بقلم: سفير أوكرانيا لدى الكويت فولوديمير تولكاش
ردا على زميلي الروسي الذي أقدر المستوى الاحترافي الممتاز والعقلانية والذكاء والصفات الإنسانية الشخصية له تقديرا عاليا لا أستطيع ألا أذكر المثل القائل «الصديق وقت الضيق».
وتحظى هذه الحكمة الشعبية بأهمية خاصة بعد أن جاء هذا «الضيق» من البلد المجاور الذي كان يعتبر شقيقا في وطني منذ وقت قليل.
للأسف، العدوان العسكري الروسي الوقح الظاهر وضم أراضي جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي ليس بسلاح وحيد في ترسانة جارنا الشمالي الذي بعد تقديم ضمانات سلامة الأراضي الإقليمية لأوكرانيا وتسلم أسلحتنا النووية يهدد بها الآن عبر القنوات التلفزيونية الروسية للعالم كله (بما في ذلك تحذير مقدم القناة التلفزيونية الحكومية «روسيا 1» ديمتري كيسيليف المعروف بدعايته المناهضة لأوكرانيا في 16 مارس عام 2014) بأن روسيا هي الدولة الوحيدة القادرة على تحويل الولايات المتحدة الأميركية إلى الرماد الإشعاعي.
للأسف الشديد مقالة «تماسيح الميدان ومصير أوكرانيا» دليل آخر على الكذب الشامل الذي لم يسبق له مثيل باعتباره عنصرا مهما لتأجيج التوتر داخل بلادنا وتضليل المجتمع الدولي كله حول الوضع الحالي في أوكرانيا اليوم بالإضافة إلى العدوان العسكري والحرب الإعلامية، يتم استخدام الابتزاز الاقتصادي والتجاري لروسيا بشكل أوسع وإملاء إرادتها علينا فيما يتعلق بمستقبل شعبنا وتوجيه المتطلبات بإدخال التعديلات إلى دستور أوكرانيا ونظام حكمها، وأود أن أشدد على أن الشعب الأوكراني وليس القيادة الروسية الحالية هو مصدر السلطة في بلادنا.
أريد أن أتقدم إليكم «يا الاخوة السلافيين» برجاء أتركونا لشأننا، دعونا نرتب النظام في بيتنا بأنفسنا دون تدخلكم وعدوانكم العسكري ودعايتكم الكاذبة وسياسة الوصم بالعار.
قد شهدنا ربما الأيام الأصعب في تاريخ أوكرانيا الحديث عندما استولى نظام يانوكوفيتش على آخر شيء، الأمل في المستقبل الأفضل، وذلك بالإضافة إلى الحياة الجيدة والحق بمحكمة عادلة والدفاع من قبل هيئات إنفاذ القانون التي في ذلك الوقت اتحدت بالفعل مع العالم الإجرامي، وهناك سؤال موجه إلى القيادة الروسية لماذا يرى أغلبية الأوكرانيين مستقبلا أفضل في البيت الأوروبي المشترك وليس في التحالف مع موسكو.
إن الشعب الأوكراني المتسامح والصابر تمرد على عصابة المجرمين واللصوص وأطاح بها لكي يبقى على هامش التاريخ، وخلال أعمال التفتيش في 22 مارس عام 2014 في منزل وزير الوقود والطاقة السابق إدوارد ستافيتسكي تم العثور على حوالي خمسة ملايين دولار نقدا وخمسين كيلو ذهب، وكان هذا الشخص مسؤولا عن التعاون في المقام الأول مع النظام الروسي الحالي فيما يتعلق بإمدادات الغاز والنفط، أما مقر سكن يانوكوفيتش الفاخر في ضواحي مدينة كييف فيتميز بثروته الصارخة وقلة الذوق وكل الصفاقة والوقاحة.
والآن تقول موسكو ان يانوكوفيتش الذي فر من غضب شعبه إلى روسيا هو رئيسنا الشرعي، أليس من الفضيحة التدخل في شؤوننا الداخلية مثلما فعل فلاديمير جيرينوفسكي عندما وجه رسالة إلى وزارات خارجية پولندا والمجر ورومانيا مع الاقتراح حول تقسيم أوكرانيا وانضمام محافظاتها الغربية إليها؟ والمهم أنه ليس بمجرد مواطن يمثل وجهات النظر السياسية المتطرفة أو قائد ميداني أو محارب (نازي أو فاشي إذا نستخدم المصطلحات الروسية)، لكنه نائب رئيس مجلس الدوما لروسيا الاتحادية ومسؤولها الرسمي، وبالتالي ليس من الممكن اعتبار رسالته إلا رسمية.
وأنا كرجل متسامح وممثل الدولة التي تحترم سيادة وحرمة حدود جيرانها أتفادى التطرق إلى المسائل المؤلمة، وشخصيا أفضل الحفاظ على السكوت عن الحروب الشيشانية وطريقة توفير الحق بتقرير المصير للشعب الشيشاني، لكن صديقي المحترم طرح هذه المسألة بنفسه.
أود أن أذكركم أنه عند الإشارة إلى مشاركة بعض مواطني أوكرانيا في الأحداث التي وقعت في الشيشان في تسعينيات القرن الماضي نترك للجانب الروسي مجالا للنظر في واقعة واضحة أن الرئيس الحالي لجمهورية الشيشان رمضان قاديروف الحائز على النجمة الذهبية لبطل روسيا كذلك شارك في العمليات العسكرية ضد القوات الروسية ووالده أحمد قديروف دعا إلى قتل أكبر عدد ممكن من الروس.
