- الحراك السياسي الشعبي العربي إيجابي.. والأجيال القادمة قادرة على تصحيح المسار
- العائق السياسي يشكل تحديا أمام الحداثة.. وهناك إفراط في تعميق الحواجز الوطنية
- تركيا نموذج ناجح لا يمكن استنساخه على الدول كلها
- الدول البعيدة عن الربيع العربي تضاعفت لديها مستويات الوعي السياسي
محمد راتب
أكد الكاتب الصحافي رئيس تحرير صحيفة المصريين جمال سلطان ان ما حدث في الدول العربية من حراك سياسي لانتزاع الحرية قد أثر إيجابا، وذلك رغم الآلام والخسائر الكبرى، إلا ان الأجيال القادمة ستكون اكثر قدرة على تصحيح المسارات وإنقاذ الأوطان.
وقال في لقاء مع «الأنباء» على هامش مشاركته في ملتقى العلاقات العربية - التركية ان القضايا التي فجرها التعاطي الدولي مع ما حدث في الربيع العربي لفت الانتباه وفجر وعيا غير مسبوق في أذهان هذه الأجيال بصورة لم تحدث من قبل.
ولفت إلى أن الحراك الثوري كشف عن أمراض خفية، واخرج الصديد من الجسد العربي الذي أصبح قيحا ذات رائحة بشعة وآلاما ومتاعب للشعوب وأزمات سياسية واقتصادية وأمنية ظهرت بصورتها الحقيقية، وكان لابد من هذا حتى يتم التطهير بشكل جيد، وتتطور الشعوب على أسس صحيحة.
وأعرب عن تفاؤله بنهضة عربية لن تطول، فتسارع الحياة في نمطها الحديث سيجعل مسألة النمو والنهوض أسرع من قبل، وبسنوات قليلة سنرى ثمار التحول إيجابيا على المنطقة العربية شعوبا ودولا.
وأشار إلى أن النموذج التركي رائد ونجح في صياغة منظومة تجاور فيها الإسلام مع الحداثة، ولكن الدول العربية وخصوصا الخليجية ليست بحاجة إلى نسخ هذا النموذج لأن لديها مقومات التطور ولا يتطلب الأمر سوى بعض التعديلات والدخول في ميدان الصناعات.
«الأنباء» التقت الكاتب جمال سلطان وفيما يلي التفاصيل:
بداية، هناك واقع عربي وإسلامي في منحدر صعب وهوة خطيرة كما يصنفها البعض ويبررون ذلك بسبب البعد عن القيم وانتشار الديكتاتوريات، هل ترى أن هناك خلاصا لهذه الأمة من الواقع الذي تعيشه؟
٭ لا أحب أن أطرح الأمر في صيغة محبطة، لأننا نعيش حاليا وقد عشنا سابقا عصورا من الانحطاط والتردي، فالأمر باختصار يعود إلى وجود تحديات تعانيها الأمة ومخاطر حقيقية تتعلق بوجودها، ولكن لا ننسى اننا خلال السنوات السابقة كان لدينا حراك واسع في الشعوب العربية التي انتزاع حريتها وانهاء مسارات الاستبداد فيها.
وحتى في الدول التي لم تشهد حراك الربيع العربي والتي كانت اكثر استقرارا وانفتاحا، كان من الواضح ان مستويات الوعي السياسي فيها زادت بشكل كبير وتنامت، فقد اصبح هناك وعي سياسي اكبر وإدراك للتوازن بين التحديات الداخلية والمخاطر الخارجية.
وهذا برأيي مؤشر إيجابي ربما تكون الأجيال الجديدة اكثر قدرة على تصحيح المسارات وإنقاذ أوطانها.
هل ترى ان هذا الحراك انعكس سلبا على الشعوب العربية او على الدول التي حدث بها؟
٭ هذا الحراك كان إيجابيا حتى على الشعوب التي لم تنخرط في هذا الحراك الشعبي والثوري، فالقضايا التي فجرها التعاطي الدولي مع ما حدث لفت الانتباه وفجر وعيا غير مسبوق في أذهان الأجيال الجديدة لم يحدث من قبل.
وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الحراك كشف عن الأمراض الخفية التي كانت تحت سطح الجلد، واخرج الصديد من الجسد العربي الذي اصبح قيحا وصديدا ورائحة بشعة وآلاما ومتاعب للشعوب وأزمات سياسية واقتصادية وأمنية، ولكن كان لابد من هذا حتى يتم التطهير بشكل جيد، وتتطور الشعوب على أسس صحية وسوية.
