولي، اما المغنية الأميركية جانيت جاكسون فقد ظهرت امام كاميرات ووسائل الاعلام مرتدية العباءة السوداء.
عربيا، استهوت العباءة ايضا عددا كبيرا من الفنانات، حيث ظهرن بها في اطلالات لا تمحى من ذاكرة المشاهد سواء في الأعمال الفنية او في الحفلات والمناسبات الخاصة، فارتدتها الفنانة ميريام فارس ونجمة «ارب ايدول» كارمن سليمان ورويدا عطية وميساء مغربي وفيفي عبده وغادة عبد الرازق وغيرهن الكثيرات، ما يدل على وجود كيمياء خاصة وحالة من العشق الدائم بين نجمات الفن والعباءة الخليجية.