تمثل حرية الفكر والرأي الركيزة الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات الإنسانية والحضارات الملهمة العظيمة، وهي البوابة الملكية للإبداع في جميع مناحي الحياة. وعلى النقيض من ذلك نجد أن القمع والاستبداد والهيمنة الفكرية وخاصة بين أوساط المتطرفين دينيا لا تنتج إلا جمودا حضاريا ونفاقا مجتمعيا وفسادا أخلاقيا بين الناس، فالخوف والأنانية والكسل لا تصنع مجتمعات قوية يمكن العيش فيها بكرامة واعتبارات أخلاقية تحترم المسؤولية الفردية. لذلك، نجد أن حرية الرأي والتعبير هي أقرب المفاهيم الى المقصد الإلهي من الفطرة الإنسانية السوية، فالمتطرف يعطي لنفسه حق التسلط وينكره اذا ما تسلط عليه أحد فتبطل حججه ولا يبقى امامه إلا اتباع سوء ظنه فيفرض آراءه بالترهيب والوعيد في الدنيا أو الآخرة. ولا يفوت هذا المتطرف الفرصة إلا ويتوعد المخالف له في الرأي بعقاب إلهي، وهذا من باب الافتراء والكذب والتستر باسم الدين لأن الله حينما أنزل القرآن خاطب فيه الناس جميعا بلغة قرآنية واضحة جلية في اطار المسؤولية الفردية، قال تعالى في كتابه العزيز بسورة عبس (يوم يفر المرء من أخيه {34} وأمه وأبيه {35} وصاحبته وبنيه {36})، وقال في سورة المعارج (يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه {11} وصاحبته وأخيه {12} وفصيلته التي تؤويه {13} ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه {14})، فليس بين الله وعباده وكلاء ولكن أنبياء ورسل مهمتهم فقط التبليغ وإقامة الحجة. وإنني لأتعجب بعد هذا الوضوح القرآني من الذي يقتل الناس باسم المخالفة في الدين والمذهب والاتجاه السياسي. فالكفاح من أجل حرية الرأي والعقيدة يمر بطريق وعر يخيم عليه ليل الإقصاء غير المقمر وتتراص على جانبيه خفافيش ظلام الأنفس، فحرية الفكر تنير العقول وتضيء الأنفس. يقول الأديب المصري توفيق الحكيم عن حرية الرأي وكرامته «والكرامة الحقيقية هي أن يضع الإنسان نفسه الأخير في كفة وفكرته ورأيه في الكفة الأخرى، حتى اذا ما أرادت الظروف وزن كل ما في الكفتين رجحت في الحال كفة رأيه وفكرته».
فيجب علينا أن نعي جيدا أن قمع الأفكار والآراء يحرم المجتمع من نوابغه ومبدعيه ويحجر ظلما على الآخرين في إبداء الرأي فيما يخص قضايا عصرهم وهي حقوق أصيلة لا ينكرها إلا كاذب مدع.
نتمنى أن تسود هذه الثقافة بين شبابنا العربي لأنهم ثروة الأمة وذخيرتها واستثمارها الحقيقي.