إلى أي مدى يمكننا التفاؤل وخصوصا أننا نرى آثارا تدميرية تصيب الدول وواقعا كارثيا في العديد منها؟
٭ هناك موازين تاريخية، فالسنة والسنتان والخمس سنوات هي لحظة عابرة في الزمن، ولكن الحقيقة ان التجارب الثورية كالبلشفية والسوفييتية والفرنسية كان حجم الدماء والآلام والخراب والدمار في تلك السنوات كبيرا للغاية، ومع ذلك نرى أن أوروبا بنت هذه الحضارة وتم إفراز الدول الحديثة والمؤسسات.
وأعتقد أن تسارع الحياة في نمطها الحديث سيجعل مسألة النمو والنهوض اسرع من قبل، فالدول العربية لن تحتاج إلى سنوات طويلة للوصول إلى حالة النضج، ففي غضون سنوات قليلة سنرى ثمار التحول إيجابيا على المنطقة العربية شعوبا ودولا.
أنت ضيف في مؤتمر العلاقات العربية ـ التركية إلى أي مدى ترى كمحلل ومراقب للشؤون السياسية والعلاقات الدولية النموذج التركي؟ وهل بالإمكان تطبيقه في بعض الدول؟
٭ النموذج التركي رائد للغاية، فقد نجح حزب العدالة والتنمية في تركيا على مدى 15 سنة تقريبا في صياغة منظومة تجاور فيها الإسلام مع الحداثة، فتركيا باتت دولة عصرية حديثة أوروبية الشأن في بنيتها الاساسية، وفي تطورها ومؤسساتها، وتحافظ على إسلامها فهذا النموذج مثل نوعا من الجاذبية لأنظار الشعوب العربية.
لا ننسى ان وجود نماذج حسنة وناضجة سيؤثر ويكون اكثر جدوى في تأثيره من الكلام النظري، فالإسلام يتزاوج مع الحداثة هذه نظرية لا تؤثر بقدر تقديم نموذج مضيء على الواقع.ر وهنا لابد من أن أقول أن لكل منطقة خصوصيتها، ولا يوجد نموذج منفرد يمكن نسخه، فتجربة تركيا الحديثة جيدة، ولكن أعتقد ان المنطقة العربية يمكن ان تثمر تجارب مشابهة او مختلفة ولكن على نفس المستوى او أكبر.
ما العائق الأكبر الذي أحبط أحلام الشعوب العربية في الوصول إلى ما تطمح إليه؟
٭ هناك عوائق عديدة، ولكن اعتقد ان العائق السياسي هو الاهم، فهناك إفراط كبير في تعميق الحواجز الوطنية، فالدولة الوطنية أصبحت واقعا جديدا يجب احترامه والتعامل معه بشكل إيجابي وغير مقلق. وتركيا نموذج ناجح، ولا يمكن إعادة نسخ هذه التجربة على باقي الدول.
برأيك هل دولنا العربية والإسلامية لديها مقومات النجاح مثل الدولة التركية؟
٭ الدولة الحديثة في الخليج العربي ناجحة بكل المقاييس، وقد ساعدها على النجاح والتميز الوفرة المالية مع قلة عدد السكان، وحتى في حال وجود اي هدر في المقدرات نجحت في ذلك.
فنحن نرى الكويت والدوحة ودبي على سبيل المثال قد وصلت لمرحلة عصرية متقدمة ومتطورة، وربما الأمر يحتاج إلى تعزيز عملية توطين قدر معقول من الصناعات، وهناك أفكار تقدم لذلك، ومع الانفتاح السياسي والفكري ربما تكون بحاجة أكثر إلى التطور.
أعلم ان هناك خصوصية لهذه الدول، فهي تعيش حالة من الرفاه المالي والاجتماعي، ولكن هناك العديد من القضايا الملحة في حياة الإنسان التي لابد من أخذها بعين الاعتبار.
ولذلك أقول إن هذه النماذج لا تحتاج إلى استلهام تجارب، وإنما إلى تطور طبيعي تفرزه البيئة والمجتمع.
كيف تنظر إلى الواقع الإعلامي الخليجي؟
٭ التقارير التي قدمتها المؤسسات الدولية الأخيرة في تقدم الدول وخصوصا الواقع الإعلامي، كانت الكويت هي الرقم واحد في الحريات الصحافية، ولكن على مستوى بقية الدولة العربية، هناك تباين لا نستطيع ان نضع المنطقة العربية في رتبة واحدة حتى في داخل الدولة الواحدة، ففي مرحلة زمانية قد نجد حالة من الانفتاح كما في مصر، وفي مرحلة أخرى نجد شيئا من التضييق. وما يحدث في سورية اليوم فهو خارج سياق التاريخ كله والمنطق والعقل، ولا تستطيع القياس عليه.
ولكن حريات الصحافة هي جزء من حالة سياسية ومجتمعية، ولا تتطور من فراغ وإنما من خلال بيئة سياسية، فمثلا الحريات السياسية قد ارتفع سقفها في الكويت، والسبب في ذلك يعود لوجود سقف عال وبرلمان نشط وفعال، فكل القطاعات تدعم بعضها.