ولم تدعم أوكرانيا الحركات الانفصالية في روسيا أبدا سواء في ذلك الوقت أو الآن، وبالتالي فإننا نتوقع أن الجانب الروسي والديبلوماسية الروسية ذات الخبرة الواسعة في المفاوضات الدولية سيمتنع عن التدخل الفظيع في شؤوننا الداخلية.
على مدى الـ 22 سنة الأخيرة كنا من بين الدول الأكثر استقرارا في الفضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي، وما قمنا بإطلاق النار على البرلمان ولم نقاتل مناطقنا ولم نستخدم الوضع الصعب في جيراننا لخير مصالحنا الخاصة، إننا لم نقم باجبار الدول المجاورة على التمسك بـ «السلام القسري».
ومع ذلك، عندما تدهور الوضع السياسي داخل أوكرانيا وتعرضنا فورا للاحتلال وضم أراضينا من قبل النظام الحالي «للشعب السلافي الشقيق»، أي «إجبار أوكرانيا على دخول العالم الروسي».
أليس «الإخوة السلافيين» كانوا ضمن القوات التي احتلت جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي وأدخلت في أراضي أوكرانيا وحدات البلطجية من كتيبة «فوستوك» (الشرق) المليئة بالمقاتلين الشيشانيين الذين تلقوا التدريب مع رمضان قاديروف في الشيشان وداغستان وجورجيا؟ والمجد والشرف للعسكريين الأوكرانيين على شجاعتهم وصبرهم وعدم استجوابتهم للاستفزازات الروسية، إنهم وليس نظام الاحتلال الروسي من منع من تحويل العدوان الروسي إلى المعركة الدينية بين مسلمي شمال القوقاز والأوكرانيين المسيحيين.
أريد أن أنادي خصومي «اتركوا أوكرانيا لشأنها»، لا تتدخلوا في شؤوننا الداخلية، وعودوا إلى احترام القانون الدولي وأوقفوا سياسة الوصم بالعار لأن المحكمة جهة وحيدة فقط لها الحق في اتهام أي شخص بارتكاب الجريمة.
والاتهامات بحق ياروش وميروشنيتشينكو وكورتشينسكي وبيلي وغيرهم ليس لها أساس وهذا الأمر غير لائق للمناقشات رسميا وعلنا على المستوى الدولي.
وهذا كله يذكر العودة إلى الفترة القمعية في ثلاثينيات القرن الماضي عندما قام النظام الستاليني، بناء على الاتهامات الخالية عن الأدلة، بالقضاء على ملايين أفضل الأبناء والبنات للشعبين الأوكراني والروسي.
وتتجه القيادة الأوكرانية الجديدة في المشوار غير السهل الذي ينبغي إجراء إصلاحات فيه لا تحظى بشعبية، ولكن هناك حاجة ماسة إليها من أجل تعزيز الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وسيتحقق الإخلاص في المبادئ الديموقراطية في 25 مايو المقبل عندما ينتهز الشعب الأوكراني فرصة لانتخاب رئيس جديد للبلاد من خلال انتخابات شفافة ونزيهة واستعادة العمل الكامل لمؤسسات الدولة.
للأسف، اليوم يجب علينا أن نوجه الأموال والموارد البشرية الضرورية للغاية ليس إلى تنفيذ الإصلاحات ولكن مواجهة الغازي «الشقيق»، والمساعدة الحقيقية هي ليست بخلق العوائق الاصطناعية المبررة بحجج وهمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ولكنها عبارة عن احترام سيادتنا وتمكيننا من اختيار المستقبل بشكل حر وليس تحت فوهات المدافع والدبابات، أليست الدبابات والمدرعات والمدافع الروسية اليوم هي تلك «التماسيح» التي تأكل بشراهة مستقبل أطفالنا والشعب الأوكراني كله؟
هل تم حسم جميع المشاكل الداخلية في روسيا؟ أليس فيها مشاكل متعلقة بتوفير حقوق الإنسان والتعليمات الحكومية حول محتويات البرامج التلفزيونية وحرية التعبير الحقيقية ومكافحة الفساد وتوفير الحقوق الوطنية واللغوية للأقليات ووضع الظروف المناسبة للتعلم والتكلم باللغة الأم لحوالي مليوني ممثل للمجتمع الأوكراني المحلي؟
أنا على قناعة عميقة أن القارئ الكويتي المعاصر الذي لديه تجربة تاريخية مأساوية خاصة قادر على التقدير العادل والحقيقي للوضع الحالي في أوكرانيا ويمكنه فصل حبوب الحقيقة من عصافة التلاعب والكذب، إننا نرفع أسمى آيات الشكر لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد المحترم وحكومة الكويت وجميع مواطنيها الذين بالاستناد إلى ذكرياتهم الخاصة للمأساة والاحتلال الغاشم الذي قام به نظام صدام حسين دعموا السلامة الإقليمية والسيادة لأوكرانيا العزيزة والحبيبة مثل أغلبية أعضاء المجتمع الدولي وذلك في 27 مارس الماضي أثناء التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويتقدم الشعب الأوكراني بعميق الاحترام وجزيل الامتنان على دعمكم الثمين.
والمجد لأوكرانيا.